تنتاب الإنسان في بعض الأحيان حالات مجهولة السبب فقد يشعر بحالة من الفراغ وهو محاط بالعشرات من الأصدقاء أو يشعر بحالة من الملل رغم انهماكه الشديد في العمل وقد يشعر بحالة من الإحباط واليأس رغم كل اللقاءات الفلسطينية – الإسرائيلية العلنية والسرية واللقاءات الفلسطينية - الفلسطينية ورغم كل المبادرات بين الاخوة الأعداء التي تشعرنا بالاختناق لبعدها عن المصالح الوطنية العليا بحكم مراعاتها للمصالح الفصائلية والعصبوية الضيقة والتي تصب أولا وأخيراّ في المصلحة الإسرائيلية فقط .
مجموع تلك الحالات كانت تنتابني وأنا أرد بفتور على تحية صديق لم ألتق به منذ فترة طويلة مما أثار استغرابه ودهشته : يبدو لي إن لقائي يضايقك يا صاحبي !!!
بفتور ايضاّ أجبته : أجلس يا رجل ودعك من هذا الكلام الفارغ فما يضايقني لاعلاقة لك به وبعيد كل البعد عن كلامك السخيف هذا .
بتردد قال مازحاّ : على شرط ان تطلب لي فنجان قهوة على حسابك وتخبرني عما يضايقك وبصراحة .
وبنفاذ صبر : ألا تسمع ؟ ألا تشاهد ما يحدث من سفك دماء فلسطينية بأيدي فلسطينية ؟
فما يحدث يكاد يصيبني بالجنون ... تصور يا رجل أننا نقبل الأيادي والأرجل لتزويدنا بالسلاح والذخيرة ونحن نهدرها في صدور بعضنا البعض وفي الاحتشادات المشبعة بالفصائلية وكل منا يتسابق لحشد العدد الأكبر ضد الطرف الآخر ونقف بعدها على المنصات ووراء الميكروفونات كالديوك المنتوفة الريش نهدد ونتوعد بعضنا البعض !!
تصور يا صاحبي أننا استطعنا إيجاد قواسم مشتركة مع الإسرائيليين ومع الأمريكيين ومع الأوروبيين ومع الشرق ومع الغرب ومع العفاريت ومع ذلك لم نستطع إيجاد قواسم مشتركة وبشكل فعلي بيننا نحن أبناء القضية الواحدة كما ندعي!!
قاطعني صاحبي بقوله : هدئ من روعك يا صاحبي .. مادام الربح أو الخسارة الفصائلية أو الشخصية تتحكم في عقولهم سيبقى الحال في انحدار مستمر ولأننا نعيش في المقلوب ونهوى أن نكون مستغفلين سيبقى تقدمنا نحو الوراء مستمراّ.. على كل حال دعنا من السياسة أهل السياسة .. تعال يا فادي احضر لنا فنجانين من القهوة ودعنا نشاهد إحدى المحطات الغنائية بدلاّ من تلك المحطة الأخبارية فأخبارنا والحمد لله لا تجلب لنا إلا أمراض القلب وارتفاع الضغط .
أشعلت سيجارتي والتفت إلى مشاهدة وسماع إحدى المغنيات الجدد تتمايل وتتباهى بأردافها مرددة كلمات تصفعك صفعاّ لسخافتها ورداءتها بصوت أشبه بصوت بائعي الخضراوات .. عدت إلى سيجارتي وفنجان قهوتي مترحماّ على الطرب والمطربين .
قال صديقي مازحاّ : أتدري يا أبو ادهم أن مهنة الرقص والغناء أصبحت المهنة الأكثر رواجاّ وسهولة وربحاّ هذه الأيام .
تجاهلت مزاحه بقولي : بالعكس هناك مهنة اكثر سهولة واكثر ربحاّ .
أعتدل في جلسته : معقولة !! دلني عليها بالله عليك فأنا عاطل عن العمل في هذه الأيام؟
تجاهلت سخريته ومزاحه مرة أخرى : نعم مهنة قائد .. فكل ما تتطلبه تلك المهنة هي قدرتك على حشد عشرين أو ثلاثين شخصاّ من عائلتك أو من أصحابك أو من فصيلك المنتمي له وأصدر البيان رقم ( 1 ) مهدداّ ومتوعداّ إسرائيل وأمريكا مشفوعاّ بقسمك بالقضاء على الفساد والمفسدين وعلى المتلاعبين بالمصير الفلسطيني .. وبعد ذلك قم بخطف أحد الأجانب لمدة أسبوع أو أسبوعان فتتوافد عليك المحطات الفضائية وأصحاب القرار متوسلين إطلاق سراح المخطوف مقابل الاستجابة لمجموع طلباتك السرية طبعا فالعلنية منها هي للاستهلاك الإعلامي فقط لاغير وبعد ذلك تقدم لك الأسلحة والأموال ويعترف بك كمناضل برتبة قائد . وبما انك عاطل عن العمل اتكل على الله واشتغل قائد .
وقبل أن يستيقظ من ذهوله لملمت أوراقي وقلت له مودعاّ : سلام يا صاحبي .
وفي طريقي إلى الباب الخارجي للمقهى تذكرت نصيحة عادل امام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة إلى حاجب المحكمة بقوله : اتكل على الله واشتغل رقاصة .
|