 الكلمتان الرائعتان لكل من حضرة عميد الثقافة الدكتور كلود عطية وحضرة منفذ عام عكار الأمين ساسين يوسف في وداع الرفيق سمير حنا الذي غادرنا جسدا في تموز من العام الحالي(1)، تجعلني اكتفي بهما مؤكداً على صحة كل ما اورداه، مؤكداً ما اعرفه عن الرفيق المميّز سمير حنا وقد رافقت مسيرته الحزبية مذ كان في السجن وكنت على كثير من الاحترام والمحبة خاصة بعد ان ارتبط بالزواج مع شقيقة الرفيق البطل إيليا نقولا الذي طالما عرفته في الجامعة في بيروت في المخيم عندما استشهد.
كثيرا ما التقيت الرفيق سمير حنا ودائماً كنت اتبادل معه حديث الحزب فيكبر في نظري وانتشيت كل يوم بنقاء نفسيته بإيمانه الفذ وبأنه ابن النهضة.
*
كلمة عميد الثقافة الدكتور كلود عطية
أيها الرفقاء،
أيها الأوفياء،
أيها الواقفون على حدود الذاكرة والأمل،
نحن اليوم لا نودّع رفيقا… نحن نودّع زمنًا. نحن نودّع جيلًا من النار… من النُبل… من الإيمان الجارح.
نودّع أبا علي، ذاك الذي مشى مع الزعيم في الغيب، وآمن به في الضوء، وسار به في العتَمة.
وأسس على درب العقيدة عائلة قومية ملتزمة مناضلة،
نودّع المختار الطيب المحبوب الذي لم يكن يحتاج إلى لقب ولا إلى تصفيق… بل كان يحتاج فقط إلى مكانٍ يقف فيه، وزاويةٍ قائمة يرفع بها يده، وصوتٍ في داخله يقول:
"لتحيَ سورية، وليحيَ سعادة."
أيها الحضور،
لم يكن أبو علي خطيبًا، ولا منظّرًا...
كان شيئًا أخطر بكثير... كان مؤمنًا.
وكان يعرف أن الإيمان، حين يتجسّد في الجسد، يصبح أقوى من الرصاص، وأصدق من الدموع، وأبلغ من الخطب.
حين اختار أن ينتمي، لم يكن يسير في موكب. كان يسير في حقل ألغام.
حين شارك في المحاولة الانقلابية، لم يبحث عن انتصارٍ سريع، بل عن شرفٍ لا يموت.
وحين سُجن لسبع سنوات، لم يخرج حاقدًا، ولا نادمًا، بل أشدّ صلابةً من القضبان، وأكثر إيمانًا من بعض الذين بقوا خارج الأسوار.
وحين فقد رجله في حادث مأساوي… لم يفقد وقوفه. لم يفقد شموخه.
لم يفقد زنده المرفوع، وصوته الداخلي:
"أنا من سلالة لا تنكسر، ولا تنقسم، ولا تُباع."
نعم، أيها الرفقاء،
أبو علي عاش كما يجب أن يعيش القومي الاجتماعي…
لا يتبع الزعيم بكتاب، بل بجسدٍ كاملٍ معجون بالعقيدة.
لا يردّد مقولة "كلنا مسلمون لرب العالمين منا من اسلم لله بالقرآن ومنا من اسلم لله بالانجيل ومنا منا اسلم لله بالحكمة وليس لنا من عدو في وطننا وديننا نقاتله إلا اليهود" كشعار، بل كموقف حياتيّ:
حيث عمل دائما في بلدته وفي المناطق المجاورة، للحفاظ على المصير الواحد، والاتجاه الواحد، والغاية الواحدة.
لم يسأل يومًا عن طائفة رفيقه، بل عن مدى إيمانه.
لم يُقسّم الأمة إلى مذاهب، بل إلى فئتين:
من آمن وقاوم، ومن تردّد وضلّ.
وهو، الذي عرف الألم جسدًا وذاكرة، كان يرى في انقسام الحزب طعنةً لا تحتمل.
قالها لنا دائمًا، ونحن اليوم نُعلنها بصوته: الزعيم واحد. المؤسسة واحدة. والقضية واحدة.
وعدوّنا واضح: الجهل، الفساد، الاحتلال، الارهاب والطائفية.
فأمتنا اليوم، التي أحبّها أبو علي حتى التهلكة، ليست بخير.
أمتنا تُذبح كلّ يوم في فلسطين، تُخنق في العراق، تُخدع في الشام، تُسلب في لبنان، وتُباع وتُشترى في ساحات العالم.
وفي هذا المشهد، لا يكفينا أن نرثي أبطالنا… بل أن نصير مثلهم.
ولا يكفينا أن نقرأ سعادة… بل أن نعيد قراءته في دمنا، في جوعنا، في كفاحنا اليومي، في وحدة النضال داخل الأمة الواحدة.
لذلك، وباسم رئاسة الحزب السوري القومي الاجتماعي، نقول:
إنّ هذه الأمة، رغم كل ما يعتريها من ظلام، لا تزال تحبل بالضياء، طالما وُجد فيها من يشبه أبا علي،
من لا يتعب، من لا يساوم، من لا يخون.
وإذا سألنا أحدهم: "أين أنتم؟"
فلنُجب بأصواتنا لا بكلماتنا: نحن هنا. في كل بقعة ترفض الاحتلال. في كل موقف يواجه الطائفية. في كل فكرة تصنع الإنسان الجديد.
نحن أبناء سعادة… لا نغيب، ولا نُكسر، ولا نموت.
أيها الرفقاء،
أبو علي لم يطلب أن يُكرّم، بل أن يُكمَّل.
لم يطلب تمثالًا، بل أن تبقى النهضة حية فينا.
ولذا، فإن رئاسة الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهي تودّعه اليوم، لا ترى في هذا التأبين لحظة بكاء… بل لحظة استنهاض.
فلنقف اليوم، لا حدادًا، بل تأكيدا على قسمنا ووحدتنا أمام رجلٍ بقي واقفًا حتى وهو يموت.
رجلٌ رفع يده زاوية قائمة، وقالها وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة:
"لتحيَ سورية… وليحيَ سعادة."
أيها الرفقاء،
كل موتٍ عادي… إلا موت القوميين الحقيقيين.
كلّ راحلٍ يُنسى… إلا الذين سكنوا المعنى.
فإليك يا أبا علي، أيها النبيل، أيها الجبّار،
نقول باسم الحزب، باسم سعادة، باسم كل من بقي على القسم:
ستبقى حيًّا في وجداننا القومي.
وسنبقى كما كنت: لا نُساوم، لا ننحني.
سنبقى سوريين قوميين اجتماعيين… إلى أن يتحقّق النصر.
لتحيَ سورية، وليحيَ سعادة،
والبقاء للأمة
*
كلمة الأمين ساسين يوسف
" ابا علي
رفيقي قدوتي
لن أبكيك رغمٓ قسوة الفُراق، لن أنعيكٓ كما يفعل الآخرون، لانك من أبناء الحياة، وأبناء الحياة يبقون خالدين بأفعالِهم وتاريخِهم، أبناء الحياة لا ينتهون بمأتم.
رغم تزاحم الكلمات والمشاعر التي تُحاول الخروج ولكنَّها تقف عند حدود بطولاتِك، لم أرغب يومًا في استبدال صورة ابي علي المليئة بالثبات والصمود والايمان، صورة الانسان الذي يُحب الفرح ويبحث عنه، يُحب الحياة ويسعى اليها، يساعد الغير فيشعر بنشوة السعادة، يبكي مع الناس في احزانِهم، ويفرح في افراحِهم، كيف لا وانت من حاز على محبةِ أبناءِ جبرايل وثقتِهم فكنتٓ المختار الذي يحملُ قلبًا يتسع لكلِ من حولِه، دون أن يشكو.
عهدتُك محبًّا للحياة، متواضعًا، مخلصًا، نظيف القلب واليد واللسان.
“يا رفيقي الراحل! لقد أعطيت ما عندك بغيرِ حساب والذين يعطون دون منّة يتركون بصماتِهم في أماكن عملِهم. كنت كبيرًا في عطائِك، دقيقًا في تعاملِك مع الآخرين، متسامحًا كريمًا، لم تتوان يومًا عن القيام بمسؤولياتِك الجِسام، كنت تؤمن بأنَّ الإنسان يحيى بكرامتِه وشرفِه حتّى ولو ضحّى في سبيل مبادئِه كلّٓ ما يملك، المهم أن تنتصر مبادئ القضية القومية،
كيف لي أن ارثيك. ورغم الألم وفي كل مرَّة كنت التقيك، وأنت تقاوم وضعٓكٓ الصحي، كنت تستقبلني بضحكةِ الصمود والتَّحدي وكأنك تذكرُني انَّنا هكذا نقاوم، هكذا يجب أن نستمر بالمقاومة، نعضُ على الجراح وننهض كالعنقاءِ من تحت الرَّماد، فكنتُ استمد منك قوةً أكثر مما تستمدُ أنت مني قوة، وأن كلَّ ما قُمنا ونقومُ به سيبدو قزمًا امام تحدّيكٓ وصمودِكٓ الأسطوري في وجهِ الَمِكٓ،
كيف لا وانت المناضل العنيد، الثابت اربعة وستين عاماً في كنفِ النهضة السورية القومية الاجتماعية بكلِ ايمان وزخم ووفاء ونضال
ففي العشرين من عمرِك سُجنتٓ على اثر المحاولة الانقلابية على هذا النظام الفاسد الفاشل وبقيتٓ سبعٓ سنوات بكلِ عزيمة وصمود ما تزعزعٓ ايمانُك يوماً خلالها لا بل تفولذتٓ وانتصرت ٓ بثباتِك على جلاديك. كيف لا وأنت من معدن الرجال الرجال من معدن وقفات العز ورجالِه فكنتٓ بحقٍ رجلٓ العز ووقفاتِ العز فمُنحتٓ وسامٓ الثبات الذي يُمنح من رئاسة الحزب للرفقاء الذي مضى على انتمائِهم خمسون عاماً، وتسلمت مسؤوليات من مدير مديرية جبرايل وكُلفت بمهامٍ حزبية وفي إِحداها فقدتٓ رجلٓك وابتدأت رحلةُ عذابِكٓ الصحي، وصمدتٓ رغم المِكٓ حتى الرمق الاخير رفيقاً مؤمناً صابراً معطاءً
اعرفُ أنَّك تحرّرت اليوم من جسدِك العاجز العلي وأعرف حقٓ المعرفة كم تتوق نفسُك للحرية، للسلام للراحة للهدوء، لقد اتعبتك الأيام، وغدر بِك الزمان، وهدٓ جسدٓك المتعب غُبارُ السنين، سيرقد جسدُك هناك حيث سيكون الجميع، وستحلّق روحُك في سمائنا، سماء الأبدية، وسيبقى ظلُ اعمالِك ومبادئِك ومواقفِك البطولية تُرافقنا في كل حين.
من هناك من عليائِك من عالمِك السرمدي، يا رفيقي ستدعونا إلى التكاتف والتعاضد والوحدة، وانت ترى مجتمعٓنا وقد اختلطت فيه المفاهيم، وماتت فيه القيم، وانعدمت الاخلاق، الى أي مصير يسير. ستقول لنا من هناك أما آن لكم أن تكونوا مُوحدين، اما آن لكم أن تعودوا إلى ما جُبلنا عليه من قيمٍ واخلاق وعادات ومبادئ وأسس مجتمع وساحاتِ نضال شريف، لترسموا خيوطٓ الامل وطريقٓ المستقبل بحبر نضالِكم كما فعلنا معًا دائمًا، ربما يا رفيقي سيستجيب البعض وربما سيهز البعض كٓتفيه ويمضي، ولكن الحياة تمضي والسنين تمر والتاريخ لا يرحم. كُن قرير العين والنفس، جٓذوةُ النضال لن تخمد، ما دامت ارواحُنا في اجسادِنا، وسنبقى حزب الجبارين حتى في أحلك الظروف.
سنبقى نعمل على تحقيق مبادئِنا القومية حتى ننتصر على النظام الطائفي المٓقيت وننتصر على الفتنة والتعصب والعبث بأمن بلادِنا والتقسيم الذي يلوح في الافق ستبقى فلسطين بوصلتٓنا وسنبقى نعمل ونناضل لوحدة بلادِنا وانتصارِها.
ابا علي هكذا كان ايمانُك. هكذا انت، هكذا كنت، وهكذا ستبقى في الاذهان، الرفيق الذي رسمٓ خيوطٓ مبادئِه بحبرِ عطائِه، وحٓفرٓ حروفٓ اسمهِ على جدران جبرايل وساحاتِ الوطن، ستبقى عنوانًا ورمزًا للعطاء للعمل النهضوي المقاوم وقبلٓ كلِ شيء رمزًا للصدق والوفاء،
من هناك من عالمِكٓ السرمدي، ستشكُرُ زوجتٓك ورفيقةٓ دربِكٓ التي استمدت قوتٓها وصلابةٓ موقفِها، من مبادئهِا واخلاقِها الإنسانية التي نشأتُما عليها، هذه المواقف الثابتة وهذا التفاني ونكران الذات والصبر والوقوف سنين طوال الى جانب جسدِكٓ المُعتٓل، صٓبٓرت وصٓمدت بقوة ارادتِها وعزيمِتها وبفعلِ المبادئ والأخلاق الكريمة فلها مِنكٓ ومن رفاقِها ألفُ تحية ولكلِ الأبناء والاسرة على وقفتهِم العزيزة الصادقة الصامدة، لِتُعلّم الناس معنى العطاء، وصدقٓ الوفاء في الساعات الحالكة، هكذا هم الرفقاء، هكذا نبني مجتمع بل هذا هو مجتمعُنا الحقيقي المتماسك.
سنفتقدُك أيها المناضل دائمًا وابدا، نٓم قريرٓ العين لأنك خالدٌ فيما عٓمِلت، وقٓدّمت وضٓحّيت، وفيما خٓلّفت من خلفٍ صالحٍ لخيرِ سلف. ستبقى ذكراكٓ عٓطِرة في قلوبِنا
شكرا لك أيها الرفيق الغائب جسدًا والحاضر روحًا على كل شيء
وداعا يا رفيقي،
ستبقى ذكراك خالدة
باسم العائلة اتقدم بالشكر الى كل من واسانا حضوراً واتصالاً وشاركنا المنا برحيل ابي علي.
ففي وداع الكبار تٓعجزُ الألسنةُ عن النُطقِ والقلوبُ عن الخفقان إلا حزناً وحٓسرةً على قامةٍ كانت تٓليق بزمن الرجال، الذين صٓدقوا في كل ما فعلوا حتى موعدِ الرحيل.
*
سيرة ذاتية
انتمى الى الحزب عام 1956 على يد الرفيق نديم يزبك والرفيق ميلاد الصبّاغ، وكان الرفيق نديم يزبك مديراً للمديرية.
اعتقل عام 1962 حتى 1969 لمشاركته في الثورة الانقلابية
كان في تنظيم الخوارج في انشقاق السبعينات ولم تكن للخوارج مفوضية وكان هو ونديم يزبك وجورج يونس.
حصّل علومه الابتدائية في مدرسة جبرايل الرسمية، والتكميلية في حلبا.
نال وسام الواجب سنة 2000 وجرى تسليمه في حفل حضره كل أبناء القرية.
نال وسام الثبات 2010
تسلّم اكثر من مرّة مسؤولية الفرع الحزبي في جبرايل.
انتخب مختاراً من 2004 حتى 2010 وجاء بعده عماد يونس.
تعرض لحادث مؤسف أدى الى فقدان ساقه ورغم ذلك استمر في ايمانه ونشاطه.
متزوج من السيدة إيفيت نقولا شقيقة الشهيد إيليا نقولا، وله منها اربع بنات اثنتان منهن قوميتان: الرفيقة انعام زوجة الأمين ساسين يوسف ونظام زوجة الأمين الدكتور سلفادور مطر.
لُقّب بـ "أبو علي". ولهذا اللقب قصة: عندما كان في السجن فترة الانقلاب كان الرفقاء يطلقون عليه لقب "أبو علي"، فأقسم ان يسمي ابنه عندما يتزوج "علي" ليبقى على لقبه "أبو علي" وبقي الناس ينادونه "أبو علي"
(1) للاطلاع على المأتم الحاشد للرفيق سمير حنا الدخول الى جريدة "البناء" تاريخ 23 تموز 2025.
|