إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حلب.. مدينة الـ7000 عام

نظام مارديني - البناء

نسخة للطباعة 2018-05-01

إقرأ ايضاً


كلما أحسست باليتم أعود إلى حضنها.. أدرك منذ البدء أن لا وطنَ يحلُّ مكانها، ولا حبيبة تحلُّ مكان حبيبتي ـ حلب.. أنا من مواطنيك منذ ما قبل التكوين، عندما وضع حاكم مدينة لكش، أوروكاجينا أول مثال مبكر للإصلاحات في سورية 2350 قبل الميلاد . وعندما أعطت أوروب، شقيقة قدموس، اسمها لقارة الظلمات فكانت أوروبا، وعندما وضع القائد هانيبعل أول خطة عسكرية لاجتياح العدو فاجتاز البحر وجبالاً وعرة بفيلته وحاصره عشرات السنوات حتى شاخ شبانه الجنود، وأصبح «هانيبعل على الأبواب» مثلاً يُقال للخطر، وبقيت خططه العسكرية تدرّس في الأكاديميات العسكرية عالمياً، وعندما ساوى قائد النهضة المفكر أنطون سعاده بين السوريين مواطني أمة واحدة جديرة بالانتصار حقوقاً وواجبات بلا انتقاص أو تفاوت.

لطالما أدهشتني حلب.. منذ طفولتي وأنا كلما تذكرتها أرتجف وأنا أتحسّس نبضاتِ قلبها وهي تعلو نوافيرَ شغفٍ إذ أتلفـّظ حروف اسمها وأردّد أُحبكِ يا حلب.. يا لهذا الاسم الآرامي الذي بقي ملتصقاً بها منذ سبعة آلاف سنة، حينما كانت عاصمة للدولة العمورية. ومنذ ذلك التاريخ ظلت تلعب أدواراً هامة في التاريخ القومي، لكونها نقطة وصل رئيسة بين شرق سورية العراق والغرب خليج اسكندرونة ، حيث قوافل التجار التي كانت تتكئ على شواطئ سورية.

لطالما كانت ساحة سعد الله الجابري وسط مدينة حلب ذات رمزية خاصة ومقصداً وملاذاً للآلاف من العوائل الحلبية بخاصة، والسورية عامة، قبيل العدوان عليها وبعد دحره، فقد كانت الاعتداءات الإرهابية التي تستهدفها، عقاباً لبقاء المدينة في كنف الدولة، كانت تلك الاعتداءات قد جعلتها بصورة لا تليق برمزيتها لأهالي المدينة وللسوريين.. هذه «الظاهرة اليابانية» في المشرق العربي، كانت تنافس في صناعاتها بعض الدول الأوروبية، ناهيك عن الدولة التركية بطبيعة الحال.

وعلنا نتذكّر ذلك الأجنبي الذي قال يوماً «هذه الدولة ستكون صين الشرق الأوسط» وهو يقصد سورية.. وتابع ممازحاً «سوف أقترح الإتيان بالبحر إلى هنا لتكون حلب شنغهاي السورية».

صدق الجيش السوري عندما كان يردّ على أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأوهامه من أن الأخير لن يقف مكتوف اليدين أمام استعادة الدولة السورية لمدينة حلب. ولكن الجيش السوري أكد أقوال جنوده بـ «أنّنا سننتزع حلب من أحلام السلطان العثماني، وسندعه من دون أحلام، في سورية، ومن دون أوراق»، وها هي جارة حلب، إدلب، تستعدّ لفرحها عندما تحين ساعة فرجها لتستقبل فرسان الجيش السوري.

سورية، الأرض الضاربة في الحضارة أكثر من عشرة آلاف عام، والتي علّمت الدنيا كيف تُبنى الحضارة وأهدت العالم أبجديتها الأولى، حاولت عصابات الإرهاب استبدال علمها برايات الإجرام والقتل والعمالة والخيانة.

لعل ذلك الطفل الحلبي يتذكر قبلة مدرِّسته الدافئة على خده في الصف الثالث الابتدائي، بعد أن سألته وهي تقف أمام السبورة اللوح :

هيّا يا شاطر.. هل تستطيع أن تضع لي صيغة «ما أجمل» في جملة مفيدة؟

قال لها الطفل: نعم..

ما أجملَ العلم وهو يرفرفُ فوق سطح مدرستي.

يقول الشاعر الراحل محمود درويش «الألم: هو أن لا تعلّق سيّدة البيت حبل الغسيل صباحاً.. وأن تكتفي بنظافة هذا العلم».

هذا الطفل أكد أن الهوى في حلب سوري.. ولن يكون عثمانياً أبداً.

حلب.. «يا ربّة الوجه الصبوح.. أنت عنوان الأمل»!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024