إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نـداء إلى الجاليـة السوريـّة في البرازيـل

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1934-05-05

إقرأ ايضاً


لقد مضى الدكتور سعاده في سبيل كل حي وترك دنيا خلابة مغرية بالآمال، على ما فيها من مر بعد حلو وحلو بعد مر، ووطناً أحبه حباً يقرب من العبادة، وأمة خدمها بكل إخلاص في مزيج غريب من حب النفس وحب الجماعة وجالية كانت مثالاً مصغراً لوطن حمل صورته على مركز شعوره وإدراكه، ولأمة كانت أقصى أمانيه أن يراها محتلة المكان الجدير بها في العالم، ألا وهي الأمة السورية.


فأحب الجالية السورية في البرازيل كثيراً وخدمها كثيراً ولم تثبط عزيمته في نفر مصاب بعماوة القلب، ولا العوامل الكثيرة التي فعلت في توليد ثورة في الروح القومية ومحبة الصداقة وثورة الإعجاب وهي الرابطة الوثيقة التي جعلت تاريخ الجالية القومي الأخير أمراً ممكناً، وظل في خدمته للجالية، وفي جهاده في سبيل أمته ووطنه ثابتاً، راسخاً، ماضياً، قاطعاً إلى آخر نفس من أنفاسه.


وبعد فما أنا بحاجة لأن أحدث الجالية السورية في البرازيل عن الدكتور سعاده ولا الجالية بحاجة لمن يحدثها عنه فهي تدري من كان الدكتور سعاده وتفقه معنى وجدوده وهي قد برهنت على أنها تدري وتفقه. ولكنني أريد أن أخاطب الجالية التي أحببتها أنا الآخر وأحب أن أراها دائماً جماعة قوية قائمة بنصيبها من العمل الذي يفرضه عليها واجب الكرامة وواجب المصلحة نحو الوطن الذي أبصرت فيه نور الوجود ونحو الأمة التي انبثقت منها حياتها ومنها استمدت مواهب الصبر والشجاعة والإقدام ـ العدة التي بها تغلبت على صعاب الأسفار إلى الأصقاع النائية فيه.


وبعد، أيضاً، فليست الجالية في حاجة إلى من يذكرها بأهمية الدور الذي يمكنها أن تلعبه في قضية تحرير وطنها البهيج، السيئ الطالع، فإن لها على ذلك دليل على دليل. ومن هذه الأدلة ما قرأته في عدد "الرابطة" الأخير بتاريخ 28 نيسان من اهتمام فرنسا بمساعي الجالية القومية التي كان الدكتور سعاده يضرم نار وطنها ويغذيها بكل ما أوتيه من مقدرة، فالجالية السورية فخر في الجهاد السوري القومي لم تنله جالية أخرى. وعلى الجالية السورية في البرازيل أن تحافظ على هذه المفخرة وأن تضيف إليها مفاخر جديدة لأن الحياة القومية الصحيحة لا تتمثل إلا في البناء ولا يكون لها معنى إلا في التعمير.



يا بني وطني!


إن هذا العصر الذي نعيش فيه والذي سيعيش فيه أولادنا إنما هو عصر تنازع الأمم،عصر تتقيد فيه الأفراد والجماعات بمصير أممها، فإن كانت الأمة ناهضة، راقية، متقدمة في ميدان الحياة كان لأفرادها وجماعاتها مقام وكرامة على نسبة ذلك. وليس بين أمم العالم وشعوبها أدرى منا، نحن، السوريين بنتائج مصير الأمم على الأفراد، أو شعب أكثر منا اختباراً بحاجة الأفراد والجماعات إلى كيان قومي معزز، ذلك أن وطننا الذي هو تراثنا وأساس وجودنا القومي كان أكثر أزمنة التاريخ عرضة للغزوات الخارجية في الجهات الأربع فكانت هذه الغزوات تفكك ما كان قد بني وتقطع ما كان قد نما حتى بتنا مفرقين ومشردين، غرباء في البلدان البعيدة، غرباء في وطننا الجميل، النادر المثال، نرمي هنا وهناك ما نحن براء منه، ونجبر هنا على أخذ ما لا نريد أخذه ويؤخذ منا ما لا نريد إعطائه، ونحن قد اتخذنا من كل ذلك، الصبر معقلاً، وما أوهنه حصناً، وركنا إلى قوة القول، والقول قوة تذهب في الريح.


إذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمم فهو إذاً عصر أعمال، لا عصر أقوال.


وإذا كان لابد من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوة العملية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة واقعية، ونحن أمة واقفة، الآن، بين الموت والحياة، ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعينه. ويتراءى لي أن أمتنا كانت منذ عصور قديمة جداً أمام عدة مسائل تتطلب أجوبة صحيحة وهي:


هل نحن أمة حية؟


هل نحن مجموع، له أهداف من الحياة؟


هل نحن قوم لهم مثل عليا؟


هل نحن أمة، لها إرادة واحدة؟


هل نحن جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية؟


ويتراءى لي أن هذه المسائل وأمثالها أمامنا ولن يكون لنا لون معروف ولا منزلة ثابتة حتى نكون قد أجبنا عليها أجوبة علمية.


وبديهي أن الحياة يجب أن تكون حياتنا، نحن، والهدف هدفنا، نحن، والمثال مثالنا، نحن، والإرادة إرادتنا، نحن، وألا فنحن ندعي ما ليس لنا ولا لنا حق فيه، ونطلب أن نحصل على ما لا نريد أن نعمل له وهو أمر غريب وفيه من العجب مل فيه.



يا بني أمتي!


إن أول اعتماد الأمم في الحياة على نفسها، وفي النزاع الهائل القائم سيكون الاعتماد على النفس فصل الخطاب فالأمم التي اعتمدت على نفسها وتجهزت بما يدافع عن كيانها بقيت وفازت والأمم التي علقت آمالها على المغامرة والمضاربة في الشؤون السياسية، معتمدة على قوات ليست في قبضتها وواضعة ثقتها في تدبيرات خارجية سقطت وتلاشت.


ويحسن بنا، في هذا الزمن العصيب، أن نذكر دائماً أننا على قيد خطوة من حرب جديدة. لا يدري أحد ما تكون نتيجتها وإنما ندري، نحن، أن وطننا سيكون مسرحاً من مسارحها، وأن أمتنا ستكون من جملة الأمم المقدمة الضحايا فيها. وهذا أمر، لا بد أنه واقع. أردنا أم أبينا. فماذا أعددنا للساعة الآتية،


كانت رسالة الدكتور سعاده رسالة الإيمان بالأمة وحب الوطن. كانت حملة على الذين كفروا بالأمة. قالوا أننا لا نستطيع فعل شيء من أجل كياننا وحياتنا، وأن كل ما يمكننا فعله هو أن ننتظر تقرير مصيرنا خارج بلادنا. فندد بهذا الهراء لإعادة الثقة بجدارتنا إلى قلوبنا.


إن رسالة الإيمان بالأمة السورية وحب الوطن السوري هي رسالة الجيل الجديد في الوطن، وهي رسالة الوطنيين أينما كانوا. وكم يكون مجيداً أن يكتب للجالية السورية في البرازيل صفحات جليلة في خدمة قضية الشعب السوري!! إن العمل القومي الموضوع على عواتقنا جميعاً، الذي يجعل كل فرد منا مسؤولاً عن نصيب منه ـ كبيراً كان أم صغيراً ـ يحتاج إلى تعاون نظامي عملي، مترابط متين، وهو ما لا يتم إلا بما دعا إليه فقيد الجالية والوطن إلى الإقدام على العمل المخلص الذي كان هو مثالاً له وقدوة.


وفي يقيننا، أن الإخلاص هو أهم دعائم الوطن القومي لأنه متى أخلص الإنسان إلى قضية أمته وأدرك الغرض الجليل الذي ينطوي عليه إحياء قومية كادت تتضعضع تماماً، صغرت في عينيه الغايات الشخصية وتولدت فيه الشجاعة الحقيقية التي تحمله على نبذ الأغراض الهينة وتوخي الخدمة العملية المفيدة فيعود عليه ذلك بالفائدة الشخصية لأن كرامة المرء ترتقي على نسبة ارتقاء كرامة الأمة التي ينتمي إليها.


إن هذا النداء الذي أوجهه إلى الجالية السورية في البرازيل إنما هو ناتج عما أشعر به، هنا، والواقع تحت نظري في حاجة الأمة السورية والوطن السوري إلى الاستمرار في نهضة قومية تنقذهما من الفوضى الداخلية والمطامع الخارجية.


وأختم هذا النداء بالدعوة إلى المحافظة على وحدة الجالية السورية عموماً ووحدة صفوف الوطنيين خصوصاً، فإذا كان الدكتور سعاده قد مات فكل فرد منا سيموت أما أمتنا فيجب أن تحيا.


وإن أفضل ما أقوم به نحو ذكر والدي هو أن أسلك سبيل الوطنية الذي سلكه وأن أعتد بالإخلاص الذي كان عدته.


قد مات الدكتور سعاده ولكن رسالته باقية وندائي إلى الجالية السورية في البرازيل إنما هو نداء إلى العمل القومي، إلى التعاون بإخلاص على توليد قوة مادية روحية يمكننا أن نعتمد عليها حين الحاجة.


لنترك الأمور الكلامية جانباً ولنوجه عنايتنا إلى الشؤون العملية العمومية.


في بيروت – 5 أيار 1934

أنطون سعاده



وجه سعاده هذا النداء في 5 أيار 1934 إلى الجالية السورية في البرازيل، وذلك بمناسبة وفاة والده العلامة الدكتور خليل سعاده


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024