إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تخبّط أردوغان يضيف «أوغلو» إلى قائمة الأعداء الرافضين لمخططه

ميشيل حنا الحاج - البناء

نسخة للطباعة 2016-05-10

إقرأ ايضاً


رغم الوداع الحار والكلمات المخملية التي نطق بها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو مؤكداً بقاء علاقة الودّ بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبين أسرتيهما، وذلك لدى إعلانه التخلي عن قيادة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، إلا أنّ هذه العبارات المُنمّقة، مهما كانت درجة حرارتها، لن تستطيع أن تنفي المرارة التي أحسّ بها أوغلو وهو يودّع مغادراً موقعه، خصوصاً بعد أن خدم تركيا والحزب الحاكم على مدى تجاوز العقد من الزمان، بدءاً بإدارته لسياسة تركيا الخارجية كوزير للخارجية على مدى ثماني سنوات، وبعد ذلك في موقعه كرئيس للوزراء لمدة تقارب العامين.

كان يفترض بأوغلو، كرئيس للوزراء في نظام برلماني لا في نظام رئاسي، وتنفيذاً لنصوص الدستور التركي الحالي، أن يكون صاحب السلطة التنفيذية الفعلية والعليا في إدارة البلاد، دون حقّ لرئيس الجمهورية، الذي بات الآن أردوغان، بالتدخل الفعلي إلا ضمن حيّز محدود تأذن له به بعض نصوص ذلك الدستور. ومع ذلك فقد تدخل أردوغان تدخلاً واضحاً ومباشراً ومكشوفاً في اتخاذ القرارات وإدارة شؤون البلاد، متجاوزاً كلّ السلطات الممنوحة، حصراً، لرئيس الوزراء دون رئيس الجمهورية.

صمت أوغلو طويلاً، كاظماً على مضض غيظه من تجاوزات أردوغان الذي ما كان يسمح بتجاوز ما من رئيس الجمهورية التركي أثناء قيادته البلاد كرئيس للوزراء على مدى ثماني سنوات أو أكثر. فقد لزم عبد الله غل، رئيس الجمهورية خلال رئاسة أردوغان لمجلس الوزراء الصمت التام طوال مرحلة رئاسته للجمهورية، ولم يكن يجرؤ على البوح ببنت شفة، أو الإدلاء بتصريح سياسي، ما إلا في حالات نادرة، وربما كان يستأذن أردوغان، رئيس وزرائه آنذاك، قبل فتح فمه للإدلاء بأي حديث أوتعليق على أمر ما ولو كان مجرد تعليق عابر، إذ كان يعلم بالحيز الضيق لسلطاته كرئيس للجمهورية، كما كان مدركاً مدى توجه أردوغان إلى السيطرة التامة على كلّ شيء: على الحزب والحكومة والبلاد، محتوياً موقع رئيس الجمهورية، إضافة إلى موقعه كرئيس للوزراء.

منذ ذلك الوقت، بدأ يتجلى للكثيرين أنّ أردوغان يمارس ديكتاتورية غير معلنة رسمياً، لكنها أخذت تظهر بوضوح أكثر لدى توليه رئاسة الجمهورية، وتسليم أحمد داود أوغلو رئاسة الوزراء. فعلى أرض الواقع، بات أردوغان رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء في آن واحد، معتبراً أوغلو مجرد «خيال مآتة»، يملأ منصب رئيس الوزراء شكلاً، حفاظاً على المظاهر الدستورية إلى حين تعديل الدستور ، لكن من دون قدرة على ممارسة فعلية لسلطات رئيس الوزاء المحدّدة في الدستور، حصراً لرئيس الوزراء، إذ كان أردوغان يفرض وجوب استشارته والحصول على موافقته المسبقة قبل اتحاذ أي قرار ما مهما بلغ حجمه وأهميته. هنا بدأ أوغلو السياسي المحنك الذي اكتسب خبرة سياسية هامة خلال تسلمه منصب وزير الخارجية، يتبيّن أنّ أردوغان يتوجه بوضوح نحو الديكتاتورية التامة، ما سيدفع تركيا بعيداً عن احتمالات قبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي، كما سيزيد الهوة تدريجياً بين حزب «العدالة والتنمية» الذي بات أوغلو يرأسه، وأحزاب المعارضة في الجمهورية التركية التي حاول أردوغان تهميشها تمهيداً للخطوة القادمة التي يزمع الإقدام عليها، وهي إلغاء الصبغة العلمانية الأتاتوركية عن تركيا، وإحلال صبغة إسلامية على دستورها، لكنّ المعارضة التي لم يكن قد أفلح بعد في تحجيمها وتهميشها، تصدّت له بشراسة.

من المرجح أن يكون ردّ أردوغان، الذي أغلق صحفاً تركية وسجن عدداً من الصحافيين غير عابىء بمتطلبات الاتحاد الأوروبي حول وجوب احترام مبادىء الديمقراطية وأبرزها حرية الرأي، أكثر عنفاً وصلابة على رفض المعارضة التركية إلغاء صبغة العلمانية من الدستور التركي، لو كان توقيت ذلك الرفض أكثر ملائمة له لفتح جبهة داخلية أخرى، وقد بات اليوم منشغلاً بمواجهة الأكراد الذين لم يرغبوا، كداود أوغلو، بالسكوت طويلاً على مواقفه العنيدة المتشدّدة الرافضة لمنحهم بعض الحقوق، ولو في درجاتها الدنيا، ففتحوا النار عليه في مسعى لإسماع الأتراك بل والعالم كله حقيقة مطالبهم.

لكنّ الأكراد الذين عُرفوا بكونهم مقاتلين أشداء، وقد أثبتوا ذلك في مواجهاتهم الشرسة مع تنظيم «داعش» الإرهابي، سواء في سورية أو في العراق، أصبحوا الآن في صفوف المعادين بشراسة لرجب طيب أردوغان الذي بات يستدرج إلى تلك القائمة بين الفينة والأخرى، سواء كان يدري أو لا يدري، مزيداً من الأعداء، تزدان بهم قائمة بدأت تطول يوماً بعد آخر ولا تقصر، وقد يكون آخر من أضيف إليها أحمد داود أوغلو، بسبب النجاح الذي حققه في مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي، إلى أن وافق الاتحاد على إلغاء وجوب حصول الأتراك على تأشيرة مسبقة للدخول إلى دوله.

هذا الاتفاق الذي كان أوغلو عرابه، كان ينطوي كما توقع البعض، على احتمال انتقال الآلاف من العمالة التركية، التي قد يبلغ حجمها في موجتها الأولى مليون تركي، إلى دول أوروبا خلال فترة قصيرة، بحثاً عن فرص أفضل في العمل والحياة وقد يتبعهم مليون آخر أو أكثر في الشهور اللاحقة، ما كان سيؤدي، كما خشي أردوغان، إلى ارتفاع شعبية أحمد داود أوغلو في صفوف الحزب، وعلى صعيد المجتمع التركي بشكل عام، ما أثار مخاوفه من أوغلو وقد بدأت ملامح الفتور تلوح في أفق علاقة الرجلين منذ الانتخابات النيابية السابقة التي خسر فيها الحزب أكثريته النيابية نتيجة تراجع شعبية الحزب كنتيجة لسلوك أردوغان المتزمّت تجاه الآخرين.

بعد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، أخذ أوغلو يلمح إلى أنه لن يكون بعد الآن «خيال المآتة»، ما دفع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ خطوات سريعة أدت إلى إبعاده لا عن رئاسة الوزراء فحسب، بل عن موقع القيادة في الحزب أيضاً، مستعيداً لنفسه ملف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، ومبادراً على الفور لرفض الشرط الأروبي بإجراء تعديل على مفهوم الإرهاب كما صاغه أردوغان في قوانين مكافحة الإرهاب وملاحقة الإرهابيين، فهذا الرفض بات مهدّداً ومعطلاً لقضية النزوح العمالي التركي إلى دول الاتحاد الأوروبي، الذي سعى أوغلو إلى تحقيقه.

وإذا كان أوغلو هو آخر المضافين إلى قائمة المُعادين لأردوغان ونهجه الفظ، فإنه لم يكن أولهم. إذ بدأ الأمر بمعاداة حليف سابق لأردوغان هو جمال فتح الله غولن، الذي آزر أردوغان في عملية وصوله إلى السلطة، ثم قلب له أردوغان ظهر المجن، ما اضطره إلى الرحيل إلى الولايات المتحدة تجنباً لملاحقة أنصار أردوغان له.

سورية التي عانت من التدخل التركي في شؤونها بفتح الحدود التركية لدخول السلاح والمسلحين إليها، وبعدها مصر، تبعتا غول في الجلوس على عرش قائمة الأعداء لأردوغان. إذ بعد علاقة وثيقة، بل حميمة، بين مصر وتركيا خلال العام الوحيد الذي جلس فيه محمد مرسي على كرسي الرئاسة، تبدل كلّ شيء عندما طالب الشعب المصري مرسي بالرحيل، وعندما رفض ذلك، قام الجيش بعزله استجابة للمطلب الشعبي. وهنا باتت الحكومة في مصر حكومة انقلابية عزلت الشرعية التي مثلها مرسي وظلّ أردوغان متشبثاً بـ»شرعية» رئاسته، بل أقدم على خطوة أخرى تمثلت بتقديم الدعم السياسي والمالي والتسليحي لحركة الإخوان المسلمين المصرية التي ينتمي إلى طائفتها، وكذلك لحركة حماس في غزة، التي تمثل تياراً شقيقاً لتيار حزبه الإسلامي الذي يمارس السلطة باسمه.

ولم يتوقف الأمر عند معاداة مصر، إذ أقدم على ركوب موجة أخرى من التحدي، تمثلت في رفض الاستجابة لمطلب الرئيس باراك أوباما عام 2014 استخدام الطائرات الأميركية قاعدة أنجرليك للانطلاق منها لقصف مقاتلي «داعش» الذين يحاصرون مدينة عين العرب كوباني ذات الأغلبية الكردية، بل رفض السماح بمرور السلاح والذخيرة التي احتاجها المُحاصرون عبر الأراضي التركية، إضافة إلى منع مقاتلي البشمركة القادمين من العراق بغية مساندة المقاتلين في كوباني من المرور أيضاً عبر أراضي تركيا الأردوغانية، وهذا ما أدى إلى نشوب حالة من البرود بين زعيمي الدولتين تضاعف تدريجياً إزاء مساعي أردوغان إلى إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، إضافة إلى تلكئه في تنفيذ مطلب واشنطن إغلاق الحدود التركية في وجه مرور السلاح والمقاتلين عبرها إلى سورية.

ولم يتوقف الأمر عند معاداة الولايات المتحدة، أو رئيسها على الأقلّ، بل سعى أردوغان أيضاً إلى استعداء دولة كبرى أخرى هي روسيا الاتحادية، عندما أسقط في 24/11/2015 طائرة روسية من نوع SU24 أكدت موسكو أنها قد أُسقطت أثناء تحليقها في المجال الجوي السوري. وهنا فتح أردوغان على نفسه موجة من العداء لم يتوقع حدوثها بذلك الحجم. وقد فرضت روسيا العديد من العقوبات على تركيا شملت السياحة والتعاملات الاقتصادية والمالية وغيرها من العقوبات، ولم يستبعد البعض أن تكون قد شملت مد يد العون إلى المتمردين الأكراد PKK، بدليل ظهور طفرة واضحة في نشاطهم، تمثلت بارتفاع في عدد التفجيرات التي باتت تقع هنا وهناك، مما اضطر أردوغان إلى نسب بعضها إلى «داعش» تلميحاً لكون تركيا قد امتثلت لمطلب دولي بمواجهتهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى للتخفيف من حدة وقع الازدياد الواضح في القدرة الكردية على القتال والمقاومة.

ولم يتوقف الأمر على دخوله في مواجهة مع أوباما وبوتين في آن واحد، فقد سعى الرئيس التركي إلى فتح جبهة أخرى، اعتقاداً منه بأنها ستكون قادرة على إحراج روسيا واستنزافها، وربما إلحاق الأذى بها وبجارتها أرمينيا. وهكذا دفع حليفه في دولة أذربيجان، ذات الأغلبية التركية، لتحريك، بل إشعال جبهة ناغورني قرة باخ شبه المستقلة ، ذات الأغلبية الأرمنية والمتنازع عليها بين أرمينيا صديقة روسيا وأذربيجان صديقة تركيا. وهنا انبرى الرئيس أردوغان باندفاعه الحماسي الذي بات مألوفاً، للإعراب عن تقديم الدعم المطلق لأذربيجان في معركتها لتحرير ناغورني قرة باخ من النفوذ الأرمني وفي اعتقاد منه بأنه يستدرج روسيا الاتحادية إلى فتح جبهة استنزافية لها تُضاف إلى جبهة أوكرانيا المفتوحة أصلاً. لم يدرك أردوغان حينها، بل ربما أدرك متأخراً، أنّ الثعلب بوتين هو الذي كان يستدرجه لفتح جبهة أخرى مع دولة مجاورة له هي أرمينيا، ما يعني سهولة إمدادها بالسلاح والدعم العسكري الضرورين لاستنزاف تركيا في تلك المعركة.

ويعزّز الاحتمال بوجود شرك نصبه الثعلب بوتين للرئيس التركي الذي حمله الغرور إلى الإغراق في فاشيته الدينية، تميزاً له عن إغراق هتلر بفاشيته القومية، أنّ مجلة مرتبطة بالقوات المسلحة الروسية قد نشرت في التاسع من آذار 2016 قبل اشتعال الأزمة حول قرة باخ ، قائمة مفصّلة بكميات وأنواع الأسلحة المتوفرة لدى أرمينيا. وتضمنت المعلومات تفاصيل دقيقة من غير المسبوق نشرها في قضايا الأمور العسكرية. فقد تضمنت أسماء الفرق العسكرية الموجودة هنا وهناك، مع عدد الجنود المتواجدين في كلّ فرقة عسكرية، بل ونوعية الأسلحة الموجودة لديها مفصلة تفصيلاً كاملاً مع تحديد دقيق لكميات الذخائر المتوفرة أيضاً للاستخدام في حالة نشوب قتال.

ويقول الكاتب الفرنسي فيليب فابري الحائز على دكتوراه في القانون، والذي نشر في 15 نيسان مقاله هذا في مجلة فرنسية هي مجلة Contre points، إنّ أذربيجان وتركيا قد تحركتا في ناغورتي قرة باخ بعد أيام قليلة من نشر تلك المعلومات التي يفترض بها أن تكون سرية في مجلة روسية معنية بقضايا السلاح والتسليح. ويضيف الكاتب أنّ الحكومة الأرمنية قد اغتاظت كثيراً من نشر هذه المعلومات المفصلة تفصيلاً دقيقاً بالنوع والكم ومدى القدرة والفعالية، إلى درجة اضطرت وكالة الأنباء الأرمنية الرسمية للقول إنه لو تمّ نشر هذه المعلومات من قبل صحافي عادي، لقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى. لكنّ أرمينيا لم يكن بوسعها اتخاذ إجراء ما ضدّ الناشر، كونه قد نشر على مطبوعة تابعة لوزارة الدفاع الروسية. واستكمالاً للشرك المُراد نصبه لأردوغان، أطلق بوتين تصريحاً مفاده أنه سيواصل تزويد أذربيجان، العضو السابق في الاتحاد السوفياتي، تماماً كما كانت أرمينيا عضواً فيه، بكلّ ما تحتاجه من سلاح وذخائر. فكأنه بتصريحه ذاك، يكمل خيوط الشرك الذي نصبه لأردوغان. لكنّ الرئيس التركي هذه المرة، سارع إلى ملاحظة خيوط الشبكة التي يحيكها له الرئيس بوتين، فخفف من حدة لهجته حول قضية ناغورني قرة باخ، والتي كانت إلى حين لهجة تصعيدية مزدانة بالثقة المطلقة والمبالغ بها لدى الرئيس التركي.

ولكن إذا كان أردوغان قد استطاع تجنب شرك روسي، فقد وقع في شرك أوروبي أطلقه الاتحاد الأوروبي فور اختفاء أحمد داود أوغلو ـ راعي الاتفاق، من الساحة السياسية. إذ وضع الاتحاد الأوروبي شرطاً للشروع في إلغاء التأشيرة الأوروبية المسبقة للأتراك، مضمونه وجوب تعديل تركيا لقوانينها المتعلقة بالإرهاب والإرهابيين، وهو القانون الذي طالما استخدمه أردوغان لكمّ أفواه المعارضين واعتقال عدد من الكتاب والصحافيين. وهكذا يجد الرئيس أردوغان نفسه يواجه احتمال إضافة اسم آخر إلى قائمة الأعداء التي تتسع يوماً بعد آخر، هو الاتحاد الأوروبي، بعد أن سعى أوغلو إلى شطبه، مستخدماً ورقة اللاجئين السوريين.

فهل يواصل أردوغان إلى زمن طويل مقبل، نهجه في السباحة ضدّ التيار، مكتسباً يوماً بعد آخر مزيداً من الأعداء والمعارضين لرؤيته، أم أنه يتوقف لبعض الوقت، ولو في استراحة المحارب، مدركاً أنّ خيوط العنكبوت حوله فد ازدادت نسجاً وكثافة، ليعيد تقييم نهجه المعاند، والسير مع ركب الحضارة إلى الأمام، من دون السعي إلى إعادة تركيا قرناً إلى الوراء، تحقيقاً لطموحه بالجلوس على عرش إمبراطورية عثمانية إسلامية جديدة أذلت العرب على مدى أربعة قرون، واغتالت الأرمن فيما يشبه هولوكوست من نوع آخر. فالعالم المتحضر في القرن الحادي والعشرين، لم يعد متقبلاً لموجة كهذه مهما حاول أردوغان تزيينها وتجميلها.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024