إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مستجدات الحرب الباردة بين أنقرة وتل أبيب

الجمل

نسخة للطباعة 2009-02-17

إقرأ ايضاً


الجمل: شهدت العلاقات التركية – الإسرائيلية توتراً غير مسبوق على خط دبلوماسية أنقرة – تل أبيب، وبرغم التسريبات حول مساعي التهدئة فقد اتسع نطاق التوترات بما أدى إلى انتقال العدوى إلى خط المؤسسة العسكرية التركية – المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

* ماذا تقول الوقائع والمعلومات؟

استدعت السلطات التركية السفير الإسرائيلي غابي ليفي يوم أول من أمس السبت لمناقشته في تصريحات قائد القوات البرية الإسرائيلية الجنرال عافي ميزراحي والتي اتهم فيها تركيا بأنها تمارس الاضطهاد ضد الأكراد وتحتل شمال قبرص وارتكاب المذبحة الأرمنية.

تصريحات الجنرال ميزراحي جاءت على خلفية تزايد توتر خط أنقرة – تل أبيب بعد الانسحاب الغاضب لرئيس الوزراء التركي من منتدى دافوس وانتقاداته لتوجهات السياسية الإسرائيلية.

تفاعلت تداعيات تصريحات ميزراحي بشكل تجاوز نطاق صلاحيات الخارجية التركية منتقلاً إلى المؤسسة العسكرية التركية وتقول المعلومات والتسريبات التركية أن هيئة الأركان العامة للجيش التركي أصدرت بياناً أكدت فيه الآتي:

• إن تصريح الجنرال ميزراحي يستند على تزوير الحقائق.

• إن تصريح الجنرال ميزراحي هو عمل عدواني مؤسف وغير مقبول.

• إن تصريح الجنرال ميزراحي تشكل فعلاً خطيراً من الممكن أن يترتب عليه الإضرار بالمصالح العسكرية الإسرائيلية – التركية.

إضافة لذلك، كما أفادت التسريبات والتقارير فقد طالبت هيئة الأركان العامة التركية بمطالبة هيئة الأركان الإسرائيلية بتقديم التفسير وتوضيح موقفها رسمياً إزاء تصريحات الجنرال ميزراحي المعادية لتركيا.

* المؤسسة العسكرية التركية: لماذا الدخول على خط المواجهة؟

بسبب خصوصية طبيعة توازن القوى التركي الداخلي، فقد ظلت المؤسسة العسكرية التركية لا تبدي أي تحرك إزاء الخلافات والتوترات على خط أنقرة – تل أبيب، ويفسر المحللون ذلك بالاتي:

• استطاع محور واشنطن – تل أبيب خلال الأعوام الماضية تعزيز علاقاته مع جنرالات المؤسسة العسكرية التركية الكبار.

• توجد حرب باردة بين المؤسسة العسكرية وحكومة حزب العدالة والتنمية وبالتالي فإن محور واشنطن – تل أبيب سيكون السند والدعم لانقلاب الجيش التركي القادم المحتمل.

• يدرك قادة المؤسسة العسكرية في تركيا أن الجيش التركي لا يستطيع الاستغناء عن إمدادات السلاح الأمريكية والإسرائيلية.

• يفهم قادة المؤسسة العسكرية أن تركيا مطالبة بضرورة تعزيز قوتها العسكرية في مواجهة القوى العسكرية الإقليمية الصاعدة وعلى وجه الخصوص إيران.

• سيدرك قادة المؤسسة العسكرية أن تعزيز العلاقات مع محور تل أبيب – واشنطن هو الوسيلة الأكثر فعالية في ردع الخطر اليوناني وتعزيز جهود السيطرة على قبرص إضافة إلى درء خطر الحركات الانفصالية الكردية.

لم يكن متوقعاً أن يصدر رد فعل المؤسسة العسكرية التركية في هذا الوقت وبهذه الطريقة إضافة إلى أنه لم يأت على شكل تصريح لأحد الجنرالات أو القادة العسكريين الأتراك على غرار المعاملة بالمثل والرد على تصريحات الجنرال ميزراحي، وإنما جاء الرد بواسطة هيئة الأركان العامة التركية وهو أمر يحمل أكثر من دلالة للعديد من الأسباب:

• إن هيئة أركان الجيش الإسرائيلي لم تتبنى رسمياً تصريحات الجنرال ميزراحي.

• إن هيئة أركان الجيش التركي ترتبط بالعديد من الاتفاقيات والروابط بهيئة الأركان الإسرائيلية.

وبرغم ذلك، اختارت هيئة الأركان العامة التركية نقل ملف التصريحات من الإطار الفردي إلى الإطار المؤسسي العسكري.

* خلفيات الروابط العسكرية التركية – الإسرائيلية:

تتضمن علاقات خط أنقرة – تل أبيب العديد من الاتفاقيات الهامة ومن أبرزها الاتفاقيات العسكرية – الأمنية التي ما زال الكثير منها يحمل طابعاً سرياً، ويعتبر من المحرمات والممنوع مطلقاً المساس بها أو التعرض لها بشكل علني، لا بواسطة الإعلام ولا بواسطة السياسيين الأتراك، ومن أبرز النقاط التي يمكن التعرض لها في هذا الخصوص نشير إلى الآتي:

• البعد الهيكلي العسكري التركي – الإسرائيلي: يتضمن العديد من المشاركات بين شركات المجمع الصناعي – العسكري الإسرائيلي وشركات المجمع الصناعي – العسكري التركي وتحديداً في مجالات إنتاج الصواريخ والردع والأسلحة الأخرى.

• البعد القيمي – الإدراكي العسكري التركي – الإسرائيلي: ويتضمن تعريف العدو المشترك على أساس قواعد الاشتباك التي تحدد الإرهاب والخطر الشيوعي والحركات الانفصالية باعتبارها تمثل مصادر الخطر الذي يهدد أمن تركيا وإسرائيل، كما يقر الطرفان بحماية المصالح الأمريكية الرئيسية التي ستوجب على الجيشين التركي الإسرائيلي حمايتها.

• البعد التفاعلي – السلوكي: نفذت المؤسسة العسكرية – الأمنية التركية والمؤسسة العسكرية – الأمنية الإسرائيلية العديد من العمليات المشتركة السرية وعلى وجه الخصوص:

- عمليات ضد العراق خلال فترة حكم الرئيس صدام حسين.

- عمليات ضد البلدان العربية وتحديداً التي تقع في دائرة المواجهة المباشرة مع إسرائيل.

إضافة لذلك، فإن كل الأبعاد تتضمن تبادل المنافع بين الطرفين التركي والإسرائيلي، ضمن المعادلة الآتية:

• أن تفسح تركيا مجالها الجوي والبري والبحري لأنشطة إسرائيل العسكرية.

• أن تقوم إسرائيل بدعم حصول تركيا على المزيد من الإمدادات والعتاد العسكري.

* الحرب الباردة على خط أنقرة – تل أبيب:

تقول بعض التحليلات بأن الأجهزة الإسرائيلية استطاعت النجاح خلال الأعوام الماضية التغلغل بشكل مكثف داخل المؤسسة العسكرية – الأمنية التركية بما أدى إلى تكوين ظاهرة اللوبي الإسرائيلي السري داخل تركيا. وتضيف بعض التسريبات إلى أن هذا اللوبي ظل يقوم بدور اليد الإسرائيلية الخفية داخل تركيا.

تأسيساً على المعلومات والتسريبات فإن المعركة الدائرة داخل الساحة السياسية التركية بين حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي ومنظمة أرغيناكون السرية هي بالأساس معركة بين الحزب وجهاز اللوبي الإسرائيلي التركي. وتقول المعلومات أنه توجد علاقة بين وثيقة منظمة أرغيناكون وجهاز الموساد، ومن أبرز المؤشرات على ذلك:

• كشفت التحقيقات التركية قيام بعض عناصر المنظمة بزيارات دورية متكررة إلى إسرائيل ورغم أن سفر الأتراك إلى إسرائيل غير محظور فقد لاحظ المحققون الأتراك بأن عناصر منظمة أرغيناكون كانو أكثر تشدداً في عدم الاعتراف بأنهم زاروا إسرائيل إضافة إلى أن بعضهم قد ثبت للمحققين بأنه زار إسرائيل بأوراق مزورة متعمداً إخفاء المعلومات والحقائق.

• كشفت التحقيقات التركية بأن الكثير من الإسرائيليين وبعض عناصر اللوبيات الإسرائيلية القادمين إلى تركيا من أمريكا وأوروبا كانوا يعقدون اللقاءات والمقابلات مع عناصر منظمة أرغيناكون.

وعلى هذه الخلفية، كما تشير المعلومات والتحليلات فإن إصدار تل أبيب طوال الفترة الماضية على ضرورة استمرار علاقاتها مع تركيا كان سببه الأساس معرفة تل أبيب المسبقة بأن حلفاءها داخل تركيا يعملون من أجل الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية وبالتالي من الضروري أن تسعى تل أبيب إلى ضبط النفس، وتحمل انتقادات حزب العدالة والتنمية وحكومته طالما أن رد الفعل الإسرائيلي العنيف سيدفع زعماء حزب العدالة والتنمية إلى الانتباه إلى مخاطر حلفاء إسرائيل الأتراك.

نجحت السلطات التركية في الإيقاع بشبكة أرغيناكون والإمساك بكافة مفاصلها التنظيمية وعناصرها الرئيسية وذلك على النحو الذي أدى لخسارة تل أبيب ومخابرات حلف الناتو ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية ليس لشبكتها الرئيسية داخل تركيا وإنما لواحدة من أهم شبكاتها الناشطة في منطقة الشرقين الأوسط والأدنى.

* لماذا تسعى تل أبيب للتمسك بأنقرة: حسابات الفرص والمخاطر:

من الواضح أن تدهور العلاقات التركية – الإسرائيلية سيترتب عليه المزيد من التداعيات على حسابات الفرص والمخاطر بالنسبة لكلا الطرفين وعلى سبيل المثال فإن أنقرة ستواجه مخاطر انقطاع التعاون العسكري – الأمني مع إسرائيل ولكن بالنسبة لتل أبيب فإن مواجهاتها لمخاطر انقطاع التعاون العسكري – الأمني مع تركيا سوف لن يترتب عليه خسائر كبيرة كما هو الحال مع تركيا.

إضافة لذلك، فإن واشنطن سيصعب عليها الانحياز المطلق إلى جانب إسرائيل في حالة وصول علاقات خط أنقرة – تل أبيب إلى مستوى القطيعة الشاملة، لأن كل مخططات واشنطن في منطقة آسيا الوسطى ومناطق القوقاز وبحر قزوين والشرق الأوسط والأدنى تقوم بالأساس على معطيات العامل التركي الداعم للجهود الأمريكية وتحركاتها العسكرية – الأمنية المعلنة وغير المعلنة، وبالتالي فإن تل أبيب ستواجه المزيد من الضغوط بواسطة واشنطن لضبط النفس وعدم المغامرة بالعلاقات مع تركيا، طالما أن ذلك سيلحق الضرر بالمصالح الأمريكية في العديد من المناطق الاستراتيجية الهامة.

تداعيات الخسائر الإسرائيلية لن تقتصر على المجال السياسي والدبلوماسي فقط، وإنما كذلك ستمتد إلى شركات المجمع الصناعي – العسكري الإسرائيلي المرتبط بالمجمع العسكري الصناعي – الأمريكي وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن تل أبيب ستواجه الخسائر الآتية:

• مبيعات السلاح الإسرائيلية لتركيا.

• شحنات السلاح الإسرائيلية لتركيا التي تقبض الشركات الإسرائيلية ثمنها من واشنطن.

• المشروعات الصناعية العسكرية في كافة مجالات السلاح والعتاد العسكري.

إضافة لذلك، فإن تل أبيب ستتعرض لخسائر استراتيجية يمكن على سبيل المثال لا الحصر الإشارة إلى أبرزها على النحو الآتي:

• القضاء التام على مشروع إسرائيل لتمديد خطوط نفط وغاز آسيا الوسطى من الموانئ التركية إلى الموانئ الإسرائيلية.

• القضاء التام على مشروع إسرائيل بالحصول على إمدادات المياه التركية.

• القضاء التام على مشروع إسرائيل بالسيطرة على مناطق جنوب تركيا المتاخمة لسوريا وشمال العراق وتحديداً بناء المشروعات الزراعية الإسرائيلية في هذه المناطق بما يتيح لإسرائيل السيطرة على منابع المياه وتهديد سوريا وشمال العراق وشمال غرب إيران.

• تقويض مشروع إسرائيل الهادف لاستخدام تركيا كقاعدة انطلاق لإدماج الأمن الإسرائيلي ضمن منظومة الأمن القوقازي.

• تهديد مساعي إسرائيل لاستغلال وتوظيف قدرات حلف الناتو طالما أن القرارات في حلف الناتو يتم اتخاذها بالإجماع فإن القطيعة مع أنقرة ستؤدي إلى عدم الإجماع داخل الناتو إزاء دعم إسرائيل طالما أن أنقرة ستعترض داخل مجلس الناتو على قيام الحلف بدعم إسرائيل.

• تهديد علاقات إسرائيل مع أذربيجان طالما أن أذربيجان لن تستطيع مهما أوتيت من قوة من تخطي النفوذ التركي الجيوبوليتيكي على منطقة بحر قزوين.

حتى الآن، من الصعب القول بشكل قاطع أن علاقات خط أنقرة – تل أبيب قد وصلت إلى مرحلة القطيعة ولكن موقف المؤسسة العسكرية التركية الأخير يمكن اعتباره خطوة جديدة هامة في اتجاه المزيد من التدهور فهل ستعتذر هيئة أركان الجيش الإسرائيلي لنظيرتها التركية عن تصرف الجنرال ميزراحي أم أن رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكينازي سيكون له رأي آخر؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024