حتى الآن تؤكد كل المؤشرات الميدانية بأن عملية سلام أنابوليس لن تؤدي في النهاية إلى تحقيق السلام، وقد أشارت استطلاعات الرأي الفلسطينية والإسرائيلية بأنه لا الفلسطينيين ولا الإسرائيليين يعتقدون بجدوى سلام أنابوليس. وإذا كان ذلك كذلك، فإلى ماذا سيفضي أنابوليس؟ وما هو الهدف الحقيقي غير المعلن الذي يسعى إلى تحقيقه من قاموا بـ"هندسة" سلام أنابوليس؟
* أبرز المؤشرات:
الأداء السلوكي لمجريات الوقائع والأحداث يشير إلى وجود نطاقين تتحرك فيهما التطورات:
• النطاق المركزي: ويضم إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.
• النطاق الهامشي: ويضم إسرائيل والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة والمعتدلين العرب (مصر – الأردن – السعودية – ودول الخليج).
"النطاق المركزي" يمثل الواقع الحقيقي المتعلق بالسيناريو المتوقع تنفيذه في منطقة الشرق الأوسط، أما "النطاق الهامشي" فيمثل الغطاء المؤقت الذي تنحصر مهمته في إعداد المسرح وتمهيد الأرض من أجل تطبيق وتنفيذ السيناريو الحقيقي.
* ما الذي يجري إعداده في الخفاء داخل "النطاق المركزي":
بدا واضحاً أن ثمة توافقاً تاماً بين القوى الغربية (الولايات المتحدة – فرنسا – بريطانيا - ألمانيا) على ضرورة عسكرة المنطقتين الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط وهما:
• منطقة الخليج: وتمت عسكرتها بالفعل بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية التي نجحت في وضع العراق تحت الاحتلال العسكري الأمريكي المعلن والسعودية وبقية الخليج تحت الاحتلال العسكري غير المعلن عن طريق الوجود المكثف للقوات والقواعد العسكرية الأمريكية فيهما.
• منطقة شرق المتوسط: وهي المنطقة التي يحاول التحالف الغربي عسكرتها بالتعاون مع إسرائيل.
منظمة معاهدة حلف الأطلنطي هي الإطار الحديدي الذي يضم داخله الولايات المتحدة – فرنسا – بريطانيا – ألمانيا. وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة انتهت مهمة حلف الناتو كوسيلة لردع التوسع الشيوعي في أوروبا الغربية، وبدأت مهمة جديدة للحلف تتعلق بالقيام بدور ووظيفة الوسيلة الضرورية لدعم وإسناد الأهداف والغايات الأمنية المتجددة والمتمثلة في القيام بعبء التصدي للمخاطر التي تهدد بنية الأمن الإقليمي للقوى الغربية وحلفائها.
تورط قوات حلف الناتو في منطقة شرق المتوسط بدأ تحت غطاء قوات اليونيفيل الموجودة حالياً في جنوب لبنان وتحديداً بشكلها الجديد الذي اتخذته بعد حرب صيف عام 2006م بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي، وحالياً هناك توقعات تقول بأن ثمة ترتيبات يتم القيام بها في الخفاء من أجل:
• إصدار قرار دولي جديد يتعلق بتوسيع صلاحيات قوات اليونيفيل بما يشمل بقية الأراضي اللبنانية.
• دراسة مشروع إرسال قوات دولية (يتورط فيها الناتو على غرار اليونيفيل) إلى جنوب قطاع غزة.
• تطوير علاقة إسرائيل بحلف الناتو بحيث يكون لإسرائيل دور مؤثر أكبر في بُنى وهياكل الحلف.
• تطوير علاقة حلف الناتو بدول المعتدلين العرب وتحديداً مصر، الأردن، السعودية بالإضافة إلى محاولة التركيز على ربط لبنان بحلف الناتو على أساسا اعتبارات:
* وجود قوات اليونيفيل الواسعة المهام والصلاحيات في لبنان.
* اتخاذ المزيد من الخطوات الجدية إزاء ملف قاعدة القليعات ومحاولة توقيع الاتفاقيات التي تتيح لقوات حلف الناتو المتمتع بالمزيد من المزايا والتسهيلات في الموانئ والمطارات والمناطق اللبنانية.
* بناء علاقات التعاون بين حلف الناتو والجيش اللبناني على خلفية دعم وتدريب الجيش اللبناني في مجالات الحرب ضد الإرهاب وتزويده بالعتاد والتدريب.
* كيفية استدراج الأطراف العربية لإدخال قوات حلف الناتو؟
توجد حالياً بعض الترتيبات الخاصة التي تجمع مصر بحلف الناتو ومن المتوقع أن يتم الدفع باتجاه إقناع مصر عن طريق الضغوط وخلافه، بوضع ونشر قوات حلف الناتو على جانب حدود مصر – قطاع غزة. كذلك في نفس الوقت هناك تفاهم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على أن يتم نشر "قوات دولية" في مناطق الضفة الغربية التي سوف تنسحب منها القوات الإسرائيلية، وسوف تكون هذه القوات تابعة حصراً لحلف الناتو. وتشير بعض التسريبات إلى أن ولاية قوات الناتو التي سوف تتمركز في الضفة الغربية على غرار ولاية قوات الحلف المتمركزة حالياً في البوسنة وكوسوفو اليوغوسلافيتين. أما في لبنان فإن بقاء حكومة السنيورة ونفوذ قوى 14 آذار يمثلان الشرط الرئيسي الذي سوف يمكّن حلف الناتو من الحصول على "موطئ قدم" في لبنان، وتمثل عملية انتخاب الرئيس اللبناني الجديد الخطوة الهامة التي لا بد منها لإكمال سيناريو نشر قوات الناتو في لبنان. هذا، وبعد اكتمال الترتيبات التشريعية والقانونية تكون قوات حلف الناتو قد حصلت على مزايا التمركز والانتشار في ثلاثة مناطق رئيسية في شرق المتوسط:
• حدود مصر – قطاع غزة.
• الضفة الغربية.
• الساحة اللبنانية.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن قوات الناتو التي سوف يتم نشرها في هذه المناطق الثلاثة سوف:
• تكون كبيرة الحجم.
• تتمتع بصلاحيات شن العمليات العسكرية.
وتأكيداً على ذلك نشير إلى حديث المتطرف اليهودي أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير الشؤون الإستراتيجية الذي انسحب من حكومة أولمرت مؤخراً احتجاجاً على المفاوضات مع الفلسطينيين والذي قال فيه بأن قطاع غزة سوف يكون المحطة الثانية لعمليات حفظ السلام التي سينفذها حلف الناتو. كذلك تجدر الإشارة إلى أن وجود حلف الناتو في منطقة حدود مصر – قطاع غزة قد لا يقتصر فقط على الشريط الحدودي بل ربما يمتد إلى داخل القطاع لأن حلف الناتو سوف يحاول التذرع باستخدام نظرية "التدخل لدواعي الاعتبارات الإنسانية ومحاربة الإرهاب"، خاصة وأن نظرية التدخل الدولي الإنساني أصبحت أمراً واقعاً في النظام الدولي المعاصر وتجد المساندة بواسطة العديد من الأطراف من أبرزها:
• دول الاتحاد الأوروبي.
• الرأي العام الأمريكي والأوروبي.
• الأمم المتحدة.
إضافة إلى أنها تتيح للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تفادي الحرج والنفقات والخسائر التي يمكن أن تترتب على المواجهات التي قد تحدث داخل قطاع غزة بين الفلسطينيين وقوات الناتو. أما ولاية قوات الناتو في المنطقة فسوف تسعى الإدارة الأمريكية إلى إلزام الدول الخليجية والسعودية بتحمل نفقاتها تحت ذرائع عديدة أبرزها:
• أن وجود هذه القوات يدخل ضمن إطار شراكة أمريكية مع السعودية ودول الخليج في ملف الحرب ضد الإرهاب.
• إن وجود هذه القوات يتم في إطار عمليات حفظ السلام وإنجاز مشروع سلام أنابوليس الذي يتوجب على الأطراف العربية القيام بدور فيه.
• إن وجود هذه القوات يدعم "شرعية" السلطة الفلسطينية في مواجهة الحركات الإرهابية الفلسطينية.
• إن وجود هذه القوات سوف يمهد الطريق ويفتح السبيل أمام الحل السلمي الشامل لمشكلة الشرق الأوسط.
إن لعبة "نشر قوات حلف الناتو في منطقة شرق المتوسط" مثلها مثل الألعاب الإقليمية الأخرى وذلك لجهة خضوعها لمبدأ "التقيد بقواعد اللعبة" ومن أهم هذه القواعد:
• إبعاد سوريا عن التحركات التمهيدية الجارية حالياً.
• إبعاد إيران عن منطقة شرق المتوسط.
• الضغط على مصر والأردن والسعودية ودول الخليج.
• إعادة توجيه السياسة الخارجية التركية بما ينسجم مع توجهات ومهام الناتو الجديدة المتوقعة في المنطقة.
• تمهيد المسرح الدولي عن طريق دفع مجلس الأمن الدولي لإصدار المزيد من القرارات الجديدة التي تهدف إلى تمهيد المسرح الإقليمي الشرق متوسطي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
|