إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حزب الله يتصدّى لخرق العدوّ الجوّي: تبديد الرهان على القيد الداخلي

علي حيدر - الاخبار

نسخة للطباعة 2019-11-01

إقرأ ايضاً


شكَّل تصدّي حزب الله الصاروخي لخرق العدو الجوي فوق جنوب لبنان، أمس، ترجمة لما تعهد به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعد اعتداء الضاحية في 25 آب الماضي. وهو ما كانت قيادة العدو ــــ ومعها حلفاء المقاومة وخصومها ــــ تنتظر استشراف آفاق ما إذا كان حزب الله قد قرر السير في هذا المسار الدفاعي عملياتياً، أو سيكتفي بما تم إسقاطه حتى الآن على الحدود مع فلسطين المحتلة. أسلوب التصدي الذي نفذه حزب لله، أي استخدام صاروخ أرض ــــ جو، كان كافياً للدلالة على أن مستوى الهدف من النوع الذي يتطلب استخدام هذا النوع من الأسلحة. ما تقدّم يتلاءم مع ما أقر به جيش العدو، كما نقلت القناة 13 في التلفزيون الإسرائيلي، بأن الطائرة المستهدفة هي من نوع «زيك» (هرمس 450). وبحسب القناة نفسها، تُستخدم هذه الطائرة لجمع المعلومات الاستخبارية، وقادرة على حمل صواريخ لشن هجمات جوية.

تلمَّسَ العدو جدية حزب الله في التصدي لخروقاته الجوية. وإذا كان جيش العدو قد اتخذ إجراءات عملانية احتياطية لحماية طائراته منذ أن أطلق الأمين العام لحزب الله وعده، فإنه بات الآن أكثر إدراكاً لحقيقة أنه أمام واقع عملياتي في سماء لبنان لم يسبق أن شهده منذ عشرات السنوات. على ما تقدم، من السهولة التقدير أن العدو بات على يقين بأنه سيكون لهذه العملية ما يليها، وأن ما جرى ليس إلا محطة في سياق متواصل في مواجهة الخروقات المتواصلة. من هنا، وبالرغم من سقوط طائرات استطلاع إسرائيلية سابقة، إلا أن التصدي الذي نفذه حزب الله، وبلحاظ الزمان والمكان وطبيعة الهدف والأسلوب، لهُ بُعد استثنائي وتأسيسي لمسار جديد ــــ من الناحية العملانية ــــ في مواجهة الخروقات الجوية.

ينطوي تصدي حزب الله الصاروخي للتجسس الجوي للعدو، (وثبت أنه يمكن أن يتحول في أي لحظة الى اعتداء جوي كما حصل في الضاحية، وانطلاقاً من مزايا الطائرة المستهدفة) على أكثر من بُعد إضافي يتصل أيضاً بالسياق والتوقيت. أتت العملية الصاروخية (أرض ــــ جو) بعد الكشف عن مساعي وزارة الخارجية الإسرائيلية مع عواصم القرار الغربي الرامية إلى ربط المساعدات إلى لبنان بنزع سلاح حزب الله النوعي، وبعد إعلان نتنياهو عن هزة أرضية يمرّ بها لبنان. كشفَ عن بعض جوانب الفرصة التي ينطوي عليها هذا التوصيف ــــ الموقف، من منظور تل أبيب، رئيسُ أركان جيش العدو أفيف كوخافي، بالقول إن «حزب الله مشغول بالتظاهرات التي يشهدها لبنان»، بحسب ما نقل عنه المعلق الأمني يوسي ميلمان. وبالاستناد إلى نظرة العدو الى البيئة الداخلية اللبنانية تحديداً وكيفية تأثيرها المحتمل على خيارات حزب الله ــــ وفق الرهانات الإسرائيلية ــــ يمكن التقدير بأن هذه العملية حطّمت أي رهان راوَد القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب، على أن ما يجري في الداخل اللبناني قد يشكل قيداً على حركة حزب الله في المبادرة والرد. أهمية هذا المعطى ودلالته أن العدو بعدما فشل في منع تراكم قدرات حزب الله الصاروخية والعسكرية على المستويين الكمّي والنوعي، يحاول أن يؤثر ويستفيد من التطورات التي قد تترك أثراً على إرادة حزب الله في تفعيل هذه القدرات. لكن هذه العملية شكلت ضربة قاسية للرهانات المتصلة بالظرف الداخلي اللبناني الحالي.

بعبارة أخرى، إذا ما كانت قيادة العدو تراقب لاستكشاف مدى تقييد تعقيدات المشهد السياسي والأمني والاقتصادي الداخلي على أداء حزب الله، فقد أتاه الجواب جليّاً ومفاجئاً. وينبغي التذكير بأن هذا المستوى من الرسائل العملانية ــــ لجهة الزمان والمكان والأسلوب والتوقيت والهدف ــــ يساهم في تعزيز استقرار لبنان، كونها تحدّ من احتمال إقدام العدو على مغامرات بالاستناد الى تقديرات، «ساعده» حزب الله على اكتشاف خطئها ــــ ولو من ناحية النتائج المترتبة ــــ قبل أن يصطدم بالواقع ويتسبب بما قد يورط نفسه ولبنان في مواجهة يسعى الأطراف كافة، ابتداء، الى تجنبها.

*المقاومة لم تدّع يوماً أنها قادرة على منع تحليق طائرات العدو في الأجواء اللبنانية*

وبلغة أكثر مباشرة، بات العدو أكثر إدراكاً بعد هذه العملية بأن حزب الله، وبالرغم من المستجد الداخلي الذي يزداد تعقيداً وخطورة بكل المعايير، متوثب وجاهز للرد على أي اعتداء قد يبادر إليه العدو، وفي مواجهة أي تهديد يحدق بالمقاومة، وهو ما سيحضر بالضرورة على طاولة القرار السياسي والأمني لدى دراسة خياراته بالاستناد الى الظروف السياسية الداخلية في لبنان.

من المؤكد، وبالاستناد الى المحطات التي مرت بها مواجهة حزب الله ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، أن قيادة العدو أدركت لدى سماعها خبر التصدي الصاروخي للخرق الجوي الإسرائيلي، بأن حزب الله، لدى تنفيذه ما توعد به أمينه العام قبل نحو شهرين، مصمّم على مواجهة أي اعتداء قد يبادر إليه متذرعاً بالتصدي لاعتدائه الجوي. وهو ما وضع القيادتين السياسية والأمنية أمام خيارات ضيقة، فاختارت منها تجنب أيّ اعتداء يستدرج رداً مضاداً من قبل حزب الله. أتى هذا القرار بالرغم من إدراك قيادة العدو أن هذه العملية تؤشر بما لا لبس فيه الى مسار متواصل في هذا المجال، وأنها ترجمة عملية لمساعي المقاومة الهادفة الى فرض قواعد اشتباك جديدة في الأجواء اللبنانية. مع ذلك، ينبغي تأكيد أن المقاومة لم تدّع يوماً أنها قادرة على منع تحليق طائرات العدو في الأجواء اللبنانية، وهو حقها وواجبها لو كانت قادرة، كما هي حال معادلات القوة في البر والبحر وفي استهداف العمق الإسرائيلي.

تبقى دلالة أساسية، لا تقل أهمية عن الرسائل المتصلة بمعادلات الصراع مع العدو، وهي أن حزب الله أثبت بالممارسة مرة أخرى، أنه مهما كان عبء الوضع الداخلي ثقيلاً عليه، بعناوينه السياسية والاقتصادية والأمنية، وأيّاً كانت السهام التي تلقَّاها، ولا يزال، تبقى جهوده الأساسية موجّهة نحو حماية البلاد من العدو الإسرائيلي. وأنه في أشد الظروف الداخلية تعقيداً لم ترتبك رؤيته ولا أولويّاته.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024