إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خسرنا حرباً ونزلنا السجن أسرى... وربحنا الإيمان وانتصرنا على الحديد والنار

اياد موصللي - البناء

نسخة للطباعة 2017-07-06

إقرأ ايضاً


بعد أسرنا واعتقالنا ونقلِنا بالشاحنات الى سجن الرمل.. لم يتوقف الضرب والشتم..

ما كنا أبداً نأبه لما جرى ويجري معنا وكأننا نشاهد ولا نعاني.. تفكيرنا كان في مجرى آخر ماذا يجري مع الحزب.. والزعيم…

تصميمنا هو انّ نجاحه بالثبات وقوة الإيمان، ما نتعرّض له أن نحمي من هم في الخارج.. لأنّ الضرب والشتم والركل لم يتوقف مذ اعتقلنا في ساحة سحمر حتى هذا المكان وهذه الساعة وثباتنا لم يتغيّر..

ركبنا السيارات مجدّداً وساروا بنا إلى سجن الرمل في بيروت.

أدخلونا باحة السجن وهنالك انهال علينا شاويش يدعى نديم أبو شقرا بعصا كان يحملها وشاركه «البطولة» عدد من رجال الدرك.

أمام غرفة مدير السجن الضابط قاسم عبد الصمد سُجلت أسماؤنا مجدّداً بكامل الهوية، قادونا إلى نظارة السجن وهي مكان منعزل في الفسحة الخلفية للمبنى وانتظرنا على باب نائب الضابط يوسف عبد الساتر الذي صار يضربنا ركلاً بجزمته ويصفعنا بيده واحداً واحداً… ونحن مقيّدون مغلولون، وبعد أن أدخلونا وأغلقوا علينا الباب، عاد إلينا ثانية مع زميل له برتبته يدعى شحادة حداد، كانت غرفة التوقيف ملأى بالخبز اليابس فهي شبه ملغاة من أيام الافرنسيين أخرجونا منها وبعد تفريغها أدخلونا إليها واحداً واحداً حيث توليا ضربنا كلّ بدوره، وهنا سأل «الأدجودان» يوسف عبد السائر من منكم كان ممرّض الفرقة فلم يجبه أحد، ثم التفت نحوي وقال لي مشيراً بيده أنت اكيد طبيب الفرقة وقبل أن أجيب تقدّم الرفيق وداد شلبي وقال أنا كنت الممرّض… وبسبب بذاءة ودناءة وحقارة يوسف عبد السائر وقعت مشادة مع وداد ووجّه شتائم له ولسورية وعلمها ورئيسها فقال له وداد: «إياك أن تشتم بلادي فزاد عبد السائر يشاركه شحادة حداد من الشتائم والركل والضرب ولما احسا أننا على وشك التحرك لردّ الاعتداء خرجا وأغلقا خلفهما الباب وهو باب حديدي من الداخل وبعده باب آخر خشبي في وسطه فتحة «شراقة» بلغة السجون وللقاووش فتحتان علويتان محصّنتان بقوائم حديدية وداخل القاووش مرحاض ومغسلة والغرفة ضيقة تغطي أرضها حصيرة من القش مملوءة بالحشرات والصراصير، لأنها كانت مهملة ومتروكة، الغرفة التي حشرنا بداخلها لا تتسع لأكثر من 15 شخصاً وعددنا يناهز 40، نمنا كالسردين… لا غطاء، لا وسادة… تنفسنا بصعوبة، لا تبديل للهواء نافذتان يكسوهما الغبار والمكان مقفل والظلام دامس رغم لمبة الكهرباء الوحيدة وسط السقف… في اليوم الثاني أيّ 6 تموز، ومنذ الصباح جاء دركي وبدأ ينادي كلّ 4 منا ويسوقهم أمامه مكبّلين لتقديم الاستنطاق الأوّلي أمام مدير السجن، عندما ناداني كان بجانبي الرفيق نصير صالح ريا من فلسطين، الضرب لم ينقطع طيلة الطريق، ذهاباً وإياباً… وعرفت في ما بعد اسم هذا الدركي ودوّنته كان يدعى مصطفى طرابلسي… وكان في منتهى الخساسة، أيدينا خلف ظهورنا وأمام باب مستشفى السجن الملاصق لنظارة التوقيف كان يقف الشاويش نديم أبو شقرا وبيده قضيب يلطمنا به ذهاباً وإياباً، يشاركه من يتجمّع بالساحة من رجال الدرك.

قبل دخولي للاستجواب دخل دركي وسمعته يقول بأنّ القوميين هاجموا «سرحمول» وقتلوا ضابطاً اسمه شمعون… وهذا كان أول خبر أسمعه عن رفقائنا في الخارج منذ اعتقالنا، وما كاد المدير يسمع هذا الخبر حتى وقف وبدأ بالصراخ وصبّ جامّ غضبه عليّ. وبدأ يسألني بتتابع وحنق، اسمك، ما صفتك الحزبية، كيف قبضوا عليك، كيف أتيت إلى هنا، كم مضى عليك في الحزب وأجبته على أسئلته، أما المواضيع الحزبية وما جرى قبل اعتقالنا فرتبنا مع بعضنا ما يتوجب ان نقوله ليأتي متطابقاً بحيث لا نكشف أدوار بعضنا بعضاً، وألقينا بكلّ المسؤوليات على المرحوم الشهيد عساف كرم، وكانت إفادتي كما يلي: «أنا عضو في الحزب جديد دخلت منذ 292 يوماً وأدرس في المدرسة في الصف الثاني متوسط، وكنت أتحضّر للامتحان، عندما جاء شخص لا أعرفه وسأل عني فأنكر أهلي وجودي لأنني أدرس للامتحانات النهائية فترك لي ورقة يطلب مني فيها الحضور إلى جسر فكتوريا، وهنا سألني المدير وقال أظنك مخطئاً فالاجتماع كان في مقهى الندوة… أو عند ناصر لحام، فقلت له مقهى الندوة يقع في جسر فكتوريا وناصر اللحام لا أعرفه! والحقيقة لا يوجد هناك مقهى وناصر لحام هو من أدخلني الحزب إنما هي إفادات اتفقنا عليها مسبقاً… وتابعت في إفادتي أني ذهبت فوجدت سيارتين كبيرتين فطلبوا مني ان أركب فركبت وبكلّ ظني أنني سأذهب مع الآخرين لرؤية الزعيم وأنا لا أعرفه لأنني جديد في الحزب وأحب رؤيته، كانت السيارة ملأى وسارت في طريق لا أعرفه فقد نمت في الطريق واستيقظت في مكان منعزل ورأيت سيارات غير سيارتنا ورأيت الزعيم هناك يخطب ولم أتمكن من سماع خطبته جيداً لشدة الهواء وبعد المسافة عنه، كلّ ما حفظته «اللبنانيون اخوانكم منهم آباؤكم وأبناؤكم فاعطفوا عليهم وإياكم ان تؤذوا أحداً وأشعروهم انكم اتيتم لإنقاذهم…» وسألني المدير عن الأسلحة التي وزّعها الزعيم… فقلت كان على الأرض أسلحة جاؤوا بها بعد ذهاب الزعيم وقد وزّعها عساف كرم فقال لي هل أخذت بندقية، فقلت لا، ولكني تسلّمت بندقية بعد معركة مشغرة، وتابعت إفادتي، ركبنا السيارة وتوجهنا إلى لبنان ونزلنا في مغارة على الطريق وفي الليل جاء أناس كثيرون مسلحون أظنّ وكما سمعت انهم من دروز راشيا اخذوا عساف كرم وذهبوا ولا أعرف إلى أين ولكن في اليوم الثاني علمت من الأحاديث انهم ذهبوا وهاجموا مخفر مشغرة.

بعد ان استجوبنا مدير السجن ودوّن إفاداتنا استدعينا يومي 7-8 أمام المحقق العسكري أديب عفيش والمحقق ميشال تلحمي فأدلينا بإفاداتنا وكانت إفاداتنا واحدة كلها تنصّ على أننا عندما خطب فينا الزعيم شدّد على أننا ذاهبون إلى لبنان للدفاع عن كرامتنا لأنّ الحكومة اللبنانية اتهمتنا بالتعامل مع اليهود وهي العميلة للصهيونية، أوصيكم بالجند فهم منهم آباؤكم وأبناؤكم لا تطلقوا النار عليهم إلا دفاعاً عن النفس وأشعروا الاهلين بأنكم آتيتم لتحريرهم.

وبعد ان القى سعاده خطابه تركنا وبقينا في تلك المنطقة حيث جاء الرفيق عساف كرم ووزع علينا السلاح، هذه الإفادة هي ما أدلينا به وما تمّ الاتفاق عليه، وعندما سئلنا عن معركة مشغرة ومن قام بها كان الجواب انهم مجموعة من رفقائنا بقيادة عساف كرم جاؤوا عن طريق راشيا الوادي. عندما بدأ التحقيق معنا لدى المحقق كانت الأخبار والأقاويل المتناثرة عن اعتقال الزعيم قد بدأت تصلنا سمعناها وأبقيناها في خانة الشك وفسّرنا الغاية منها النيل من صمودنا ومعنوياتنا… عدد من رفقائنا ممن شاركوا بالهجوم على مخفر مشغرة، كمحمد شلبي، وسليم سعدو سالم، عبد الهادي سعيد حماد وآخرون اعترفوا عن أنفسهم وبما قاموا به حماية لبقية الرفقاء ممّن لم يشاركوا في المعركة.

غداً: أخبار الزعيم… الخيانة المبيّتة منذ البداية ومؤامرة التسليم تمّت بإرادة أجنبية ونفذت بأيادٍ داخلية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024