متى تهمل الأمم والشعوب تاريخها، تَسقط وتَضيع في متاهات الزمن، فكم من الأمم والشعوب سقطت على مدار أزمنة التاريخ، وكم من الأنظمة والإمبراطورية انهارت وانتهت تحت ركام الزمن وأيامه الدول، فكم من التاريخ السيئ شكل دفعة قوية للأمم والشعوب لأن تعيد صناعة تاريخها السيئ من جديد وتصنع تاريخ يقويها ويدفعها للاستمرار وقيادة الأمم وريادتها، وكم من التاريخ العريق والعظيم تجاهله أبناؤه وأهملوه فأصبحوا هم في ذيل الأمم والشعوب وأصبحوا أذلاء بين الأمم..
***
من التاريخ نستسقي العبر والدروس لكي لا يصيبنا ما أصاب الأمم السابقة من شرور ، وحتى نُقوي دعائم ورَكائز مجتمعنا .. فما يَحدث من تصادم وصِراعات بين الأمم والأقوام يُمثل سنن ربانية يجب علينا أن نعي هذه السنن وان نتعرف عليها، ولا يمكن التعرف على ما يحدث من صراع وبواطن هذا الصراع والتصادم بين الشعوب والدول، إلا من خلال قراءة التاريخ وتفسيره وتحليل وقائعه وحوادثه، والاستفادة منه في حاضرنا ..
والحياة الإنسانية هي في تفاعل مستمر بين ماضيها وحاضرها، والموقف الذي يتخذه الفرد أو المجتمع من ماضيه يرتكز إلى حد بعيد على القوى والمشكلات التي تجابهه في حاضره.
* إن إدراكنا للتاريخ والماضي يفيدنا في حاضرنا ومستقبلنا، بل هو ضرورة حياتية، والكثير من رؤوس الدول يدرسون التاريخ ليساعدهم في إدارة أمور دولتهم، فقراءة تاريخ الدول والشعوب السابقة لها أهمية كبرى في الحكم والسياسة والتعامل مع الناس، ولا يسع المقام هنا للحديث عن تاريخ امتنا الإسلامية العريق، هذا التاريخ الذي شهد له القاصي والداني ، كيف لها فقد كانت الحضارة الإسلامية أعظم حضارات الأرض في فترة العصور الوسطى، ولازالت كُتب ومُؤلفات العلماء المسلمين تُدرس في الجامعات الأوربية، بل أن القاعات العلمية في عدد من الجامعات الأوربية سميت بأسماء علماء مسلمين، ولازال الغرب يحفظ للحضارة الإسلامية دورها في تطور العلوم الإنسانية، واسبانيا خير دليل وشاهد على فضل الحضارة الإسلامية على أوروبا ..
هذا هو تاريخنا العريق .. لماذا لا نعود إليه لنقرأه ونستفيد منه .. أين نحن من هذا التاريخ الخالد .. ؟؟ لماذا نُضّيع هذا التاريخ ونَحكم على امتنا اليوم بالتخلف والتدهور القيمي والأخلاقي ..؟؟ يجب علينا جميعا أن نقرأ التاريخ ونسفيد من تجارب الأمم والشعوب السابقة ، لنسخرها في حاضرنا ولتكون لنا عونا في مستقبلنا ومستقبل امتنا ...
* إن في تاريخنا من الخوالد والمآثر ما هو كفيل بأن يعيد للأمة العربية مجدها وعزتها وكرامتها التي سحقت، فيجب علينا أن نتخذ من هذا التاريخ نقطة للانطلاق والعودة إلى ريادة العالم وقيادته، ولنجعل من تاريخنا العظيم حافزا لنا ينير لنا الطريق نحو النصر والتحرير ويقوينا على إعادة صنع التاريخ..
إن المشكلات التي نعاني منها اليوم ونجابهها هي مشاكل مشابهة حدثت في تاريخنا وقد تغلب عليها السابقون، وحتى نتغلب عليها نحن يتطلب الأمر منا العودة إلى التاريخ، وتجارب الشعوب والأمم السابقة في مواجهة مشاكلها وكيفية التغلب عليها، وهذا لا يتأتى إلا بالجهد والعمل والإيمان القوي بالقدرة على التغيير نحو الأفضل وإعادة المجد لتاريخ هذه الأمة ..
وهنا أوجه دعوة إلى دولنا العربية ورؤوسها وكافة الهيئات العربية، للعمل على الاهتمام بتاريخنا وتنمية الوعي بأهميته، بهدف تربية الجيل وتنشئته على معرفة تاريخه الصحيح، وذلك حتى ننتصر على أعدائنا الذي يريدون لنا أن ننسى تاريخنا، لذلك قاموا بتشويه هذا التاريخ خلال استعمارهم للبلاد العربية، وقاموا بالتحكم بالمناهج الدراسية وتزوير الحقائق وتشويهها ..
إلى الملتقى،،
|