إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

من حزب الإتحاد الديمقراطي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي

جان دايه

نسخة للطباعة 2004-07-05

إقرأ ايضاً


"كنا أول من أسس الحزب الديمقراطي الوطني و ذلك في بونس ايرس عاصمة الجمهورية الفضية، و أنشأنا له فروعاً عديدة.. و كان من جل ّ أمانينا تأليف حزب على منواله في الوطن يكون له فروع شتى و يأخذ على عهدته هناك ما أخذناه و فريق من الرفاق الأحرار الجريئين على عهدتنا و سعينا إلى هذا الغرض في مقالات علنية و كتب خصوصية. و يسّرنا الآن أن هذه الأمنية تحققت بنهوض فريق من رجال الوطن الى تأسيس حزب ديمقراطي في بيروت تبشر طوالعه بالفلاح". و الجدير أن الأبدان و البلدان أسس "الحزب الديمقراطي الوطني" في العام 1919. 


ما ورد كان مقدمة الخبر الذي نشره الدكتور خليل سعاده في جريدته "الجريدة" البرازيلية بتاريخ 2 شباط 1921.

و في العدد الصادر بتاريخ 16 نيسان من العام نفسه نشر والد سعاده مبادئ الحزب البيروتي، و لم ينسى أن يتوّجها كالعادة بمقدمة قال فيها أن القارئ يدرك "من مطالعه مادته الأولى.. الغرض النبيل الذي يسعى إليه فيما يختص بإستقلال سوريا".


و الواقع، أن المادة الثالثة من دستور الحزب تتمحور على الوحدة السورية و هذا نصها: "إن الإتحاد الديمقراطي يعتقد أن مصلحة البلاد السورية لا تقوم الا بوحدة البلاد و إعتبار سوريا ضمن حدودها الطبيعية وحدة سياسية وإقتصادية غير قابلة التجزؤ". و لما كانت الوحدة الإجتماعية هي الشرط الضروري الرئيسي للوحدة القومية، فقد أكّد عليها الحزب مباشرة و مداورة في أكثر من مبدأ. فينص المبدأ الرابع على "أن الإتحاد الديمقراطي يعتقد أن مصلحة أبناء سوريا أن يحافظوا على لغتهم العربية و يقدموها على سوا ها في تعليم أولادهم و تربيتهم التربية الوطنية بحيث لا يطول الزمان حتى تصبح اللغة و المصلحة المشتركة لا المذاهب الدينية أساساً لجامعتهم القومية".


و نقرأ في المبدأ الخامس أن "الإتحاد الديمقراطي يعتقد أن أفضل العوامل لنزع التعصبات الذميمة تعميم التربية الوطنية و جعل التعليم قومياً إلزامياً منطبقاً على حاجة الأمّة". و في حين توزعت و تتوزع الوظائف على أساس الطوائف في بيروت و عموم لبنان منذ العام 1920 حتى هذه اللحظة من العام 2004،  فإن دستور الحزب يقول في المبدأ السادس أن "الإتحاد الديمقراطي لا يألو جهداً في مسعاه لترشيح و إنتخاب الأكّفاء الوطنيين لتولي الوظائف في البلاد بقطع النظر عن الدين الذي يدينون به". أما المبدأ الحادي عشر فينص على أن "الإتحاد الديمقراطي يعتقد أن خير شكل للحكومة السورية ان تكون وطنية ديمقراطية نيابية قائمة على مبدأ فصل الدين عن السياسة". 


يبقى مبدأان: التاسع الخاص بالإقتصاد و ينّص على "أن الإتحاد الديمقراطي يعتقد أن أفضل المنشطات للمصنوعات و المحاصيل الوطنية السعي لتحسينها و تشويق الوطنيين للإقبال عليها"،  و المبدأ العاشر و هنا نصه: "الاتحاد الديمقراطي يعتقد أن من مصلحة الوطن السوري تعزيز الربط الذي يربطه بأبنائه و تشويقهم الى العودة إليه للإشتراك في تعميره وإنجاحه". 


كان سعاده في السابعة عشرة حين نشر والده الخبر الخاص بولادة حزب الإتحاد الديمقراطي البيروتي و دستور الحزب. ومن المرجح أنه قرأ مبادىء الحزب المنشورة في 16 نيسان 1921 بإعتبار أنه وصل مع أخوته الصغار الى البرازيل في 7 شباط من العام نفسه. و المعروف أنه باشر، فور وصوله الى سان باولو، العمل في "الجريدة" و المطبعة اللتين كان يمتلكهما والده. بل أنه نشر باكورة مقالته الوطنية في "الجريدة" تحت عنوان "آمال الوطن" بتاريخ 4 حزيران 1921 أي بعد أقل من شهرين من قراءته لدستور أول حزب وطني تأسس في بيروت في مرحلة الإنتداب الفرنسي . و تساءل سعاده في سياق المقال: "إن الشعب السوري في الوطن يقاسي الذل و الفقر و الإهانة من الأوصياء الإستعماريين , و هو ينتظر معونة أخوانه في المهجر . أفنبخل عليه بها و نسجل على أنفسنا محبة الذات و الخوف و خيانة الوطن؟ أنرى الوطن يشقى و نحن شاخصون إليه كأننا نحضر تمثيل رواية محزنة في أحد المسارح؟ أهكذا يقضي الواجب الوطني؟ كلا و ألف كلا . إن السوري لا يرضى عن الإهانة بان يسجّل على نفسه خيانة وطنه. بل بالعكس هو غيور على الوطن و محب للوطن". و إستدرك ليقول ما عاد و كرره عشرات المرات حول الفكر العملي: "و لكن الغيرة و الحب لا يكفيان و ليسا بالبرهان على ذلك، بل البرهان هو الأعمال التي يأتيها كل فرد تجاه وطنه". 


لم يكتف سعاده بالتنظير العملي. لذلك أسّس حزبين خلال إغترابه الأول الطوعي في البرازيل بين 1920 و1930 .

ففي العام 1925، أسّس "حزب الأحرار السوريين" بالإشتراك مع الدكتور عبدو جزره و هنري ضو و فيليب لطف الله و رشيد معلوف و راجي ابو جمره و مغترب من آل المر. و بالمناسبة، هل يكون صاحبنا أرثوذكسياً من بتغرين، أم روم كاثوليك من رأس العين كما هو حال الزميلة هدى المرّ ؟ رحم الله ناصيف اليازجي الذي كان يجيب على الأسئلة الصعبة و السهلة أيضاً بكلمتي (الله أعلم). ينص أحد مبادئ هذا الحزب على " توحيد البلاد السورية ضمن حدودها الجغرافية المعروفة" فيما ينص مبدأ آخر على " فصل الدين عن السياسة في الدولة السورية". و قد عثرت في محفوظات الخارجية الفرنسية في باريس على تقرير من السفير الفرنسي في البرازيل (كونتي) مرفوع الى وزير الخارجية الفرنسية، و قد نّوه فيه بسعاده و حزبه و لم ينس أن يقلّل من أهميتهما. 


لم يعمّر الحزب طويلاً. فعاد سعاده ليؤسس "الرابطة الوطنية السورية" في العام 1927. و لكنه لم يستمر فيها لأن همّ معظم أعضائها على حد قوله، و منهم الشاعر القروي، كان الحفلات الخطابية و حب الظهور، أكثر من العمل الصامت الهادف الى تحرير الوطن. فقرّر العودة الى الوطن و تأسيس الحزب الثالث فيه، و تحديداً في دمشق. و بسبب سيطرة حزب الكتلة الوطنية على عاصمة الأمويّين، فقد عاد سعاده من دمشق الى بيروت في أواخر 1931 من أجل تأسيس الحزب العتيد. و كانت في جعبته مسودة مبادئ الحزب و المتّوجة بالعبارة التالية :"إن المبادئ التي تكوّن قضية الحزب السوري القومي الإجتماعي هي ثمانية مبادئ أساسية عامة و خمسة مبادئ إصلاحية". 

و قد لخصّ سعاده للمحقق حسن قبلان المبادئ الأساسية بعبارتين، الأولى:" إعتبار سكان سوريا الطبيعية أمّة تامة، و إعتبار الشعب السوري هيئة إجتماعية واحدة متساوية في الحقوق و الواجبات".


و قال في العبارة الثانية: "نقصد بسورية الطبيعية سوريا الجغرافية التاريخية التي يحدّها من الشمال جبال طوروس، و من الجنوب السويس الى خليج العقبة، و من الغرب البحر الأبيض المتوسط، و من الشرق الصحراء حتى الدجلة ". و لخص سعادة في العبارة الثالثة و الأخيرة أربعة من المبادىء الإصلاحية على النحو التالي:" مبادئنا الإصلاحية هي فصل الدين عن الدولة و القضاء، وإلغاء الإقطاع و تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج ".أما المبدأ الخامس القائل بإيجاد جيش قوي، فقد تجاهله سعاده لأن الكلام عنه يشكل دليلاً ضده، بإعتبار أنه يرمز الى الثورة على الإحتلال. 


كانت مبادىء حزب الأحرار السوريين المؤسس في المهجر عام 1925 شبيهة بمبادئ حزب الإتحاد الديمقراطي إن لجهة المبادئ الأساسية الخاصة بالشأن القومي أو لجهة المبادئ الإصلاحية التي يتناول بعضها فصل الدين عن السياسة. و لم تكن مبادئ الحزبين مصنفة بين أساسية و إصلاحية أو قومية وإجتماعية. و لكن مبادئ " الحزب السوري القومي" ـ أُضيفت كلمة ( الإجتماعي ) في أوائل الأربعينات ـ ظهرت مصنفة و مصاغة بعبارات مكثفة و محددة المصطلحات المتداولة في قاموس علم الاجتماع. و على سبيل المثال، فإن مبدأ ( فصل الدين عن السياسة)، أصبح ( فصل الدين عن الدولة ). و النص الجديد يتناسب مع أهداف المبدأ التي تتخطى السياسة الى القضاء و الوظائف. 


و لنعد الى حزب الإتحاد الديمقراطي لمعرفة الشخصيات التي إشتركت بالتأسيس و إنتخب منها الهيئة الإدارية. 

نشرت جريدة " لسان الحال" في عددها الصادر بتاريخ 6 تشرين الثاني 1920 أن" سبعين وجيهاً و أديباً " إجتمعوا في نزل سنترال لصاحبه نجيب شقير، فتلا رئيس الحزب المؤقت الدكتور حسن الأسير" كلمة أبان فيها الغاية من تأسيس هذا الحزب", و تبعه خليل الخوري كسيب فقرأ قصيدة وطنية من نظم الشاعر شبلي ملاط، ثم جرى إنتخاب الهيئة الإدارية بالإقتراع السري، ففاز الدكتور حسن الأسير، و داود نحول، و بدر دمشقية، و الدكتور اسعد عفيش، و خليل كسيب، و جميل الحسامي، و ميخائيل نعمه طراد، و جميل بدران، و اسكندر البستاني، و عارف كنفاني، و بولس الخولي. 


و في اليوم التالي, إجتمع الفرسان ال 15 و إنتخبوا الدكتور حسن الأسير رئيساً للحزب.  


قبل الإنتقال الى مؤسسي الحزب السوري القومي، لا بأس من إقامة حفلة تعارف سريعة ببعض مؤسسي الإتحاد الديمقراطي.


ـ رئيس الحزب حسن الأسير، طبيب، وأحد أبناء الشيخ يوسف الأسير الذي درّس اللغة العربية في "المدرسة الوطنية" التي أسسها المعلم بطرس البستاني.


 ـ خليل كسيب، أسس في العام 1924 جريدة "الأحرار" مع سعيد صباغة و جبران تويني. ثم إنتخب نقيباً للصحافة في لبنان.


ـ بولس الخولي أكاديمي، درّس في الجامعة الاميركية في بيروت . ألقى العديد من الخطب الوطنية. كان صديقاً لسعاده، و هو والد رجا خولي أحد أوائل الذين لبوّا دعوة سعاده الحزبية، و قد إشترك مع المهندس بهيج المقدسي في رسم شعار الحزب (الزوبعة) و كان أول من إستعمل عبارة " تحيا سورية " في رسائله.


ـ أمين تقي الدين، شاعر، و نائب في البرلمان أيام الفرنسيين، و نقيب سابق للمحامين، و أهم من كل ذلك عم الأديب المبدع سعيد تقي الدين. ـ جرجي نقولا باز كاتب و صحافي. أسّس مجلة "الحسناء" في العام 1909أ وأصدر عشرات الكتيبات ذات المنحى النهضوي. لقب ب" نصير المرأة" بعد أن كرّس معظم جهوده و نتاجه في سبيل حريتها و حقوقها و مساواتها بالرجل.


ـ بدر دمشقية، احد رواد الزواج المختلط حيث تزوج في العشرينات من القرن الماضي بالأديبة و الصحافية جوليا طعمه، وهو والد السفير نديم دمشقية. ترأس بلدية بيروت لفترة طويلة. و ترأس أيضاً "جمعية أصدقاء الشجرة". و شجّع زوجته مادياً و معنوياً على إصدار مجلتها الشهيرة "المرأة الجديدة". 


 أكتفي بذلك لضيق الوقت، كي أختم التعريف بثلاثة: أن جلّ الفرسان كي لا أقول كلهم كانوا ماسونيين. تعاطوا السياسة بعيداً عن الإحتراف، وتميزوا بنظافة الكف و الغيرة على المصلحة العامة. كانوا في العقد الثالث من العمر. و لم يكونوا ثواراً، بل إصلاحيين يتوسلون الكلمة و العمل السياسي.  


 و بالمقابل، كان مؤسسو الحزب السوري القومي من الشبان الذين تراوحت أعمارهم بين الثامنة عشرة و الخامسة و العشرين، بإستثناء سعاده الذي كان في الثامنة و العشرين. و لم يأت ذلك من باب الصدفة. فقد تجنب سعاده أن تتكون مادة الإنطلاق البشرية من عناصر مخضرمة حيث يمتزج فيها الدهاء السياسي بالمشاريع الشخصية. لذلك لم يتجاوز العدد في المرحلة اأاولى الرقم(5) و قد سقط منهم إثنان بسرعة فائقة و صمد الفرسان الثلاثة: جميل عبدو صوايا، فؤاد حداد، وجورج عبد المسيح. ثم إنضّم إليهم رجا خولي الذي نوهنا به سابقاً، وأنيس صوايا و الدكتور محمد روح غندور وفارس سلامة وإيليا ربيز وفكتور اسعد و أنيس قساطلي وسامي قربان وعمر اللبان و نعمه ثابت وبهيج المقدسي، و إبن عمة سعاده وديع الياس الذي تميز بقوته البدنية الخارقة. كان معظم هؤلاء طلاباً في الجامعة الاميركية حيث كان سعاده يدرّس اللغة الألمانية كدروس خصوصية. و كانوا جميعا, إما من الشوير حيث ولد سعاده، أو من رأس بيروت حيث استأجر غرفة في منزل احد الثلاثة الأوائل فؤاد حداد. و لنتوقف لحظة مع الأخير الذي كان يدير مطعم والده المجاور للجامعة، ولم يكن طالباً. و إذا كان اللقاء الأول لسعاده مع أبناء بلدته الشوير أو طلاب الجامعة حيث كان يعطي الدروس الخصوصية، شكّل الخطوة الأولى لإنتماء هؤلاء، فقد تمّ اللقاء بين سعاده وفؤاد بصورة مختلفة. حين كُشف أمر الحزب في 16 تشرين الثاني 1935، صودرت من مركزه ومن بيوت معظم كوادره بعض الأوراق و البيانات و منها دفتر يوميات فؤاد حداد حيث يقول في إحدى صفحاته، أنه عندما كان قادما من مرسيليا الى بلاده سوريا "حلم حلما جميلاً " فقد رأى في حلمه شاباً غريبا ملتحياً ذا وقار، و قائداً منقذاً للسوري المُهان و والمستعبَد الذي " لا راية له يستظل بها ". و ذات يوم، دخل شاب المطعم "ومن أول نظرة عرفته جيدا. إنه الرجل الذي شاهدته في المنام. كان معه شاب اعرفه، فقدّمني إليه. و بعد شهر على معرفتنا كاشفني بهذه الحالة التي وصلنا إليها من إهانات و إنقسامات و نعرة دينية، مما يؤدي بنا الى الإضمحلال فالموت. لقد أقسمنا منذ ذلك الوقت أن نجمع بعض الشباب الراقي و نقوم بحزب شريف غايته توحيد سورية الطبيعية و لّم شمل أبنائها المغتربين". 


 و بالمناسبة, فاني لا أستبعد أن يكون سعاده قد رد مداورة على حلم الرفيق الطيب بالتأكيد له أن زعيم النهضة ليس إلهاً، وأن نهضته مبنية على العقل الذي هو الشرع الأعلى في هذه الحياة، و أن المبادئ التي وضعها هي قواعد انطلاق، وأن تصويب أو تعديل ما ورد في أدبياته، ليس حقاً وحسب، بل واجباً؛ ولكن لا يجوز أن يتمّ ذلك من باب إتباع موضة التغيير، بل على ضوء العقل والعلم وحيث يقتضي التغيير أو التعديل. وإذا كان لا بدّ من رفع يافطة تتضمن خلاصة لكل ذلك، فلتكتب عليها الكلمات الأربع التالية: لا تأليه ولا تسفيه.... 


و بعد.. أسمع بالإذن الثالثة مديرة الندوة وهي تردد كلمة (نعم) أسوةً بمذيعات الفضائيات، أي أن الوقت أوشك على الإنتهاء، و في بعض الأحيان ينتهي الوقت قبل أن يبدأ! إذاً فلأختم بالملاحظات الثلاث التالية: 


أولاًً: إن حزب سعاده ليس حلقة مستقلة، بل حلقة في سلسلة تضّم مئات الحلقات حيث منها لجنة الإصلاح (الأمير عبد القادر الجزائري وأديب إسحق) 1875 وسورية الفتاة (جميل المعلوف و شبل دموس) 1899 والحلقات الذهبية(جبران) 1910 ولجنة تحرير سورية (الريحاني ونعيمه وجبران)1915،  الجامعة السورية(الدكتور خليل سعاده 1916 والحزب الديمقراطي الوطني(خليل سعاده) 1919. وإذا كان سعاده نفسه إستمراراً للردود الذين سبقوه وتخطياً لهم في آن، فإن حزبه أيضاً إستمرار للأحزاب السابقة وتخط لها في الوقت نفسه. 


ثانيا: لم يعمر حزب الإتحاد الديمقراطي أكثر من ثلاث سنوات رغم أنه كان يعمل علناً و بموجب رخصة رسمية من الدولة المنتدبة و لم يعرف سبب إنفراط عقده. و كان يمكن أن لا يتخطى عمر الحزب السوري القومي السنوات الثلاث لو إضطربت أعصاب زعيمه في أول إمتحان تعرض له بعد إنكشاف سريته. ففي الوقت الذي إتهم فيه رئيس المحكمة الفرنسية سعاده بالتآمر على سورية، خلال المحاكمة الأولى التي جرت في أواخر كانون الثاني 1936، ردّ سعاده متهماً فرنسا بالتآمر على بلاده في سان ريمو و لوزان و سيفر، من غير أن يرّف له جفن. 


وفي تلك اللحظة وُلد سعاده القائد التاريخي، ووُلد حزبه. و ليس صدفة أن أديبات مؤرخي الحزب القومي تجمع على أنه تأسس في 16 تشرين الثاني. ذلك أن الحزب الذي انكشف في هذا التاريخ وكان يعمل بدون رخصة، قد نال رخصة شعبية بفضل صلابة زعيمه وبعض مسؤوليه وأعضائه. و الحقيقة الروزمانية أن عملية التأسيس قد بدأت قبل ذلك بأشهر، تماماً كما كان حال حزب الإتحاد الديمقراطي الذي تأسس في أواخر 1920. 


ثالثا: ضمّ الحزبان منذ نشأتهما أعضاء من كل الطوائف المحمدية رغم مناداتهم بفصل الدين عن الدولة. فالإتحاد الديمقراطي كان يرأسه مسلم سني و يضّم في هيئته الإدارية وصفوفه بدر دمشقية وشريف عسيران وعارف الكنفاني وجميل الحسامي ومحمد علي بيّهم وغيرهم. أما الحزب القومي، فيلزم أسبوع لإيراد أسماء الأعضاء و المسؤولين المحمديين فيه، لذلك أكتفي بذكر دزينة: الأمير أسعد الأيوبي، مأمون أياس، محمد البعلبكي، مصطفى عبد الساتر، محمد يوسف حمود، مصطفى أرشيد، يوسف مروه، أديب قدوره، حسن مرتضى، محمد علي الشمّاع، زكي النقاش، والشهيد سعيد العاصي.




 * مداخلة ألقيت في نادي خريجين الجامعة الأميركية في بيروت  في 18-5-2004




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024