تقول التسريبات بأن وزراء خارجية الدول المعنية بـ«المشروع المتوسطي» سيعقدون اجتماعاتهم في يومي 3 و4 تموز القادم، وذلك من أجل إعداد الترتيبات المتعلقة بانعقاد قمة «المشروع المتوسطي» في العاصمة الفرنسية باريس يوم 13 تموز 2008م.
* قمة «المشروع المتوسطي» وإشكالية الأجندة:
تقول المعلومات بأن وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيشارك في اجتماعات وزراء خارجية «المشروع المتوسطي» وبأن الرئيس الأسد قد تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي يدعوه فيها لحضور القمة. وحتى الآن لا توجد أجندة واضحة لـ«المشروع المتوسطي» وعلى الأغلب أن تحاول حكومة ساركوزي الفرنسية –على خلفية علاقات عبر الأطلنطي وتحالفاتها مع حكومات يمين الوسط الأوروبية- أن تحاول الاستفادة من ظاهرة فراغ الأجندة والتقدم لملء هذا الفراغ بمحاولة توجيه القمة في الاتجاه الذي رسمته مسبقاً دوائر قصر الإليزيه.
* الورقة المصرية: هل هي تعبير عن "أجندة حقيقية" أم أنها "بالونة اختبار" ساركوزيّة؟
تشير التسريبات إلى قيام الخارجية المصرية بإعداد ورقة وتعميمها على الأطراف العربية وكان اللافت للنظر أن مضمون هذه الورقة قد وجد بعض الاعتراضات التي دفعت سوريا إلى إصدار تحفظاتها والتي تمثل أبرزها في:
• عدم الموافقة على استخدام الورقة المصرية لعبارة "الشراكة في المتوسط".
• التحفظ على تأسيس مشروع مستقل خارج إطار عملية برشلونة.
• عدم حصر انعقاد الاجتماعات في أوروبا.
ولم يتوقف الأمر على تحفظات سوريا، فقد أعلنت ليبيا على لسان مسؤول العلاقات الليبية – المصرية بأن طرابلس تؤيد من حيث المبدأ مشروع «الاتحاد المتوسطي» ولكنها ترى بأن الغموض ما زال يكتنف بعض جوانبه.
* العلاقات عبر ضفتي المتوسط: أبرز التحديات:
لفترة طويلة من الزمن ظلت المحاولات تبذل واحدة تلو الأخرى لمد جسور التعاون بين دول شمال وجنوب البحر المتوسط وكانت هذه المحاولات تصطدم دائماً بالكثير من العراقيل التي من أبرزها:
• تأثير العامل الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص أن إسرائيل تحاول استخدام «المشروع المتوسطي» من أجل حرق المراحل والقفز إلى مرحلة الاندماج مع الدول العربية طالما أنها تجد الدعم من فرنسا وبقية دول شمال المتوسط الأوروبية.
• تأثير عامل علاقات عبر الأطلنطي وعلى وجه الخصوص روابط أمريكا بالاتحاد الأوروبي وهي روابط تقوم على معاهدات سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية – إستراتيجية يصعب على الدول الأوروبية تخطي سقفها.
• تأثير صعود اليمين ويمين الوسط في أوروبا وعلى وجه الخصوص القوى السياسية التي تطالب بالتشدد في سياسات الهجرة واستيعاب المهاجرين القادمين من دول جنوب المتوسط.
* مشروع «الاتحاد المتوسطي»: ما بين المعلن وغير المعلن:
من المعروف للجميع الارتباط الوثيق الذي يجمع الرئيس ساركوزي بإسرائيل والإدارة الأمريكية، وهذا ليس اتهاماً لأن ساركوزي نفسه قد جاهر بذلك بكل وضوح حتى قبل حملته الانتخابية الرئاسية. فهل يهدف الرئيس الفرنسي إلى فتح الباب أما العرب لدخول أوروبا، أم أنه يسعى لفتح النافذة الأوروبية أمام الإسرائيليين للدخول إلى العالم العربي؟
الهدف الأساسي للإسرائيليين هو الدخول إلى العالم العربي بما يؤدي إلى إدماج إسرائيل في المنطقة دون دفع الثمن الذي سوف لن يقل عن إرجاع الجولان كاملاً لسوريا ورد الحقوق الفلسطينية.
* الورقة المصرية: هل هي "حصان طروادة":
تحدثت الورقة المصرية عن "الشراكة في المتوسط" ضمن إطار نظري يهدف إلى قطع الصلة بين الحاضر والماضي، وعلى ما يبدو فقد كان الهدف هو إغلاق الطريق أمام كل ما يعرقل استخدام الإسرائيليين للنافذة التي سيسعى الرئيس ساركوزي بلا شك (وبرغم الاعتراضات والتحفظات) إلى فتحها متى ما سنحت له الفرصة بذلك خلال المراحل القادمة.
تسمية "الشراكة في المتوسط" هي تسمية تتضمن في ظاهرها التوصيف الشكلي للعلاقات بين ضفتي المتوسط باعتبارها "شراكة"، لكن في باطنها تتضمن التأكيد على أن يكون توازن هذه الشراكة قائماً على عدم ربطها بعملية برشلونة وغيرها. كذلك، ولما كانت الأطراف الأوروبية الرئيسية الأربعة (فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، اليونان) المعنية بموضوع "الشراكة في المتوسط" (المفترضة مصرياً) ترتبط باتفاقيات وروابط مع إسرائيل فإن بنود الشراكة لو تم اعتمادها ستتضمن توفير المزيد من المزايا غير المباشرة لإسرائيل التي سيشدد حلفائها الأوروبيون على ضرورة إعطائها المزيد من المزايا التفضيلية بغض النظر عن ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي.
* مشروع «الاتحاد المتوسطي» وإشكالية توازن المصالح:
من المعروف، وعلى خلفية معطيات خبرة الحوار المتوسطي، بأن هناك منظورين يتشكل على أساسهما الحوار بين الطرفين:
• منظور جنوب المتوسط: يرى بأن علاقات عبر المتوسط ستحقق لها الحصول على عدة مزايا كالتكنولوجيا المتطورة وتسهيل حركة الأفراد والسلع والخدمات وتسهيل تدفقات رأس المال الأجنبي المباشرة وغير المباشرة.
• منظور شمال المتوسط: يرى بأن علاقات عبر المتوسط ستحقق لها تعزيز أمن الطاقة الأوروبي والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب وتعزيز خط أمني لحماية جنوب أوروبا بالإضافة إلى إضعاف علاقات الأجزاء العربية الشمالية - الجنوبية.
وعلى هذه الخلفية نلاحظ أن هناك تفاوتاً في المنظور الإدراكي وذلك على أساس اعتبارات أن منظور جنوب المتوسط (العربي) يركز على التعاون الاقتصادي بينما يركز منظور شمال المتوسط (الأوروبي) على التعاون الأمني، فهل سيستطيع قصر الإليزيه بقيادة ساركوزي إقناع أطراف الجنوب بعقد صفقة "التعاون الأمني" مقابل "التعاون الاقتصادي"؟ وهل ستستطيع دول جنوب المتوسط إقناع ساركوزي بأن التعاون الأمني غير ممكن في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان وعدم رد الحقوق الفلسطينية؟ وهل ستستطيع "جزرة" ساركوزي إقناع الأطراف العربية بتقديم ما لم تستطيع "عصا" جورج بوش الحصول عليه منهم؟
|