إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

صبرا وشاتيلا.. ذاكرة الألم

نظام مارديني - البناء

نسخة للطباعة 2018-09-17

إقرأ ايضاً


لن يكون تاريخ 16 أيلول في العام 1982، مجرد ذكرى ففي كل يوم ستكتب وصية شهيد من شهداء «صبرا وشاتيلا» حتى تجفّ المحابر وتنفد كميات الورق التي يتراكم عليها الغبار.. حتى تعطس جميع القيم وتتعطل المباهج، حتى تضج بها أصداء الملكوت لكي تكتمل مأساة مسرح التراجيديا الفلسطينية الذي هدف إلى تصوير المأساة، وبحسب أرسطو فإن «هيكل العمل التراجيدي لا ينبغي أن يكون بسيطاً بل معقداً، وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة».. يقول طفل شهيد، كتبتُ وصيتي علّ أحدهم يأخذ بها لتكون منهجاً حياتياً له في هذا المستقبل الذي لا شكل له ولا ملامح!

ونحن نجلس على جبل من الذكريات لسنوات الألم الفلسطيني الـ «36»، لا يزال المتهم الوحيد فيها هو العدو وبيادقه.. الأرامل تفترش الأرض والثكالى في كل مكان، وناتج مذبحة «صبرا وشاتيلا» الذي اقتطفناه بعد الاحتلال العالمي لبيروت ملؤها الصراخ.. فالطفل بكى والأم صرخت والأب صمت.. وهكذا فالصراخ بأشكاله كان منتشراً في الأنحاء كافة بشكل لم يسمع صداه من قبل من يدّعي الإنسانية.. كان القتلة يضحكون ويسكرون على جثث أهلنا بكل تعالٍ وقبح.. ولكن بقيت «صبرا – هوية عصرنا حتى الأبد»، كما يقول الشاعر الراحل محمود درويش في قصيدة «مديح الظل العالي».

نعرف القتلة، واحداً واحداً.. نعرف أسماءهم وعناوينهم.. وحتى أقيسة أحذيتهم.. هم نماردة وفراعين كانوا يملأون المخيم ومَن عليه من المواطنين، من فلسطينيين ولبنانيين، يصرخون من موتهم المبجل. في هذه الأرض حيث لا ينفع الدعاء إلا بالبارود.. فالعدو ومن معه من الخونة لا يريدون إلا وجوهاً تغطيها الدماء المعجونة بالتراب وهم يدركون أن التاريخٍ يدوّن سرائرَه القتلةُ ورجالُ المخابرات والعاهرون في زوايا عالمنا العربي وما أكثرهم.. ولذالك كان ابن صبرا وشاتيلا يعي تماماً أن لحروبِ الفلسطيني أكثرَ من جبهةٍ، وأنَّ لموتِه أكثرَ مِن قاتل؟

بين الصرخات كانت هناك صرخة لأمِّ ذُبح طفلها بين يديها، وهو الذي لم يكن يستخدم إلا الألعاب في لعبة الموت على ساحل الطفولة.. ها هو يذهب الى حيث الخيال المخملي الناعم ينام حالماً: مَن هو البطل الذي سيبدّد غيوم الظلم والظلام..؟

وأنت تنظر الى شمس «صبرا وشاتيلا» بقلب حزين تستثار فيك صور كثيرة تقدّم لك الندوب على طبق من اشتهاء الألم المفرط في الحدّة تتوجّه بنظرك الى كل ما تستطيع أن تبلغه بها، فترى الندوب علت كل وجه أمامك وخلفك.. أين توجّه بصرك كي لا ترى ندبة فلسطينية واحدة؟

ندوب فلسطينية تحكي قصصاً ليست من الخيال، بل هي من صميم الواقع الساقط عليهم مثل الحمم، ندوب أخفّ أحمالها مثل جبل الجرمق في الجليل.. هي ندوب هتكت قواهم وجعلتهم يئنون تحتها كمن يحمل كرة صخرية لا مفرّ من الإمساك بها، فأنت إما أن تمسكها أو تسقط على رأسك ولا مفرّ من ذلك.

إن ينسَوا من عايشوا تلك الآلام فهو أمر بالغ الصعوبة، ويكاد أن يكون مستحيلاً.. ما عادوا يحتملون اللوعة والندوب التي سكنت ثنايا وجوههم وأجسادهم المعذبة طيلة 36 سنة، وها هم يسحبون أعمارهم منها سنة بعد أخرى.. يستلّون شهورهم فتأتيهم مشوهة غير مكتملة!

تحية إلى كل أم وأب وطفل.. إلى كل صبية كانت تحلم وإلى كل شاب كان مؤمناً بأنه يتهيّأ للمقاومة والعودة إلى فلسطينه.. وإلى كل مَن حمل ندوب عمره كالعرائس التي تبحث عن مكان تأوي اليه!

يقول المسرحي الفرنسي الشهير جان جينه، وهو يصف وضع امرأة فلسطينية استشهدت: أصابع يديها، كانت مروحية الشكل، والأصابع العشرة مقطوعة بمقص.. لا شك في أن جنوداً قد استمتعوا وهم يكتشفون هذا المقص ويستعملونه، ضاحكين مثل أولاد وهم يغنون فرحين!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024