إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مؤتمر روما 2 لدعم الجيش: بين الواقع والمرتجى

أسامة العرب - البناء

نسخة للطباعة 2018-03-10

إقرأ ايضاً


بعدما كثرت الشائعات حول عدم إمكانية عقد مؤتمر روما 2 المخصّص لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية والعسكرية، أكّد السفير الإيطالي أنّ المؤتمر سينعقد في الخامس عشر من آذار المقبل في روما. هذا المؤتمر يؤمل منه تحقيق نهضة دولية نوعية في دعم الجيش وأمن لبنان واستقراره، لا سيما على صعيد تسليح الجيش ومنحه معدّات وآليات عسكرية متطوّرة، إضافة إلى تقديم برامج تدريبية متقدّمة على استعمال هذه المعَدّات والأسلحة. ذلك أنّ بناء الجيش اللبناني القوي يستلزم منحه أسلحة حديثة النوعية وتدريب عناصره وتحصين البنية الدفاعية لمرافق الدولة، لجهة ما يتصل بأداء الجيش وإعداده للمواجهة. لا سيما أنّ المعيار الأساسي للقوّة، هو المعيار العسكري، مفتاح الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية والسياسية. وقياس هذه القوة لا يتمّ عبر التعداد الرقمي، إذ يجب أن تدخل عوامل أخرى تقنية ونوعية ولوجستية وقدرة على التحرّك. والغرض الأساسي لهذه الأداة هو الدفاع عن أرض الوطن، ومنع الحروب من الاندلاع حماية للسلم الوطني. والحقيقة أنّ الجيش اللبناني رغم كلّ الضغوط الدولية التي تحول دون تسليحه كما يجب، يلعب دوراً بالغ الأهمية في حماية أمن الوطن والدفاع عنه وحماية السلم الأهلي وتعزيز الانصهار الوطني. فمن الواضح أنّ الجيش قد اكتسب قوة نوعية في المرحلة الأخيرة، وبالتحديد منذ انتصاره على الإرهاب التكفيري، انعكست حضوراً غير عادياً في حياة الوطن ومناعته وأمنه الداخلي والحدودي. وهنالك جيوش عديدة بالغرب لا تستطيع أن تحقّق نصف ما حققه الجيش اللبناني في الفترة المنصرمة، نظراً لعقيدته العسكرية والوطنية الراسخة ولمناقبيته العالية وانضباطية أفراده وتماسك قياداته، ذلك أنّه مهما ضخمت وقويت الأداة العسكرية بيد أيّ جيش من الجيوش، فتبقى بدون فعالية في غياب استراتيجية واضحة وعقيدة عسكرية تديرها. وهذا ما تقتضيه المسؤولية الملقاة على عاتقها الآمال التي يعقدها عليها اللبنانيون، وذلك من خلال بناء قوة ذاتية مؤهّلة للعب دور وطني جامع، ومن خلال الالتزام بالاحتراف والتجرّد والأخلاقيات الحميدة، والحرص على احترام القوانين وصيانة الوحدة الوطنية. غير أنه انطلاقاً من الدور الحيوي البالغ الأهمية الذي يلعبه الجيش اللبناني على صعيد الوطن، فلا يمكن لهذه المؤسسة أن تتطوّر إلا إذا تمّ دعمها وتقوية مناعتها وجهوزيتها. واليوم هنالك قرار دولي بالحفاظ على استقرار لبنان ودعم جيشه في المؤتمرات الدولية من أجل تمكينه من القضاء على الإرهاب بشكل كامل، وبالتالي فلا بدّ من الاستفادة من هذه الأجواء الدولية الإيجابية، للنهوض بالمؤسسة العسكرية من خلال تعزيز مصادرها التمويلية والتسليحية، لما في ذلك من أهمية في بناء الدولة القوية. فالدولة الضعيفة قد تكون سبباً للنزاعات والحروب بسبب طمع الأقوياء بها، ولذلك فإنّ حيازة القوة العسكرية تشكل خير واقٍ من الحروب لما تشكله من رادع للطامعين. ولو أنّ هنالك حقائق ثابتة لا تتغيّر مفادها أنّ الدول الغربية لن تمنح الجيش اللبناني سلاحاً نوعياً متفوّقاً قادراً على بناء معادلة توازن رعب مع «إسرائيل»، أو سلاحاً قادراً على أن يحمي لبنان من أيّ اختراق أمني استراتيجي سواء أكان جوياً أم برياً أم بحرياً. وبالتالي، فإنّ البديل حتى الآن، هو السلاح الروسي أو الإيراني، ذلك أنّ موسكو وطهران تعرضان باستمرار تسليح الجيش اللبناني. فالهبات الإيرانية والروسية واضحة في هذا الشأن، كما أنّ موسكو تعرض صفقات تسليح فائقة التطوّر مدفوعة الثمن. من هنا، فإنّ هنالك ضرورة للانطلاق من قرار سياسي حاسم بإعداد وتجهيز الجيش لدرء الأخطار التي تهدّد الأمن الوطني بجوانبه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية كافة. وهذا القرار يجب أن ينطلق من حسابات واضحة وجدول أولويات. الخيارات إذن مفتوحة لحماية الأمن القومي، وهي تتوزّع بين تسليح الجيش الوطني، وبناء التحالفات التي تقتضيها مصلحة الوطن، وإنهاء مقولة الفيتو على تسليح الجيش. ذلك أنّ مَن يريد دولة قوية، يجب عليه أن يرفع الفيتو عن تسليح جيشه، وأن يرفض حصر صفقات تسليح الجيش بالدبابات القديمة والصواريخ قصيرة المدى والطوافات كانت قد استخدمت في حرب الفيتنام، وشاحنات وبعض البنادق. لا سيما أنّ هذه المعادلة السلبية هي التي حكمت لبنان منذ أمد بعيد، وعندما كان الروس يعرضون مقاتلات ميغ 29 على لبنان بشكل هبة، كان اللبنانيون يتذاكون ويطلبون استبدالها بطائرات هيليكوبتر، لا بل حتى هذه الطائرات لم يقدّر لها أن تصل إلى لبنان، لا هي ولا الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى، خوفاً من العقوبات الدولية المنتظرة في حال خرج لبنان عن الطاعة، وخوفاً من تفليس الدولة. هذا الواقع المرير، دفع الجيش اللبناني لخوض كامل معاركه بعتاد ضعيف وآليات أكل عليها الزمن وشرب، والنتيجة كانت أن دفع الجيش أثماناً باهظة نتيجة هذه الضغوط الدولية، والتي كان آخرها اختطاف الجنود اللبنانيين لفترة طويلة من الزمن، واستشهادهم. وحتى إبان معارك الجيش الأخيرة لتحرير الجرود والقضاء على الإرهاب، لم يُعطَ الجيش أكثر من مدافع كقوة نارية، وبعض الذخائر والطائرات الصغيرة الحجم التي مصدرها البرازيل.

من جانب آخر، يسجّل للجيش اللبناني دوره في حفظ الوطن والمصير الواحد، والإيمان بالغد الأفضل، من خلال اعتماده على مبدأين هامين، الأول أنّ المصلحة الوطنية فوق كلّ اعتبار، والثاني أنّ العقلانية هي السبيل الوحيد لتجاوز الضغوط الدولية وحماية الوطن. ولكننا ننتظر الحلول كما ننتظر الأمل بوحدة الموقف السياسي الداعم لتعزيز قدرات الجيش، إيماناً منا بلبنان الأفضل.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024