إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ثلاثون سنة على تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية..وتبقى فلسطين القضيّة الأمّ بين الكاتيوشا جنوباً ورصاصات علوان في بيروت حكاية مجدٍ وانتصار

أحمد طيّ - البناء

نسخة للطباعة 2012-09-20

إقرأ ايضاً


هي ليست روح القضية ولا طرفاً من أطرافها فحسب، بل هي لبّ القضيّة ، هي الأساس، ومن أجلها تبذل الدماء، وتزهق الأرواح رخيصةً أمام قدسيتها، تحريرُها الغاية وإليها المسير، إنّها فلسطين.

فلسطين، الأكبر منّا جميعاً، والتي تخلّى عنها قسمان من العرب، الأول غبّي باعها مجّاناً، والثاني خائنٌ خبيثٌ باعها من أجل حفنةٍ من فضة.. وحُكم. لكن، وفي وجه هذين القسمين، ثمّة ثالث لا حول له ولا قوّة إلا بإيمانه وإرادته التي لا تنطفئ جذوتها، وعشقه أرضه، والتزامه القضية، فكان مارداً شعبياً مقاوماً منذ نشأ، لا يخشى الحروب ولا المعارك، ولا يهاب المستعمر أيّا كان لبوسه، هو سليل هذه الأرض بكلّ العظماء الذين تركوا بصماتهم عليها، ولسان حاله يقول: «نحن أمّة كم من تنّين قد قتلت في الماضي، ولن يعجزها قتل تنّينٍ آخر».

20 أيلول 1982، حكاية مقاومة، حكاية بطولة، وحكاية شعبٍ يأبى الاحتلال والذلّ والإهانة، وإذا كان هذا التاريخ محطّةً لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، فإن الحكاية تبدأ قبل هذا التاريخ بكثيرٍ من الأيام، يوم انبرى الفدائيون الخلّص من أبناء هذا الشعب، من لبنان والشام وفلسطين، لنصرة فلسطين، يوم جاءتها العصابات الصهيونية من كل أنحاء الشتات والمعمورة، على شاكلة سيّاح وما إلى ذلك، ويوم انكشف أمر وعد بلفور المشؤوم، معلناً التحضير لتأسيس دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين، فكان أن أعلن الزعيم أنطون سعاده الكفاح المسلّح ضدّ الصهاينة بعد أن لمس تخاذلاً وجبناً وتعاملاً لدى الحكام العرب، فكان الشهيد السوري القومي الاجتماعي الأول حسين البنّا من بلدة شارون ـ جبل لبنان، الذي استشهد في فلسطين عام 1936، وكان البطل سعيد العاص، وغيرهما من الشهداء الأبرار.

حكاية المقاومة تبدأ من فلسطين، وستنتهي فيها، يوم تحريرها من رجس الصهاينة، وعودتها إلى كنف أمّها. يقول لنا البعض أننا نحلم، فنجيب: نعم نحن نحلم، وسنحقق أحلامنا.

قبل ثلاثة عقود كاملة، كانت المقاومة ترسم مساراً جديداً في تاريخها، فالعدو الصهيوني كان بدأ عام 1982 التحرّك من أجل تحقيق حلمه الاستعماري: «أرضكِ يا «إسرائيل» من الفرات إلى النيل»، ورأى أن يبدأ بالتوسّع شمالاً، نحو لبنان، بحجّة تأمين سلامة الجليل من صواريخ المقاومة، عبر احتلال الأراضي الواقعة على بعد 45 كيلومتراً شمال فلسطين المحتلّة، لكنّ هدفاً آخر كان لهذا التوسّع، ويتمثّل بضرب المقاومة الفلسطينية، وطردها من لبنان، لذلك، شمل التوسّع كيلومترات إضافية، وصلت إلى العاصمة اللبنانية بيروت.

أمن الجليل ظلّ مهدّداً

ولكن فعل الاجتياح هذا لم ينفع «إسرائيل» ولا وزير دفاعها آنذاك آرييل شارون، الذي سرعان ما تأكّد هو وكلّ من أتى بعده، أنّ هذا الاجتياح لم يكن إلا مستنقعا غرقت فيه «إسرئيل»، وأنّ هذا الاجتياح قلب اتجاه عقارب الساعة، وبدل أن يحصي سنيّ حياة الدولة الدخيلة على المنطقة، أصبح يحصي ساعات نهاية عدوانها الاجتياحي عام 1982. ظنّ شارون أن اجتياح لبنان سيكون نزهةً في بستان، وأنّ بيروت ستسقط لقمةً سائغةً بين فكّيه، ظنّاً منه أنها تشبه عملاءه ، لكنه اصطدم بمفاجآت لم يكن يتوقّعها، لم يكن مصرع بشير الجميّل ذاته في الرابع عشر من أيلول أوّلها، يوم نفّذ فيه البطل حبيب الشرتوني.. حكم الشعب.

الجليل ظلّ مهدّداً، وصواريخ الكاتيوشا تصل إلى المستوطنات زارعةً الرعب في صفوف المستوطنين المحتلّين على الرغم من وصول الاجتياح إلى بيروت.

وشكل إطلاق صواريخ الكاتيوشا من سوق الخان في حاصبيا على المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة في 21 تموز 1982 صدمةً قوية لقادة الاحتلال، والصدمة الأكبر كانت حين تأكد العدو بأن الصواريخ القومية التي أطلقها كل من المناضلَيْن سمير خفاجة وفيصل الحلبي، هي الإعلان الصريح عن انطلاقة جبهة مقاومة وطنية ستزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة معلنة سقوط عملية «سلامة الجليل» . هذه المقاومة التي بدأت حينئذ زرع بذور البطولة في الأرض، فكانت سلسلة من النضالات والتضحيات والمواجهات والعمليات البطولية النوعية التي تعملق فيها أبطال المقاومة، لا سيما الاستشهاديون منهم الذين قدّموا أجسادهم ودماءهم قرابين على مذبح الحرّية والتحرير. ويضيق المجال لذكر العمليات الكثيرة التي قام يها ابطال لبنانيون من الجنوب الى بيروت ومن الجبل الى البقاع الغربي وراشيا، من جميع الاحزاب الوطنية والقوى المقاومة من شعبنا. وأتى الانتصار الكبير عام 2000 ليتوّج تلك المرحلة وليعلن بدء مواسم القطاف التي توالت في 2006 في لبنان وفي 2008 ـ 2009 في غزّة، والتي شكّلت إيذاناً بأنّ الكيان الصهيوني يشهد مرحلة العد العكسي لوجوده الغاصب.

وبعد شهرين من عملية «اسقاط سلامة الجليل»، وبعد احتلال أجزاء من بيروت، ووصول الجنود الصهاينة إلى شارع الحمرا، صدرت وثيقة في 16 أيلول، وجاء فيها: « يا أبناء بيروت البطلة، يا أبناء شعبنا اللبناني العظيم في الجنوب والجبل والبقاع والشمال. أيها المقاتلون الوطنيون الشجعان. إن العدو «الإسرائيلي» المستمر في حربه الوحشية ضدّ لبنان منذ أكثر من مئة و أربعة أيام، يبدأ اليوم تدنيس أرض بيروت الوطنية الطاهرة التي قاومت ببطولة طوال هذه المدّة، ولقّنته في خلدة والمتحف وفي ضاحيتها الجنوبية وكلّ مداخلها دروساً في البطولة لن ينساها.

إن العدو المجرم يتنكّر لكلّ الاتفاقات التي أجبر على إبرامها بفضل المقاومة البطلة للشعبين اللبناني والفلسطيني بقيادة القوات المشتركة، ويستهدف اقتحام بيروت الوطنية التي اسـتعصت عليه عندما كانت في حال الاسـتنفار والتعبئة،وقبل تثبيت الخطة الأمنية التي قضت بتسليم أمن بيروت إلى السلطة الشرعية...».

وجاء فيها أيضاً: «يا رجال لبنان ونساءه من كلّ الطوائف والمناطق والاتجاهات،

أيها اللبنانيون الحريصون على لبنان بلداً عربياً سيّداً مستقلاً، إلى السلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضدّ الاحتلال وتحريراً لأرض لبنان على امتداد هذه الأرض من أقصى الوطن إلى أقصاه.

أيها اللبنانيون، إنّ واجب الدفاع عن الوطن هو أقـدس واجب، إنّ شرف القتال ضدّ المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكلّ وطنيٍّ أن يفاخر به...»

بدء العمليات النوعية

بعد أيام قليلة على إعلان وثيقة التأسيس، بدأت العمليات تتوالى انطلاقا من العاصمة بيروت، وصولا الى كل مناطق وجود جيش الاحتلال على التراب اللبناني.

نفذت الجبهة عمليات نوعية كثيرة، ووصل عدد عملياتها إلى 1113 عملية ممتدة على الفترة بين عامي 1982 و 2000، وقدّمت خلال تلك الفترة 184 شهيداً وشهيدة بينهم عددٌ كبير من الاستشهاديين كان أوّلهم، فاتح عهد العمليات الاستشهادية أحمد قصير، الذي فجّر نفسه صباح الخميس 11 تشرين الثاني 1982 في مقر الحاكم العسكري في صور، لتكرّ سبحة العمليات، ويسمو إلى عالم المجد والخلود استشهاديون منهم: بلال فحص، وجدي الصايغ، سناء محيدلي، مالك وهبي، لولا عبود، فدوى غانم، علي غازي طالب، مريم خير الدين، عمار الأعسر، ابتسام حرب، خالد الأزرق ونورما أبي حسان، وغيرهم من الأبطال.

إضافةً إلى العمليات الاستشهادية، كانت عمليات نوعية نذكر منها: عملية كفرفالوس، وعملية حولا، وعملية جبل الشيخ، وعملية الريحان- العيشية، وعملية تدمير إذاعة «صوت الأمل» التابعة للعميل أنطوان لحد، لكن العملية الأبرز، والتي تحتفل بيروت والحزب السوري القومي الاجتماعي وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بذكراها بعد أيامٍ ثلاثة، فكانت عملية الويمبي، التي حدت بالجنود الصهاينة لأن يعلنوا عبر مكبرات الصوت: «يا أهالي بيروت، لا تطلقوا النار، إنّنا راحلون»، ونفّذها بطل اسمه خالد علوان.

الصهاينة وبيروت.. وخالد

صباح بيروت في أيلول عام 1982 لم يكن مشمساً، لم يكن مبتسماً.. ولا فخوراً، بل كان ملبداً بغيوم العار التي جلبتها جحافل العدو «الإسرائيلي» معها، حين وطأت أرض بيروت الصامدة، على الرغم من نضالات المقاومين الذين كانوا بالمرصاد للعدوّ في كلّ مكان، فضربوه في موقعة زقاق البلاط أمام مدرسة مار يوسف، وفي عائشة بكار وفي تلة الخياط، وفوق جسر حوض الولاية، وأمام منزل صائب سلام في المصيطبة، وداخل مقر منظمة التحرير على كورنيش المزرعة، وفي محلّة الصنائع، وقرب محطة أيوب وسواها في كثير من المواقع.

ذات أيلول، لم ير جنود الاحتلال في شارع الحمرا أيّ تهديد لحياتهم، لم يروا أو يسمعوا ما أقلق راحتهم وشغل بالهم على سلامتهم الشخصية، فساروا وتنزّهوا واختاروا مقهى في منتصف شارع الحمرا ليعلنوا بجلوسهم فيه انكسار المقاومة وانهزام المشروع المواجه لقيام دولتهم. يومئذٍ، اعتبروا أن الويمبي سيبقى في ذاكرتهم ذلك المقهى الذي شهد الثورة الفلسطينية، وبداية عصر الظلمات، إلا أنّ خالد علوان، كان له رأي آخر، فانقلبت الصورة ورتّبت الأسماء كما شاء لها المناضلون، وبعد 30 عاماً غاب الويمبي، لكنّه لا يزال في الوجدان مقهى خالد علوان، مقهى الرصاصات التي انطلقت من فوهة ثائر فأصابت العدو في المقتل وأشعلت الانتفاضة في بيروت.

في الرابع والعشرين من أيلول عام 1982، كانت بيروت تقارع الموت، من أجل الصمود أمام آلة القتل «الإسرائيلية»، وكان الاحتلال يخطط لاحتفالات النصر بسقوط ثاني عواصم الأمة بين براثنه، ولكن تحت طبقة الضجيج والثرثرة كان القوميون الاجتماعيون ومعهم باقي المقاومين يعملون بصمت لضرب الاحتلال وطرده من شوارع العاصمة ومطاردته. إلا أن خالد علوان لم يتقبّل ضميره القومي في أن يرى جنود الاحتلال يرفّهون عن أنفسهم في مقهى بيروتيّ، فلم ينتظر خطة متكاملة للمواجهة، واستلّ مسدسه واقترب من طاولة المحتل الذي كان يطلب الحساب، وتقول الرواية أن خالد علوان بادرهم بالقول «خلّوا الحساب علينا» وأطلق الرصاصات التي أحيت الدماء في عروق المقاومين فخلعت بيروت ثوب الردّة، وانطلقت العمليات في شوارع العاصمة.

لم يستشهد خالد في العملية كما يعتقد كثيرون، وبعد إطلاق الرصاص رمى مسدسه على الأرض وغادر بخطى مسرعة في اتجاه نزلة شارع عبد العزيز، ثم اختفى مهرولاً بين متفرعاته والمباني المحيطة، أما المحصلة فكانت: مقتل الضابط وجرح الجنديين.

غادر المحتل وبقيت بيروت ولا يزال خالد علوان يطلّ من لوحة صغيرة على شارعه، مبتسماً، هازئاً من المستسلمين، مذكراً أبناء النهضة بواجباتهم تجاه الأرض، وواعداً المحتلّ بأنه إذا غامر مجدّداً، فإن رفقاء خالد بالمرصاد، أبناء الحياة دائماً جاهزون لردّ وديعة الأمة متى طلبتها.

قالوا في خالد

هذه المقاومة، التي سطّرت ملاحم البطولة والعزّة والكرامة، والانتصار تلو الآخر، ما كان لوهجها أن يكتمل، ولا لعملياتها أن يكتب لها النجاح، إلا بفعل عوامل عديدة أوّلها إرادة المقاومين الصلبة وبطولتهم المؤيدة بصحة العقيدة، الدعم الكامل الذي تلقّته من الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي وصف الشهداء بأنهم أنبل بني البشر، أما العامل الثالث فكان الاحتضان الشعبي، ومواقف بعض السياسيين الداعمة.

وإذ يُعتبر من أبرز محتضني المقاومة والمؤمنين بالقضية الفلسطينية على مستوى الصف السياسي في لبنان، فإن الرئيس سليم الحصّ، الثابت على مواقفه، يأسف للتراخي العربي الرسمي، وفي هذه المناسبة، تنشر «البناء» مقتطفات من مقابلة مع الرئيس الحص، عشية الاحتفال بذكرى عملية الويمبي.

يقول الرئيس الحصّ: «إن عملية الويمبي شكلت مفصلاً في صراعنا مع العدو «الإسرائيلي»، وكانت إيذاناً بهزيمته واندحاره عن أرضنا الطيبة، لا سيّما أنّ الجميع يذكر كيف خرج جنود العدو بمكبّرات الصوت يناشدون أهالي بيروت عدم إطلاق النار عليهم لأنهم منسحبون، ولذلك يجب علينا أن نستمطر شآبيب الرحمة على روح الشهيد البطل خالد علوان».

ويضيف: «كان لعملية الويمبي الأثر الطيّب والكبير في مسار الأحداث، فهي أدّت إلى انسحاب جيش العدو من بيروت، الأمر الذي أعطى الكثير من الزخم والدفع لتواصل عمليات المقاومة البطولية التي تتالت وتراكمت نتائجها حتى تحقّق الانتصار الكبير في 25 أيار 2000، وتحرّر القسم الأكبر الأراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، وأنا أشكر الله أنني شهدت كرئيس للحكومة آنذاك هذا الحدث الكبير في تاريخنا الوطني والقومي».

أما في ما يتعلق بالحاضر العربي، فأسِف الرئيس الحص لهذا «الواقع العربي الخاضع لجملة انتكاسات»، داعياً مع ذلك العرب إلى «عدم التخلي عن فلسطين التي يجب أن تبقى قضية العرب المركزية».

وقال: «إن الواقع العربي مؤلم جداً، وهناك تراخٍ كبير على الصعيد العربي الرسمي، حيال ما يجري من أحداث تسيء إلى القضية العربية الرئيسية (فلسطين)، بينما تحتفظ الشعوب العربية بمواقفها المبدئية وهي صامدة على هذه المواقف، ويجب أن تستمر على هذه المواقف، حتى تتوصل في يوم من الأيام إلى تحقيق الأهداف المنشودة».

أمين الهيئة القيادية في «حركة الناصريين المستقلين - المرابطون» العميد مصطفى حمدان قال في خالد علوان: «رفيقي خالد، لقد وصلت رسالتك إلى غرفة عمليات عقولنا وقلوبنا، غرفة عمليات نهجنا القومي السوري والعربي... لقد وصلت رسالة عشقك لبيروت المرابطة إلى كلّ المقاومين والمجاهدين. لقد نفذت ثأر التاريخ للمذبوحين في عين الحلوة وشاتيلا والدامور وحريق صور وعنقوديات أرنون والنبطية وقانا. نفّذت أقدار ربك في عهرهم وأخذت سرعتك القصوى وأنت واثق أن الله سيلقاك على أبواب السماء. فسقطت شامخاً على أرض الجبل لتحتضنك أرواح فلسطين».


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024