إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الشهيد الرفيق بدوي وديع بركات

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2014-01-14

إقرأ ايضاً


لعل ما كتبه الأمين نجيب اسكندر عن رفيقه وصديقه بدوي بركات في الكتيب(1) الذي أصدرته عنه مديرية زغرتا المستقلة في أول آذار عام 1998، يوجز حياة الرفيق الشهيد، ويفسر لماذا اغتيل في البلدة التي أحب، وأعطى .

يقول الأمين نجيب اسكندر:

من يتذكر الظروف الصعبة والمأساوية، التي كانت تعيشها زغرتا، خصوصاً في الخمسينات ومطلع الستينات يتذكر، ولا شك، مجموعة من الشباب، الذين رفضوا الصراعات العائلية، ونتائجها المدمّرة، وانعكاساتها على مجرى حياة الناس، ويدرك مدى المعاناة والإضطهاد والضغوط، التي عاناها كل من رفض ذلك الأمر الواقع، واقع التذابح والفقر والتعصب والحقد، الذي كان يمارس من خلال الصراع المرير، الذي ذهب ضحيته عدد كبير من الشبان الأبرياء، وانعكس على البلدة، فشلّ فيها أي عمران أو تقدم، ودفع قسماً كبيراً من شبابها المتعلمين، إلى الهجرة أو الهرب.

في تلك الأيام السوداء، كانت هناك عادة أن تسير النسوة، قريبات القتيل، وراء نعشه يرقصن ألماً، ويحملن قطعة سلاح كانت له، او قطعة لباس من ألبسته. في صيف 1966، مشيت وراء نعش بدوي بركات، رأيت أمه تحمل كتاباً، وأخته قلماً وأوراقاً، ورفعت أخته الثانية دفتراً حوى بواكير أشعاره، وهنّ ينتحبن..!

كان بدوي رفيقي، وإلى ذلك كان صديقاً لي. وفوق كل ذلك، كان صديقاً للكلمة، عاشقاً للحوار، أليفاً للقلم، مدمناً للكتاب.. وكان معجباً ببولس الرسول... فيردد دائماً أمامي: لا يوجد مثيل لبولس الرسول في التاريخ، فهو كان ضالاً فاهتدى، وخريطة تجواله في سبيل المسيحية، ونشر الكلمة، تربكنا نحن وكل صاحب عقيدة، في هذا العالم. كانت حيوية بدوي بركات ملفتة، وبمقدار ما كان يحلم بتغيير محيطه وأمته وعالمه، كان يكره الجهل والتعصب والحقد. وكان يردد: "هذا وضع غير محتمل. يجب أن نحرّك الناس، ونحضرهم على رفع سباباتهم، رفضاً واتهاماً ً". آمن هذا الشاب، بعقيدة تحمل حلولاً، لمشاكل أبعد وأوسع وأكثر تعقيداً، من مشاكل بيئته وبلدته. فتحرك كل زمانه القصير، بفرح المؤمن بأنه يملك حلاً جذرياً، لمشكلة بلدته المتفجرة، فكان يورد الطرح بعد الطرح، مشدداً على وجوب خلق تيار محايد، عن طريق الحوار. لذلك، كان يملأ الشارع الرئيسي في البلدة، بمناقشاته ولقاءاته مع كل أصناف الناس واتجاهاتهم. وخلق جواً للنقاش والشك، حتى في المسلمات العائلية، التي كانت المحرك الأساسي في الصراع، طارحاً البديل. وانكب على تعليم الأميين، تجوالاً بين البلدات والقرى، حيث كان يتحدث إلى الناس، عن الحرية والتقدم ونبذ التعصب والتحرر من ربقة الإقطاع السياسي، وتوحيد الولاء للمجتمع والأمة...

مرّة، لفتتني ورقة زرقاء كانت في جيب قميصه.. سألته عنها.. قال إقرأها. كانت رسالة من فتاة لم أكن أعرفها، والذي ما زلت أتذكره من نص الرسالة، هو ما معناه: لا تحلم بتغيير العالم، وأنت تعيش في أرض الشوك والدم. خطابك أمس أثارهم، إهدأ. أنت لست بارتكوس. العالم لن يتغير. دع عنك همّ الآخرين، وتعال معي نهرب من هذا الجو الموبوء. فأنا أخاف ان يجرفك التيار، مع من سيجرف...

أذكر أنه كان يراقبني وأنا أقرأ الرسالة، وعندما انتهيت، قال: هذه فتاة خائفة، شأن كل الناس هنا. والمؤسف أن الحق إلى جانبها! فالناس هنا يعيشون كالخراف تنتظر الذبح، مع فارق أن الخراف، لا تعرف ذلك...

وبدلاً من الهرب والجمود، تابع بدوي بركات تنفيذ تقنية الحوار، الذي دعا إليه. فكان يخترق كل الصفوف، حتى المقاتلين، ويتحدث إليهم عن نتائج أعمالهم، و"يتحرش" بالطلاب والمزارعين والناس العاديين، وأصحاب المحلات ومساحي البويا، ويناقشهم بمحبة وانفتاح. وكان له مجلس في كل حي، يطرح المصير في المنازل والمدارس، يسلط الضوء على المآسي، يتحدث عن المستقبل، ويدعو إلى التغيير ووقف النزف، والالتفاف إلى البناء وإصلاح الأرض، والاهتمام بالعمل لتأمين لقمة العيش...

رحمة الله عليك أيها الشهيد! فيك مات الجسد، أما روحك.. ففرضت حقيقتها على هذا الوجود!

(1)في الكتيب كلمات لكل من "أصدقاء بدوي بركات"، المخرج المسرحي يعقوب شدراوي، الأمين نجيب اسكندر، أهل الرفيق الشهيد، وقصائد له.

المناضل العنيد

ــــــــــــــــــــــــــــــ

يورد الأمين غسان عز الدين في الجزء الثاني الصفحة 186 من مجلده " حوار مع الذاكرة " التالي:

" خلال تسلمي مسؤولية مفوض عام لبنان، لم أشكل هيئة مفوضية كاملة، واخترت فقط الرفيق الشهيد بدوي

بركات، كمسؤول في هيئة المفوضية عن الشؤون العسكرية والأمنية، وكان الرفيق الوحيد الذي يعرف صفتي الحزبية الرسمية. وقد عهدت إليه مهمة إعداد مجموعات صغيرة من الرفقاء، وتهيئتهم نفسياً وعملياً للقيام ببعض المهمات التأديبية... وقد أنجز ما طلب منه بدقة وسرية... وكنا على وشك تنفيذ أول عملية بحق السفاح أنطون العازوري، ولكن تم إعتقالي قبل أيام قليلة من تحديد موعد التنفيذ،

قبل إعتقالي كنت قد قمت في شهر حزيران 1962 بزيارة إلى منطقة الشمال وأمضيت فيها بضعة أيام، وفور عودتي إلى بيروت، تمّ إعتقالي وإعتقال مجموعة من رفقاء منطقة الشمال وبينهم الشهيد بدوي بركات.. وقد أصرّوا جميعهم ، سواء خلال التحقيق الأولي العنفي من قبل الشعبة الثانية، وخلال التحقيق من قبل المحقق العسكري في بيروت، على أنني لم أبحث مع أحد منهم مواضيع حزبية.. وأن لقاء بعضهم بي خلال زيارتي إلى منطقة الشمال، كان بعامل المعرفة القديمة والصداقة فقط.

***

نبذة عن حياة الرفيق الشهيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-ولد الرفيق بدوي في زغرتا عام 1931 .

-الأب وديع والأم مروى .

-انتمى إلى الحزب في 16/11/1956 .

-تولى مسؤوليتي مذيع ومدير في مديرية زغرتا في الفترة الممتدة بين عامي 1957- 1959، ثم مسؤولية ناظر إذاعة لمنفذية زغرتا حتى العام 1961 .

-انضم إلى مخيمات الحزب في الكورة في أحداث العام 1958 وقاتل في كل من الكورة وزغرتا .

-اعتقل لمدة شهرين إثر الثورة الإنقلابية 1961-1962 .

-نشط في إعداد المعركة الإنتخابية والإعلامية مع الرفيق إيلي حديد الذي أعلن خوضه للإنتخابات النيابية عام 1964، في الفترة الصعبة التي كان فيها القوميون الاجتماعيون الذين شاركوا في الثورة الإنقلابية، في السجون، وأجهزة المكتب الثاني الشهابي تلاحق رفقاءهم خارج السجن.

-استشهد عصر الثاني من أيلول 1966 في شارع الساحة الرئيسية في زغرتا، إذ إغتاله أحد الزبانية بالتواطؤ مع أجهزة المكتب الثاني. كان الزبانية أنفسهم إغتالوا شقيقه الرفيق بطرس قبل أشهر قليلة، خلال صراع عائلي.

-تميز الرفيق بدوي بركات بمناقبه، وأخلاقيته، وحيويته المتدفقة. كان شاعراً وخطيباً، وذا حضور لافت في بلدته. قاد حملة حزبية منذ العام 1957 ضد الإقطاع السياسي في زغرتا وانتقد بإستمرار الصراع العائلي، والتقاتل المحلي بين العائلات الذي خطف مئات الضحايا، كان هو أحدهم .

-في 22/2/2001 أصدر المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي القرار رقم 14/69 بتسمية الرفيق بدوي بركات شهيداً للحزب.

من قصائد الرفيق الشهيد بدوي بركات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

•يا أحبائي انظروا إلي !

إن أبناء صهيون أحرقوا وجهي

ووحوش البادية نهشت عظامي

*

فمنذ أجيال والغرب يسخر مني

وأعدائي ينصبون لي الفخاخ

"إرحموني يا أحبائي

فإن يد الله مستني"

وأشعلت نار الحب في أحشائي

من أجل فلسطين بلادي .

(المقطع الأول من قصيدته "أنشودة الثورة")


•ها أني أسمع صوتاً هادئاً عجيباً يغني لأرضنا

مع الربيع آتون

لنا مواعيد والسهل الأخضر

رف سنونو تحت آمالنا

في الشفق الأحمر

تزول في خطانا القمم

تفرح الحقول في فجرنا

والشمس تلتم

نحيا على وعد لغدنا

وفيه القضاء لنا

وفينا القدر .

(من قصيدة طويلة بعنوان "تشرين الأطفال")

***

لـو ...

لم يعلم الزهر حبيب الهوا

ما في فؤادي من جراح الهوى

لذوب البلسم من عطره

فيه ليشفيني

*

ولو رأى البلبل بين الغصون

نار ضلوعي في مياه الجفون

لحوّل المحزن من شعره

شدواً يسلّيني

*

ولو درى البدر عشيق النجوم

بما ألاقي من فنون الهموم

لأهمل الشهب ومن قصره

أهوى يؤاسيني

*

ولو درى الفجر بأني أرق

من نسمة الفجر لطول الأرق

لبلل الأضلع من قطره

وراح يبكيني

*

وإذا اليأس صدّ عنه قليلا

راح يبكي على نواه طويلا

وإذا ما النسيم مرّ عليه

فعليل أتى يعود عليلا

اثر الطرف شارد الفكر يحكي

مدلجاً في الظلام ضلّ السبيلا

تاه في عالم الخيال فضاعت

نفسه وهي تنشد المستحيلا

حوّل الأرض عالماً علويّا

قاطراً من وحولها سلسبيلا

ملأ العالم السماوي شدوا

منزلاً منه للورى إنجيلا

هاك عقد النجوم بين يديه

صار بعد إنفراطه إكليلا.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024