إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الهجوم على خط الحرير: دمشق ـ بكين

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2011-09-26

إقرأ ايضاً


يبدو أن تعبير "خط الحرير" الذي كان سائداً في المرحلة المركنتيلية ومحط أنظار القوى الاستعمارية في تلك المرحلة، عاد بقوة إلى مراكز صنع القرار ومراكز الدراسات التي تعنى برسم السياسات والاستراتيجيات في الولايات المتحدة والغرب.

تاريخياً، في المراحل الماضية، كان الصراع على خط الحرير يدور بين القوى الاستعمارية نفسها. حينذاك تسابقت فرنسا وبريطانيا على زرع الكيان الصهيوني، حيث نجحت بريطانيا بعد تدمير الأسطول الفرنسي في "أبو قير" المصرية ومهدت لإنشاء "إسرائيل"، دون الالتفات إلى القوى المحلية [العثمانية آنذاك] التي كانت تعاني سكرات الموت. في مرحلة ثانية قام "الحلفاء" بتدمير مشروع خط حديد برلين ـ بغداد، لمنع الاندفاع الإلماني نحو الشرق، بعد خسارة تركيا معركة "قناة السويس" والانقلاب على الخلافة بحلول الأتاتوركية ـ الطورانية محلها.

اليوم، ما تسرّب عن اجتماع الرئيس الأميركي "أوباما" مع رئيس الوزراء التركي "أردوغان"، على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في ما سمي "بحث مرحلة ما بعد سقوط النظام" في سورية. يؤكد تطابق الوسائل، واختلاف الأهداف الاستراتيجية. فالتركي الحالم بالعودة إلى الخلافة العثمانية ولو بوكالة أميركية، يعتبر أن النظام آيل للسقوط، وأنها مسألة وقت فقط. أما نظرة الأميركي فمختلفة، ومعلوماته ربما أدق في ما يتعلق بالوضع الداخلي، معتبراً أن النظام لا يزال متماسكاً، والمعارضة لم تستطع إلا إضعافه بنسبة غير كافية لإسقاطه. قد يكون الأميركي يتحدث عما هو مطلوب عمله حالياً نظراً للعجز العسكري الناتج من العجز المالي أميركياً وأوروبياً.

الواقع، إن الولايات المتحدة لا تتعامل مع سورية كقوة محلية كتعاملها مع بقية البلدان العربية الأخرى. فسورية كدولة ونظام لم تركب موجة التبعية الأميركية، والانصياع الى إملاءات الإدارة الأميركية والمؤسسات الدولية التابعة لها. بل سلكت نهجاً استقلالياً مختلفاً.

سورية التي وضعت استراتيجية "البحار الأربعة" [البحر المتوسط، البحر الأسود، بحر قزوين وبحر العرب مروراً بالخليج]، أخافت أميركا. لأن من شأن هذه الاستراتيجية أن تنقل سورية الدولة الكيانية ـ الإقليمية، إلى دولة إقليمية ـ دولية. وتجعل المشروع الاستراتيجي الأميركي تحت رحمتها. متلاقية مع الاستراتيجيتين الصينية والروسية في منتصف الطريق، لإنجاز طريق الحرير بكين ـ دمشق.

المحور الاستراتيجي الأول [طريق الحرير] يمر من دمشق عبر بغداد إلى طهران على بحر قزوين حيث يتلاقى مع الوجود الروسي، والتغلغل الاستثماري الصيني في كل من كازاخستان وتركمانستان على الضفة الأخرى من البحر، حيث تتجاوز الاستثمارات الصينية في البلدين 200 مليار دولار، إضافة إلى القروض الميسرة التي تتجاوز بدورها 120 مليار دولار.

المحور الاستراتيجي الثاني: يمر من دمشق عبر أنقرة إلى يريفان عاصمة أرمينيا حيث يتلاقى مع القدرات الروسية المباشرة في هذا القطاع القاري.

المحور الاستراتيجي الثالث: يمر من دمشق ‘إلى اليمن عبر بلدان الخليج وصولاً إلى بحر العرب بما في ذلك مضيق هرمز بالشراكة مع إيران.

نستطيع أن نضيف تأثير الشام الفعال في المحيط المباشر ضمن الحدود الطبيعية لسورية الطبيعية، في لبنان والأردن والعراق وفلسطين وحتى في كليكيا والإسكندرون الموجودتان تحت الاحتلال التركي.

من خلال ما تقدم، نفهم ما هي القدارت المالية والتسليحية الأميركية المرصودة لمواجهة سورية، وما هو المسار المتبع وعمليات التضليل المعتمدة على المستويات السياسية والإعلامية للوصول إلى منع سورية من إنجاز النقلة النوعية الاستراتيجية.

نجحت أميركا، عبر حكام دول الخليج المؤتمرين بأوامرها، من ضرب المحور الاستراتيجي الثالث الجنوبي، وتعطيل العلاقات المنسوجة مع المستعمرات الأميركية على الضفة الغربية للخليج. كما استطاعت وعبر الحلم العثماني، من تدمير العلاقات التركية ـ السورية وبالتالي تعطيل المحور الاستراتيجي الثاني الممتد إلى يريفان.

أما المحور الأول وهو بيت القصيد، فالعمل جار على قدم وساق من قبل الأميركيين واتباعهم عربان الخليج وأوروبا وتركيا، لتشكيل مروحة ضغط واسعة، بدءاً من العقوبات الاقتصادية مروراً بالعمليات العسكرية والإعلامية المزيفة، وصولاً إلى الحركة السياسية المواكبة في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية، لتحقيق فصل الارتباط مع إيران. وبذلك يجري تدمير محور الجهد السوري الأساس. وتفقد استراتيجية البحار الأربعة فعاليتها ووجودها.

إذن، هذا هو المطلوب أميركياً، قصقصة أجنحة سورية الاستراتيجية، بغض النظر عن النظام، وبغض النظر عن الغلاف المطلبي، وبغض النظر عن القيادة التي تحكم.

يبقى القول، ومهما كانت العلاقات التركية الأميركية، فإن الولايات المتحدة الأميركية تحضّر لإنشاء كيان كردي، يكون ـ كما "إسرائيل" ـ سداً منيعاً في وجه طموحات دول المنطقة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024