إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حق العودة غير قابل للتصرف

أسامة العرب - البناء

نسخة للطباعة 2018-01-13

إقرأ ايضاً


إنّ حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم هي من الحقوق المتصلة اتصالاً وثيقاً بحق الإنسان في وطنه وعلى أرضه. وقد اعترفت دول العالم أجمع بحق ستة ملايين لاجئ فلسطيني بالعودة إلى ديارهم من خلال القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، وقد أعادت الهيئة العامة تأكيد هذا الحق بأكثر من ثلاثين قراراً آخر.

أما اليوم، فقد عادت قضية التوطين إلى البروز من جديد، حيث شنّ نتنياهو أثناء ترؤسه جلسة الحكومة هجوماً لاذعاً على الأونروا «وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين» لأنها تساهم في الإبقاء على مشكلة اللاجئين، وتحافظ على حدّ قوله على «رواية حق العودة»، ولهذا فإنها يجب أن تنقضي. وزعم نتنياهو أنّ الأونروا أنشئت قبل سبعين عاماً فقط من أجل اللاجئين الفلسطينيين، فيما توجد لجنة تابعة للأمم المتحدة لمعالجة مشكلات سائر اللاجئين، معتبراً أنّ الأونروا تتعامل مع أحفاد أحفاد اللاجئين بأنهم لاجئون، وأنّ هذه سخافة يجب وقفها فوراً. في حين رأى الوزير إسرائيل كاتس أنّ الأونروا تخلّد اللجوء من خلال تمويل أحفاد الأحفاد الذين تصنّفهم بأنهم لاجئون، وأنّ مصلحة «إسرائيل» حلّ مشكلة اللاجئين حيث يقيمون، وهذا النقاش هو الأكبر منذ عام 1948». وقد نقلت صحيفة «هآرتس» أنّ نتنياهو يشجّع الدول على تقليص ميزانيات الأونروا تدريجياً، رغم التباين داخل الإدارة الأميركية حول هذا الشأن.

واللافت أنه ظهر في الإحصاءات الرسمية للأونروا التي أصدرتها عن اللاجئين الفلسطينيين وجود شطب لأسماء 168.940 لاجئاً مسجلاً من السجلات الرسمية. حيث أشارت إحصاءات 1/1/2011 الى وجود 4.966.664 لاجئاً فلسطينياً مسجلاً، فيما انخفض هذا الرقم لاحقاً إلى 4.797.724 لاجئاً أيّ بنقصان مقداره 168.940 لاجئاً. وبالتالي يبدو أنّ أسماء 19.219 لاجئاً قد شطبت من لبنان، و9.024 لاجئاً قد شطبت من سورية، و 19.886 لاجئاً قد شطبت من الأردن. وهذه ظاهرة غريبة تحدث للمرة الأولى منذ تأسيس الأونروا، ومنذ أن اعتمدت الوكالة إحصاء اللاجئين عام 1951 الذي كان يشير إلى تزايد أعداد اللاجئين المسجلين في سجلاتها سنوياً.

هذا مع العلم، بأنّ قضية فلسطين هي قضية إنسان وقضية أرض في آن معاً، فضلاً عن أنّ المطالبة بإلغاء الأونروا وبتوطين اللاجئين في الدول التي يقيمون فيها، لا سيما في الأردن ولبنان، ليس من شأنه فقط أن يحرم الفلسطينيين من أبسط حقوقهم الإنسانية فحسب، وإنما من شأنه أن ينعكس سلباً على أوضاع الدول التي يقيمون فيها.

قد يُقال بأنّ قرارات الهيئة العامة التي تكرّس حق العودة لا تتمتع بالصيغة التنفيذية كقرارات مجلس الأمن، لكنها بكلّ تأكيد تعبّر عن إجماع دولي. كما أنّ حق العودة بات منذ العام 1969، من الحقوق غير القابلة للتصرُّف، أيّ أنّ أحداً لا يستطيع أن يتصرَّف به، ذلك أنّ هذا الحق بات مرتبطاً قانوناً في تقرير المصير، ولا يستطيع الشعب أن يقرّر مصيره إلا إذا كان مقيماً على أرضه بشكل دائم. وهذا ما أكّدته المادة الأولى، الفقرة أ المشتركة من شرعة حقوق الإنسان في الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الصادرة عام 1966. أيّ أنّ نصف الشعب الفلسطيني يمكن أن يقرّر مصيره على إقليمه والنصف الآخر منه، في الشتات لا يمكن أن يُحرم من هذا الحق، لأنّ القانون الدولي يحظر ذلك. وقد تكرّس هذا الأمر صراحةً بقرار الجمعية العامة الرقم 3262 تاريخ 1974، الذي أكد الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرّف، وأبرزها: حق الاستقلال المبني على تقرير المصير، وحق تقرير المصير، وحق العيش بسلام فضلاً عن حق العودة. ولا تستطيع «إسرائيل» أن تتنكّر لحق العودة ووجود الدولة الفلسطينية بعد أن اعترفت بهما مرتين: الأولى العام 1948 عند إعلان استقلالها، والثانية العام 1949 مع قبول طلبها الانضمام إلى الأمم المتحدة. واللافت أنّ الجمعية ذاتها أقدمت بموجب القرار 37/123 عام 1982 على إدانة «إسرائيل» وطالبت بعزلها عن الأمم المتحدة لأنها لم تلتزم تعهّدها الامتثال للقرارين المذكورين. من ناحية أخرى، فمن قال أصلاً بأنّ جميع قرارات مجلس الأمن يجري تنفيذها على أرض الواقع، فها هو القرار الرقم 2334 الصادر عن مجلس الأمن في العام 2016، والذي قضى بتفكيك المستوطنات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية واعتبار القدس مدينة محتلة لم يطبّق على أرض الواقع. وها هو القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن والقاضي بانسحاب «إسرائيل» من الأراضي التي احتلتها عام 1967، لا سيما الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، لم يجد أيّ مجال للتطبيق.

كما أنّ الشعب الفلسطيني يبدي إصراراً استثنائياً في الحفاظ على ذاكرته الوطنية ومقاومة النسيان، فعلى الرغم من العقود الطويلة التي مضت، وكلّ أنواع الضغوط التي مورست، وعلى الرغم من اختفاء أجيال وظهور أجيال جديدة، إلا أنّه تمكن من الحفاظ على ذاته الوطنية، ولم يسمح للنسيان أو التشويه بأن يتسلّل إلى وعيه وذاكرته الوطنية. فحق العودة في أذهان كلّ أجيال الفلسطينيين المختلفة، وكلّ شرائحهم السياسية والاجتماعية والثقافية وفي أماكن تواجدهم كلها، ما زالت تحافظ على جغرافيتها وهويتها الوطنية.

إنّ رفض التوطين أو التنازل عن حقّ العودة لا يقتصر على أولئك الذين يعيشون حياة بائسة في مخيمات اللجوء في دول الجوار الفلسطيني، بل إنّ أولئك الذين يعيشون في الدول الغربية هم الأكثر حضوراً في الحديث عن حق العودة، ففي أوروبا ينشط الفلسطينيون هناك بطريقة لافتة في هذا الشأن، وقد تمكّن مركز العودة الفلسطيني في لندن، الذي يُعَدّ عنواناً بارزاً في هذا المجال من إحراز عضوية في الأمم المتحدة، ليجعل من هذا الموضوع محلّ حضور دولي دائم. والمفارقة أنّ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، يستتبع حكماً الاعتراف للاجئين الفلسطينيين بحق العودة إلى ديارهم، إذ إنه من غير المعقول أن يجري الاعتراف بدولة فلسطينية ليس لها حق بأن تعترف بجنسية أبنائها الذين هم في الشتات.

واللافت بأنّ «إسرائيل» تسعى لإقرار «قانون العودة اليهودي» في الكنيست «الإسرائيلي»، أيّ «حق كلّ يهودي بالقدوم إلى فلسطين المحتلة ساعة يشاء والحصول فوراً على الجنسية الإسرائيلية». وقد قام النواب «الإسرائيليون» بشرح مشروع هذا القانون بأنه «العهد الذي وعدوا به كلّ يهودي في المنفى، بأن يكون له الحق بالعودة ساعة يشاء إلى وطنه «إسرائيل»، وهذا الحق موروث لكلّ يهودي لمجرد كونه ينتمي إلى الديانة اليهودية». وبالتالي، فهل ستوافق الأمم المتحدة ومجلس الأمن على هذا الأمر، وهل قدرنا أن يصرّ المجتمع الدولي على تطبيق القرارات التي تناسب الدولة العبرية، ويتناسى القرارات التي لا تصبّ في مصلحتها، وأبرزها القراران 194 و242؟ وفلسطين العربية على عكس الدولة العبرية تشكل نموذجاً حضارياً راقياً للتعايش، ولها أواصر قومية ذات أبعاد هامة… وبالتالي، لماذا يا تُرى لا تحفظ حقوق الإنسان الفلسطيني في وطنه، ولماذا السكوت عن اغتصاب هذه الحقوق؟ سؤال برسم الهيئات المنادية بحقوق الإنسان في العصر الحديث.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024