إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كتاب "الرابطة" وقصــة تمثــال الدكتور خليـل ســعاده

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2017-07-12

إقرأ ايضاً


المتوجّه الى مشروع دار سعاده، والى منطقة العرزال، لا بد أن يمرّ الى جانب ساحة، في وسطها حديقة وتمثال نصفي. إلا ان كثيرين، وان عرفوا ان هذا التمثال هو للدكتور خليل سعاده، انما لا يعرفون من كان وراء هذا الانجاز.

هذه قصته.

***

يشرح الأديب والروائي الأمين نواف حردان أن تأثره بالدكتور خليل سعاده كان قد بدأ عندما كان الأمين نواف ما زال على مقاعد المدرسة، وكان احد اقربائه في البرازيل يرسل إليه بعض الصحف الصادرة في المهجر، وبينها جريدة "الرابطة" التي كانت تصدرها جمعية "الرابطة الوطنية السورية" في سان باولو ويرأس تحريرها الدكتور خليل سعاده.

وسافر الأمين حردان عام 1953 الى البرازيل، وهناك صدف ان قرأ في عدد قديم من جريدة "الرابطة" كان يحتفظ به قريب له، ان الدكتور خليل سعاده توفي عام 1934 وان "الرابطة الوطنية السورية" أقامت له مأتماً كبيراً جداً، ثم أقامت احتفالاً آخراً بعد مرور اربعين يوماً على وفاته، أعلنت فيه انها ستنشر آثار الدكتور خليل الفكرية والأدبية والسياسية في سلسلة كتب تصدر تباعاً، تخليداً لذكراه وتقديراً لتلك الآثار الكبيرة القيمة.

الا ان الرابطة التي كانت اعلنت ذلك، تراجعت لاحقاً عن تعهدها واخلفت بوعدها الذي قطعته على نفسها.

وراحت الايام تدور، والفكرة راسخة في ذهن الاديب الامين نواف حردان وتصميمه، الى ان امكن له بعد سنوات عديدة ان يستقرّ في "سان باولو" وان يعطي الكثير من اهتمامه للقراءة والمطالعة، ثم للكتابة، فكان ان اصدر عام 1970 كتابه "اضواء وحقائق" الذي يفضح فيه اباطيل اليهود، وفي العام 1972 اصدر روايته التاريخية الرائعة "حفيد النسور"، التي ترجمت لاحقاً الى البرتغالية واصدرتها "دار اديكون".

في هذه الاثناء اتصل الامين نواف حردان باحد اصدقاء الدكتور خليل سعاده القدامى، السيد غطاس خوري(1) الذي كان تولى سابقاً مسؤولية امين صندوق "الرابطة الوطنية السورية". فاهتم بالامر، ونتج عن ذلك تأليف لجنة من هؤلاء الاصدقاء اعضاء الرابطة قديماً تدعى "لجنة طبع آثار الدكتور خليل سعاده" تقوم بطبع آثاره الادبية والفكرية. بدوره راح الامين حردان يبحث عن آثار الدكتور خليل سعاده، الضائعة والمبعثرة هنا وهناك، المخبأة في صناديق عتيقة بين اوراق شبه بالية، إلى أن عثر على مجموعة مجلة "المجلة" التي اصدرها الدكتور خليل في سان باولو في الفترة 1923-1925، وعلى مجموعة "المجلة" التي اصدرها الزعيم فيما بعد في بيروت عام 1933، وعلى عدد من مقالات الدكتور خليل في جريدة "الرابطة" التي تولى تحريرها من العام 1930 حتى وفاته عام 1934.

اثر ذلك طلب الأمين نواف حردان من السيد غطاس خوري ان يجمع من اعضاء "لجنة طبع آثار الدكتور سعاده" بعض التبرعات لنفقات طبع كتاب يضم مقالات للعلامة الدكتور خليل، بعد أن كان اختار مجموعة منها، ثم كتب مقدمة الكتاب باسم "الرابطة" واشرف على تصحيحه واخراجه الى ان صدر.

وفي 30/01/1972 اصدرت "لجنة طبع آثار الدكتور خليل سعاده" كراساً صغيراً تعلن فيه صدور كتاب "الرابطة" وتطلب الى الاصدقاء الذين يرغبون في اقتناء نسخة من الكتاب الاتصال بامين صندوق اللجنة الاول، السيد غطاس خوري، أو بأمين الصندوق الثاني الشاعر فارس بطرس(2).

تلك كانت بداية الاهتمام بآثار الدكتور خليل سعاده، التي تابعها بعد ذلك اكثر من اديب وكاتب، منهم الصحافي الكاتب الرفيق بدر الحاج، الاديب الرفيق جان داية، وغيرهما.

*

اما عن تمثال الدكتور خيل سعاده الذي تمّ انجاز نحته في البرازيل، وشُحن الى لبنان، ثم أقيم الاحتفال بازاحة الستار عنه في 13 ايلول 1981، فقصته يرويها الفنان الرفيق عارف ابو لطيف(3) يقول: " في العام 1969 تعرّفت الى الامين نواف حردان في مدينة غويانيا عاصمة ولاية غوياس في البرازيل، وعندما عرف اني ادرس الفن والنحت، شجّـعني قائلاً ان الفن ارقى درجات الثقافة في التاريخ.

" بعد اشهر على لقائنا الاول، كتب لي طالباً حضوري الى مدينة سان باولو على عنوان تبيّـن لاحقاً انه عنوان مكتب السيد غطاس خوري. لبـّيـتُ الدعوة، وكان الامين نواف ينتظرني ومعه السيد غطاس، الذي كان، واستمر، صديقاً مخلصاً وفياً للدكتور خليل.

" فاجأني الامين نواف بالتوضيح ان سبب الدعوة هي أن أقوم بصنع تمثال للدكتور خليل.

ترددتُ متهيباً المشروع. الا ان الأمين نواف شجعني معيداً على مسمعي ما قاله الزعيم الخالد: "ان فيكم قوة لو فعلت لغيّـرت وجه التاريخ".

قبلت. فزوّدني بصورة واحدة قديمة وغير واضحة للدكتور خليل، ونسخة عن كتاب "الرابطة". عدت الى غويانيا وباشرت اعمال نحت التمثال.

انصرفتُ الى عملي لمدة ستة اشهر، وكنت اثناء ذلك اطالع كتاب "الرابطة" فتأثرت كثيراً بحياة الدكتور العلامة، وبمقالاته.

اتصلتُ بالأمين نواف، بعد أنْ كنت انجزت نحت التمثال، وقبل ان اصبّه بمادة البرونز. فتوجّه الى غويانيا مع السيد غطاس خوري وحلاّ ضيفين كريمين في منزل الاب الرفيق ميشال خوري راعي الكنيسة الارثوذكسية في غويانيا ومؤسس مدرسة مار نقولا(4). في اليوم التالي لوصولهما توجّهنا الى مكان التمثال في "فندوري دي غوياس" واذكر أن السيد غطاس خوري بكى عند رؤيته التمثال واستعاد حنينه الى صديقه الدكتور خليل.

*

هذا وقد نشرت مجلة "بلادي" الصادرة في سان باولو لصاحبها الاستاذ عمر نشابي ريبورتاجاً مصوراً عن هذه الزيارة اشادت فيه "بدور النحات المبدع عارف ابو لطيف وبالاهتمام الذي يقوم به الاب ميشال خوري لجهة التمثال، كما لتأسيسه المدرسة التي تضم في تلك الفترة 300 تلميذاً، ويسعى الاب ميشال لادخال الصفوف الثانوية اليها، ومن المنتظر ان تتحوّل الى كلية جامعة تدرّس العربية الى جانب البرامج البرازيلية، وأيضاً لدوره الوطني في غويانيا بحيث حصل على ثقة جميع مواطنيه على اختلاف مذاهبهم، فهو كاهن المسلمين والدروز والمسيحيين في وقت واحد".

*

في 14 تموز 1973 وصل الفنان الرفيق ابو لطيف الى الوطن حاملاً معه رسائل من اللجنة ومن الأمين نواف حردان وقام باتصالات مع عديدين نذكر منهم: الامين وديع الياس مجاعص، فيليب قيامة، جورج مجاعص، المحامي فؤاد غصن الى ان كان لقاؤه في 21 تموز مع رئيس بلدية ضهور الشوير الدكتور جبرائيل صوايا. ثم جرى البحث عن المكان الافضل لوضع التمثال، وكانت هناك آراء عدة في هذا الصدد الى أن قرّ الرأي بوضعه في مكانه الحالي.

في هذه الاثناء وصل السيد غطاس خوري، فيما كان تمّ شحن التمثال، ووضعه في مركز بلدية الضهور. وتتابعت الاتصالات، الا أنّ اندلاع الاحداث الدامية عام 1975 جعل كل شيء يتأجل، ثم ليتابَع مجدداً كلما كانت الاوضاع الامنية تهدأ، حتى كان يوم 13 ايلول 1981 حينما شهدت ضهور الشوير احتفالاً حاشداً ازاح فيه وزير السياحة الاستاذ مروان حمادة الستار عن تمثال الدكتور خليل سعاده، وتكلم فيه، الى الوزير حمادة كل من: الرفيق سمير ابي ناصيف عريفاً، المحامي الرفيق انطون داغر باسم المجلس الشعبي لمنطقة المتن الشمالي، الامين عصام حريق باسم اهالي ضهور الشوير، يحيى خلف أمين عام اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، أحمد سويد باسم اتحاد الكتاب اللبنانيين، باسم السبع باسم نقابة الصحافة اللبنانية، الأمين مروان فارس باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، والدكتورة صفية سعاده.

هوامش:

(1) غطاس خوري: من بلدة كفرقوق (راشيا)، وأحد أعيان الجالية في سان باولو. كان حتى آخر سني حياته يروي الكثير من أحاديث ونوادر الدكتور خليل التي فيها الكثير من اللهجة المصرية. كان صديقاً للحزب ويحضر مناسباته في البرازيل. اهدى منزله في كفرقوق بعد ترميمه، الى بلديتها.

(2) فارس بطرس: من شعراء المهجر البرازيلي المعروفين، مواليد قرية خربا (السويداء) عام 1906 وله اكثر من ديوان. نشرتُ نبذة غنيّة عنه، للاطلاع مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info)

(3) عارف ابو لطيف: من بلدة عيحا (راشيا). ولد عام 1936 وغادر الى البرازيل عام 1956 واقام في مدينة غويانيا، حيث التحق بكلية الفن التابعة لجامعة غوياس الفدرالية ونال شهادة الفنون، ثم تابع تخصصه في الرسم والنحت. قام ببعض الأعمال الفنية التي نالت استحساناً كبيراً من النقاد، ومن أساتذة الجامعة.

(4) الاب ميشال خوري: من انطاكية، نزح الى حلب، وفيها نشط حزبياً وتولى مسؤولية ناموس المنفذية، ثم غادر الى مدينة غويانيا مستمراً على التزامه حتى وفاته. لم يكن يغيب عن الاجتماعات الحزبية وكل الاحتفالات والنشاطات التي كانت تقام. كان معروفاً بانتمائه الحزبي.





 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024