فنزاع الحياة والموت هو بين الأمة السورية واليهود فاما أن تنتصر الأمة السورية واما أن ينتصر اليهود . ( الدول السورية تستفيق- الجيل الجديد،بيروت،العدد 12 ، 21-4-1949 ).
من قراءتي للزعيم وأنا أعمل في هذا البحث المتواضع حول المسألة اليهودية ، وأتلمس تفكيره الاستراتيجي – العملي ، ورهانه على الأجيال التي لم تولد بعد ، وعندما قارنت قراءاتي ولمرات عدة للمواضيع قبل العمل بها ، مقارنتي مع الثقافة السائدة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ، منذ فترة وعيي وانتمائي الى صفوفه في السبعينات ، استنتجت اليوم أنّ الأمية العقائدية هي السائدة بين غالبية القوميين الاجتماعيين ،
هذه الحالة هي ما عبّر عنه الزعيم في المحاضرة الأولى من المحاضرات العشر اذ قال :
... أني أرى أن انتشار الحركة القومية الاجتماعية، في السنوات الأخيرة، كان مجرد انتشار أفقي، سطحي، يعرضها بقاؤها عليه للميعان و التفسخ والتفكك.
... لم يكن الأمر يقف عند هذا الحد. فإن استغرابي بلغ حداً عالياً عندما وجدت أن أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي يدعون أنفسهم قوميين اجتماعيين، لأنهم مسجلون رسمياً في الحزب، يتقولون في قضايا الحزب والعقيدة والحركة كما لو كانوا جماعة غرباء عن الحركة القومية الاجتماعية بالكلية. النظامية الفكرية والروحية والمناقبية التي كانت العامل الأساسي الأول في نشوء النهضة القومية الاجتماعية وتولد هذه الحركة العظيمة الآخذة في تغيير نفسية هذه الأمة ومصيرها، كادت تنعدم في دوائر الحزب العليا بعامل الإهمال، وأصبحت الحركة مهددة بالميعان العقدي والنظامي.
هذه هي حالنا اليوم أقولها بصوت عال مستصرخا وعي القوميين الاجتماعيين.
والتهينا كرفقاء في الصراعات الحزبية الداخلية والقضايا السياسية الصغيرة التي كانت تشغل القيادات عن بناء الحزب العقائدي – الجهادي ، وأن تناول الاعلام الحزبي والثقافة الحزبية للمسألة الفلسطينية ، يبدو وكأنه عملية عاطفية ، كطعاطفنا مثلا مع نيكاراغوا أو افغانستان..الخ وأحلام تنتظر فارس ما للتحرير ، وهذا الفارس ليس بين القوميين.
فهل اتخذ القوميون من عبارة : لا تنسوا فلسطين ، أو أذكروا فلسطين وسيناء وكيليكيا والاسكندرون وقبرص .
فهل أتخذوا من لا تنسوا ، وأذكروا ، سلاح الجمود لتنام قضايانا المصيرية في الذاكرة ، وتتحول هذه الكلمات الى كفر حقيقي.
وهل تطلع سعادة الى أجيال لم تولد بعد ، هو شعار اتكالي ، أم دعوة الى بناء الأجيال القادمة لتصنع حريتها وحرية وطنها.
واذا ما استمر التخاذل والتآمر العربي مع الدولة اليهودية والغرب ستأتي ساعة نختصر كل هذا بقولنا :
أذكروا سوريا.
واذا كان الزعيم لم يستشهد لمجرد خلاف مع الحكومة اللبنانية ، بل استشهد لأنه أعلن :
تقوم اليوم في الجنوب دولة جديدة غريبة كنت اترقب قيامها واعلنت انها ستقوم قبل أن تعلن هي عن نفسها، لأني كنت أرى التخاذل السوري سيوجدها حتما. ولكني كما اعلنت قيام تلك الدولة أعلن اليوم محق تلك الدولة عينها.
ان الدولة اليهودية تخرج اليوم ضباطا عسكريين وان الدولة السورية القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 تخرج هي بدورها ضباطا عسكريين ! ومتى ابتدأت جيوش تلك الدولة الجديدة الغريبة تتحرك بغية تحقيق مطامعها الاثيمة والاستيلاء على بقية أرض الآباء والاجداد، ابتدأت جيوشنا تتحرك لتطهير أرض الآباء والأجداد وميراث الأبناء والأحفاد من نجاسة تلك الدولة الغريبة ! من خطاب الزعيم في برج البراجنة 29/5/1949
فهو أول قائد شهيد من أجل فلسطين.
وحزبه خرج منه أبطال بعده وقاتلوا هنا وهناك وتركوا مآثر في كل الصفوف التي مشوا فيها وقفة عز.
ان ما بدأ وعيا واستشرافا عند الشاب أنطون سعادة للخطر الصهيوني ودعوته الى تأسيس جمعيات وأحزاب سرية وعلنية لتنظيم صفوف الأمة وتوحيد اتجاهها لتستطيع المحافظة على وجودها . هذان : الوعي والاستشراف اختمرا في عقل أنطون سعادة وقوة نفسيته الحرة ليبدأ النضال مدافعا عن كل مصالح الأمة.
ينطلق سعادة في تفكيره العلمي والعملي ، من المعرفة ، ألم يقل المجتمع معرفة والمعرفة قوة ، والمجتمع عند سعادة هو الانسان فردا ومجموعا.
لذلك عندما نبحث عن المواجهة مع الدولة اليهودية ، كيف رآها سعادة وخطط لها ، وكيف عاشت أجيال أمتنا بعد سعادة لا ترى الا الهزيمة والنكبات والتشرد وسياسة الموت اليومي أمام عدو مجرم ويتلقى كل الدعم من الدول الكبرى. كثيرون من أجيال أمتنا الحاضرة يجهلون تخطيط سعادة وبنائه الذي أراد ان يرسي عليه المواجهة الحتمية مع الدولة اليهودية .
سعادة يعرف هذا العدو حق معرفة ، سارق وغاصب وقاتل وجبان يخاف الموت ، قاعدته الباطل وخرافات آلهته الكذبة وكتبه المكتوبة بدم الشعوب.
وسعادة يبني دائما على التفكير العميق والاستراتيجي الذي دعا القوميين الى البناء على هذه القاعدة الفكرية الهامة:
كل حرب، فكرية كانت ام دموية لها مبادئها وقواعدها الاستراتيجية والتحريكية. وكل جبهة لا يكون لها استراتيجية ولا استراتيجيون هي جبهة خاسرة، لا محالة.
هذه مسألة نظامية يجب أن يتعلمها القوميون الاجتماعيون وأن يفكروا في أسبابها ونتائجها، اذا كانوا يحسبون أنفسهم أهلاً لاعطاء البرهان على كفائتهم لاحراز النصر لحركتهم العظيمة.
سعادة-الزوبعة ، العدد 63 ، 15تموز 1943- تنظيف مناطق الاحتلال
وقد يسأل سائل طالما أن سعادة يعي كل هذا : ليش ما أخذ سلاح مع شوية شباب وبلش يقوص ع اليهود ، وكأن المسألة ظرفية انفعالية . كما قلنا أكرر أن المعرفة عند سعادة التي لا تفيد كالجهل الذي لا يضر ، فالمعرفة من أجل المعرفة ليست مبدأ قوميا اجتماعيا.
نحن لا نقول بالاعمال الجنونية لأننا لا ندعو الى الانتحار الوطني.
ان السيادة القومية والاستقلال القومي لا يتحققان بالاستجداء . وليس اتعس من هذا الجيل من شعبنا الذي يظن ان الاستقلال اكلة عدس ، وان تكاليفه هي فقط تكاليف اكلة عدس.
من رسالة الزعيم الى عبود سعادة 5/9/1941.
قبلا لنستعرض باختصار دعوات سعادة الى تأسيس احزاب وجمعيات للتغيير والنهوض بالأمة ومقاومة المعتدين قبل تأسيس الحزب :
وكان عام 1925 حين كتب عن " الصهيونية وامتدادها " فكتب في المجلة، سان باولو السنة11، الجزء1 ، في 1/2/ 1925 – أ ك ج 1 – ص 173 ) : ( راجع الفصل الأول ).
رغماً من كل ما تقدم، ومن أن الحركة الصهيونية غير دائرة على محور طبيعي، تقدمت هذه الحركة تقدماً لا يستهان به.
فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة، وإذا لم تقم في وجهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح. ولا يكون ذلك غريباً بقدر ما يكون تخاذل السوريين كذلك إذا تركوا الصهيونيين ينفذون مآربهم ويملكون فلسطين.
حتى الآن لم تقم حركة سورية منظمة في شؤون سورية الوطنية ومصير الأمة السورية. لذلك نرى أننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا. فنحن أمام الطامعين والمعتدين في موقف تترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما:
الحياة والموت. وأيُّ نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها.
... لم تقم فينا حركة تميل إلى الإجراءات الفعالة التي يشير بها الزعماء الذين كادوا يقتلون أنفسهم بانفرادهم في الجهاد. ورغماً من الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي ووجوب اتحادنا على التخلص من قيودهما، لم يبلغ آذاننا خبر قيام حركة اتحادية كبرى تقوم بالدفاع عن حقوقنا في وطننا الذي يلقي عليه الغرباء قرعة بينهم.
· سوريا تجاه بلفور ( النص كاملا ).( المجلة، سان باولو، السنة 11، الجزء4، 1 مايو 1925 – أ ك ج 1 – ص 189).
ويسرنا ان تكون زيارة بلفور لسورية قد جعلت السوريين جميعهم يظهرون نوعا من التضامن، الذي قلنا ولا نزال نقول بوجوب التمشي عليه اذا كنا نرجو لانفسنا حرية تستحق الحياة.
لم يلاق بلفور في زيارته لسورية سوى تيار عام من الاستياء والسخط العظيمين. وهذه هي بارقة الامل الاولى التي بدت في غياهب الياس من تكوين راي سوري عام. فهي المرة الاولى التي تبدو فيها اقسام سورية كلها متفقة على رأي واحد فيما يختص بالقضايا السياسية التي لها مساس بحياة سورية، وهي المرة الاولى التي نشعر فيها بفرح واستبشار من وجهة قضيتنا الوطنية.
كان اعظم استياء في سوريا اتخذ وجهة خطرة هو الاستياء الذي حدث في دمشق عاصمة سورية وكعبة الحركة الوطنية السورية. فان ما جرى في دمشق على اثر وصول بلفور اليها لما يستحق التسجيل في بطون التاريخ. واننا عند اطلاعنا على تفاصيل ما حدث في دمشق كما نشرتها جريدة "الف باء" الدمشقية لم نتمالك من الهتاف لدمشق وحياة دمشق.
..بعد الاجتماع الذي اتينا على ذكره، جمعتنا الظروف بصديق اخر رزين هادىء يفكر في الامور مليا قبل اعطاء حكمه وكان مدار كلامنا بلفور وزيارته لسورية. قال الصديق ان بلفور كان يجب ان يلاقي حتفه "اذ لا يخيف اليهود شىء مثل الموت ".
اجل : لا يخيف اصحاب الحركة الصهيونية التهويل من بعيد والجعجعة بل الشيء الحقيقي الذي يخيفهم هو الموت ، ولو وجد في سوريا رجل فدائي واحد يضحي بنفسه في سبيل وطنه ويقتل بلفور لكانت تغيرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيرا مدهشا. فان الصهيونيين عندما يرون ان واعدهم بفلسطين قد لقي حتفه يعلمون انهم يواجهون ثورة حقيقية على اعمالهم غير المشروعة ويوقنون ان سوريا مستعدة للمحافظة على كل شبر من ارضها بكل ما لها من القوى وما لديها من الاسلحة العصرية والقديمة.
ان المعارك التي حدثت بين السوريين والصهيونيين في اول مايو من سنة 1922 في حيفا واماكن اخرى من فلسطين وقتل فيها عدد غير قليل من اليهود، لم تكن بلا تاثير ، بل ادت الى نتائج هامة والقت على الصهيونيين عظات بليغات ، كان من ورائها ان عائلات كثيرة تركت فلسطين وعائلات كثيرة رجعت عن عزمها على استيطان تلك البقعة السورية. اما احتجاجات السوريين على وعد بلفور اثناء زيارته لسورية فلم تأت بنصف التاثير الذي أتت به حوادث 1922.
كنا ولا نزال وسنظل نقول انه لا خلاص لنا الا بالقوة المنظمة . فنحن ندعو الى تنظيم جمعياتنا واحزابنا الجهرية والسرية وجعلها كلها تسير على هذه القاعدة التي برهن التاريخ انها افعل القواعد في المحافظة على حقوق الامم وحياتها الاستقلالية. ولو كان عندنا احزاب وجمعيات قوية تسير على هذا المبدأ لكانت حالنا على غير ما هي عليه الآن.
ان تاريخنا الماضي يدلنا على ان موضع الضعف في حياتنا الوطنية هو هنا، أي في عدم وجود احزاب وجمعيات قوية علنية كانت ام سرية تضع نصب اعينها العمل بمبدأ القوة المنظمة. ومن هنا نرى ان واجبنا صريح لا يقبل جدلا، ونعني بهذا الواجب ان نكون مؤلفين احزابا وجمعيات قوية تعتمد على المبدأ المذكور في تاييد حقوقنا واستقلالنا ولا عبرة بما يقوله الكسالى الذين يظنون انهم افهم الناس ويصرحون علنا بانهم يريدون تهذيب سورية، وكان الاحرى بهم ان يذهبوا هم انفسهم الى مدارس يتلقنون فيها مبادىء التهذيب الاولية. فاولئك من الجهال الذين يدعون المعرفة والحكمة كما ادعى العلم قارىء الصحيفة الصفراء.
القوة المنظمة التي يدعو اليها سعادة جمعية، حزب، منظمة، دولة، حكومة، أي وسيلة نظامية تقودنا الى تحقيق مطالبنا في الحرية وسيادتنا واستقلالنا في وطننا .
دعوته الى التنظيم والى الأعمال الثورية – الفدائية – البطولية – التي ترهب الأعداء ومن وراءهم.
وهذه الخطة النظامية الدقيقة حددها في رسالته الى غسان تويني ( 9/7/1946) :
ان خطط الحزب السوري القومي الاجتماعي كما هي في فكر الزعيم وتخطيطه وتوجيهه وعمله ، لم ترم قط الى انشاء كتلة عقائدية متحجرة ، بل الى منظمة عقائدية تفعل ادارة وسياسة وحربا لتحقيق غايته . ودستور الحزب وتشكيلاته كلها تدل على اتجاهه العملي مع تأمين اساسه العقائدي .
في رسالة سعادة الى : سليمان يوسف عزام ( سان باولو، 6/11/1927 ):
بداية البحث عن طريق النضال وتأسيس منظمة سورية تقوم بالدفاع عن الأمة وحقوقها :
والسيد عزام من رجال سورية الوطنيين ، وصديق والده الدكتور خليل سعادة :
.. وكنت أنا حينئذ ساعيا بتأليف جمعية سياسية ، وبعد الجهد الجهيد تمكنت من أن أجمع حولي نفرا من الوطنيين الذين قبلوا بتأليف جمعية من هذا النوع ولكنكم يا سيدي تعلمون فوق ما أعلم كم هي محبة الظهور قوية في هيئتنا . وبناء عليه أبى رفقائي في الجمعية الا أن يسرعوا الى اعلان أنفسهم والقيام بأعمال ظاهرية على صورة لم أراها لائقة ومفيدة.. فاضطرني تصرفهم المشار اليه الى الاستقالة ..
بعد استقالته من الماسونية هذه أول جمعية سياسية ينشئها سعادة ولم يكتب لها التوفيق.
كانت هذه الرابطة الوطنية السورية .
...وبناء عليه أسسنا حزبا جديدا أطلقنا عليه اسم " حزب الأحرار السوريين "، وقد وجد هذا الحزب الجديد في فترة قليلة اقبالا فائقا حتى انه في بضعة أيام بلغ عدد اعضائه العاملين ما يزيد على عدد اعضاء الرابطة الذين أتوا خلال سنتين تقريبا،..
بيد أنه مهما يكن من شيء فاني بصفتي رئيس " حزب الأحرار السوريين " وزعيمه ، أتمكن من التصريح لكم بأننا على استعداد تام لقبول مخابرتكم بشأن توحيد قوانا ، وبذل الجهد لازالة كل المسائل العرضية والأمور الثانوية التي قد تعترض التوحيد. ...
بعدها عاد سعادة الى الوطن وعمل في التدريس في " الكلية السورية الانجيلية " المعروفة اليوم " الجامعة الاميركية "
واختمرت لديه الأفكار ووجد التربة الصالحة في أوساط الطلبة في الجامعة فعاد الى العمل وأسس : الخطة النظامية الدقيقة المعاكسة " التي أسماها : الحزب السوري القومي الاجتماعي .في خريف عام 1932 ، وليس بالضبط في يوم وساعة محددتين فهو يقول عن التأسيس في رسالته الى غسان تويني : 13/12/1946 :
القيادة الحزبية في الوطن اسمت هذا اليوم يوم الواجب . اعلنت أنا منذ سنوات انه يعد أيضا يوم تأسيس الحزب نظرا لمغزاه الكبير ولعدم وجود يوم معين تأسيسي للحزب الذي نشأ بالاعتناق التتابعي للعقيدة من قبل الأفراد وليس باجتماع معين في يوم معيّن ولأن 16 نوفمبر تشرين الثاني لا يبعد كثيرا عن تولد الحركة في أول السنة الدراسية في الجامعة سنة 1932 .
وبقي الحزب سريا حتى العام 1935.
هي خطة نظامية معاكسة ليس للمخطط الصهيوني وحده بل لكل ما أوصل الأمة الى هذا الضعف والهوان :
في وجه الاستعمار والمخطط اليهودي.
في وجه الطائفية والطائفيين والحزبية الدينية.
في وجه الاقطاع والراسمالية التي تمتص عرق ودم العامل والفلاح.
في وجه الجهل الضارب اطنابه في كل شيء.
في وجه الفساد والشيوعية.
نعم ارادها على حد قوله : فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها. ( خطاب اول حزيران 1935 ).
ويقول في رسالة اخرى الى غسان تويني 4/8/1946 :
ان الحزب لم ينشأ حزبا سياسيا للأغراض السياسية فحسب بل حزبا تعليميا ومدرسة عقائدية تثقيفية ظاهرة أسسها وخطوطها في تعاليمه الأساسية.
ويتناول في المجلة، بيروت، المجلد8، العدد3، 1/5/1933 تحت عنوان : أهم حوادث الشهر المنصرم ( أ ك ج 1 – ص 468) جاء فيها :
... وأما في فلسطين فالجو مكفهر بسبب قدوم ألوف المهاجرين اليهود من المانيا الذين سينضمون الى بقية اليهود العاملين على تحويل الوطن السوري الى وطن يهودي .
وسيكون لقدوم هذه الألوف تأثير كبير على حالة فلسطين السياسية والاقتصادية.
وفي أوائل عام 1933 القى الزعيم وحزبه ما زال سريا محاضرة في افتتاح النادي الفلسطيني في بيروت :
الاتحاد العملي في حياة الأمم
( نشرت في النهضة، بيروت العدد 64/30/12/1937 و العدد 65/31/12/1937. أ ك ج 1 – ص 398 ).
واذا قرأنا بامعان هذه المحاضرة ونداؤه الى الجالية السورية في البرازيل بمناسبة وفاة والده سنة 1934 ، سنجد انها الأفكار الأساسية التي بنى عليها سعادة في خطابه اول حزيران 1935 والذي اراد به أن يكون : دولة الأمة السورية المصغرة.
ولكن مما يؤسفني ويؤسفكم أن هذه الحقيقة السارة ليست إلا حقيقة نظرية، حقيقة تكاد تكــون وهمية بالمقياس إلى الفعل فأني أخشى أن تكون سوريانا آخذة في الانزلاق من أيدينا المتفرقة، ففي الجنوب تتراجع الخطوط السورية أمام الحدود اليهودية وفي الشمال تتقلص الحدود السـورية أمام الحدود التركية وسورية الحقيقية صائرة إلى تفاؤل مصطنع لا يجدر إلا بقوم لا يعرفون من النهضة إلا هبات متقطعة غير ناضجة أهدافها، وتخيــلات لا عملية، يغرهم لمعان سرابها.
نحن الآن بين حقيقتين: الأولى نظرية نفسياً نفرح لها، والثانية عملية واقعية لا نتمالك من أن نأسف لها. وغيري كثيرون يرون الكلم أفضل من الكلام، لأنه أهون. فلهؤلاء أن يتلوا قصائد في الخيالات الذاتية ولكن قصائدهم ليست جديرة بمجتمع لا يريد أن يفقد المعنى الفكري صلة بالواقع. هذا هو المجتمع الذي أحب أن أكون في عداده، وهذا هو المجتمع الذي انزل عند إرادته.
يا بني قومي!
إن الأمم ليست أمماً بالنسبة إلى تخيلاتها وأحلامها بل بالنسبة إلى حقيقتها وإلى ما تحقق. فكل كـلام لا يشتمل على الحقيقة بعينها إنما هو هذر غير مجد ولعل نصيبنا نحن السوريين من الهذر أوفر نصيب فقد تخيلنا كثيراً وتوهمنا كثيراً وتغنينا بأمجاد التخيلات وأكثرنا من الإشادة بعظمة الأوهام. والعالم يسمع عجيجنا المقلق ولكنه لا يرى طحننا الموهوم. أفما أنى لنا أن نفهم أن الأمم تبتدئ تاريخها بأعمالها وأنه لا تستطيع أمة أن تفاخر إلا بتاريخها هي نفسها؟
وبعد فماذا فعلنا من أجــل تاريخنا العــام؟ من أجل تاريخي وتاريخكم ماذا فعلنا؟ إذا لم نقم بشأن تاريخنا فلا شأن لنا في التاريخ ولا شأن لنا بين الأمم.
إني أخاطبكم بهذه الـلهجة ويقيني إنـي أخــاطب رجالاً يرفـضون الاعتقاد بغير مذهب التاريخ المستقل. فالتاريخ المستقل هو أساس الاستقلال لكل الأمم. إذا كنا نطمح إلى الاستقلال في تدبير حياتنا كما نريد فالواجب يدعونا إلى الاستقلال بتاريخنا. فإذا كنا نريد أن يكون لنا كيان محترم بين الأمم وجب علينا نحن دون سوانا أن نقوم بتنفيذ هذه الإرادة وتحقيق هذا الكيان. هذا هو بدء التاريخ.
أقول أننا الآن أمام الأفعى ذات المئة رأس لأن الأخطار التي تهدد كياننا وعمراننا من الشمال والجنوب والشرق والغرب كثيرة وعظيمة. ويترتب علينا الآن، وفي هذه الساعة، أن نقرر الموقف الذي نريد أن نتخذه، واختيارنا لن يكون إلا بين موقفين فقط:
إما موقف من لا يريد أن يتحمل مسؤولية تقرير مصيره لنفسه فهو يجبن أمام كل حادث وأمر. وإما موقف من يريد الاحتفاظ بحق تقرير مصيره لنفسه فهو يصمد لكل حالة ويقوم بأعباء مسؤوليته غير راغب في مشاركة غيره إياه، هذه المسؤوليات ، لأنه يعلم أن مشاطرة المسؤوليات تؤدي حتماً إلى مشاطرة الحقوق، وشاطرة الحقوق تنفي الاستقلال وتنفي الحرية. كثيرون غيري يقولون لي ولكم: "انظروا أن الأفعى الهائلة قد مدت رؤوسها العديدة إلى كرومنا وحقولنا فلنستغث أو فلنهددها بمجيء جيوش عديدة من بعيد تسحق رؤوسها أو فلنهرب من وجهها لأن "العين لا تقام المخرز".
ما أحقر هذه الروح التي لا ثقة بنفسها، وما أحقر هذه الأقوال التي لا تجدر بقوم يطمحون إلى مثل الحياة العليا. وما أحقر هذه الجماعة التي لا ترى فرصة إلا انتهزتها لتثبت لي ولكم أننا لا نصلح للقيام بأعباء تاريخنا. ليست صفوف هذه الجماعة هي الصفوف التي يفتخر المرء بالانضمام إليها وإذا استسلمت الأمة إلى أقوال هذه الجماعة فجدير أن يأتي غيرها للدفاع عن وطنها ويحصل على حقوق التصرف به وتقرير مصيره وأن تقنع هي بموقف العامل الذي وقف وسط هزء العالم وسخريته مناديا: "هاي هاي قتلناها، قتلناها". هذه هي الأخلاق العالية والهمم الشماء التي يريد فريق من هذه الأمة أن نتحلى بها. لو شئت تحليل هذه الروح السقيمة فهذه النغمة التي يرددونها على مسامعنا كل صباح ومساء هي ذات النغمة التي كان يرددها أنبياء اليهود عند كل خطر وفي كل نكبة. وهذه نبؤات عاموس وارميا واليشع وحزقيا وغيرهم الذين كانوا يهددون أعداء اليهود بمجيء قوات "من الشمال" تسحق صور وصيدا ودمشق. خصوصاً عاموس الذي أظهر حقداً عظيماً على دمشق لأنها غزت دولة بني إسرائيل واكتسحت جميع أرضها واستردت منها أكثر المقاطعات غير اليهودية التي كان اليهود قد بسطوا سلطتهم عليها. وفي أكثر نكباتهم كلن الإسرائليون يهددون أعداءهم بيهوه الذي سيمد ذراعه فوقهم ويسلط عليهم أمم الشمال أو أمم الجنوب. لا أتمنى لنفسي ولا أتمنى لكم هذه الروح. لا أتمنى لنفسي ولا أتمنى لكم هذا العجز الباهر.
أنا وانتم ملاكون، أكثرنا، إذا لم يكن كلنا، أصحاب أراض أو بيوت.
وإن هذه الأراضي التي نملكها هي وطننا الخاص وليس لأحد غيرنا حقوق فيها .
إننا أمة بكل ما في الكلمة من معنى، ولنا وطن واحد هو تراثنا وأملنا الوحيد لتحقيق حريتنا ومثلنا العليا فيجب علينا أن نكون يداً واحدة في تقوية وحدتنا والمحافظة على هذا الميراث الذي خلفه جدودنا لنا لا لغيرنا. إن مصلحتنا هي وحدتنا الداخلية الخاصة التي تكسبنا عصبية قومية تكفل بقاء حقوقنا لنا وتولد فينا نهضة تجعلنا جديرين بالتمتع بجمال هذا الوطن النادر المثال، وخيراته. ولا تظنوا أن جميع أمجاد الفتوحات توازي الحرية القومية المقدسة في هذه الجنات التي تجري من تحتها الأنهار. إن مقام مضيق ترموبيلي يمثل التفاني في سبيل الحرية القومية المقدسة، أما فتوحات الاسكندر فنكبات أخرت تقدم المدنية. وإن معركة ميسلون لأعظم وأمجد المعارك التي شهدتها هذه البلاد في التاريخ الحديث لأنها تمثل روح أمة حية وترمز إلى مثلها العليا. إنها أول معركة نظامية يقوم بها في التاريخ الحديث وجيش سوري بقيادة قائد سوري من أجل حرية سورية.
إن معركة ميسلون تمثل مبدأ جديداً في حياة سورية الجديدة المتنبهة. مبدأ العمل الجدي لا مبدأ الهرب من المسؤوليات ثم ادعاء نصيب في ثمرة الجهاد. إنها الدليل القاطع أن سورية قد صممت على أن تكوّن تاريخها بنفسها وأن تحصد ما تزرع وتجني ما تغرس. يقول الجبناء لي ولكم: أن سورية صغيرة فهي لا تتمكن من صيانة كيانها والدفاع عن أراضيها. أنظروا إلى ميسلون تروا الدليل على صحة ما نقول.
إنه الجبن يتكلم فلنحترم الجبن قليلاً، وإن كان الجبن لا يستحق الاحترام، ولنرد على هذا القول الهراء وإن كان لا يستحق الرد.
أقول أن معركة ميسلون أعظم دليل على أن سورية تتمكن من صيانة كيانها والدفاع عن أرضها. إن في معركة ميسلون قوة سحرية مخزونة ولكنها قوة فاصلة في حياة الأمم، هي قوة الإرادة العجيبة هي قوة إرادة أمة حية، وما تستطيع إرادة أمة حية تحقيقه فشيء لا يحلم به الجبناء.
إن معركة ميسلون تمثل جزءاً يسيراً جداً مما تستطيع الأمة السورية عمله مجتمعة. وإن قوة الأمة كلها ومبلغ حنكتها وأساليبها لم تكن ممثلة تمثيلاً صحيحاً في ميسلون، فميسلون لم تكن سوى اختبار ضروري لتحسين أساليب عمل الأمة. إن ميسلون هي بدء تاريخ الأمة السورية الحديث لا نهايته. والذين لا يفهمون هذه الحقيقة لا يفهمون شيئاً من حياة الأمم وموتها، ولا يفهمون شيئاً من معاني التاريخ.
وهو يفخر بابناء قومه الآراميون الذين حاربوا اليهود :
وهل يضيرنا أن يكون فينا آراميون وهم قوم نظموا شؤون المعاملات في الشرق الأدنى وحاربوا اليهود ونكلوا بهم تنكيلاً أبقى في قلوبهم كوامن أخذت تتفجر من فم عاموس بالدعاء وبهلاك دمشق التي بناها الآراميون وجعلوها عاصمتهم ومنها دافعوا عن سورية ضد الأشوريين دفاعا عظيما .
وهم الذين بسطوا نفوذهم حتى أصبحت لغتهم لغة المخابرات والمفاوضات الدولية الرسمية في الشرق الأدنى؟
وهل يضيرنا أن يكون منا الفينيقيون وهم كانوا أفعل عامل في ترقية المدنية الحديثة بما نثروا من معارف وصناعات وكتابة. وهم الذين حفظوا البحار وحافظوا على سلامة المواصلات البحرية ومنهم من خرج محاربون بحريون من الطراز الأول ومنهم خرج أعظم نابغة حربي في كل العصور وفي كل الأمم وصار حجة القائلين أنه ليس بين الساميين نبوغ بالمعنى الصحيح، هو هاني بعل الذي ابتكر خططاً حربية لا تزال مثالاً ينسج على منواله قواد الحروب الحديثة وصار اسمه مثالاً للشجاعة والبطولة كما كان شبحاً يرعب رومية في إبان صولتها حتى صار القول " هاني بعل على الأبواب! " مثلاً يضرب لكل خطر مداهم؟ ففي خطاب ألقاه موسوليني منذ بضعة سنين في المجلس الإيطالي جواباً على مناورات فرنسا ويوغوسلافيا قال " إن إيطاليا لن تخاف شيئاً فهاني بعل ليس على أبواب رومية ".
ويقول في رسالته التي ذكرنا الى الجالية السورية في البرازيل ، 5 حزيران 1934 :
اذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمم فهو اذا عصر أعمال ، لا عصر أقوال.
وطرح الأسئلة الكبرى التي تتطلب أجوبة صحيحة وهي :
هل نحن أمة حية؟
هل نحن مجموع، له أهداف من الحياة؟
هل نحن قوم لهم مثل عليا؟
هل نحن أمة، لها إرادة واحدة؟
هل نحن جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية؟
وختم رسالته بقوله :
لنترك الأمور الكلامية جانبا ولنوجه عنايتنا الى الشؤون العملية العمومية .
كثيرون هم الذين يحرصون كل الحرص على أن تكون النهضة مقتصرة على سورية بل متناولة كل الأمم العربية. إن هؤلاء ليسوا أكثر حرصاً مني ومنكم على ذلك.
ولكن النهضة العربية العامة التي تشمل كل الأقوام العربية لا يمكن أن تتحقق بالقضاء على قوميات الأمم العربية بل بنهوض هذه القوميات وقيام كل أمة بشؤون نهضتها الخاصة وحينئذ يصبح التعاون في كل ما هو من المصلحة المشتركة تعاوناً يحفظ لكل أمة قوميتها ومثلها. إذن فلنعتصم بقوميتنا السورية ولنقم بما هو مطلوب منا لتحقيق نهضة أمتنا ولنتحد في عمل عام منظم وأنا، أيها السادة، أنا العاجز أقول لكم انه يمكننا خلال خمس سنوات إيقاف القضية الصهيونية عند حد تأخذ بعدها في التراجع عنه وفي مدة عشر سنوات يمكننا إيقاف تقدم غيرنا على حسابنا وحساب وطننا عند حد لا يتعدونه يمتد على طول خط حدودنا القومية وهذا العمل يحتاج إلى مثال هو مثال العامل الثاني في حكاية الأفعى أي إلى القيام بالواجب بدون ضجة ولا غوغاء وبالاعتماد على النفس قبل كل شيء كما فعل ذلك العامل فإنه لم يصرف وقته عبثاً في مناداة رفيقه الهارب ليأتي إلى معونته بل اتكل على ما في نفسه من شجاعة وقوة، ونجح. وقد قلت في إحدى محاضراتي السابقة وأعيد الآن، إنكم سمعتم أنه قيل "إن الأعمال بالنيات" أما أنا فأقول "إن النيات بالأعمال".
القى هذه المحاظرة وكان ما يزال الحزب سريا فعندما يتحدث عن تراجع الخطوط السورية أمام الحدود اليهودية ،ثم يقول انه لو وحدت الأمة السورية قواها " لأمكننا خلال خمس سنوات ايقاف القضية الصهيونية عند حد تاخذ بعدها في التراجع عنه . وفي مدة عشر سنوات يمكننا ايقاف تقدم غيرنا على حسابنا وحساب وطننا عند حد لا يتعدونه، يمتد على طول حدودنا القومية".
القول " يمتد على طول حدودنا القومية " يعني الكثير أي انه اذا أمكننا ايقاف المشروع اليهودي واجباره على التراجع ، سيحسب المشروع الفرنسي – التركي في الشمال حساباته في كيليكيا والاسكندرون . وكذلك الفرس في الشرق.
والبريطانيون في العراق وفلسطين وشرق الاردن.
هل هذه كانت استرتيجية سعادة التي لم يكتب لها النجاح ؟.وأسأل نفسي هل ما قامت به المقاومة في لبنان ينطبق على هذه الاستراتيجية؟.
لا بل أكاد أقول أن قادة هذه المقاومة قد قرأوا سعادة أو كأنهم رفقاء نضال معه في التأسيس.
بالفعل هذا ما حققته المقاومة بعد 50 عاما من استشهاد سعادة.، انه التوازن الأستراتيجي الذي بنته كل من دمشق كعبة الحركة الوطنية المباركة والمقاومة الوطنية والاسلامية في لبنان وانتفاضة شعبنا تحت الاحتلال الاسرائيلي. ان ما بدأ في ميسلون الى الشهداء حسن البنا وسعيد العاص على بطاح فلسطين وانطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني في الستينات ، الى قوافل الاستشهاديين من أحمد قصير وسناء محيدلي وبلال فحص وغيرهم .. الكثيرون ممن سبقوا ومن ينتظرون على بطاح فلسطين.
انّ رهان سعادة على الأجيال التي لم تولد بعد ، هو رهان سليم ، وليس بالضرورة على القوميين الذين لم يستفيقوا بعد أو لم يولدوا بعد .
وما رآه سعادة سنة 1933 من خطة استراتيجية – سياسية – حربية – نظامية . قد تراكم في شعبنا مقاومة على اختلاف احزابها قاتلت العدو اليهودي بعد أن دخل ثاني عاصمة عربية بعد القدس : بيروت.
قدم حزبه فيها بطولات ، وانكفأ لتضعضع صفوفه في الخصوصيات والزواريب.
وأثبتت المقاومة حقيقة رهان سعادة على شعبنا السوري :
ان فيكم قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ .
القوميون متعلقون بال " لو " مثل يا ريت .
واذا رأينا ما بنته المقاومة الاسلامية خلال خمس أو ست سنوات منذ اندحار جيش الاحتلال اليهودي من جنوب لبنان عام 2000 . يشعرني بالفخر أنا السوري القومي الاجتماعي أن تستطيع قوة منظمة وان اختلفت معها عقائديا أن تجيّش وتبني طائفة بغالبيتها في الموقع القومي الصحيح للمواجهة ، خاصة بعد ما رأينا البطولة والتضحيات الفائقة التي قدمتها هذه المقاومة في حرب تموز من هذا العام ، جعلت العالم كله الاعداء قبل الأصدقاء يعترفون لها بانتصارها ، وفعلا كما راهن سعادة استطاعت أن توقف المشروع الصهيوني عند حد معيّن . واذا ما تابعت أمتنا البنيان السليم لقواها القومية ستستطيع أن تدحر الاحتلال كل الاحتلال عن فلسطين خلال عشر سنوات قادمة .
صحيح أن الامكانات التي سخّرت للمقاومة هي مقومات دولة هائلة . لكنها استخدمت في البنيان السليم والمشروع المقاوم لا المساوم .
نعم مثلما فخر زعيمنا بأبناء أمتنا الأراميين الذين قاتلوا اليهود ودحروهم ، ستفخر أمتنا بحزب الله وأبناء الطائفة الشيعية الذين يصارعون الدولة اليهودية بكل بطولة وثبات.
ألم يحذر سعادة ابناء أمته من الجهل وانعدام الوعي القومي في الموقف الذي وقفوه من الثورة السورية الكبرى ،
حيث قالوا انها الثورة الدرزية واتركوا الدروز يتفزروا مع الفرنسيين.
ان انعدام الوعي القومي ما زال مسيطرا وهو اليوم اشد خطرا : ما نسمعه اليوم أنها حرب الشيعة ضد اليهود وخليهم يتفزروا مع اليهود، ويا ريت خلوهم بحالهم لا بل كانوا في قلب المؤامرة على المقاومة الباسلة وسلاحها. وعندما فشل العدو وكل الدعم الغربي معه في تحقيق اهدافه ، أوكل الى عملائه يهود الداخل وغالبيتهم يمسكون بالسلطة في الكيان اللبناني أن يتآمروا بالفتن الداخلية لعل المقاومة توجه فوهته الى الداخل الى ابنائها.
ألم يكن هذا مشروع الدولة القومية المصغرة حين أراد سعادة أن يكون حزبه : دولة الأمة السورية المصغرة.
اذا قيل اليوم أن حزب الله هو دولة داخل الدولة ، هذا ما كان مشروع سعادة :
الحزب – الدولة بكل ما في المعنى من بنيان مؤسسات وخطط حربية وسياسية واقتصادية وتربوية تستطيع أن تثمّر امكانات الأمة الهائلة في معركة المصير القومي .
لقد دعانا سعادة الى العمل الفدائي والى الاقتداء ب ميسلون بكل ما فيها من بطولات ، ان حزب البطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة يجب أن يخرج من المكاتب والبيروقراطيات وسياسة جوائز الترضية ، الى اعادة البنيان العقائدي والاتجاه حقيقة لأن نشكل الأمة السورية مصغرة .
ودعانا الى العمل الفدائي : لو وجد في سوريا فدائي واحد يقتل بلفور..
ان القوميين الاجتماعيين الذين تجاوزوا الكيانية والطائفية والمذهبية والاقطاعية والطبقية عليهم أن يبنوا دولة الأمة السورية المصغرة وذلك بالخروج من الانقسامات الحزبية الى حزب سعادة الواحد ، الذي لو فعل لسرى وانتشر فعله في كل الأمة ، فبالرغم من حالة الانقسامات المذهبية في الأمة السورية والعالم العربي ، رأينا كيف أن تتوجه قوة من قوى الأمة في الاتجاه الصحيح ، كيف يلتف حولها الجميع بالرغم من لونها الاجتماعي - المذهبي الواحد .
فكيف بحزب اجتاز كل الحواجز . وبقي حاجز الانتصار على الذات بين احزابه المنقسمة على ذاتها.
وهنا أريد أن أذكر رفقائي بما جاء في خطاب الزعيم في أول حزيران 1935 الذي يضع الضوابط الأساسية لبناء المؤسسة الحزبية في اتجاه الدولة المصغّرة :
منذ الساعة التي عقدنا فيها القلوب والقبضات على الوقوف معاً والسقوط معاً في سبيل تحقيق المطلب الأعلى المعلن في مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وفي غايته، وضعنا أيدينا على المحراث ووجهنا نظرنا إلى الأمام، إلى المثال الأعلى، وصرنا جماعة واحدة، وأمة حية تريد الحياة الحرة الجميلة ــــ أمة تحب الحياة لأنها تحب الحرية، وتحب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة.
هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للذين وحدوا إيمانهم وعقائدهم فيه، هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للذين وحدوا قوتهم فيه، هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة السورية.
إن مبادئنا القومية الاجتماعية قد كفلت توحيد اتجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه ونحن نشعر أن التغيير يفعل الآن فعله الطبيعي
إن مهمة صون نهضتنا القومية الاجتماعية هي من أهم واجبات الحزب السوري القومي الاجتماعي ولن نعجز عن القيام بها على أفضل وجه ممكن فيمكن الدعاوات الأجنبية أن تتفشى في فوضى الأحزاب ولكنها متى بلغت إلى السوريين القوميين الاجتماعيين وجدت سدا منيعا لا تنفذ فيه ، لان السوريين القوميين الاجتماعيين حزب غير فوضوي ولأنهم لا يتمشون إلا على السياسة التي يقرها حزبهم. ليسوا هم جماعة مبعثرة بل قوة نظامية.
أعود فأقول إن هذه القوة النظامية ستغير وجه التاريخ في الشرق الأدنى. ولقد شاهد أجدادنا الفاتحين السابقين ومشوا على بقاياهم أما نحن فسنضع حداً للفتوحات!
يتبع
|