إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الى يعقوب ناصيف 3 الجزء الأول

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1945-05-22

إقرأ ايضاً


ايها الرفيق العزيز،


كنت ارتقب الفرصة لأكتب إليك في أشياء في نفسي فقد وصل الدور إليك، ومنت على وشك الكتابة في ختام الاسبوع الماضي او في مطلع هذا الأسبوع وإذا بكتابك الأخير المؤرخ في 18 مايو الحاضر يصل إليَ لينبهني إلى تقصيري القبيح في إداء الواجب القومي وواجب الوظيفة التي أنا فيها.


الحقيقة، أيها الرفيق العزيز، إني بت أشعر بخجل شديد من جراء تقصيري نحوك ونحوى مديرية خوخوي الموقرة. وكم صرت مديوناً لك وللرفقاء الذين تعبر في كتابك عن موقفهم في صدد تأخيري واهمالي فقد ذكرني ذلك حقيقة ما كان يجب ان يكون لها ذاك النصيب من الاهمال الذي أصابها من تفكيري وتقديري وتخطيطي وهي: انه لا يوجد، في نظر الجماعات، لا ماض ولا مستقبل، وانه ليس للمرء إلا الساعة التي هو فيها.


قد لا تكون هذه أول مرة انبه فيها إلى واجبي القومي وواجبي النظامي ولكن المرء ينسى غالباً التأنيب الذي مضى عليه وقت. وكتابك يذكرني انه يجب أن لا أظن ان ما مضى قد مضى وانه عند كل تقصير يمكن أن تأتي وخزة تنبهني الى ما تسول لي نفسي اهماله فيجب ان احفظ ذلك جيداً وان أتمم واجبي اتقاء للوخز الذي لا يليق ان يعرض نفسه أليه من كان ذا مقام كمقامي وان أحفظ، فوق كل ذلك، ان الزعماء والقادة، مهما كان لهم من كرامة وحرمة، فانهم بشر عادسون وانهم عرضة للوخز والتنبيه والمحاسبة والتأنيب كلما سولت لهم نفوسهم الاتكال على حرمة الزعامة لوقاية انفسهم من الحساب على تقصيرهم في اداء الواجب، كما كان دأبي في الماضي، وكما لا يزال دأبي في الحاضر، على رغم مما وجه إلي من تنبيهات سابقة وعواقب لاحقة.


وكتابك يريني أيضاً انه من العبث تعليلي نفسي بستر تقصيري واهمال ما أنا مطالب به بستار الاتجار لتأمين حياة عائلتي وحياتي ووقاية نفسي من ذلك المصير السيء الذي وصفه ذلك البدوي، زهير بن أبي سلمي، بقوله:


ومن لم يزل يسترحل الناس نفسه ولا يعفها يوماً من الذل يندم


وصرت الآن ادرك ان كتبي التجارية غلى عملائي لا تشفع في تأخيري او تركي الكتابة الى رفقائي وانها، بدلاً من أن تشفع، تدعم انتقادات منتقديها وتبين من عيوبي ما كان الأرجح أن يبقى مستوراً لولاها.


وكنت في الماضي أحلم في الزعامة والسلطة وتأخذني خيلاء المجد حتى صرت أتوهم انه لا يجوز أن يخاطبني الأفراد وموظفو المديريات بمثل هذه اللهجة المستعملة في كتابك ويظهر ان التجارة قد أدخلت عناصر جديدة في تلك الأحلام والخيلاء فصري أستبعد كثيراً وأنا أشتغل وأعمل أنا وزوجتي في المحل التجاري، مهملين ترتيب بيتنا وجميع أسباب الحياة الاجتماعية ومطاليب الحياة العائلية، ان ادعى للمحاسبة على واجباتي النظامية التي صرت، حسب ميولي وما أنا مفطور عليه، اهملها وأتراخى فيها.


وكان من جملة تخيلاتي في الزعامة التي ورثتها من تقاليد شعبنا الاجتماعية في عصر الانحطاط اني لم أكن أتصور انه يجوز لمديرية ان تدعو الزعامة الى النظام ووجوب التقيد به وكنت أتوهم ان أية مديرية يجب أن تكون سعيدة بالحصول على أي التفات وعناية بها من الزعيم الذي لم أكن أظن واجبات وظيفته الرئيسية هي العناية بشؤون المديريات واحتياجاتها الطباعية وغيرها، اذ كنت أتوهم، وبعض التوهم اثم، ان عمل الزعيم يختص في الدرجة الأولى، بشؤون الحركة القومية السياسية العليا وبمسائل القضية القومية الفكرية الأساسية وان ما يفعله فوق ذلك يكون علاوة على عمله وواجبات وظيفته النظامية. وظننت، وبعض الظن اثم أيضاً، ان المسؤؤل عن تجهيز احتياجات المديريات القومية الاجتماعية هو النظام القومي كله في مراتبه وتشكيلاته وانه ليس مطلوباً من الزعيم، في هذا النظام، الا ما هو من حقوق الزعامة وواجباتها وانه في حالة اختلال النظام، كما هو الواقع في صفوف المنضمين الى الحركة السورية القومية الاجتماعية في هذه البلاد، فإن كل عمل يقوم به الزعيم للتعويض عن النقص في أية جهة من جهات الادارة المحلية يجب أن يقابل بتقدير وشكر خصوصيين وانه يجب على بعض المديريات ان لا تنسى ان هنالك مئات المديريات الاخرى ترتقب استماع صوت القيادة العليا في القضايا والمشاكل التي تواجهها الحركة السورية القومية الاجتماعية. من غير أن تنتظر ان يكون للزعيم اتصال شخصي مباشر بها، لانها تعلم بما يشبه الوحي اين يجب ان تكون اتصالات الزعيم الفكرية والعملية وان عملها هو ان تفعل كل ما بوسعها لتسهيل تلك الاتصالات لا أن تواصل الزعيم بالمطاليب التي يجب ان يكون من شأن غيره الاهتمام بها وأن تتعدى تلك المواصلة الى المحاسبة.


وبناء على هذه الأوهام صرت أتخيل الجماعة القومية في أعلى مرتبة من تقديس الفكر الموجه والمسؤوليات وانها لا تقل عن رمز صورة مثل بها الالمان شدة احترامهم للمواهب الروحية العالية، وتمثل هذه الصورة تشييع ميت الى لحده والجنازة حافلة بالناس وفيهم طائفة من أهل المنزلة وقد وصلت في طريقها الى الجبانة خارج المدينة، الى مكان جلس فيه الى حافة الطريق الموسيقي الشهير بيتهوفن وهو ينظر في الأفق يناجي ويستوحي. وبدلاً من أن يتقدم اليه البعض لمحاسبته على عدم تأديته واجب التشييع او لجعله يقف ويحترم مرور ميت كبير، قياماً بالواجب، رأت الجماعة كلها واجبها أن تقف لئلا يزعج مرورها روح "الشاعر" ويقطع عليه حبل تصوراته!



ولتحي سورية


توقيع الزعيم


مكتب الزعيم في 22، أيار 1945


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024