إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بغداد السلام تعيش بلا سلام

غسان مصطفى الشامي

نسخة للطباعة 2007-02-22

إقرأ ايضاً


تحيا هذه الأيام عاصمة الرشيد دمارً وخراباً وجحيماً ، فقد عاد إليها التتار من جديد لينهبوا خيراتها وثرواتها ويفتكوا بشبابها وعلمائها و يدمروا طاقاتها ، والهدف هو وئد الأمة العربية الإسلامية وتدمير حضارتها السامية وميراثها التاريخي ، ها هي القدس تبكي صلاح وها هي بغداد تبكر عمر ومتى النصر لهذه الأمة .. ؟؟!

قد ألبس المحتل الأمريكي " بغداد " ثياب الذل والهوان وأذاقها الويلات والموت الزؤام ... هذه بغداد قبلة العشق والعاشقين .. وأنشودة الشعراء والملحنين ... هاهي بغداد الجريحة المكلومة تستصرخكم بني العرب أن هبوا لنجدتي ، فقد اغتصبني العجم الغزاة وفضوا بكارتي على مرأى أعينكم ومسمع آذانكم أيها العرب ... يا انتم يا أمتي ويا ربعي ؟؟... أين المعتصم وأين الحسام المهندُ ؟؟...

* بغداد الرشيد ... طالما تغني الشعراء والحالمون في بهائك وجمالكِ ، فكنت جنة الله في الأرضٍ ، ولم يكن لكٍ نظيرٌ في الدنيا في جلال قدرك ، وفخامة أمركِ ، وكثرةِ علمائكِ واعلامكِ ، وعظمِ أقطارك ، ومنازلك ومساجدك وشوارعك تشهد للحق أغنية ، وطيبُ هوائكِ وعذوبة ِ ماؤكِ وبَردُ ظلالكِ ، واعتدال صيفكِ وشتائكِ ، وصحة ربعيكِ وخريفكِ ...

* لم تَعد اليوم " بغداد " جنةُ الله في الأرض ، ولم تَعد قبلة المحبين والعاشقين والمتيمين ، فقد دمر الاحتلال أركانها وأمصارها وشوه صورها وأبهت زينتها ، وقتل أفذاذها وخيرة شبابها واحرق شعلة الثقافة والفكر فيها .. وأحاطها العدو بالخراب والدمار والخطط الأمنية الواهية ، فهو يقتل يوميا الآلاف ويدمر المساجد والمدارس ، وتكتمل المؤامرات ، ليسرق التراث والتاريخ من حضارة الرشيد .. والعرب يتفرجون ولا يملكون سوى إبداء الرأي والمشورة ..

* يقول الأمام الشافعي : ما دخلتُ بلداً قط إلا عددته سفراً إلا بَغداد فإني حين دخلتها عددتها وطناً ، فيما قال يونس الصدفي : قال لي الشافعي : هل رأيت بغداد ؟ قلت : لا ، فقال : ما رأيت الدنيا ، بينما قال ابن مجاهد : رأيت أبو عمرو بن العلاء في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال لي : دعني من هذا ، من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات نُقِلَ من جنة إلى جنة ..

* وذكر ابن جرير الطبري أن أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور كان يبحث عن موضع لبناء مدينته بغداد ـ قد بعث روَّداً يرتادون له موضعاً ينزله وسطاً ، رافقاً بالعامة والجند ، فنعتَ له موضع ، فخرج إليه بنفسه حتى ينظر إليه ، وبات فيه ، وكَرًّر نظره فيه ، فرآه موضعاً طيباً ، فقال لجماعة من أصحابه : ما رأيكم في هذا الموضوع ؟ قالوا : ما رأينا مثله ، هو طيب صالح موافق ، قال : صدقتم ، هو هكذا ، ولكنه لا يَحمل الجند والناس والجماعات ، وإنما أريد موضعا يرتفق الناس به ويوافقهم مع موافقته لي ، ولا تغلوا عليهم في الأسعار ، ولا تشتد فيه المؤونة ، فإني إن قمت في موضع لا يُجلب إليه من البر والبحر شيء غلت الأسعار ، وقلَّت المادة ، واشتدت المؤونة وشق ذلك على الناس ، وقد مررت في طريقي على موضع فيه مجتمعة هذه الخصال ، فأنا نازل فيه وبائت به ، فإن اجتمع لي فيه ما أريد من طيب الليل والموافقة مع احتماله للجند والناس أبنيته وهكذا كان هذا الموضع هو بغداد ..

* في سنة 146هـ تكامل بناء بغداد ـ بناها أبو جعفر المنصور ، وسماها مدينة السلام ـ وقد كان في موضعها قرى وديور لعبَّاد النصارى وغيرهم ، فحينئذٍ أمر المنصور باختطاطها ، ثم سلَّم كل ربع منها لأمير يَقوم على بنائه ، واحضر من كل البلاد فعالاً ، وصناعاً ومهندسين ، فاجتمع عنده ألوف منهم ، ثم كان هو أول من وضع لبنة فيها بيده وقال : بسم الله ، والحمد لله ، والأرض لله يورثها من يَورثها من يَشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، ثم قال : ابنوا على بركة الله ، وأمر ببنائها مدورة ، وجعل لها ثمانية أبواب في السوار البرَّاني ، ومثلها في الجوَّاني ، وليس كل واحد تجاه الآخر ، ولكن أزور عن الذي يليه ، ولهذا سميت بغداد الزوراء ؛ لازورار أبوابها بعضها عن بعض ، وقيل : سميت بذلك لانحراف دجلة عنها ، وبني قصر الإمارة في وسط البلد ليكون الناس منه على حد سواء ، واختطًّ المسجد الجامع إلى جانب القصر ..

إلى الملتقى ،،


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025