إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المؤسسات العسكرية والأمنية في حزب سعادة (المبدأ الاصلاحي الخامس) ح. 2

طه غدار

نسخة للطباعة 2013-12-28

إقرأ ايضاً


باشر سعاده منذ تأسيسه الحزب، بإنشاء قوة قومية (خطابه المنهاجي عام 1935) لتقرير دور سورية المستقبلي في رسم سياسة الشرق الأدنى – كما كان الأمر في العصور المدنية الأولى – لأنه اعتبر أن القوة هي "القول الفصل" في رسم السياسات للمنطقة كلها.

ونقع في مقالات سعاده ورسائله على العديد من الإشارات إلى الموقع الاستراتيجي الفريد لسورية. فقد كان هذا الموقع يتمتع في غابر الزمان بقوة حربية حامية لا يستهان بها. يؤمل أن تُستعاد للدفاع عنه في خضم النزاعات بين الأمم.

كما أننا نجد في بعض مقالات سعاده، عدة إشارات إلى الحروب التي وقعت في الشرق الأقصى وأسبابها والمصالح المتأتية منها للدول العظمى آنذاك (في الثلاثينات). وله في هذا المجال العديد من المقالات في السياسات الحربية الدولية قبل تأسيسه الحزب وبعده.

كذلك تناول سعاده أسباب الحرب العالمية الأولى، ونتائجها على بلادنا والعالم. وكتب عدة مقالات عن الأزمات الأوروبية السابقة للحرب العالمية الثانية. كما تناول في ثلاثينات القرن الماضي الحروب القائمة بين بعض الدول في العالم، وسياسة الحروب وحرب الموارد الخام بين الدول العظمى، وكلها تؤكد على متابعته الدقيقة للسياسات الدولية وأطماع الدول الكبرى بموارد الأمم الصغرى.

الاستعداد للحرب الثانية

وقد كتب سعاده عن الحرب العالمية الثانية، ومواقعها العسكرية، ومصادر القوة والضعف لدى الدول المتحاربة. والأسباب التي تدفع ببعضها للنزوع إلى الحرب، وما ستخلّفه هذه الحرب في بلادنا، لأنها ستكون مسرحاً من مسارحها. وكيفية تمكننا من تأمين مصالحنا وسط المنازعات الحربية بين الدول.

ولقد استشرف سعاده وقوع هذه الحرب قبل وقوعها بسنوات:

ففي ندائه إلى الجالية السورية في البرازيل لمناسبة وفاة والده (الرابطة 28/7/1934) يقول: "ويُحسن بنا، في هذا الزمن العصيب، أن نذكر دائماً أننا على قيد خطوة من حرب جديدة، لا يدري أحد ما تكون نتيجتها وإنما ندري، نحن، أن وطنا سيكون مرسحاً من مراسحها، وأن أمتنا ستكون من جملة الأمم المقدمة الضحايا فيها. وهذا أمر، لابد أنه واقع، أردنا أم أبينا، فماذا أعددنا للساعة الآتية".

ويردد ذلك في رسائله إلى أدفيك شيبوب: "ولأن القضية القومية يجب أن تحصل على مركز متين قبل أن تداهم العالم حرب جديدة أرى أنها باتت قريبة" (17 نوفمبر 1937)، "ولما كانت الحياةُ السياسية تسير بسرعة شديدة في هذه الظروف التي تتسابق فيها الدول إلى التسلح، والحرب دائرة في الشرق الأقصى وفي إسبانية والاستعداد لحرب كبيرة عامة ساحقة يجري بسرعة..." (17 ديسمبر 1937)، "وإني أرى الحرب قادمة قريباً..." (5 فبراير 1938).

ويحذّر السوريين في المهجر في خطابه في أول آذار 1943، معلناً عن خطته لمشاركة سورية في الحرب أم في السلم. يقول:

"إذا تركت سورية الفرص الحاضرة والآتية تمر بلا فائدة لها، فليس من باب المبالغة القول، أنه يكون في ذلك القضاء على الأمة السورية قضاءً مبرماً. فإن خطط الاستعمار التي ذرّ قرنها منذ عقد من السنين ترمي إلى غير أهداف الاستعمار المعروف حتى الآن. إن هذه الخطط تهدد الأمم التي تقع في براثن الاستعمار بالفناء الأكيد. إن إدراكي كل خطورة الموقف جعلني أصرف قسماً كبيراً من اهتمامي لتنظيم الحركة السورية القومية الاجتماعية وإعدادها للحرب. كنت أقصد أن نخوض غمار الحرب لإثبات حقنا.

ولكن هذه الحرب فاجأتنا قبل وصول استعداد الحركة القومية الاجتماعية إلى الحالة التي تسمح بالإقدام على هذا الفعل الخطير.

وقد سبقت هذه الحرب استعدادنا بنحو أربع سنوات كانت ضرورية لتحريك المجاميع السورية في الخارج وحشد ما أمكن من القوى السورية ضمن الحدود وعبر الحدود ولاتخاذ التدابير السياسية اللازمة. ولكن إذا فاتتنا فرصة الحرب، وقد كانت في عزمي ألا تفوتنا وأن نحارب، فيجب ألا تفوتنا فرصة السلم المقبلة". هكذا كان سعي سعاده دؤوباً لتأمين المركز اللائق لسورية تحت الشمس.

القيادة الرشيدة

وكان سعاده قد كتب العديد من المقالات حول "الثورة الاعتباطية" في فلسطين، وامتداد العدو السرطاني في جسد الأمة. وبُعيد إعلان قيام الدولة اليهودية عام 1948، يقول أنه كفيلم يشاهده للمرة الثانية. لأنه كان قد لاحظ سياسة الحزبيات الدينية والإقطاعية في جزئنا الجنوبي من سورية، وما ستؤدي إليه من ويلات على كامل الوطن... "نحن لا نرى في هذه الثورة التي تدل على يقظة الشعب وعلى تألمه من الحالة الحاضرة، ولكنها لا تدل مطلقاً على تنظيم للقوى ومقدرة رشيده في القيادة..." (من رسالته إلى عبد الله النعواس 25/6/1936)، طالباً من القوميين عام 1948 أن يقوم كل بمقدوره في هذه الظروف المصيرية. ليعود ويؤكد في مكان آخر على أن مسألة فلسطين لن تحلّها إلاّ المقاومة القومية الشاملة كل أبناء الوطن.

لذلك طلب من القوميين المباشرة بالتحضير للحرب مع العدو بإعداد نواة الجيش القومي. فيتوجه في بلاغه بصدد تقسيم فلسطين (1 كانون الأول 1947) إلى القوميين الاجتماعيين معلناً بشكل واضح وصريح: "أن القوميين الاجتماعيين هم اليوم في حالة حرب من أجل فلسطين!.

على جميع نظار التدريب والمدربين أن يحصوا القوميين الاجتماعيين جرائد جرائد!

على جميع المنفذيات العامة والمديريات التابعة لها فتح سجلات تطوع للذين يريدون الانضمام إلى الجيش القومي الاجتماعي ليحاربوا تحت راية الزوبعة.

إن القوميين الاجتماعيين يشكّلون جيشاً بنفسه فلينضم كل قومي اجتماعي إلى جريدته وفرقته!

... إن قوتنا تقف متأهبة ليوم أعلنه بإرادة الشعب ولا نُساق إليه سوقاً بسياسة الخصوصيات والاختلاطات الغريبة!".

إعداد الحزب

ولمعرفته التامة بما تحتاجه الحرب مع عدو مماثل فهو يعود ويؤكد على ما سلف في خطابه في برج البراجنة (29/5/1949)، ورداً على رئيس وزارة الدولة اليهودية بن غوريون:

"إني أعلن محق تلك الدولة الغريبة ليس بقفزة خيالية وهمية، بل بما يعده الحزب القومي الاجتماعي من بناء عقدي وحربي يجعل من سورية قوة حربية عظيمة تعرف أن انتصار المصالح في صراع الحياة يُقرر بالقوة بعد أن يُقرر بالحق...

... نحن مستمرون اليوم في خطتنا. أن الدولة اليهودية تُخرَّج اليوم ضباطاً عسكريين، وأن الدولة السورية القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 تُخرّج هي أيضاً بدورها ضباطاً عسكريين!

ومتى ابتدأت جيوش الدولة الجديدة الغريبة تتحرك بغية تحقيق مطامعها الأثيمة والاستيلاء على أرض الآباء والأجداد، ابتدأت جيوشنا تتحرك لتطهير أرض الآباء والأجداد وميراث الأبناء والأحفاد من نجاسة تلك الدولة الغريبة!

هذا ليس آخر جواب نعطيه. لأن الجواب الأخير سيكون في ساحة الحرب متى قررت القيادة القومية إعلان الحرب"!

هذه هي مواقف سعادة العسكرية إزاء الخطر الداهم في فلسطين، وهذا هو كلامه الواضح والصريح لما يعدّه عملاً لا قولاً! فأين نحن منه اليوم؟

إن ثبات سعاده على مواقفه العملية يستتبع طرح السؤال التالي:

هل استطاع سعاده إعادة بناء الحزب، وبالتالي استرداده من خاطفيه (القيادة المنحرفة خلال فترة غيابه القسرية) ليتمكن من الإعلان بكل جلاء ووضوح عن محق الدولة اليهودية عام 1949؟

وبأية إمكانيات وقدرات؟ وبأي جيش؟ ومن أين يأتي بالسلاح لهذا الجيش؟ وبالأموال اللازمة؟ أسئلة عديدة يمكن طرحها في هذا المجال؟

تنظيم الحزب

مع العلم أن سعاده يكتب إلى زوجته من المقر في 17 مايو 1947 التالي:

"... لم أتمكن من تنظيم الحزب، بُعيد عودتي، إدارياً وسياسياً بسبب المشادة العنيفة بين الحزب والحكومة..." ليعود ويكتب لها في رسالة أخرى بتاريخ 18 يونيو 1947 بعد سقوط مرشحي الحزب في انتخابات أيار 1947 بعامل التزوير! "... ولم نكن نملك قوة سلاح للوقوف في وجه الأعمال الإرهابية التي جرت في بيروت ومناطق أخرى بتدبير رجال الحكومة".

إضافة إلى محاولة سعاده الحصول على سلاح عام 1949 من حسني الزعيم، وذلك لمواجهة إرهاب الحكومة اللبنانية بعد حادثة الجميزة المعروفة في حزيران 1949.

كما يمكن أن نطرح السؤال التالي: ماذا فعلت القيادة الحزبية خلال فترة غياب سعاده القسرية على الصعيد الأمني والعسكري؟

مع العلم أن سعاده كان قد أشرف بنفسه على التنظيم الأمني والعسكري للحزب في الثلاثينات، ورسائله إلى رئيس المجلس الأعلى عام 1938 تُفصح عن ذلك. فماذا حدث لهذا التنظيم؟

وعندما عاد إلى الوطن في آذار 1947، كان عميد التدريب جورج عبد المسيح وقد قَبِلَ سعاده استقالته لتكرار تقديمها من العميد بتاريخ 20/8/1947. وعَيَّن بديلاً عنه أديب قدورة الذي "أبدى فكرة تأليف فرقة قومية اجتماعية لأداء مساعدة حربية في فلسطين وحصل على موافقتي (الزعيم) ثم جرى انقطاع كبير".

(من رسالة الزعيم إلى رئيس وأعضاء مجلس العمد 26/3/1938)

هل يعني ذلك أن العميد الأول لم يكن منظماً لعمل عسكري في فلسطين أو سواها؟ ربما لان قيادة الحزب (مجلس أعلى ومجلس عمد) كانت منغمسة في وحول "الواقع اللبناني". لذلك تخلّت عن كل ما هو قومي لصالح الكيانية كما كان حاصلاً فعلاً. وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى البيان (الكراس) الذي أصدره فايز صايع كعميد للإذاعة شارحاً فيه القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى عام 1946 (قبل عودة الزعيم) برفض مشروع "سورية الكبرى" الذي طرحه الملك عبد الله لما سيُلحق من ضرر (على حد تعبيره) تجاه "استقلال لبنان".

والمعلوم أن الحزب استمر منغمساً في هذه السياسة بعد استشهاد سعادة عام 1949. فقد كتب سعيد نقي الدين الذي سبق له وتسلم عمدة الخارجية وعضوية لجنة سياسية، وكانت تجري اتصالات سياسية بالخفاء عنه إلى رئيس المجلس الأعلى عبدالله قبرصي في 9 تموز 1959، أن الحزب "مسركل" أي مقيّد ومرتهن لسياسة شمعون آنذاك؟

ويمكننا أن نضيف إلى السؤال السابق، ماذا فعلت القيادة الحزبية (بعد سفر رئيس المجلس الأعلى فخري معلوف عام 1939 إلى أميركانية لمتابعة تخصصه الدراسي) بالمؤسسات التي كان سعاده قد أنشأها في الميدان الأمني والعسكري؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024