إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (4).

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-05-10

إقرأ ايضاً


حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب - 4

سياسة التسليم

∗في الأوقات العصيبة التي تحيط بأمة من الأمم، خصوصاً متى كانت هذه الأمة في بدء تكوين حياتها السياسية، تتجه أنظار المخلصين لحياة الأمة وتقدمها ومطالبها العليا نحو الحاجة الأولية التي هي حاجة جمع كلمة الأمة وجعل الوحدة القومية النقطة الابتدائية لكل عمل. فالوحدة القومية هي جوهر حياة الأمة والضمان الأساسي لبقاء شخصيتها وحيويتها.

والأمة السورية اليوم هي في وقت من هذه الأوقات العصيبة فهي تحاول النهوض وسيف ديمقليس معلق فوق رأسها بخيط عنكبوت لا يدري أحد متى ينقطع ويهوي السيف عليها.

في هذا الوقت العصيب والدعاوات الأجنبية من كل جهة ولون تتغلغل في أوساط الشعب والحاجة إلى العقيدة القومية التي تصد هذه الدعاوات وتحافظ على شخصية الأمة وروحيتها تزيد وتتعاظم، تسلم الكتلويون الإقطاعيون الحكم في الشام وتسلم الإقطاعيون والرسماليون الحكم في لبنان. وسياسة واحدة سيطرت على هذه الطبقة الإقطاعية- الرسمالية الحاكمة هي سياسة الخضوع لأغراض الرسمال الأجنبي وتمكين الأجانب الطامعين من موارد البلاد وثروة الشعب لقاء عمولة يتلقونها من أجل هذه الخدمة.

في هذا الوقت ظهر الحزب السوري القومي من صميم الأمة حاملاً لها عقيدتها القومية الممثلة نفسية الأمة التي أصبحت مركز الجاذبية والبجر الحصين الذي لا يمكن الدعاوات الأجنبية، أياً كان مصدرها ومهما كان نوعها، أن تقتحمه أو أن تستولي عليه. فانتعشت آمال الأمة ولاح فجر نهضتها فهلع قلب الرسمال الأجنبي وقلقت الدول الطامعة التي رأت في الحزب السوري القومي قوة العقيدة ومتانة النظام وأدركت أن حال الأمة السورية قد تغيرت بفضل هذا الحزب ومقدرة رجاله الموهوبين. وفي الوقت عينه هلعت قلوب الكتلويين الاستغلاليين الذين رفعوا بتبجحهم الوطنية التي هي أول واجب لكل فرد من أفراد المجتمع السوري إلى مرتبة امتياز سياسي يضجون به ويصخبون.

فقامت الدعاوات الأجنبية تحارب الحزب السوري القومي مباشرة وبواسطة عملائها وقامت الكتلة الوطنية تنتصر للدعاوات الأجنبية والأغراض الأجنبية التي يظهر أنها قد اتفقت معها على حساب الأمة.

طال تبجح الكتلويين "بالعهد الجديد" الذي هو عهدهم السيء الطالع، أما الشعب فقد أصيب بخيبة أمل عظيمة، ذلك أنه كان للشعب قبل تسلم "الوطنيين" زمام الحكم أمل بالوطنيين وبحكمهم الذي رجا أن ينقذه من الهوان الذي حل به ومن الجور الاقتصادي الذي س عليه سبل التقدم. فلما تسلم الكتلويون الحكم وباشروا عهد "الاستقلال" إذا بالأمور تصير من سيء إلى أسوأ.

تبين للشعب جلياً في "عهد الكتلة" أن الحكم هو غاية لا وسيلة، وتبين له أيضاً أن الكتلة، منذ صارت حاكمة أصبحت عدوة العقيدة القومية وعدوة القضية القومية وعدوة الحزب القومي الذي قام يوحد الأمة في مبادئ لها كل ممكنات التوحيد.

وتبين للشعب أيضاً أن المصالح الأجنبية أصبحت بعد المعاهدة الكتلوية أقوى مما كانت عليه قبلها، فالكتلة قد عملت الإرادات الأجنبية ونزلت عند رغبتها وأصبحت هي تعمل على تجزئة الأمة والوطن بعد أن كانت تدعي أنها تريد وحدتهما. وهي قبلت الطغيان التركي في الاسكندرون وعملت بسياسة تفريق الشعب شيعاً متخاصمة حتى يظل حكمها قوياً في حين أن الأمة تصبح ضعيفة لا قبل لها بالوقوف ضد التيارات الأجنبية العاملة على قتل معنوياتها.

أصبحت الكتلة الوطنية أجنبية أكثر من الأجانب وصارت قضية الأمة عندها قضية مساومات على مصالح خصوصية، حتى أنها أصبحت أشد عداوة للنهضة القومية من أية دولة أجنبية طامعة.

هكذا تمد الكتلة يدها إلى الأتراك المهاجمين الطاغين على حدودنا، هكذا تضع الكتلة حد السيف بين الشام ولبنان بعد أن كانت تقلق راحة الأرض والسماء بأنها تريد الوحدة السورية، هكذا تفرق الكتلة الشعب وتقضي على التطور الفكري السياسي هكذا تقتل الكتلة الوطنية معنويات الأمة.

بعد أن تقف، أيها القارئ العزيز، على هذه الحقيقة الأليمة تسائل نفسك، كما نسائل نحن أنفسنا:

ما هو الفرق بين "الكتلة الوطنية" والأجانب العاملين على تمزيق شمل الأمة وقتل معنوياتها؟

النهضة، بيروت العدد 153 4/5/138 – والعدد 158 1، 10/5/

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024