ايها الرفقاء
اثنان وستون عاماً على جريمة اغتيال باعث النهضة أنطون سعاده، في فجر يوم الثامن من تموز 1949، وتظل تلك الجريمة الغادرة حاضرة في بشاعتها بوصفها جريمة العصر بامتياز. وهي لن تطوى بتقادم زمن ولن يغسل عار مجرميها كل الكتب المدفوعة الأجر لتلميع صورة مرتكبيها الذين لن يغفر لهم التاريخ فعلتهم باغتيال زعيم ومؤسس أعظم نهضة عرفها الشرق.
ارادوها منصة اعدام للقضاء على سعاده والفكرة والحركة، وقتل قيم الحق والعدالة والانسانية، فاستحالت منصة للشهادة والفداء، وقاعدة توثب وانطلاق بالفكرة والحركة اللتين اطلق شرارتهما شهيد الثامن من تموز..
ايها الرفقاء
"أنا أموت أما حزبي فباق" قالها سعاده في مواجهة قتلته وجلاديه. وإن ثبات حزبكم في ساح الصراع، حزباً صلباً رائداً يتقدم الصفوف في المقاومة ويخط بدماء مجاهديه وأبطاله أعظم ملاحم العز والانتصار.. لهو دليل قاطع على أن الحزب باق وحي ومبادئه خشبة الخلاص لشعبنا من الويلات التي تنزل به.
ولأن الثامن من تموز يفيض بعبق الشهادة، نعود إلى بدايات الحروف التي تشكلت منها أبجدية الصراع.. فنؤكد الاستمرار على طريق الصراع حتى آخر نقاط الدم.. فالدم هو العنوان والشعار والهتاف، وبالدم نفتدي أرضنا وأمتنا والعزة والكرامة والعنفوان. هكذا كان سعاده وهذا ما يجب أن نكون نحن عليه..
أيها الرفقاء
ان المؤامرة دخلت طوراً جديداً وخطيراً، يستهدف ضرب منظومة القيم والمفاهيم والمبادىء والاخلاقيات التي يرتكز إليها مجتمعنا.. والمؤامرة في طورها الجديد، تجاوزت بخطورتها "سايكس ـ بيكو" و "بلفور" البريطاني، وارتدادات المؤامرة ستكون أشد وطأة من نكبة فلسطين ومن النكسة، ومن سلخ اللواء السليب.. واحتلال العراق..
المؤامرة هي مسار جديد لتقسيم ما قسمته "سايكس ـ بيكو". وهي "بلفور عربي" يعترف بدولة يهودية على أرض فلسطين، وهذا المسار يستهدف تفتيت أمتنا وعالمنا العربي، وإعادة تشكيلهما على أساس محميات للمذاهب والطوائف والإتنيات.. والهدف هو هو تصفية قوى المقاومة والصمود والممانعة وضرب كل مكمن قوة ومنعة في الأمة، لمصلحة العدو اليهودي وحلفائه..
المؤامرة في طورها الجديد تستهدف طمس هويتنا وتجهيل تاريخنا ومحو ذاكرتنا القومية، وتدجين وعينا واستلاب ارادتنا.. وترويضنا على قاعدة "مفاهيم" جديدة تشرع لنا إقامة الجدران السميكة بين مذاهبنا وطوائفنا واتنياتنا، وتزرع الفتن الداخلية بين نسيجنا الاجتماعي الحضاري، بينما تقيم لـ "اسرائيل" دولة واسعة شاسعة يمتد نفوذها وسيطرتها من الفرات الى النيل..
وارتباطاً بهذا الطور الجديد من المؤامرة، نرى أن النظام الطائفي في لبنان، الذي قتل أنطون سعاده قبل 62 عاماً، هو نفسه يقتل الحلم بقيام الدولة المدنية الديمقراطية القوية، ولا يزال الفساد والطغيان والرجعية سمة هذا النظام، ولا يزال الولاء الطائفي يحل محل رابطة المواطنة، ولا يزال هناك من يتلطى خلف صيغة الامتيازات الطائفية والمذهبية ليبرر لنفسه التآمر على مشروع المقاومة وأهداف التحرر والتحرير..
في لبنان، ستظل أولوياتنا ما نص عليه برنامج الثورة القومية الاجتماعية، وهي إعدام النظام الطائفي والقضاء على الفساد وتحقيق العدل الاجتماعي والحقوقي بقيام الدولة المدنية المعاصرة..
وإن ما تشهده الشام هذه الايام من حملة عدائية غير مسبوقة، هو شكل جديد من أشكال الاستهداف، الذي يسعى الى ضرب معاقل القوة التي تدعم حركة المقاومة في مواجهة العدو اليهودي..
نحن ندرك ان هناك مطالب للناس لا يجوز تأخيرها أو تأجيلها، لكن هل ما يحصل في الشام هو حركة مطالب ومن اجل تحقيق المطالب؟!
المؤامرة في طورها الجديد، اكتشفت طريقة سحرية للتوغل والاستهداف، فأسست دشم قنص على ظهر ما اصطلح على تسميته تحركات مطلبية.. فرأينا ما رأينا من عمليات فوضى وتخريب وقتل قامت بها حفنة من المجرمين المدججين بشتى صنوف الأسلحة لزرع بذور الفتنة والشقاق بهدف تصديع وحدة مجتمعنا..
لذا، فمسؤولية القوميين الاجتماعيين أساسية لتعزيز الوحدة من خلال الفعل النهضوي عبر حركة اجتماعية ـ ثقافية ناشطة تعزز الخيارات القومية في مواجهة أعداء الأمة.
لقد نجحت المؤامرة في احتلال العراق وتصديع وحدته وتدمير حضارته وقتل ملايين العراقيين وفتح مستقبل أبنائه على مجهول التقسيم، لكنها فشلت في إخضاع إرادة المقاومة.. فالاحتلال لا يزال في مرمى المقاومين، وقد بدأ بالعد العكسي لتقهقره، لكن أخطر مساوىء الاحتلال ضرب النسيج العراقي، فالعراق يحتاج سنوات حتى يستعيد نسيجه الاجتماعي روحية الوحدة والإخاء.
لذا، يجب مواجهة مخطط التفتيت والعمل على استعادة العراق لدوره لما يمثله من عمق قومي استراتيجي في معركة المصير القومي من أجل فلسطين.
ونتطلع إلى أن ترتسم قريباً في الأردن مشهدية جديدة تنسجم مع إرادة أبناء شعبنا في الأردن الذين يتطلعون إلى بناء علاقات التفاعل الوحدوي ضمن البيئة القومية في الهلال الخصيب، ونعتبر أن محاولات محاصرة الأردن، تارة من خلال تكبيله باتفاقيات الاذعان مع العدو وتارة بعرض عضوية مجلس التعاون الخليجي عليه، هي محاولات لاجهاض حركة الوعي الشعبي المؤمن بضرورة وحدة كيانات هلاله الخصيب..
إن دور القوميين الاجتماعيين أساسي في الاردن، خصوصاً لجهة تعزيز فكرة الوحدة ومواكبة أبناء شعبنا من خلال تأكيد الخيار المدني الديمقراطي الصراعي، ليكون الرد على ما هو قائم، وعلى ما يطرح من بدائل تسكنها علة التطرف.
أيها الرفقاء
في الثامن من تموز، ذكرى الإستشهاد المضيء، تحضر فلسطين في قلب الصراع. فلقد وضع سعاده أسس ومرتكزات الصراع، منذ لحظة إعلانه عن الخطة القومية النظامية الدقيقة المعاكسة للخطة الصهيونية الدقيقة التي تستهدف أمتنا، وجسد دعواته لوعي أخطار المشروع اليهودي بالجهاد والصراع، فكانت المواجهة على ارض فلسطين منذ العام 1936. لأن المسألة الفلسطينية هي شأن قومي حيوي ومصيري.
ولذلك، ندعو إلى إعادة الاعتبار لثوابت النضال الفلسطيني والقومي وهو أمر ملحّ وأساسي، ولا نرى أي معنى لمصالحات فلسطينية، إذا لم تكن وجهة هذه المصالحة خيار تحرير فلسطين وتثبيت دعائم الصراع..
ايها الرفقاء
استعدوا لطور جديد من المواجهة القومية والدور النهضوي الاجتماعي. فمعركتنا متعددة الأوجه، وأولوياتها تحرير إنساننا من وباء الفردية والأنانية واللوثة الطائفية والمذهبية، وتحصين مجتمعنا بالوعي القومي الوحدوي الضامن لهويتنا وحضارتنا ومستقبلنا.
لذلك، أنتم مدعوون ايها القوميون الاجتماعيون إلى ترسيخ مفاهيم الثورة الحقيقية التي أطلقها أنطون سعاده، ضد الاحتلال والاستعمار ودفاعاً عن الحق القومي.
أنتم مدعوون ايها القوميون الى مقاومة خطط الفرز الطائفي والمذهبي والاتني على امتداد مجتمعنا السوري..
انتم مدعوون أولا وأخيراً إلى الاقتداء بزعيمكم ومعلمكم وهاديكم سعاده، وتلبيه دعوته بأن "عودوا الى ساح الجهاد" فالساح ساحكم و "الحياة وقفة عز فقط"..
دمتم للحق والصراع
ولتحي سوريا وليحي سعاده
وكيل عميد الإذاعة والإعلام
المركز في 5 تموز 2011 الأمين حسان صقر
| 
نسخة للطباعة