إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

القوة الموعودة

د. نسيب أبو ضرغم - البناء

نسخة للطباعة 2015-11-10

إقرأ ايضاً


يقول سعاده: «إن فيكم قوة لو فعلت لغيرت مجرى التاريخ». فمن الواضح أن هذه القوة التي كانت إلى حين كامنة في النفس السورية، راحت في فترات مضت تعلن عن نفسها، سواء على أرض فلسطين أم في جنوب لبنان أم في الشام والعراق، رغم هذا الركام والدم.

الانتفاضة، في تجلّيها الثالث، أخذت مضامين وأبعاداً جديدة. فهي في هذه المرحلة الزمنية، وبعد خداع أوسلو، والانقسام المبرح للشعب الفلسطيني بين ضفة وقطاع، وبعد حروب ودمار على كامل مساحة فلسطين، تأتي الانتفاضة الثالثة وقد وحدت فلسطين كقضية عبر شباب مبارك خرج على الانقسام والتشتت والجري وراء الوعود والاتفاقات الوهمية. خرج ليعلن وحدة القضية واستمرار المواجهة، دافعه انتماؤه الوطني، وغايته انتصار القضية. الجديد في هذه الانتفاضة الثالثة المباركة، هو ما أبدعته من وسائل للمواجهة، وسائل لا يستطيع اليهودي منعها ومصادرتها، ابتدعت السكين والدهس في مواجهة آلة الحرب اليهودية وفي قمتها السلاح النووي.

العبقرية هي في كيف تنتصر سكين المطبخ على الصاروخ النووي، وكيف يواجه الدهس ترسانات السلاح غير التقليدي اليهودي، ماذا يمكن أن تفعل «إسرائيل» أمام «حركة السكاكين»، وهل بإمكان الـ»ميركافا» أن تواجه حامل السكين؟

صدّقوني، عندما يغرز فلسطيني سكينه في معدة يهودي في تل أبيب أو حيفا أو في أية مدينة فلسطينية محتلة فإن ذلك يفوق بمفاعيله مفاعيل قنبلة ذرية.

هناك جيل فلسطيني يُعَدّ بالملايين من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثلاثين، يمكن لهذا الجيل أن يكون جيل النصر، لأنه لم يعُد لديه شيء يخسره على المستوى الشخصي، في وقت قد خسر الوطن منذ العام 1948.

الجيل الذي خسر كل شيء، ولا ينتظره على الأرض المحتلة إلا واحد بين أمرين: الموت على يد اليهود أو الهجرة من فلسطين.

هذا الجيل، هو المؤهَّل لفتح حرب داخل الكيان المغتصِب، حرب مفتوحة لا تتوقف، وترفض العودة إلى مربع الموت على يد اليهود وإلى مربع الانقسام الموجع والاقتتال الداخلي المميت.

لنتصوّر أن أعداداً بالآلاف من هؤلاء الشباب، يتواجدون في المدن الفلسطينية المحتلة كافة، يحملون سكاكينهم، سكاكينهم فقط، ويتعهّد كل واحد منهم بغرز خنجره في معدة يهودي على مدى مساحة فلسطين، هل يمكن لأحد أن يتصوّر ما هي القناعة التي ستتولّد لدى اليهود بعد ذلك القناعة هي أن لا مستقبل لهم على أرض فلسطين، فما عساها القنابل النووية أن تفعل، مع السكين وحامله؟ وهل هذا السلاح النووي ومعه آلاف الدبابات وأسراب الطائرات وسواها من الأسلحة، يمكنه أن يهدئ روع اليهودي يعد أن تصبح مِعَدهم أهدافاً للسكين الفلسطيني ألم يعمد الجنود «الإسرائيليون» إلى قتل بعضهم ظناً منهم أن الآخر المقتول هو فلسطيني يحمل سكيناً؟ أرأينا مدى الرعب الذي دبّ في نفوس اليهود، في وقت أن حرب السكاكين لازالت في بدايتها؟

العالم بأسره، يقف مدهوشاً أمام جبروت هؤلاء الشباب، إلا معظم حكام العرب، والويل منهم، لأن التجربة التاريخية قد علّمتنا أن اليهودي لم ينتصر علينا مرة إلا بهم وعبرهم. ما هو مطلوب لتنتقل الانتفاضة من مرحلة توحيد الشعب الفلسطيني التي حصلت بالفعل، إلى مرحلة تحرير فلسطين؟

المطلوب، أن يضع محور المقاومة مشروع دعم لهذه الانتفاضة، مشروع دعم بالمال والإعلام والسلاح، لتكون هذه الانتفاضة جزءاً أساسياً من منظومة المحور المقاوم، وبالتالي لتمتلك شروط الاستمرار والتطوير في أساليب المواجهة.

إن مجيء اليهودي إلى فلسطين كان بسبب وهم زرعته الدعاية اليهودية في عقول اليهود، وبالتالي، فإن هجرتهم من فلسطين تبدأ حينما يتفسّخ هذا الوهم ويبدأ بالزوال.

لا شيء يخيف اليهودي إلا الدم. وها هو دمه، قد بدأ يسيل على سكاكين أبطال فلسطين، ومع هذا الدم تبدأ مسيرة زوال الوهم.

إن الموت الذي يبتدع الحياة، هو الموت الذي يعرف أن يحصل وكيف يحصل، الموت الذي يتحقق بإرادة صاحبه، لا بإرادة العدو.

ماذا تبقى لنا، غير الحصار والجوع والموت البطيء… لماذا لا يكون موتنا مصحوباً بدوي يضجّ به العالم، ولماذا لا يكون موتنا منتصراً؟… وحتماً سيكون منتصراً طالما أن مِعَد اليهود هدفاً لسكاكيننا.

يجب ألا يرتاح اليهودي، في متجره ومقهاه وفي السينما وفي المكتب وفي الشارع، وفي أي مكان. يجب أن ينام وهاجس سكاكين أبناء الأرض يوقظه مذعوراً، يجب أن يتحسّس كل يهودي معدته، ولا يكون له وعد في فلسطين إلا السكين والدهس.

ماذا يخسر الفلسطينيون عماليق الأرض، إذا هم نذروا أنفسهم للطعن والدهس، ماذا يخسرون؟ لا شيء يخسرونه، بل يربحون الأرض والبقاء على المدى الطويل.

الجنة اليهودية يجب أن تصبح بنظر هؤلاء جهنّماً فلسطينية. وليس صعباً أن نجعلها جهنماً فلسطينية. فقط، ببضعة آلاف من سكاكينهم كافية لسلبهم الراحة، والأمل في البقاء…

بضعة آلاف، حتى لو استُشهدوا جميعاً، فسيوفرون حتماً الحياة لملايين الفلسطينيين بتحرير الأرض، بضعة آلاف على مدى فلسطين يشعلونها حرب خناجر ومِعَد ممزقة وسيكون الفجر من صنعهم.

أيها الشباب الفلسطيني، سِرّ، فالأمة كلها من خلفك! علّم الفصائل تتوحّد بفلسطين ومن أجل فلسطين. لا تلتفت ولا تتهيّب، لقد ولّدت لديهم الذعر وذعرهم أول أبجدية النصر.

لا شيء تخسره إلا الانكسار والجوع والحصار والموت البطيء، وما ستربحه هو فلسطين..

لتكن انتفاضتك إشارة الحرب المفتوحة التي كان من الواجب أن تندلع في 16 أيار 1948 ولا تنتهي حتى تحرير فلسطين.

سِرّ والأمة من خلفك!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024