إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أبناء شهداء مجزرة حلبا وزوجاتهم و«اللقاء الوطني للمحامين» يعتصمون أمام وزارة العدل سنوات أربع على الجريمة

أحمد طيّ - البناء

نسخة للطباعة 2012-05-11

إقرأ ايضاً


لم تعرف العدالة في لبنان والعالم خرقاً كما يجري إزاء الجريمة البشعة التي وقعت في العاشر من أيار عام 2008 في ساحة حلبا، والتي ذهب ضحيتها أحد عشر شهيداً من الحزب السوري القومي الاجتماعي، حيث لم تقتصر تلك الجريمة على قتلهم، بل عمد المجرمون القتلة، إلى التمثيل بجثث الشهداء، والتنكيل بها، وتعذيب من كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، لا بل ارتفع لديهم منسوب غريزة الإجرام، لينبري بعضٌ منهم إلى تصوير مشاهد المجزرة، ونشرها على المواقع الإلكترونية، تلبيةً لنشوةٍ لا تمتّ إلى الإنسانية بِصِلة.

في الطريق أمس، إلى محلّة المتحف في بيروت، حيث ترتفع أروقة وزارة العدل، وينتصب ميزان العدالة، ربما يكون سائق التاكسي (الزغرتاوي) من القلائل الذين لم يعرفوا بالمجزرة، ولم يتسن لهم الاطلاع على بشاعة مرتكبيها ولاإنسانيتهم، وربما يكون من القلائل الذين طلّقوا وسائل الإعلام مقروءةً ومسموعةً ومرئية، وابتعدوا عن السياسة والسياسيين، وانصرفوا عن الأخبار إلى لقمة عيشهم وقوت أبنائهم، ففاته ما جرى منذ سنواتٍ أربع بالتمام والكمال، إذ أظهر اندهاشاً قوياً لدى سماعه بالاعتصام أمام وزارة العدل استنكاراً للتأخير المتعمد في محاكمة المجرمين المسؤولين عن مجزرة حلبا، أذناه لم تسمعا سوى كلمتين: مجزرة حلبا.

السائق الزغرتاوي، وخلال ربع ساعة من الزمن فقط، عرف بالتفصيل ما جرى في عاصمة عكار، وهو الذي ظنّ للوهلة الأولى أن مجزرةً مروّعة وقعت يوم أمس، فهبّ مندهشاً كحال كل لبناني يعلم للتوّ أن خضّة أمنية ما حلّت بالبلد. لكن السائق، لم يكن يعرف أن مجزرة حلبا ترتكب كل يوم، وكل ساعة وكل دقيقة منذ أربع سنوات، وأن ضحاياها «اليوميين» ليسوا فقط الشهداء الذين ارتفعت أرواحهم إلى عالم الخلود، بل إنهم أبناؤهم، وأمهاتهم، وزوجاتهم.. ورفقاؤهم.

أمام وزارة العدل، وجد أبناء الشهداء الذين أتوا مع أمهاتهم وجدّاتهم من حلبا، مكاناً لهم تحت شمس بيروت المحرقة في هذا اليوم الربيعي. هم لم يأبهوا بحرارة الشمس، إذ أن صور الأبطال تظلّلهم.

وما هي إلا دقائق معدودة، حتى أطلّ المحامون بأثوابهم السوداء، وانضموا إلى الأطفال والنساء، ثم انطلقوا إلى باحة الوزارة، هناك، حصلت مرافعةٌ ميدانية، لم يكن أبطالها المحامون المنضوون تحت راية «اللقاء الوطني للمحامين» فقط، بل أبناء الشهداء أيضاً ومن ناصرهم من المعتصمين. مرافعةٌ ادّعى فيها أصحاب الحق باسم الشعب والمقاومة والتاريخ، على قتلة الشعب، وأعداء المقاومة، ومزوّري التاريخ.

خلال الاعتصام

وإذ حضر الاعتصام حشدٌ من المحامين ضمن «اللقاء الوطني»، تقدّمهم عضو مجلس النقابة في بيروت حسين زبيب، وعميد القضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي عصام بيطار، ووكيل العميد معن فياض، ومدير دائرة المحامين في الحزب ريشار رياشي، إضافةً إلى ممثلي وسائل الإعلام، وحشد ممن لبّوا الدعوة، رفع المعتصمون صور شهداء مجزرة حلبا، ولافتاتٍ مندّدة بتأخير البتّ في شأنها قضائياً، وأخرى كتب عليها: «دماء شهداء مجزرة حلبا تستصرخ ضمائركم»، كما أطلق أبناء الشهداء صرخاتٍ وجّهوها إلى الجسم القضائي في لبنان، مطالبين بحقّهم في محاكمة الجناة، ومتهمين أيدٍ خفية تعمل على طمس الملف، وتأخيره في أدراج النيابة العامة التمييزية.

فياض

وبِاسم المحامين المعتصمين، ألقى فياض كلمةً توجّه فيها إلى المحامين قائلاً: «يا ضمانة العدالة في مجزرة حلبا، والهروب من إحقاق الحق وعدم معاقبة القتلة.. قالت العدالة في نداء وحيد: حرّروني من غربتي وقيودي. فسيوف الظلم منذ سنوات أربع مزقتني ثم استباحت عهودي.

فيا معالي وزير العدل، يا دولة رئيس الحكومة، إن المجزرة الوحشية التي وقعت في حلبا بحق القوميين، هي جريمة موصوفة، وجريمة ضد الإنسانية، وما زالت في أدراج النيابة العامة من دون أي إجراء أو تحقيق حتى اليوم.

إن دائرة المحامين في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ووكلاء الادّعاء يطالبونكم باتخاذ موقف حاسم وجازم من القضية، واتخاذ كل الإجراءات الرادعة في حق المتقاعسين والمتدخلين مهما علا شأنهم وموقعهم، وتحرير ملف القضية من أدراج النيابة العامة التمييزية.

فيا حضرة مدعي عام التمييز، أربع سنواتٍ وأنت تقف سداً منيعاً في وجه العدالة حائلاً دون السير بالدعاوى والتحقيقات. أما آن لك أن تترك للعدل مداه؟ وأن ينال القتلة العقاب بدل مساعدتهم للإفلات منه؟

إن تصرفات مدعي عام التمييز المستغربة، لا سيما الاستنكاف عن إحقاق الحق، تشكل جرائم يعاقب عليها قانوناً، وتعرض مرتكبها إلى المساءلة القانونية من قبل أصحاب الحقوق لقيامه بتعطيل عمل القضاء، وتشجيع أعمال القتل، كما تؤدي إلى فقدان ثقة المواطنين بالقضاء وتشويه صورته وعدم الانصياع للقوانين، وتضع مَن طاولتهم الجريمة أمام أمر واقع، هو تحصيل حقوقهم بصورة مباشرة من كل من له علاقة بالجريمة أياً كان موقعه.

فمنذ سنواتٍ أربع، وأحد جناحي العدالة يغطُّ في سباتٍ ـ ويعرقل ملفاً بحجم مجزرة وحشية، وجئنا اليوم لينتصب العدل. فيا جناحي العدالة اتحدا وتوازنا لتصنعا المجد في إحقاق الحق.

فوزارة العدل وقصره ونقابة المحامين عائلة واحدة، ودعوتنا اليوم هي للحفاظ عليها وعلى استمرارها.

أيها القضاء إذا كان قدرنا أن نُقتل بأبشع جريمة شهدتها الإنسانية، ففاعلوها والمحرضون عليها ما زالوا طلقاء، من النائب الجوال باسم حقوق الإنسان، إلى المعزولين والغارقين في حقدهم، واللاهثين وراء موقع ظنوا أنهم خالدون فيه بفعلتهم، إلى بعض المحرضين على جريمة لا تُمحى على مساحة الزمن.

أيها القيمون على القضاء، إن القدر دائماً إلى جانب الشهداء، فالعدل وقعه ثائر لا يخشى موقعاً أو عِقَاب.

نحن اليوم جئناك يا عدلية، نناشد العدل الرابض في ساحاتك وبين أعمدتك الشاهقة العتيقة كمجدك. أعيدي إحقاق الحق واقتصّي من المجرمين وأنصفي الشهداء. واحكمي بالعدل لاستمرار مجدك، وأنزلي العقاب بالقتلة، وضعي حدّاً لحياتهم بحق كما هم وضعوا حدّاً لحياة الشهداء الأبرار بغير حق.

مذكرة

ثم سلّم وفدٌ من اللقاء وذوي الشهداء مذكرة إلى الوزير قرطباوي، ونسخة عنها إلى نقيب المحامين في بيروت نهاد جبر، وجاء في نصّ المذكرة: «في مثل هذا اليوم قبل سنوات أربع، قامت ميليشيات من تيار المستقبل وبعض أدواتها المأجورة بمهاجمة مكتب منفذية عكار في الحزب السوري القومي الاجتماعي، الواقع في مدينة حلبا، وذلك بشتى أنواع الأسلحة. تصدى القوميون الاجتماعيون الذين كانوا في المكتب للهجوم مدافعين عن أرواحهم ومكتب حزبهم. ثم تدخلت القوى الأمنية بعد حوالى سبع ساعات من الاشتباكات بهدف وقفها وفقاً لما يلي:

1 ـ يتم وقف إطلاق النار.

2 ـ يخلي القوميون الاجتماعيون مكتب المنفذية ويسلّموا سلاحهم إلى الجيش اللبناني الذي يتولى حمايتهم.

3 ـ يصبح مكتب المنفذية في عهدة الجيش اللبناني.

وبعد خروج القوميين الاجتماعيين عزلاً من المكتب بحسب الاتفاق، انهالت عليهم ميلشيات تيار المستقبل بكل أنواع الأسلحة، فقتلتهم ومثّلت أبشع تمثيل بجثثهم. ولم تكتف بما ارتكبت، بل فاخرت بجريمتها عبر تصوير المجزرة بالصوت والصورة وتوزيع ما صورت بشتى الوسائل.

من نجا من القتل بأعجوبة نقل إلى المستشفى، فلاحقته ميليشيا المستقبل والمأجورين التابعين لها لتجهز عليه هناك، وقد استشهد أحدهم عن طريق وضع خرطوم الإطفائية في فمه حتى قضى، إضافة إلى التعذيب والتنكيل بالجرحى داخل المستشفى.

كانت نتيجة المجزرة الهمجية البربية استشهاد أحد عشر قومياً اجتماعياً هم:

فادي الشيخ ـ مخايل سليمان ـ أحمد نعوس ـ محمد غانم ـ خالد الأحمد ـ أحمد خالد ـ نصر حموضة ـ محمد درويش ـ خالد إبراهيم ـ ظافر حموضة ـ محمود الترك.

أجرت الشرطة العسكرية تحقيقاً في الجريمة الاستثنائية في بشاعتها. فكان قرار النيابة العامة العسكرية إحالة الملف بالكامل «وفقاً للصلاحية» إلى النيابة العامة الاستئنافية في لبنان الشمالي.

حفظ الملف في الدرج، ولم يجر فيه أي تحقيق من أي نوع كان على الرغم من اتخاذ ورثة الشهداء الأبطال صفة الادعاء الشخصي ضد المجرمين مرتكبي المجزرة مع تسميتهم بالأسماء.

تعدّدت المراجعات إلى النائب العام الاستئنافي في لبنان الشمالي القاضي عمر حمزة، الذي كانت خلاصة الأمر معه «راجعوا النائب العام لدى محكمة التمييز».

وفعلاً، حصل أكثر من اجتماع مع القاضي سعيد ميرزا، الذي كان في كل مرة يعد بأنه سيصدر تعليماته فوراً بالسير في التحقيق. وما زلنا حتى اليوم ننتظر وعوده الزائفة، ومضت أربع سنوات على مجزرة يندى لها الجبين وارتكبت ضد الإنسانية، ولم يحرك ساكناً على الرغم مما يمليه عليه الواجب.

إن موقف النائب العام التمييزي بإصداره تعليمات وتوجيهات لعدم السير في الملف وعدم إجراء أي تحقيق، يشكل مخالفة صريحة للقوانين المرعية الإجراء، ولقانون أصول المحاكمات الجزائية، واستنكافاًعن إحقاق الحق وما يترتب على ذلك من نتائج بحقه وبحق الدولة اللبنانية التي يمثلها، إذ أن ما يقوم به من أفعال مستنكرة، تشكل حماية للمجرمين وتشجّع على الجريمة وتسيء إلى سمعة القضاء في لبنان وتضع أهالي من طاولتهم الجريمة ورفقاءهم أمام أمرٍ واقع لا يرغبون فيه، وكأنه بتمنعه يدعوهم إلى استيفاء حقهم مباشرة من المرتكبين والمتقاعسين.

معالي الوزير،

هناك أطفال يُتِّمُوا، ونساء رُمّلت، وأمهات ثُكِلت، نتيجة عمل قذر ينحدر مرتكبوه إلى أسفل السافلين، والقتلة المجرمون يسرحون ويمرحون، وإننا نسعى جاهدين لضبط النفوس ومنع وقوع المحظور.

كلنا ثقة بأنكم تتذكرون أن وفداً من دائرة المحامين في الحزب السوري القومي الاجتماعي زاركم في مكتبكم مهنئاً بتوليكم وزارة العدل. وخلال اللقاء أثار معكم الوفد ملف المجزرة، فأبديتهم كامل استعدادكم لمتابعته بهدف إحقاق الحق.

لذا نضع بين أيديكم هذه المذكرة، وكلنا ثقة بأننا نضعها بين يدي الأمين المؤتمن على الحق والعدل لاتخاذ كل الإجراءات بحق المتقاعسين الممتنعين عن إحقاق الحق وللسير في الملف حتى النهاية.

فجرائم تنطبق عليها أحكام المواد التالية من قانون العقوبات اللبناني: 314، و315، و316 (الإرهاب)، و335 (جمعيات الأشرار)، و549 (القتل العمد)، و556، و557 (الإيذاء وإحداث العاهات). هي جرائم بكل تأكيد يجب أن ينال فاعلوها والمشتركون والمتدخلون فيها والمحرضون عليها أشد عقاب قانوني، لأن الدم الغالي الذي سفك لن يذهب هدراً فما «ضاع حق وراءه مطالب».

قرطباوي

وخلال لقائه الوفد، وعد وزير العدل شكيب قرطباوي أهالي الضحايا في مجزرة حلبا، بمتابعة القضية مع مدّعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا. وقال: «الجرح عندما تداويه يمكن أن يندمل، ولكن إذا تركناه يلتهب يصبح العلاج الممكن صعباً، ويصبح الموضوع في حاجة إلى البتر».

عود على بدء

رفعت المذكرة، وتليت الكلمات، وأطلقت الشعارات، وذرفت الدموع، وعلت الصرخات، وعاد أبناء الشهداء إلى شمالهم، وعيونهم ترقب من خلال زجاج الباص، لبناناً يموت فيه كل شيء، فيتمنون في قرارة أنفسهم ألا تموت العدالة، لأنها الأساس.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024