أربعون عاماّ انقضت مابين قمة الخرطوم ( 29/ آب / 1967) ولاءاتها الثلاث المشهورة ( لا صلح – لا تفاوض – لا اعتراف ) وما بين القمة المزمع عقدها في نهاية الشهر الحالي في ظل إذعان عربي لم يسبق له مثيل للهجمة الإسرائيلية- الأمريكية لتدمير ما تبقى من الممانعة العربية تجاه المشروع الأمريكي – الصهيوني المعروف بالشرق الأوسط الكبير.
إن القراءة المتأنية لما تنشره وتبثه بعض وسائل الأعلام العربية هذه الأيام على لسان بعض القادة والمسؤولين العرب يوحي أن هناك محوراّ عربياّ قيد التنشيط تدعمه واشنطن يستعد لسلسلة جديدة من التنازلات لصالح العدو الصهيوني يتمثل في السعي خلال تلك القمة إلى تعديل مبادرة السلام العربية بحيث تتوافق مع الرغبة الإسرائيلية التي أعلنتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني بكل صراحة ووقاحة بما يشبه إصدار الأوامر الموجهة للعرب بأن إسرائيل تريد من قمة الرياض إعادة النظر في مبادرة السلام العربية وذلك بإدخال تعديلات عليها تتعلق على وجه الخصوص بالبند الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إضافة إلى أوامر أخرى تعبر عن العنجهية الإسرائيلية ومدى الاستهتار بمجموع قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة .
هكذا وبكل بساطة تعطي وزيرة الخارجية الإسرائيلية أوامرها غير قابلة للنقاش لكل العرب .
هكذا وبكل بساطة تلغي وزيرة الخارجية الإسرائيلية أهم قرارات الشرعية الدولية المتمثل بالقرار
(194) وتلغي حق العودة لست ملايين لاجئ فلسطيني يعانون ما يعانون في الشتات .
والأمر الإسرائيلي الثاني الموجه للعرب هو إبداء المرونة حول الترتيبات الجديدة التي فرضتها إسرائيل على الأرض آي الاعتراف بالجدار العنصري وبالمستوطنات السرطانية في الضفة الغربية وبالإجراءات التهويدية في القدس العاصمة الفلسطينية الموعودة ، وما الطرح الإسرائيلي حول الدولة الفلسطينية المؤقتة والتي رفضتها الفصائل الفلسطينية إلا تعبيراّ سافراّ عن تلك الرغبة الإسرائيلية .
والآمر الإسرائيلي الثالث الموجه للعرب هو أن لايتم الربط بين التطبيع مع إسرائيل والانسحاب الكامل من الأراضي العربية فلم يعد يكفي إسرائيل إن وزراءها يصولون ويجولون في العواصم العربية يصدرون تصريحاتهم بكل صلافة ووقاحة وعلى يمينهم يقف هذا الوزير العربي أو ذاك .
إن إسرائيل لم يعد يغريها التنازلات العربية المجزأة والتي يعتبرها العدو الصهيوني حق له بل هي تريد تنازلات كاملة من مجموع الأنظمة العربية الحاكمة .
إن ما يحز في النفس ويبعث المرارة والألم إن الخطأ العربي مستمر بالسير باتجاه الهاوية رغم إن المشهد شديد الوضوح والحقيقة بينة لا لبس فيها مما يدفعنا للقول وبكل آسف إن الاستراتيجية الإسرائيلية المتمثلة في الاغتصاب الجغرافي والاقتصادي والسياسي للحقوق الفلسطينية والعربية لم يكن ليكتب لها النجاح لولا دعم بعض الأنظمة العربية لها عن طريق سوق تبريرات لا يفقها العقل
ولا المنطق وأخرها المشاركة في الحصار الاقتصادي الجائر المستمر منذ عام واكثر على الشعب الفلسطيني تحت دعوى وجوب الاعتراف ونبذ العنف ليتناسب مع شروط المجتمع الدولي وكأن إسرائيل اعترفت بمجمل قرارات الشرعية الدولية وبمبادرة السلام العربية أو حتى بخارطة الطريق رغم اشتراطاتها الأربعة عشر عليها .
إن قمة المهزلة والاستهتار بالعقول التصوير بأن حجر العثرة الوحيد في طريق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط هو الممانعة الفلسطينية وعدم الاعتراف الفلسطيني بالدولة المسخ إسرائيل .
بعيداّ عن عمليات التجميل وتطييب الخواطر التي تقوم بها بعض الأنظمة العربية نقول بان الوزيرة الصهيونية لم تكن لتجرؤ على التصريح بما صرحت به لو لم تكن متأكدة بأن هناك كثيراّ من الأصابع العربية المؤثرة تلعب في جدول أعمال القمة بشكل مباشر لتأتي القرارات منسجمة مع المصالح الإسرائيلية ومتعارضة بالمطلق مع اتجاه الريح العربية التي تمثل شعبنا العربي من محيطه إلى خليجه
ونضيف أيضا إن الوزيرة الصهيونية لم تكن تجرؤ أيضا على التصريح بما صرحت به لولا الدعم الأمريكي اللامحدود لكيانها العنصري ، ولولا الالتفاف الأمريكي على مبادرة السلام العربية عبر استبعادها عن أي تحرك ديبلوماسي وسعت بدلاّ عن ذلك بالتعامل مع ما يسمى باللجنة الرباعية
لاستنباط ما أطلق عليه ( خارطة الطريق )بهدف تجزئة الحل الشامل ولتمكين إسرائيل من تكريس اكبر قدر ممكن من المخطط الصهيوني وهو ما يلحظه أي متتبع للشان الفلسطيني في القدس والمسجد الأقصى والجدار العنصري والمستوطنات وما إلى ذلك من عمليات القتل والهدم والحصار والاعتقالات
ومصادرة الآمال الفلسطينية .
حتى لا نكثر من التوقعات والتحليلات التي يغلب عليها وللآسف الطابع السوداوي وحتى لا يتم اتهامنا بالإحباط واليأس من أي قمة عربية نقول : هناك تصريحات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وهناك تصريحات وزيرة الخارجية الصهيونية وسننتظر انعقاد القمة العربية في أواخر الشهر الحالي وصدور البيان الختامي لنرى لمن الغلبه.
|