إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«القوات» إلى المعارضة؟ محاذير محلية وإقليمية تمنع سقوط الحكومة

محمد حمية - البناء

نسخة للطباعة 2017-10-24

إقرأ ايضاً


لم تكن الحملة «القواتية» العنيفية والمنسّقة والمتدرّجة على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والتي لم توفر رئيس الحكومة سعد الحريري، أمراً عادياً في توقيته ومضمونه، وعلى الرغم من أنّ خيار استقالة الوزراء «القواتيين» ليس بجديد بل كان وارداً منذ تشكيل الحكومة الحالية كما عبّر مسؤول جهاز التواصل في «القوات» شارل جبور، لكن من الصعب فصلها زمنياً عن الأهداف السعودية الجديدة التي تسعى بمساعدة حلفائها على تحقيقها في لبنان، وما زيارة رئيس «القوات» سمير جعجع الى المملكة منذ حوالي الأسبوعين إلا رأس الخيط الذي يوصل الى حقيقة هذا التصعيد المفاجئ…

فهل ما نشهده هو استفاقة وانتفاضة «قواتية» على الغبن اللاحق بها في مغانم السلطة كما تدّعي أم هو مفاعليل لقاءات جعجع مع المسؤولين السعوديين؟ وهل هي تمهيد إعلامي لانتقال «القوات» إلى ضفة المعارضة وإعلان موت ورقة التفاهم مع التيار الوطني الحر؟ أم هو تحضير المسرح الداخلي للضغط على العهد وتضييق الخناق على الحكومة تمهيداً لإسقاطها أو ابتزازها لفرض الشروط الأميركية السعودية عليها؟ أم هي مجرد تقديم أوراق اعتماد الى الخارج الاميركي والسعودي كرأس حربة التصعيد ضدّ الرئيس عون الحليف الاستراتيجي لحزب الله كما ينظر اليه السعوديون والأميركيون والاسرائيليون؟

لقد أثبتت الوقائع أنّ استقالة الوزراء أو الحكومات في لبنان لا تكون نتيجة أسباب داخلية تتعلق بالخلافات على تقاسم «مغانم السلطة» كتعيينات دبلوماسية هنا وتشكيلات قضائية هناك، بل تتصل إما بقرار خارجي «أميركي سعودي» أو قرار محلي لكن لأسباب تتعلق بقضايا وطنية ومصيرية، وليس بالتحاصص السياسي والطائفي والمذهبي الذي يبقى مضبوطاً تحت سقف التسوية المحلية الاقليمية والدولية، فلم تسقط حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2005 بسبب الخلاف على ملف الكهرباء أو النفط بين مكوّنات السلطة آنذاك، بل كانت من تداعيات زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم تسقط حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 بسبب صفقة اتصالات أو مناقصة أشغال، ولم تسقط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي 2013 بسبب خلاف على تلزيم شركة ما، بل بإرادة خارجية لتحريك الورقة اللبنانية سياسياً وأمنياً وطائفياً لزيادة الضغط والحصار على سورية التي كانت حينها في ذروة أزمتها واشتداد الحرب الخارجية عليها، وأيضاً الجميع يذكر صمود حكومة الرئيس تمام سلام أمام العواصف الخارجية والرياح المحلية العاتية وفي ظلّ الشغور الرئاسي حتى انتخاب رئيس جديد.

أوساط مراقبة تسأل: هل فعلاً تفكر «القوات» بقرار الاستقالة أم فقط هو موقف للمناورة السياسية لحفظ حصتها في «كعكة السلطة» التي يتمّ توزيعها قبل الاستحقاق النيابي، وهل تلقت إشارات سعودية ما خلال زيارة جعجع الى المملكة حول قرار أميركي خليجي بتطيير الحكومة؟ وإذا صحّ الأمر فهل تتفرّد «القوات» بقرار الاستقالة من دون تيار المستقبل الذي أكدت مصادره لـ»البناء» أنه ملتزم التسوية الرئاسية وبأنّ بقاء الحكومة حاجة ماسّة للبلد ولمصلحة جميع القوى السياسية؟ وهل تضيع «القوات» فرصة التنعّم ما تحصل عليه من «خيرات الشراكة» في الحكم لا سيما قبيل الانتخابات النيابية المقبلة؟ وهل تتخلى عن حصتها الوزارية 4 وزراء من ضمنها نائب رئيس الحكومة لم تحصل عليها في تاريخ مشاركتها في الحكومات لا سيما أنها سعت سنوات لانتزاع هذه الحصة وتكريسها شريكاً أساسياً في الحكم الى جانب «التيار الحر»، وهل ستخلي الساحة المسيحية الى «العونيين» وغريم جعجع المستقبلي في رئاسة الجمهورية الوزير جبران باسيل؟ وهل ستجلس متفرّجة على مقاعد المعارضة وتنظر بحسرة الى التيار الحر يملأ الوظائف والخدمات والتعيينات من جمهوره ومؤيديه وهي التي راهنت منذ وصولها إلى السلطة على إيصال كتلة «قواتية» مسيحية كبيرة مع بعض الحلفاء المستقلين الى المجلس النيابي الجديد؟

الى جانب ضيق خياراتها وواقعها الصعب، تقف «القوات» أمام منعطفٍ مصيري على الساحة المسيحية وعلى المستوى الوطني، فهذه التجربة الحكومية الثالثة في مسيرتها السياسية منذ العام 2005 ووعدت جمهورها واللبنانيين بأنها ستقدّم نموذجاً جديداً في العمل الحكومي والمؤسساتي، فهل ستعلن فشلها المبكر وهي بأمسّ الحاجة الى مراكمة أسهم شعبوية وخدماتية تمكنها من الصمود أمام المنافسة مع القوى المسيحية الأخرى؟

إضافة الى الموانع التي تحول دون انسحاب «القواتية» من دون الحكومة من دون قرار خارجي واضح ومنسّق مع حلفائها في لبنان، يتحدّث أكثر من مصدر وزاري من كتل سياسية مختلفة لـ»البناء» عن أنّ «الحكومة باقية باقية أقله حتى الانتخابات النيابية المقبلة ولا مؤشرات اقليمية ودولية تشي بأنّ نهايتها قد اقتربت»، وتشير المصادر الى أنّ «الظروف الداخلية والاقليمية التي رافقت حكومة الرئيس سلام كان أصعب بكثير من الظروف الحالية ولم تسقط الحكومة»، وتشدّد على أنّ «المعادلة الاقليمية والدولية التي حكمت بقاء حكومة سلام لا تزال حاضرة الآن في حكومة الحريري التي تملك دعائم وركائز قوة وحياة وبقاء أكثر من أي حكومة سابقة».

إلى جانب ذلك، هناك محاذير عدة تمنع سقوط الحكومة لأسباب ترتبط أولاً بالوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي الخطير في لبنان حيث يحاول أركان السلطة اتخاذ اجراءات سريعة لتدارك تداعياته كإقرار الموازنة وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي جراء أزمة النازحين السوريين، ثانياً الحاجة الملحة للحكومة لاحتواء انعكاسات قرار العقوبات الأميركي ضدّ حزب الله الذي سيصدر قريباً، ثالثاً الوضع الأمني الذي يتطلب الحفاظ على حدّ أدنى من التوافق الداخلي لتوفير مظلة سياسية لعمل الأجهزة الأمنية المفترض أنها على أهبة الاستعداد لمواجهة ارتدادات عمليات تحرير الجرود اللبنانية من تنظيمي «داعش» و«النصرة» الإرهابيين في ظلّ انتشار عشوائي للنازحين في مختلف الأراضي اللبنانية وفي المخيمات، خامساً في حال استقالت الحكومة وحالت ظروف قاهرة دون إجراء الانتخابات النيابية قد تقع البلاد في المحظور الدستوري، إذ أنه من المستحيل تشكيل حكومة جديدة قبل الربيع المقبل ما يضع البلاد أمام خطر الفراغ النيابي من جديد، وبالتالي ما يجعل بقاء الحكومة ملحّاً لتقطيع مرحلة الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة.

رابعاً التطورات الإقليمية الخطيرة لا سيما في العراق مع تصاعد التهديدات الأميركية والاسرائيلية والسعودية ضدّ حزب الله وما اللقاء الثلاثي في كليمنصو الذي رعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلا دليل على ضرورة بقاء مظلة الأمان الداخلية في وجه أيّ انعكاس للتحولات الخارجية، وفي ما تقول أوساط سياسية بأن «لا قرار سعودي بتطيير الحكومة حتى وإنْ تطلّب ذلك تشديد الحصار على حزب الله ودفعه وإيران الى تقديم تنازلات في سورية والمنطقة»، ينقل عن أكثر من سفير أجنبي وعربي في لبنان لـ»البناء» أنّ «بلادهم لا زالت تدعم الاستقرار الداخلي في لبنان وتؤيد سياسة النأي بالنفس الحالية عن حرائق المنطقة».

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024