إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

فشلت محاولات التفتيت وانتصرت وقفة العزّ

اياد موصللي - البناء

نسخة للطباعة 2017-10-25

إقرأ ايضاً


القرارات والتصريحات الأميركية الاستفزازية التسلطية الأخيرة هي انعكاس للفكر السياسي الذي يتحكّم بسياسة هذه البلاد، ترتفع اللهجة عندما تبدو في بلادنا بوادر وعي وتحرّر ويقظة… ويبدأ التملّق عندما تظهر في الأفق سياسات تخاذل وانحناء كما هي الحال مع السعودية ودول الخليج… وتنقل وزير خارجية أميركا في المنطقة رشّ للرماد في العيون…

مخطط تقسيم المنطقة وتحديداً الشام والعراق ليس جديداً ولا هي استراتيجية غربية حديثة فرضتها الوقائع السياسية.

تقسيم المنطقة ولد ونشأ مع الفكر الصهيوني ومخططه بالسيطرة على فلسطين، وقد عبّر عن هذا الفكر الصهيوني منذ القرن التاسع عشر عندما حدّدوا سياستهم بإقامة دولة يهودية واعتبار فلسطين قاعدتها وحدودها من الغرب شمالاً الى النيل جنوباً زاعمين انها موطن إسرائيل التاريخي الأول . ومن أهدافهم ايضاً قطع الصلة العربية بين فلسطين وامتدادها المجاور.

وفي المذكرة التي قدّمت بتاريخ 3 شباط 1919 حدّدوا حدود دولتهم وقالوا… تكون حدود فلسطين تابعة إجمالاً للخطوط المبينة كما يلي:

اما شمالاً فيبتدئ الخط من نقطة البحر الأبيض المتوسط على مقربة من جنوبي صيدا ثم يسير على سفوح التلال او الجبال اللبنانية حتى جسر القرعون ثم باتجاه البيرة فاصلاً بين حوضي وادي القرن ووادي التيم ومن هناك جنوباً فاصلاً بين السفوح الشرقية والغربية لجبل حرمون الشيخ حتى غرب بيت جن ثم شرقاً محاذياً القسم الشمالي من نهر المغنية حتى يصل الى الخط الحجازي ويكاد يتصل به من الجهة الغربية.

وأما شرقاً فيسير على مقربة من الخط الحجازي حتى ينتهي في العقبة. وأما جنوباً على خط الحدود مع الحكومة المصرية، وأما غرباً فالبحر المتوسط .

ولا تقتصر الحدود الى هذه الأبعاد، بل يجاوزها التلمود الى أوسع منها سوف تمتدّ حدود ارض إسرائيل، وتصعد الى جميع الجهات ومن المقدّر لأبواب القدس ان تصل الى دمشق كما جاء في التلمود صفحة 246 سفر دياريم .

يقول وايزمن في خطاب ألقاه في تشرين الثاني 1921 في كولون و 1932 في القدس 1933 امام المؤتمر اليهودي:

انّ العرب تركوا البلاد مهجورة حتى تخلفت حضارياً ولم يعد هنالك من علاج سياسي لا تصحبه خطة للتنمية، كان على اليهود أن يعملوا بدورهم في إطار كالقيد لأشكال جديدة من الحياة. وعلى ذلك فالعرب في حاجة الى مساعدة اليهود، ومن الممكن ان يعيش الشعبان في سلام، فهناك متسع كبير ومياه وفيرة وعلى ذلك فإنّ على العرب أن يميّزوا بين وطنهم القومي وحقوقهم في فلسطين… إنّ الوطن القومي للعرب يوجد في دمشق وبغداد بينما توجد الأماكن المقدّسة لديهم في مكة والمدينة المنورة. لقد ازدهرت ثقافة العرب في بغداد ودمشق وليس في القدس .

ورغم كلّ هذه الأهداف المعلنة الواضحة لدى العدو نجد من يندّد بسلاح المقاومة ويطالب بنزعه وتعرية لبنان أمام عدو طامع. واليوم تحاول أميركا جمع حلفائها من الأعراب مع إسرائيل للحدّ من هيمنة حزب الله على المنطقة كما يدّعون. فما تحدّده السياسة الأميركية وترسمه لبلادنا لا يخرج عن هذا المخطط ولا عن السعي لتحقيقه.

انّ محاولات إثارة الاضطرابات والفتن تمهيداً للتقسيم لم تهدأ… فبعد مؤتمر سايكس بيكو… ومنح فرنسا حق الانتداب وحكم الشام كان أوّل عمل قام به المندوب السامي هو تقسيم البلاد الى أربع سلطات موزعة كما يلي:

حكومة حلب، حكومة جبال العلويين، حكومة دمشق، حكومة جبل الدروز… وتتمتع هذه الحكومات بسلطات استقلالية معترف بها دولياً، لكن الشعب السوري في الشام والذي تحكمه روح قومية جعلته يرفض ويثور ضدّ هذا المشروع ويجهضه ويدفنه، كما دفن مؤخراً المشروع الإرهابي الطائفي…

اننا نرى اليوم اندفاعاً وحماساً أميركياً من إظهار ودعم للسلطات القائمة بعد العجز عن استبدالها ومحاولة دق اسافين الفرقة بين الدول القائمة… وغرس بذور الانقسامات العرقية فيها.. وتشجيع الانفصاليين الاكراد بأساليب مخادعة لتصبح مسألتهم بوابة نزاع عرقي بين العرب والأكراد، وهو أمر لم يحدث في تاريخ بلادنا.

لذلك نشط وزير خارجية أميركا بجولاته في المنطقة من أجل دعم حكوماتها وهي كلمة حق أريدَ بها باطل. والجولة الأخيرة لوزير خارجية الولايات المتحدة وإشرافه على اللقاءات السياسية بين العراق والسعودية وتصريحاته بشأن الجيش الشعبي تكشف الأهداف الخفية التي تعمل لها أميركا بوحي إسرائيلي.. وتشجيع الأكراد عبر مواقف متلوّنة ملتوية هي أحد هذه الأهداف.. وتحويل الأنظار بجعل إيران العدو الأول و إسرائيل الحليف..

وإذا عدنا للتاريخ وبدأنا من خطواته الأولى نرى انّ بلفور وعد اليهود بوطن قومي في فلسطين… وأميركا نفذت وحققت هذا الوعد وساعدت على جعل قرار تقسيم فلسطين وإنشاء حكومة إسرائيلية على الأرض العربية نافذاً يتمتع بدعم الأمم المتحدة… وتغاضي الأعراب.

أميركا اليوم متحمّسة بشكل جنوني لتحقيق أطماع إسرائيل وأحلامها مهما كان الثمن. والثمن باهظ على المدى البعيد، حتى قال الرئيس السابق للولايات المتحدة باراك أوباما بصفاقة لا مثيل لها انّ إسرائيل هي الولايات المتحدة وانّ الولايات المتحدة هي إسرائيل .

انّ هدف إسرائيل الذي تعمل اليهودية العالمية بأجهزتها السياسية والاقتصادية العلنية والخفية لتحقيقه هو السيطرة على العالم. إنّ ما يجري اليوم هو جزء من ذلك تعمل أميركا جاهدة لتحقيقه.

تحاول إسرائيل اليوم أن تعيد رسم حدودها كما هي في وعد ربها لها كما تزعم. وترسمها سياسياً إن لم ترسمها جغرافياً.

لذلك ولكي يتمّ تحقيق هذا المشروع يتوجب تقسيم القوى وبعثرتها عبر إنشاء أحلاف متخاصمة متنازعة طائفياً وعرقياً… سنّة وشيعة، عرب وأكراد…!

أنشأت أميركا داعش ودعمتها وقد اعترفت بهذا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون…

ومن أجل أن تفتح باباً جديداً لصراع اقليمي جديد رسمت طريقاً نحو الصراع الاثني فشجعت الأكراد على محاولة الانفصال في سورية الشام، العراق . وجعلت أكراد الشام يسلكون طريقاً هو الأول في تاريخهم وسيكون الأخير. ففي سورية لن يكون هنالك صراع قومي مطلقاً رغم جميع المحاولات وهي ليست الأولى ولا الأخيرة، فإنشاء دولة كردية في شمال العراق مشروع قديم رعته بريطانيا وروسيا وفرنسا منذ العام 1920 وفشل. واليوم يحاولون إيجاده في الشام حيث الأكراد هم جزء أساسي من مكونات الشعب عبر تاريخه الطويل ومدماك أساسي في تكوين الدولة. فمشروع «قوات سورية الدمقراطية» وسيطرتها على مساحات من الارض في الشام لن تؤدي الى اي انفصال كياني ابداً. ففي الوحدة القومية تضمحل العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الصحيحة التي تتكفل بانهاض الامة. وهذه الوحدة راسخة في الشام ولا حياة لأي امر آخر..

ان ما يجري اليوم من تفاوض ولقاءات تخفي النوايا المبيتة والهدف الاساس في هذا كله اعلن بوضوح ابعاد إيران عن جوارها العربي بعد ان اصبحت بحكم نهجها الجديد اقرب اليهم من كل الحلفاء وينطبق عليها المثل «عدو عدوي صديقي» وموقف إيران من إسرائيل جعلها الحليف الاقرب والاقوى في هذا الصراع الذي ارادت الدول الخليجية السائرة في الفلك الأميركي الإسرائيلي تفكيك هذا الحلف عبر اثارة النعرة المذهبية بين السنة والشيعة وهو امر افشلته وحدة الهدف امام خطر جاسم هو الخطر الإسرائيلي.. والغاية ضرب عصفورين بحجر الحقد اي حزب الله وإيران.

ان القضاء على الارهاب الذي ضرب الشام والعراق رسم نهاية للمؤامرة وخلق حالة جديدة وقوة جديدة لحلف بدد اوهام أميركا وإسرائيل وهو حلف سوريا، إيران، روسيا وبفعالية حزب الله.

وان الدور التركي الحالي الذي يحاول استغلال الوضع واستثماره في اللعب على الحبلين باظهار سيره في الحلف الجديد ومحاربة النزعة الكردية الانفصالية والارهاب الديني ومحاولة الاستفادة من كل هذا عبر سيطرته على المناطق المتاخمة في ادلب وجوارها.

جميع المشاريع فشلت حتى هذه اللحظة. جميع الحسابات التي ضبطت وادوار الحكومات الوكيلة من حكومات العمالة العربية فشلت في تنفيذ ما عهد به اليها من ادوار بسبب وضوح الرؤيا للشعب السوري وقياداته في الشام والعراق والمقاومة التي كانت السيف والترس في هذا الصراع.

فاحلام ترمب هي في الحقيقة ورثها من اسلافه ولن يكون حصاده خيراً من حصادهم.. فارادة الحياة في امتنا هي التي تقرر وقد قررت ونعيد التذكير بما قاله سعادة في هذا الخصوص:

« ما أقوله في صدد لبنان والشام اقوله في صدد فلسطين ، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكنوا من ايجاد اي دفاع مجد يصد الخطر اليهودي ، لان اساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والانانية والمغررة للشعب. ولا بد لي من التصريح في هذا الموقف ان الخطر اليهودي هو احد خطرين امرهما مستفحل وشرهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي . وهذان الخطران هما اللذان دعوت الامة السورية جمعاء لمناهضتهما .

ان الخطر اليهود لا ينحصر في فلسطين ،بل يتناول لبنان والشام والعراق ايضا ،لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين ، فلسطين لا تكفي لا سكان ملايين اليهود. الذين اثاروا عليهم الامم النازلين في اوطانها وهم منذ اليوم يقولون : «الحمد الله .» اننا اصبحنا نقدر ان نمارس الرياضة الشتوية في ارض إسرائيل ويعني التزحلق على الثلج في لبنان ، فاليدرك اللبنانيون ما هي الاخطار التي تهدد الشعب اللبناني.

وكرر التحذير في عام 1947 اذ قال :

« لعلكم ستسمعون من سيقول لكم ان انقاذ فلسطين ، امر لادخل للبنان فيه . ان انقاذ فلسطين امر لبناني في الصميم كما هو امر فلسطيني في الصميم كما هو امر شامي في الصميم ان الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها . كلمتي اليكم هي العودة الى ساحة الجهاد . «

اصبحت إسرائيل تتحدث وتتحرك كجزء اساسي وطبيعي في المنطقة وقوة فاعلة تملك حق التدخل ورسم السياسة العامة وهي ما كانت تحلم به.. كل ذلك بفضل حلفائها من الاعراب المتخاذلين..

فشلت في الماضي وستفشل اليوم وغداً..

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024