اجبته على كتابه المذكور برسالة أبديت له فيها سروري لاهتدائه إلى ما تطمئن به نفسه فيما يختص بما تتوق اليه من الاستقرار في المسائل العقائدية المتعلقة بما وراء المادة وتطرقت الى الايمان الكاثوليكي وأتيت بلمحة من الفوارق بينه وبين الايمان المسيحي العام وما يختلف فيه الكاثوليك وغيرهم من الشيع المسيحية، واوضحت الفرق بين موقف البابا ومركزه الديني ومواقفه بصفته رئيس دولة الواتكان الزمنية. وذكرته بالحدود المعينة في عقيدتنا التي تفصل بين ما هو ديني بحت وما هو سياسي بحت وبعدم جواز خضوع العقيدة القومية لأية هيمنة عقائدية دينية عليها. وبينت له أغلاطه في فهم مقال "الزوبعة" وشرحت له عدم تدخل نهضتنا في أية مسألة من مسائل الايمان الديني وعقائده المتعددة والمتنوعة الخ.
بعد ذلك وردني منه كتاب يحمل إليَّ فيه أخبار ورود نشرات حزبية سياسية وأدبية ثم يتناول جوابي إليه فيظهر سروراً بما ورد فيه ويقول في كتابه (المؤرخ في أول نيسان من سنة 1945): "ومما لا شك فيه ان الظروف التي قضت بالانفصال المكاني بين الزعيم والعدد الكبير من مفكري الحزب مدة تبلغ الآن نحو سبع سنوات منعت استمرار التداول والتفاعل الفكري في جميع الشؤون المتعلقة بالفكرة القومية في نموها وتفرعها وان ذلك من الصعوبات العديدة التي سنتغلب عليها بالشجاعة والثبات وسعة الصدر كما تغلبنا على صعوبات عديدة غيرها. وقد جاءت رسالتك المشار إليها معبرة عن حلمك ورحابة صدرك مما لم يكن عندي أدنى شك فيه". ثم انه عاد الى القضية الدينية المستولية على احساسه في هذا الوقت فأخذ في تحليلات وتعليلات دينية لاهوتية وغيرها وتجنب فتح مسألة البابوية وسكت على هذه النقطة. ثم قال: "بما انه من الضروري ارسال هذه الرسالة حالاً فاني اعد رسالة أخرى تحتوي على بعض ما عندي من أدلة وبراهين في اثبات هذه القضايا الخ".
وردتني هذه الرسالة وانا في حالة نفسية ابعد ما يكون عن اللازم لاطلاق عنان الفكر في هذه القضايا التي تستغرق من الجدل سنين كثيرة والتي لا لزوم لها لقضيتنا ولا مانع من ان توجد فيها المدارس الفكرية التي يجوز ان تتعدد في هذه المذاهب وغيرها من شعب التفكير الفلسفي. فصبرت وانتظرت رسالته التالية التي يعدني بها. واذا برسالة اخرى صادرة عن كمبردج في 12 اكتوبر الماضي ترد منه موجهة الى "حضرة الزعيم الجليل" وهذا مطلعها: " بعد تحية الاحترام اعلن لكم بكل أسف عدم تمكني من متابعة العمل على الأسس التي تقوم عليها عقيدة الحزب السوري القومي". ويختمها بقوله: " ولما كانت مبادىء الحزب تهمل هذه القضايا والأسس (الدينية) وكتابات الزعيم وشروحه تخرج عنها في مواضيع عديدة جداً أجد نفسي مضطراً، بدافع وجداني للاستغناء من جميع المهمات التي القيت علي في الحزب والتماس اطلاقي من قسمي الحزبي، خاتماً بكل احترام".
...
يتبع
صدر عن مكتب الزعيم، في 21 فبراير 1946
خاتم وامضاء الزعيم
|