إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"المعلم سوري مو تركي"

رمزي عبد الخالق - البناء

نسخة للطباعة 2011-09-10

إقرأ ايضاً


ماذا يبقى غداً من الموقف التركي إذا قررت "إسرائيل" أن "تعتذر" عن المجزرة التي ارتكبتها في العام الماضي بحق طاقم سفينة "مرمرة" التركية، التي كانت في عداد "أسطول الحرية" المتوجه الى نجدة أهلنا المحاصرين في قطاع غزة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد أولاً من الإشارة إلى أن أنقرة لم تقطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل"، إنما فقط قررت تخفيض التمثيل الدبلوماسي وطرد السفير "الإسرائيلي" لديها غابي ليفي، (المنتهية مدة انتدابه).

ولأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أدرك أن خطوة طرد السفير "الإسرائيلي" أتت هزيلة، ولم يكن لها المفعول المبتغى منها، حاول استلحاقها بإعلان تعليق العلاقات التجارية والعلاقات العسكرية في مجال الصناعات الدفاعية، لكنه لم يصمد كثيراً على هذا الموقف، حيث تراجع عنه في اليوم نفسه، وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الاسباني خوسيه زاباتيرو "إن الإجراء الذي تحدث عنه لا يشمل سوى التبادل العسكري".

الآن، عودة إلى السؤال: ماذا يبقى من كل هذا إذا قررت "إسرائيل" الاعتذار من تركيا؟

طبعاً لا يبقى منه أي شيء، أما الذي يبقى فهو "الضحك على الدقون"، لأن تركيا افتعلت ضجيج طرد السفير "الإسرائيلي"، لكي تمرر تحت فرقعته، موافقتها على نشر نظام الرادار للإنذار المبكر المرتبط بمنظومة الدفاع الصاروخي التابعة لحلف شمالي الأطلسي، وهو ما يعد خرقاً للخطوط الحمر الروسية والإيرانية (والعربية!) لما له من أبعاد استراتيجية في صراع النفوذ في المنطقة.

وقد ظهرت هذه الأبعاد واضحة تماماً من خلال إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) "ان نظام الرادار الأطلسي في تركيا سيبدأ بالعمل مع حلول نهاية العام الجاري، وسيكون مرتبطاً بسفن الدفاع الصاروخي الأميركية العاملة في البحر الأبيض المتوسط".

بالتأكيد، الولايات المتحدة في عجلة من أمرها، وتريد لهذه الخطوة أن تتمّ بالتزامن مع حلول موعد انسحاب جيشها المحتل من الرمال العراقية المتحركة.

هنا بالضبط مربط الفرس، وبهدف إضفاء المزيد من التشويق و"الجدية" على خطوة طرد السفير "الإسرائيلي" من أنقرة، سارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى الإعراب عن القلق من الوضع الحالي للعلاقة بين حليفيها الأساسيّين في المنطقة، وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند: "أن واشنطن تعمل لدى الطرفين لتسهيل وقف التدهور وتجنب المواجهات في المستقبل".

أما بعض العرب، أي جماعة "الاعتلال العربي"، فهم عن سابق تصور وتصميم، وبعيون مفتوحة، يريدون الاستمرار في الغرق بشبر من المياه، فسارعوا إلى التهليل والترحيب بالخطوة التركية "الجبارة"، ليس لأن الموضوع موجه إلى عدو العرب التاريخي، (هل لا يزال العدو عدواً بالنسبة إلى هؤلاء؟) بل لأنهم يعتقدون أن رفع تركيا راية فلسطين من شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدام "عدوهم" الإيراني، الذي لا ينفك يحرجهم ويقض مضاجعهم بدعمه المطلق لخيار تحرير فلسطين ولقوى المقاومة والممانعة في المنطقة.

لكن "الشمس طالعة والناس قاشعة" كما يقول المثل، فمنذ 32 عاماً أزالت إيران علم "إسرائيل" من الوجود على أراضيها، ورفعت مكانه علم فلسطين، وهي لمّا تزل ترفعه وتدافع عنه، رغم كل ما دفعته وتدفعه من أثمان وحصار وعقوبات.

أما تركيا، المعجَبة بسياسة دولة قطر (لاحظوا هنا الإصرار على كلمة دولة، على طريقة أبو نوّاس: "... وقل لي هي الخمر")، فلا تتذكر علم فلسطين إلا حين تكون بحاجة إلى بعض البهرجة الإعلامية، (وهنا أيضاً إعجاب تركي بتجربة الإعلام القطري)، بدليل ما سبق ذكره حول انخراط تركيا الكامل في المشروع الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي له في منطقتنا عنوانان واضحان جداً ومعلنان على الملأ: الأول هو أمن "إسرائيل"، والثاني هو السيطرة على الخيرات والثروات الطبيعية الهائلة التي تختزنها أرض هذه المنطقة.

أما الدليل الأكثر بروزاً على أطلسية تركيا، فهو الدور الذي تقوم به كرأس حربة في استهداف سورية، التي تمثل ما تمثل في قيادة المشروع المقاوم والممانع الذي حقق في السنوات القليلة الماضية الكثير من النجاحات السياسية والانتصارات العسكرية، في مواجهة المشروع الأميركي ـ الغربي ـ الصهيوني.

ولو لم تكن تركيا "غاطسة" حتى أذنيها في المؤامرة التي تستهدف سورية، لكان يمكن القول أن خطوة طرد السفير "الإسرائيلي" من أنقرة تمثل "ضربة معلم" بالنسبة للدبلوماسية التركية، لكن المصادفة أن وزير خارجية تركيا اسمه أحمد داوود أوغلو، فيما المعلم الحقيقي مرابط في دمشق.

ومن هنا يمكن القول أن مَن يرد فعلاً وصدقاً رفع راية فلسطين، لا ينخرط في المشروع الذي غايته تصفية مسألة فلسطين، بل يكون إلى جانب الذين يقاومون ويناضلون لإزالة "إسرائيل" من الوجود.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024