إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

من ايامنا الحزبية: يوم تربل.. ويوم الفلاح

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2015-09-04

إقرأ ايضاً


في ندائه الى الامة السورية، اول تموز 1939 توجه سعادة الى القوميين الاجتماعيين بقوله:

" اذكركم بيوم طرطوس ويوم صافيتا ويوم تلكلخ وكواكب فرسانه ويوم تربل ومناوراته ".

الى تلك الايام، هناك ايام اخرى في تاريخنا الحزبي، كيوم عماطور، ويوم بكفيا، ويوم بعقلين ويوم الفلاح الخ...

نأمل ان نتمكن تباعاً من الاضاءة على ايام الحزب تعريفاً للرفقاء الحديثي الانتماء على محطات عديدة من تاريخ حزبهم.

*

يوم تربل:

يقول الامين جبران جريج عن "يوم تربل"(1): " لا بد من ذكر ذلك الاجتماع الضخم الذي أقامته منفذية زحلة في سهول البقاع الرحبة حيث حمل القوميون الاجتماعيون أعلامهم الى الاجتماع سراً ثم راحوا ينشرونها فجأة في المكان المقرر للاجتماع، فتعلم به قوى الامن وتحاول مداهمته، ولكن آنى لها ذلك فقد ناور المسؤولون واختفوا كما ظهروا منكفئين لجهة "تربل" وهذا مما حدا بالزعيم الى تسمية ذلك الاجتماع من ايام الحزب التاريخية.

الا ان افضل من يتحدث عن "يوم تربل"، هو مؤسس العمل الحزبي في البقاع الاوسط الاديب والشاعر الامين يوسف الدبس، وكان يتولى مسؤولية منفذ عام البقاع الاوسط في ذلك الحين. يروي في الصفحتين 80 و 81، في كتابه ""في موكب النهضة " عن المهرجان الحاشد الذي اقامته المنفذية في سهل بلدة تربل، التالي:

" وقف القوميون صفوفاً منتظمة بقيادة ناظر التدريب الرفيق ديب كربجها الذي كان يتمتع بجسم رياضي لافت وصوت جهوري ويرتدي اللباس الرسمي. وابتدأ بالايعاز: " تهيأ، الى الامام سر". فمشت الصفوف بديعة النظام، وارتفعت أكف المواطنين بالتصفيق الحاد فيما رفيقنا ديب يصيح بصوت عال:

" واحد اثنان"، الى ان وصل الصف الاول الى حافة الساقية، أو قبل النهر الصغير، دون ان يسمع أعضاؤه كلمة الى الشمال در، فنزل الصف الاول في الماء وتبعه الاخرون دون ان يلتفت أحد منهم شمالاً أو يميناً، ودون أي تذمر، وتبللت ثيابهم بالماء وهم لا يزالون سائرين، كأنهم يسيرون على العشب الاخضر، ثم صاح ناظر التدريب: مكانك راوح، فوقفوا والماء تتراوح معهم الى الامام والى الوراء. ثم سمعنا كلمة الى اليمين در، فخرج الجميع من الماء بشكل اعتيادي ومشوا كما كانوا، حتى خرج الجميع من الساقية كأن شيئاً لم يحدث، دون أي اعتراض أو تأفف.

عند ذلك اقتربتُ من الرفيق ديب وسألته: " لماذا فعلت هذا"؟ وقف رافعاً يده زاوية قائمة وقال: " كنت يا حضرة المنفذ أمتحن قدرة القوميين على الصبر وفهمهم للنظام، ألم نقسم على السير الى الموت، فكيف لا نسير الى ساقية من الماء ؟".

*

اذ نحكي عن بلدة "تربل" لا بد ان نشير الى ان منها الرفيق الدكتور جورج عاصي الذي كان تولى مسؤولية منفذ عام زحلة، وشقيقه الرفيق ايلي المقيم في مونريـال.

الرفيق د. جورج طبيب جراح معروف في منطقة زحلة.

*

... ويوم الفلاح:

يرد عن "يوم الفلاح" في كتاب الامين مصطفى عبد الساتر " ايام وقضية " وفي كتاب الامين يوسف الدبس المشار اليه انفاً.

في كتابه، يقول الامين مصطفى(2) ما يلي :

خلال سنة 1946 نظم الحزب في لبنان عدة مهرجانات عامة كان أحدها في بعقلين والثاني في ضهور الشوير، والثالث في بعلبك وقد أطلقنا عليه اسم " يوم الفلاح ". كان هذا المهرجان مفاجأة لأهالي بعلبك الذين فوجئوا بهذه القوّة الجديدة تفرض نفسها وتبرز على الساحة بشكل منظّم قويّ.

"عقدنا المهرجان في منتزه راس العين وكان حاشداً. كلّفنا رياض طه بدور العريف وكنت أنا أحد الخطباء الى جانب عدد من المركزيين، أو المسؤولين المحليين من منفذيات البقاع، منهم فايز الصايغ ويوسف الدبس ويوسف حاتم(3).

*

من جهته يصف الامين يوسف الدبس" يوم الفلاح "(4) بقوله:

في صيف 1946 أقام الحزب مهرجاناً كبيراً في راس العين في بعلبك ودُعيت اكثر المنفذيات للاشتراك فيه، وكان رفيقنا يومذاك الصحافي رياض طه احد خطباء الحفلة وعريفها ولم يكن قد اصبح بعد نقيبا للصحافة. بين القياديين الذين حضروا المهرجان عميد الاذاعة يومذاك فايز صايغ، والامين عبد الله محسن.

كلفت رسمياً ان القي قصيدة في المهرجان باسم منفذية البقاع الاوسط. نالت القصيدة اعجاب الحاضرين وقوطعت مراراً بالتصفيق واستعيدت بعض مقاطعها وكان قائم مقام بعلبك في ذلك التاريخ الاستاذ الشاعر صلاح لبابيدي(5) الذي حضر المهرجان وطلب مني استعادة بعض الابيات غير مرة.

وهذه هي القصيدة:

وزوبعــــــــــةٍ تســـــــــير الى الخلودِ يســـــــيّـرها معـــــــــــي خيـــــــر الـــجنـــــودِ

تتيـــه ببعلبـك علــــى هــــــواهـــــــا وتــــختــــال انطــلاقاً فـــــــــي الــــــحــــــدود

فقـــــل يا شعر ما تحتـــاج منها ودع للـنــــــــاس أقــــــــــــوال الحـــســـــــــود

على قوميـــــتي أوقفـــــــت نفسي وفـــــي قــوميـتــــــــي بيــــــــــت الـــقصــــــــيــد

ومــن يرتــــد فـهو أشـــــــــد كــفراً واغرق في الضلال وفــــي الجــحــــود

رفاق المجد والاخــــلاص إنّــــا لــــنــــهزأ بــــالــــــوعيـــــد وبالــــــــوعــــــــــود

ونـــحــتــقر الطـــــغاة ولا نـــــبالـي ونـــسخــــــــر بالـسجــــــون وبالـــــقيــــــــــــود

فـــنــحــــن مــــنارة الدنيــا مضــــاء ونـــــــحن مــفــاخــــــــر الجـيـــــل الــجـديــــد

فـــرنسا آه لـــو علمـــت فرنــــسا بــــأنّــــا مـنــــــبــــــــــت الـــــعـــــــز الــــتــــــلـــيـــــد

مـــلأنا الكــــون تـمـديـنــاً وعــلماً فـــــلا نــــرضــــى بـــــتـــمـــديـــــن العـــبــيــــد

***

زرعـــنــا المــــبدأ الغالــي اســوداً ومــــن لــــبنان تــكويــن الأســـــــــــود

إذا مــا المــــوت أخّــر مبتغانـــــا صرعنا الموت بالبأس الشديــــد

فحسب المرء ان يحيا كريمــــاً وإلا أن يــمـــــــوت مـــــع الشـــــهــيـــد

فـــيـــا أهــــل الــبقـاع إذا ســـئـلـــتــم فـــمــــا القـــومـــي بالــغــفــل البــليــــد

ســــنقلب وجـهــة التاريــــخ حــــقاً ونــمشي مشيــة الليــــــث الفــــريـــــــد

ونـطلب بالـدم المــهراق مـــجداً مـــــزيــداً لــــيــس بعــــده مــن مـزيــــد

هـــو الــفــلاح كــم غذى اناســـــــاً وانــعــــشــــهــم بــمــفـــتـــــــول الـــزنــــود

هو الــفلاح خــير الـــناس طـــراًّ وأقـــربــهــم إلـــى قـــلــبـــي الــوئـــــيـــــد

يــقـــدم نــفـــســـه طــعمـــاً حــــــلالاً لأرض السهــل والوادي السعـيد

بـــقــلــب قُـــــدّ مــــن جــبل أشــــــم ونـفـــس تبــــــذل الغـــالي بـــجـــــــود

***

وقــائــــــدنا مكـــــــان القلــــب مـــنــــا يــــــوزع نــــوره ضــــمــن الــــوريـــــد

ومــوطـنــنا الحبيــب يــذوب شوقـــاً وتحـــناناً إلـــى البطــل الوحـــيــــد

متــى عــاد الزعــيم لــــــــه استقـــرت بنا الايام في أرض الجـــدود

وعــــاد الـــى الــبــــلاد قـــديـــم مـجــــد سنيّ الوجـــه وضــــاحٍ مجـــيــد

مــتــى عــــاد الزعــيــم يـــشـــع نـــــور من الآمــــال والـــرأي السديــــد

يــســـاعــــدنـــا علــــى دفـــع الــــبــلايـا ويعضدنا على طـرد اليـــهود

***

بروحي يــا رجـــال الـــمجـــد انــــتم ويـــا نغماً على وتر الخـلــــود

سـماء المجـــد دنيـــا مــن أغـــــان تـــردد بيـــن أوتــــاري وعــــــودي

أتــيـــنــــــا بــعــلــبــــكَّ بــــكــــل فــــخــــــر وأنــــغــــام مــوحـــــدة الــنـــشــيـــــــــد

سنــصبــح للــــوفا والـحــــق دنـــيـــا نـــعـــززها بأيـــد مــــن حـــديـــــد

ويمسي الموطن الغالي نعيماً لمجد الكلُ يبعث من جديد

***

هوامش:

(1) لا يورد الامينان جريج والدبس تاريخاً محدداً لمهرجان تربل، إلا ان الامين جريج يتحدث عن المهرجان في مجلده الثالث الذي يغطي السنة الحزبية (1936-1937) وبعد ان يكون أورد عن يوم بكفيا الذي جرى في21 شباط 1937. مما يعني ان مهرجان تربل تمّ في العام 1937..

(2) النشاط الحزبي في بعلبك

ولاننا نحكي عن يوم الفلاح في بعلبك، يفيد ان نورد ما يقوله الامين مصطفى عبد الساتر في الصفحات 95-98 من مؤلفه "ايام وقضية"، عن بدايات العمل الحزبي في بعلبك.

"بدأ النشاط الجاد سنة 1944. قبل ذلك، وفي بداية انكشاف أمر الحزب سنة 1936، كان قد قام للحزب وجود في المنطقة على يد المحامي نظمي عزقول والطبيب عبد الله الرفاعي وسواهما. انضم الى الحزب عدد من الشبان، ولكن العمل لم يكن على اساس عميق اذ ان معظم المقبلين على الدعوة كانوا من المندفعين للوحدة السورية التي كانوا يحنّون إليها. كان الانتشار في معظمه أفقياً تراكمياً. لذلك، وبسبب الملاحقات ونتيجة لترك المحامي عزقول المنطقة، تبعثرت صفوف الاعضاء.

في بدء انتمائي للحركة حاولت سنة 1938 إعادة لملمة بعض الصفوف وبعث النشاط وكنت قد أُعطيت من المركز تفويضاً بذلك. ولكن العمل لم يعطِ نتائج تذكر وإن كان قد لقي استجابة من بعض قدامى الاعضاء.

ولعلّ لصغر سنّي آنذاك، أثراً في عدم النجاح. ثم جاءت الحرب فتوّقف كل نشاط الى سنة 1944 حيث كنت اصبحت في نهاية دراستي الجامعية.

لما بدأنا العمل لم يكن قد بقي من الاعضاء القدامى غير القليل القليل. لذلك انصرفنا الى العمل من جديد، وعلى اسس وباعضاء جدد. كانت نواة العمل الجديد من الطلاب ومعلمي المدارس، وبعضهم ممّن كان قد انتمى قبل 1939 خلال دراستهم في بعض مدارس بيروت او على يدي في مدرسة "عاليه". والبعض الآخر من طلاب كسبناهم مجدداً الى صفوفنا. كما اصبح معظم الذين يتخرّجون ليحترفوا التعليم من اعضائنا وانصارنا. كما اقبل على الدعوة نفر من الشبان المتحمّسين من ابناء العائلات الصغيرة في بعلبك. وكان العمل الحزبي في الهرمل قد نشط قبل بعلبك. اكتشفنا في بلدة حدث بعلبك قومياً من زبّوغا – المتن، كان مقيماً فيها، هو ابراهيم المعلوف الذي ساهم الى حدّ بعيد في نشر الدعوة بخاصة في الحدث وجوارها. سلّمنا المسؤولية الاولى في بعلبك الى الرفيق علي الحاج حمّود. ولما اكملتُ الدراسة الجامعية تسلّمت شخصياً هذه المسؤولية.

"بهذا الايمان اندفعنا في عملنا الحزبي دون كلل او ملل، من بيت الى بيت، ومن حي الى حيّ، ومن قرية الى قرية، سيراً على الاقدام، انتقالاً على ظهور الدواب، تسخيراً لسيارات بعض الرفقاء والاصدقاء، لا فرق.

"في الحرّ كما في الصقيع، في الليل وفي النهار. وبذلك استطعنا خلال فترة من الزمن ان نضمّ الى صفوفنا عدداً من الشبّان، اندفعوا بحرارة "الايمان الطازج" يشعلون المنطقة طولاً وعرضاً. لم تكن التلبية سهلة في اوساط الفلاّحين الذين جئنا ندعوهم الى الانتقال من رتابة العيش الذي ألفوه الى ثورة نفسية تغيّر نمط ووجه حياتهم. كنّا نعقد الحلقات الاذاعية لخليط من المواطنين من مستويات فكرية مختلفة. نحدّثهم عن الواقع المرير ونطرح أمامهم المستقبل المشرق ونفهمهم ان تحقيقه مهمة صعبة تتطلب تحمّل المشاق وبذل التضحيات. بعضهم ممّن في نفوسهم نخوة وبذور همّة عالية، كان يتابعنا باهتمام، والبعض الآخر كان كأنما يستمع الى اشخاص، من عالم آخر، يخاطبونه بلغة لم يألفها ولا يفهمها. ومع ذلك فقد كان للتكرار والمثابرة الاثر في زرع بذور صالحة في معظم القرى. ورغم اننا كنا نحاول ان نتحاشى التراكم ونعمل على اختيار النوعية اكثر من الكمية، فقد كانت تحصل في بعض الفروع تراكمات سرعان ما يتساقط الكثير منها. واخذ ابناء المنطقة يستفيقون شيئاً فشيئاً على واقع جديد.

بعد "يوم الفلاح" اخذت الفروع تقوى وتتكاثر، وعدد المقبلين على الدعوة ينمو ويتزايد كما اتخذنا من انتخابات 1947 مناسبة لابراز قوّتنا النامية ولزيادة نشر دعوتنا الى ان وقعت احداث 1949 التي نُفّذت خلالها المؤامرة الكبرى على الحزب.

(3) يوسف حاتم: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى ارشيف تاريخ الحزب على الموقع التالي: www.ssnp.info

(4) الصفحتان 82 – 83 من كتابه "في موكب النهضة" .

(5) كان رفيقا سريا. شقيق الرفيق المناضل زكريا لبابيدي (مراجعة ارشيف تاريخ الحزب). عين لاحقاً مديراً للشرطة في بيروت وبقي في منصبه سنوات طويلة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024