إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأمين مصطفى عز الدين: عن مفوّضية لبنان ونموّ الحزب في أوساط الطلبة في الفترة التي أعقبت استشهاد سعادة بقلم الأمين غسان عز الدين

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2019-03-28

إقرأ ايضاً


الأمين مصطفى عز الدين قامة حزبية باسقة. منذ صغره عرف الحزب، ومنذ انتمائه التزم به عقيدةً ونظاماً وسلوكاً ونهج حياة، واستمرّ حتى آخر لحظة في حياته.

كنّا أوردنا عنه في أكثر من مناسبة، وهو يستحق، لتاريخه الحزبي النضالي الطويل، أن يُحكى عنه كثيراً، وأن يصدر عنه أكثر من مؤلّف.

عن أحد مواقفه العديدة، نورد بالنص الحرفيّ ما جاء في الصفحات 24-27 من الجزء الثاني من مجلّدات الأمين غسان عز الدين "حوار مع الذاكرة"، ونورد أيضاً ما جاء في تلك الصفحات عن انشاء مفوّضية لبنان، عن التنظيم الحزبي في الفترة التي أعقبت استشهاد سعاده، وعن نموّ العمل في الوسط الطلابي، تماماً كما نما في الستينات بعد الثورة الانقلابية، وأشار إليه الأمين عبدالله سعاده في مذكراته، وتحدثنا عن ذلك في أكثر من مناسبة(1).

ل. ن.

*

الصمود المؤمن بالعقيدة

" بين الأسبوع الأول والثاني من شهر آب 1947(2)، لم أعد اذكر التاريخ بالضبط، طلب العريف الدركي المسؤول عن الغرف من الامين مصطفى ارتداء ملابسه، لأنّه مطلوب لمقابلة في غرفة آمر السجن. وعندما وصل إلى غرفة الآمر فوجئ بوجود ضابط من الشرطة العسكرية في الجيش، مع ثلاثة جنود بانتظاره، حيث طلب منه الضابط مرافقته. وحين سأله مصطفى إلى أين؟ كان جواب الضابط: لا أسئلة، عندما تصل تعرف.

تمّ وضع مصطفى بين الجنديين في سيارة الضابط، وتولّى القيادة الجندي الثالث. وانطلقت، دفعة واحدة، ثلاث سيارات "جيب" عسكرية. واحدة في الأمام، والثانية السيارة التي كان فيها مصطفى، والثالثة في الخلف. وأخذ مصطفى يفكّر إلى أين؟ وعندما سارت السيارات باتجاه الفياضية، أعتقد أنّه قد تمّ اكتشاف أمر التنظيم، وأنّه نقل إلى الفياضية للتحقيق معه من قِبل الشرطة العسكرية، وأخذ يفكّر في الأسئلة التي يُـمكن أن توجّه إليه، وتحضير الأجوبة عليها، ومحاولة إخفاء ما يمكن إخفاؤه من أعضاء التنظيم، على ضوء ما تمّ كشفه، والأسئلة التي توجّه إليه.. وأثناء تفكيره انتبه إلى أنّ السيارات قد تجاوزت ثكنة الفياضية باتجاه الجبل. وما هي إلّا حوالى العشرين دقيقة حتى كانت السيارات تدخل حديقة المنزل الصيفي لرئيس الحكومة آنذاك، رياض الصلح.

توقفت السيارات في الموقف الخاص لها في الحديقة، وطلب الضابط من مصطفى مرافقته، وكان لا يزال مقيّد اليدين. فتوجّه مع الضابط إلى داخل الحديقة أمام مدخل المنزل، ليُفاجَأ برياض الصلح، وبجانبه من اليمين واليسار السادة والأساتذة، محمد صفيّ الدين، علي بزي، زهير عسيران، بشارة مارون، وشيخ من آل الزين لم أعد أذكر اسمه، وهو نسيب لوالدتي. وقف الضابط وبجانبه مصطفى، وتوجّه إلى الحضور الذي كان يعرفه بالقول... السلام عليكم.. وأجابه الجميع.. وعليك السلام. فطلب الرئيس الصلح من الضابط فكّ قيد يدَي مصطفى.

عندها توجّه الجميع باستثناء الصلح للسلام عليه وتقبيله. هذا مع الإشارة إلى أنّ الأستاذ علي بزي هو ابن خالة والدتي، وكان يتردّد بصورة دائمة إلى منزلنا في صور وبعدها في بيروت. ومن ثمّ تمّ إحضار كرسي أُجلس مصطفى عليها في مواجهة الحضور، وبدأ رياض الصلح يوجّه أسئلة إلى مصطفى حيث كان يجيبه عليها.

الصلح: أنت مصطفى عز الدين؟

مصطفى: نعم.

الصلح: والدك الشيخ محمد وجدّك الشيخ عز الدين ووالدتك الست مريم.

مصطفى: نعم.

الصلح: خالك الصديق العزيز السيد محمد الحسن.

مصطفى: نعم.

الصلح: أخوالك السياد من آل رضى الكرام.

مصطفى: نعم.

الصلح: مشيراً إلى علي بزي... ابن خالتك السيد علي؟

مصطفى: نعم.

الصلح: تقول نعم من دون أن تشعر بالعار والخجل.

مصطفى: لماذا أشعر بالعار والخجل؟ بل أفتخر بذلك.

الصلح: تعتزّ وتفتخر، وقد أسأت إليهم جميعاً وسرت وراء مسيحي ضدّ لبنان والعروبة وتقول تحيا سوريا.

مصطفى: عائلتي التي ذكرتها لم تعلّمني أنّ هناك فرقاً بين المسلم والمسيحي. ومنهم تعلّمت أولاً كلمة تحيا سوريا، حيث كما تعرف جيداً، وقد شاركت في بعض اللقاءات التي كانت تتمّ للمطالبة بالوحدة السورية، وبعضها كان في منزل جدي. أمّا الزعيم سعاده، ومنذ نشوء الحزب حتى استشهاده، علّمنا بأنّنا ترس وسيف العالم العربي.

الصلح: اسكت.. اسكت، ملتفتاً إلى الحضور، أسمعتم! يدافع عن المجرم ويسمّيه بالشهيد. متوجّهاً إلى الضابط... خذه.. خذه من أمامي.

الضابط: إلى أين سيدي؟

وقبل أن يجيب، وقف الحضور محيطين بالرئيس متحدثين معه بأصوات خافتة، ثمّ عادوا إلى أماكنهم.

الصلح: صامتاً لمدّة دقيقتين والغضب ظاهر على وجهه، مجيباً الضابط فيما بعد... خذه إلى منزله.

مكث مصطفى في المنزل بعد إطلاق سراحه ثلاثة أيام يستقبل فيها الأنسباء وأصدقاء العائلة وعدداً قليلاً من الرفقاء للتهنئة بإطلاق سراحه، وفي اليوم الرابع غادر المنزل وطلب من العائلة عدم السؤال عنه أو الاضطراب حيث يتغيّب لأيام عن المنزل، لأنّه قد يكون بضيافة أصدقاء في الجبل".

*

مفوضية لبنان

بادر مصطفى في اليوم الرابع بعد إطلاق سراحه إلى الاتصال بالرفقاء الذين كان قد حدّدهم في ذهنه للاتصال بهم في البداية للبحث معهم في مبادرته(3). وقد لقي تجاوباً كلياً من مجموع الرفقاء الذين اتّصل بهم، وتمّ الاتفاق بينهم. ونظراً لغياب المؤسسة الشرعية الدستورية، وعدم وجود قيادة رديفة، تمّ اعتبار مبادرة مصطفى وتعاونهم معه في تنفيذها أنّها تشكّل شرعية الأمر الواقع.

خلال فترة تتراوح بين الثلاثة والأربعة أشهر، تمكّنت المجموعة التي تعاونت معاً من اختيار ركائز التنظيم الحزبي، وتسلّم المسؤولية في كافة المناطق اللبنانية، إضافة إلى العمل الطلابي.

عندما أطلق سراح مصطفى، كان عدد من المسؤولين السابقين ما زالوا في المعتقل، وبينهم عدد من الأمناء، إضافة إلى الرفقاء الذين صدرت بحقّهم أحكام قاسية لمشاركتهم في الثورة القومية الاجتماعية الأولى. وحين انتهاء محاكمة المسؤولين السابقين وإطلاق سراحهم، كان قد وصل إلى دمشق عدد من الأمناء الذين تمكّنوا من الإفلات. فتمّت دعوة الأمناء في الوطن وعبر الحدود للالتقاء في دمشق لممارسة واجبهم الدستوري وانتخاب مجلس أعلى. وقد تمكّن العدد الأكبر منهم من الوصول إلى دمشق، حيث اجتمعوا وتمّ انتخاب المجلس الأعلى الذي انتخب بدوره الأمين جورج عبد المسيح رئيساً للحزب.

بعد أن تسلّم الرئيس المسؤولية وتشكيله مجلساً للعمد، تمّ استدعاء الرفيق مصطفى ومجموعة من الرفقاء لمقابلة رئيس الحزب في دمشق. وقد كانت مغادرتهم وعودتهم إلى بيروت بصورة سِريّة من خلال المخارج غير الرسمية.

استمرّ الرفقاء في دمشق ثلاثة أيام، تمّت خلالها لقاءات عديدة مع رئيس الحزب وبعض العمد. في أعقاب ذلك، طلب الرئيس من الرفقاء العودة إلى لبنان بنفس الطريقة التي حضروا بها، وإبقاء أمر هذا اللقاء سريّاً. وطلب من مصطفى البقاء في دمشق، وبعد يومين وصل إلى دمشق الأمين حسن الطويل، حيث تمّت لقاءات مع الرئيس عبد المسيح حضرها الأمين حسن ومصطفى وبعض العمد. قرّر الرئيس بعدها إنشاء مفوّضية في لبنان سُمّيت "مفوّضية لبنان العامّة". وتمّ تعيين الأمين حسن الطويل مفوّضاً عامّاً والرفيق مصطفى ناموساً للمفوّضية بصورة سرّية أيضاً في البداية، على أساس أن يستمرّ العمل والتنظيم كما بدأ من خلال المبادرة.

هذه الصورة التقطت في "سجن القلعة" ويظهر من اليمين الى اليسار الامناء: مصطفى عزالدين،

عبدالله سعادة، منير خوري، بشير عبيد، والرفيق علي الحاج حسن

بعد سقوط عهد بشارة الخوري وبدء ظهور العمل الحزبي بصورة علنيّة في بعض المجالات، وتوقّف الملاحقات والاعتقالات نسبياً، اتّخذ رئيس الحزب قراراً بحلّ مفوّضية لبنان العامة وإلحاق العمل الحزبي مباشرة بالمركز الذي كان يشغل مكتباً في بناية اللعازارية، حيث كان يداوم فيه في البداية بالتناوب بعض المسؤولين المركزيين، أذكر منهم سعيد شهاب الدين(4) وكيل عميد المالية، وجبران جريج وغسان عز الدين، وفيما بعد جبران حايك(5) الذي تسلّم كما أذكر في البداية مسؤولية ناظر إذاعة بيروت، ثمّ عميداً للإذاعة، إضافة إلى خليل محيو(6) وبعض المسؤولين المركزيين الآخرين، وهيئة منفذية بيروت، والأمين إبراهيم يموت الذي انتخب رئيساً لمجلس منفذية بيروت، وهو أول مجلس انتُخب بموجب المادة 4 من الدستور".

نموّ العمل الحزبي في أوساط الطلبة

" شهد الحزب في تلك الفترة إقبالاً كبيراً للانتساب إليه، وبصورة خاصة في أوساط الطلبة الجامعيين والثانويين، بالرغم من استمرار الملاحقات والاعتقالات.

وأذكر جيداً أنّ الطلبة القوميين الاجتماعيين في الجامعات والثانويات أصبحوا بعد أشهر قليلة من أقوى التنظيمات الحزبية الطلابية، وأنّ الإقبال على الانتساب إلى الحزب من الطلاب كان كبيراً جداً.

شكّل الطلبة القاعدة الصلبة التي ساهمت في كافة الأعمال والنشاطات الحزبية السرية، وكان ظهور الطلبة في صفوف بديعة النظام، في أول ظهور علنيّ في مهرجان "دير القمر" عام 1952، مفاجأة أدهشت القوى الأمنية والسياسية التي كانت تراقب ذلك الظهور.

وقد أزعج انتشار فكر النهضة في الجامعات والثانويات الفئات الانعزاليّة والانفلاشية والطائفية والرجعية. وعملوا معاً رغم ما بينهم من بعض التناقضات لمحاربة كافة القوميين الاجتماعيين، في محاولة لإيقاف انتشار فكر سعاده، ونموّ التنظيم الحزبي في أوساط الطلبة ".

هوامش

(1) من مذكّرات الأمين عبدالله سعاده "أوراق قومية"، نورد المقطع التالي: "بالرغم من الاضطهادات القمعية البربرية أخذ الحزب ينتشر في أوساط الطلبة، حتى أصبحنا الحزب الأكثر انتشاراً بين جميع الأحزاب في الأوساط الجامعية، وقد طلب إليّ رئيس مكتب الشؤون الطلابية أن أوجه رسالة إلى الطلبة"، لما كان لانتشار الحزب بينهم من زخم، فلبيّت طلبه.

(2) لا شك أنّ العام المقصود هو 1949 لا 1947، أي في الشهر التالي لاستشهاد سعاده، وكان الأمين مصطفى عز الدين قيد الاعتقال.

(3) كان الأمين مصطفى عز الدين قد بادر فور خروجه من السجن للاتصال بعدد من الرفقاء الذين كان حددهم بينه وبين نفسه في المعتقل، من أجل تنظيم العمل الحزبي في حال افتقاد الحزب الى قيادة في تلك المرحلة.

(4) سعيد شهاب الدين: للإطلاع على النبذة المعمّمة عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(5) جبران حايك، كما آنفاً.

(6) خليل محيو، كما آنفاً.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024