إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"الحركة التجديدية" في فخ فساد النظام البرلماني والانتخابي في كيانات الوطن السوري ج وأخير2

طه غدار

نسخة للطباعة 2018-04-24

إقرأ ايضاً


ويُسر سعاده إلى صديقه ورفيقه رفيق الحلبي (رسالة بتاريخ 22/6/1947) بموقفه من مسألة مرشحي الحزب الذين قَبِلَ بهم في ظروف حزبية عاصفة وأخرى في ظل ملاحقته من قبل الحكومة اللبنانية: "إني أحمد الله على حصول التزوير وسقوط مرشحي الحزب في محافظة جبل لبنان والجنوب، فلو نجحوا لكان بعضهم خلق لنا مشاكل جديدة نحن في غنى عنها. وقد طرد حافظ منذر لتمرده على أوامر الحزب ومحاولته استغلال قوة الحزب الذي رشّحه لأنانيته ونفعيته، وقد ظهر منه في الموقف المذكور تصرف دنيء مخجل". تلك هي الصورة المخزية لوضع المرشحين الذين رشحتهم القيادة الحزبية الخائنة خلال فترة غيابه القسرية. مما اضطره لصياغة البيانات الحزبية لهم ولكنهم رفضوا التقيد بمضمونها خلال جولاتهم في المناطق.

قواعد الترشيح للنيابة: ونختتم هذا العرض بمقالة الزعيم "قواعد الترشيح للنيابة في الحزب القومي الاجتماعي" (كانون الثاني 1949) وفيها يعرض لمسألة المرشحين في لبنان والشام والأردن والذين وافقت القيادة المنحرفة على ترشيحهم خلال فترة غيابه فيؤكد على ضرورة "حفظ المراكز الأمامية في الحزب للذين يحاربون حرب القضية والنظام، فلا يجوز أن يتقدم إليها من لا يحملون حمل العقيدة والنظام، مهما بلغت مهارتهم في اجتذاب ميول الجماهير بأساليب الديماغوجية.

وينتج من هذا الدرس، أنه يجب أن يخضع الترشيح للنيابة من ضمن الحزب لقواعد ثابتة، لأن النيابة تعني التعبير عن القضية القومية الاجتماعية وعن إرادة القوميين الاجتماعيين العامة المتجلية في تعاليم حزبهم وفي زعامة سعاده، وهذه القواعد الثابتة هي:

أولاً: أن يكون المرشح مشبعاً بروح التعاليم القومية الاجتماعية وقوي التعبير عنها.

ثانياً: أن يكون ذا نظامية ممتازة.

ثالثاً: أن يكون منفذاً للخطط السياسية المقررة من المراجع المختصة بكل دقة وأمانة.

رابعأً: أن يكون من غير الذين ظهر منهم ترجرج في العقيدة والنظام.

خامساً: أن يكون من المحاربين في الصفوف الأمامية في سبيل العقيدة القومية الاجتماعية ونظام الحركة القومية الاجتماعية، وأن يكون حاملاً في جبهته ولو أثراً من آثار المعركة (وآثار المعركة ليست سجناً أو اعتقالاً بسبب القيام بوظيفة أسندت اضطراراً، في بعض الظروف، كما كان الحال مع عدد من الخونة المطرودين،

أمثال صلاح لبكي ومن جرى مجراه، بل تحمل الاضطهاد والخصومة والاستمرار في العراك بالقول والفعل تحت كل الظروف).

الديمقراطية الجديدة:

واضح أن الديمقراطية تعني أن الشعب هو صاحب السيادة، ويمارسها بالاقتراع الانتخابي. وينبَّه سعاده في مقالته (الزعيم في سانتياغو أيضاً – 1/6/1940) إلى ضرورة معرفة السوريين القوميين الاجتماعيين واجباتهم في المسألة الديمقراطية موجِّهاً عنايتنا للعمل "لإنقاذ الديمقراطية من الهلاك" لتغدو صالحة "لنفع الإنسان وتكفل حقوق الإنسان". ودعانا إلى ديمقراطية جديدة هي التعبيرية وهي في صلب دستورنا. وعملية التعاقد الفردي مع المؤسس هي أسمى تعبير عن أرقى ديمقراطية جديدة، تفخر سورية بتقديمها للبشرية.

الإرادة العامة الحقيقية

بعد انكشاف أمر الحزب عام 1935، وسجن سعاده مرتين متتاليتين، أعلنت الحكومة اللبنانية إجراء الانتخابات العامة في لبنان في خريف العام 1937. وجد سعاده أن الفرصة سانحة لإعطاء درس للقوميين ولشعبنا في كيفية ممارسة عملية الاقتراع بعد قرون من الغياب عن الشأن العام، لاسيما أن شعبنا كان قد مرَّ عليه زمن طويل لم يُمارس هذه العملية الانتخابية.

أراد سعاده بالأساس لفت النظر إلى موقف القوميين المميز من العملية الانتخابية التي جرت عام 1937، وإبراز هذا الموقف الموحد والجديد في آن. وهذا ما يشير إليه في رسالته لأدويك جريديني (12 نوفمبر 1937) عن موقف القوميين من اختبار الانتخابات، وأن الحزب قد قطع بسلام "أعظم أزمة مرت بالحزب حتى اليوم". فقد أدرك القوميون حقيقة شخصية الأمة، وأعطوا مثالاً أعلى في التخلي عن كل الاعتقادات القديمة الفاسدة، وتحلوا بثقافة مدنية جديدة. ومن لم ينحو هذا المنحى من الرفقاء فصله أو طرده من الحزب. فكان أن قام بعملية تطهير واسعة من كل الأنانيات والنزعات العشائرية والعائلية. وأعاد للحزب صلابته وقوته. وإن عملية التطهير هذه كان لها تأثير إيجابي داخل الحزب وخارجه. فكانت بداية انطلاقة الحزب الشعبية، بعد انصياع الأعضاء لأوامره مما أوجد الإرادة العامة الحقيقية داخل الحزب. فكان هذا أول درس يلقيه سعاده على القوميين والأمة جمعاء حول مسألة الانتخابات ومسألة مفهوم المسؤولية العامة، وفقاً لمفهومنا القومي الاجتماعي.

كان الحزب في بداية نشوئه، وإطلالته على الشأن العام في لبنان، لذلك كان بحاجة لهدنة مع الحكومة اللبنانية تسمح له بسهولة التواصل مع الشعب وعرض أفكاره وإصدار جريدة تحمل صوت الحزب. وبعدما أخذ سعاده بالاعتبار ظروف الحزب الداخلية، وكان مقتنعاً جداً بالمفاسد الجارية من جراء الانتخابات. ولمس واقع الائتلافات القائمة، وأنها كلها لا تحمل جديداً للبنان، لذلك فضّل الحصول على مكاسب من خلال اتفاقه مع الحكومة، فكان أن خرج من السجن، وأصدر بعدها جريدة "النهضة"، ثمرة هذا الاتفاق.

إعادة بناء الحزب:

أما انتخابات العام 1947، فقد عمل سعاده لاستعادة الحزب ولإعادة بث الروح القومية في نفوس الأعضاء. كما لمس أن الأمور قد تبدلت، وأن الحزب قد أصبح قوة لا يستهان بها. فخاض الحزب الانتخابات على أساس برامجه الاقتصادية والاجتماعية.

إنَّ عودة سعاده إلى الوطن عام 1947، قد أعطت الحزب زخماً قوياً، وسلطت الأضواء عليه. وطرح سعاده من خلال وضعه برامج المرشحين القوميين مشاريع حيوية تعود بالخير على الشعب الذي كان بأمس الحاجة لهكذا مشاريع تزيح عنه شظف العيش. لذلك نراه يسرع ليؤكد على "الثورة" التي يُحدثها ترشيح أعضاء الحزب، والمسؤولية العالية التي يتحملها عضو الحزب الفائز بالنيابة وعمله الدؤوب لإجراء الإصلاحات المنتظرة والمواقف القومية المميزة، ما يميزه عن طروحات بقية الأحزاب الضيقة الأفق على الصعيدين القومي والاجتماعي بمشاريعه الاقتصادية والاجتماعية والتربوية...

هكذا يكون سعاده بواسطة هذه البيانات ذات المشاريع العمرانية قد أعاد للحزب ألقه الذي افتقده خلال فترة غيابه القسرية من جراء أعمال القيادة المنحرفة. كما شرَّع لكيفية إقامة التحالفات الانتخابية والأسس القومية التي يجب أن يقوم عليها أي ائتلاف مع أحزاب أو شخصيات سياسية.

ويشير سعاده في مقالاته إلى الأثر السيئ الذي أحدثته أول عملية تزوير للانتخابات الأولى بعد نيل الاستقلال المزعوم، ليؤكد على متانة العلاقات بين الإقطاع المحلي وحلفائه الداخليين والخارجيين. وإلى تأثير التدخلات الأجنبية في مسألة الانتخابات.

وتسمح لنا قراءات سعاده لهذا الواقع بتبيان الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية... على حقيقتها، والمفاسد العديدة في مختلف إدارات الكيان اللبناني، كما في بقية الكيانات السورية.

كما تعطي هذه القراءات صورة واضحة عن واقع الحزب الداخلي، وأوضاع القوميين في بعض المناطق، وحالة الضعف والقوة في بعضها وأسبابه...

ونتيجة الواقع السياسي لحكومة الكيان اللبناني، وافتعالها مسألة الملاحقة غير القانونية للزعيم بعد خطابه في 2 آذار 1947، يطرح على زوجته في رسالته (5 مايو 1947) إمكانية ترشحه للانتخابات النيابية في حال تمَّ "الاتفاق مع بعض أصحاب النفوذ الحكومي" لسحب مذكرة التوقيف بحقه. فيصبح لديه حصانة نيابية تكون له خير معين في عمله القومي الاجتماعي.

اهتم سعاده بعملية البناء السياسي والاجتماعي للقوميين والشعب، لذلك توخى في كل عمل من أعماله إعطاء دروس للشعب ليفقه حقوقه ومصالحه. وإيقاظه على حقيقته القومية وثرواته الطبيعية. لذلك صاغ معايير وقواعد للمرشحين للنيابة، ممن يحملون اختصاصات ومؤهلات علمية وقومية تساهم في رفع مستوى الوعي عند شعبنا تعينه لمعرفة مصالحه وحقوقه.

وقد صاغ سعاده هذه القواعد رداً على القيادة المنحرفة، كما ليدرك القوميون ضرورة اختيار المؤهلين ممن هم يحملون رتباً على الصعيد السياسي. وهؤلاء يجب أن يمتلكوا معرفة عالية بمصالح الشعب الحيوية: في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتربوية و... لذلك نراه يحدد معنى النيابة واختصاصاتها في أكثر من مقالة، ويشير في مقالته سياسة مصلحة الحكم (22/8/1938) إلى واقع النواب في لبنان "الذين قامت نيابتهم عن الشعب على أساس العائلة والدين والمال والخبرة في فن المداهنة السياسية..". وإن الحاجة إلى "رجال قضايا اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية" على الصعيد القومي العام. وأنه آن للشعب أن يدرك أن التغيير يبدأ من نفسه "في تقاليده وتعاليمه التقليدية واتجاهاته الفكرية". وإن الشعب يحتاج لحزب مبادئ ومناهج قومية مستمدة من مصلحة الأمة. توجّه الشعب إلى نظام حياة اجتماعية سياسية جديدة تعرّف شعبنا إلى حقوقه ومصالحه الحيوية.

التربية السياسية الجديدة:

تضيء هذه المقالات للزعيم على نظرته الجديدة للحياة السياسية في بلادنا. من حالة حياة إلى حياة أخرى جديدة على كل الصعد:

1- فهو يذكر، أنها المرة الأولى في تاريخ البلاد السياسي الحديث، تظهر النظرة المجموعية بعد اتخاذ الحزب موقفه السياسي من انتخابات العام 1937. وكيف برزت وحدة الصف القومي من خلال اقتراع الرفقاء نقيض رغباتهم الفردية، معتبراً هذا الموقف اختباراً جديداً للسوريين القوميين، ودرساً للأمة جمعاء.

2- إقامة الإئتلافات الانتخابية على أساس المصالح القومية العامة، لا المصالح الفئوية والمذهبية و...

3- إن الموقف السياسي الذي اتخذه الحزب، كان امتحاناً للأحزاب الناشئة، مؤكداً على موقف الحزب المميز والجديد في آن في الحياة السياسية في سورية. من خلال تطبيقه منهاج التربية السياسية على الأعضاء، معتبراً إياه نجاحاً للأمة.

4- تصويب النظر نحو "قيمة" التصويت الديمقراطية. فتكون قيمة مضافة لا مجرد قيمة عددية. فالديمقراطية ليست عملية رمي ورقة في صندوق الاقتراع.

5- عدم خوض الانتخابات بالأساليب الطائفية والعشائرية و... مما يُعّد انتصاراً للحزب، الذي يرسِّخ طريقاً جديداً للحياة السياسية في سورية.

6- رفع معنويات القوميين (عام 1947) وعمل لإعادة اللحمة فيما بينهم مشدداً على المبادئ والمناهج الانتخابية لا المنافع الشخصية.

7- اعتبار الحزب أعظم قوة انتخابية منظمة في كل سورية.

8- الإعلان عن أن ترشح القوميين في الانتخابات يُحدث "ثورة" لأن مرشحي الحزب يعملون للإصلاح العام، ويؤدون المسؤولية الصحيحة في حال نجاحهم في الانتخابات النيابية أو استلامهم الحكم... لأنهم يحملون منهاجاً عقائدياً واضحاً.

9- الموقف المبدئي: ترشح القوميين منفردين على ترشحهم مع ممثلي الإقطاع المحلي. لأن القوميين يمثلون الأمة ومصالحها، ويترشحون على أساس مناهج إصلاحية عامة.

10- مهمة المرشح القومي: تمثيل الأمة ومصالحها القومية في أي كيان من كيانات الوطن السوري، متحملاً أعباء المسؤولية العامة عبر القيام بمجهود كبير قومي للمصلحة القومية العامة.

تعتبر مقالات سعاده حول الانتخابات النيابية عامي 1937 و1947 خير معين عن حال الأمة وحال الحزب. يمكن أن نأخذ منها الدروس والعبر لمتابعة مسيرتنا الحزبية والقومية في آن. فعندما لا يكون التغيير ممكناً عبر ترشيح ممثلين للحزب إلى المجلس النيابي من الأفضل أن تعمل إدارة الحزب لتحقيق مكاسب سياسية كما فعل سعاده عام 1937.

وإذا عمدت الإدارة الحزبية إلى الإقدام على ترشيح ممثلين للحزب إلى المجلس النيابي، فعليها الالتزام بالمعايير والقواعد التي صاغها سعاده عام 1949.

هذه القواعد التي كان من الجدير قوننتها في قانون يصدر عن أول مجلس أعلى! فتلتزم بها رئاسة الحزب، دون مرور الترشيحات إلى المجلس الأعلى، المحددة صلاحياته كسلطة تشريعية. فتناقش الترشيحات ضمن المكتب السياسي المركزي وفقاً للرتب على الصعيد السياسي التي يكون حاصلاً عليها المرشح. وهكذا، كان من الممكن إبراز الوجه المشرق لنهج الحزب عند استلامه للحكم. كما تبرز هكذا حسنات نظامنا الفريد من نوعه، والذي هو "هبة سورية" إلى البشرية وهو "دستورنا في سورية" (كما يقول سعاده في خطابه في سانتياغو عام 1940). هذا الدستور الذي لم يُطبَّق بعد!؟ وهكذا تكون "الحركة التجديدية" قد وقعت في فخ فساد النظام البرلماني والانتخابي المعمول به في كيانات وطننا السوري.

*انتهى *

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024