إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

جامـعـة الازمــات العــربية

داليدا المولى

نسخة للطباعة 2010-03-04

إقرأ ايضاً


بادرنا بالامس وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في القاهرة بتصوراتهم العربية الجديدة لدفع "عملية السلام" مع الاحتلال. ودون اي تحفظ الا من وزير الخارجية السوري وليد المعلم صادق الجميع على هذا الاقتراح متبنين ما جاء في البيان الختامي لهذا الاجتماع وعلى رأس المصفقين امين جامعة الدول العربية عمرو موسى.

وبالنظر الى الاجتماعات العربية على اختلافها لا يسعنا ان نطلق على ما يجمع العرب تحت سقف واحد هو جامعة دول عربية، بالاحرى هي قاعة تجتمع فيها مصائب الحكومات العربية على أنواعها.

فبعد خمس وستين سنة مرّت على تأسيس جامعة الدول العربية، ورغم كلّ المتغيّرات التي حدثت في العالم العربي، ما زالت الجامعة على ما هي عليه، وما زالت العلاقات العربية على الأصعدة كلِّها على حالها. ولم تحقق الجامعة العربية "لا المال ولا البنون".

كان من المتوقع ان تقوم هذه الجامعة بايجاد السبل والصيغ الناجعة لتأسيس جبهة عربية مشتركة بوجه العدو الصهيوني بالحد الاقصى، وخطاب عربي موحد بالحد الادنى وبين الهامشين العديد من المشاريع التي تعالج الاقتصاد والتجارة والبيئة وخلافه. إلا ان ما نجحت الجامعة بالتأسيس له هو جمع فشل الانظمة العربية تحت "سطح" واحد، وبات العالم العربي بكل اممه فاقد السيادة على ارضه وقراره.

بقيت الحال العربية على هذه الاسس تكبر وتنمو وسط النزاعات والتجاذبات بين دول تطلق على نفسها الصفة العربية دون الاعتراف بهوية كل منها الحقيقية لتكون المنطلق لتأسيس حلف عربي حقيقي خارج مؤشر البورصة المعتمد حالياً. فالتوافق العربي اليوم كالبورصة يعلو الى اعلى درجاته فجأة ويسقط حتى الحضيض مع اي تضارب بسيط بوجهات النظر لا المصالح حتى.

فما المصلحة من "السلام" مع العدو ووقوف الجامعة العربية صامتة امام هذا الواقع لا بل انها تتخذ مقراً في الدولة التي باتت رمزاً للعمالة نفسها.

كان من المفترض أن تشكّل صيغة الجامعة العربية، الحدّ الأدنى لما كانت تطمح إليه شعوب المنطقة، لكن العقود الماضية وتطوّراتها الدولية والإقليمية جعلت من صيغة الجامعة وكأنّها الحدّ الأقصى الممكن، بل ظهرت طروحات لإلغاء هذه الصيغة المحدودة من التعاون العربي واستبدالها بصيغ "شرق أوسطية" تضمّ كيان الاحتلال ودولاً غير عربية، ممّا يزيل الهويّة عن أيّ صيغ تعاون إقليمي في المستقبل.

والازمة هنا تطال الانظمة في هذه الدول التي لم تضع استراتيجية واضحة من وراء تعاونها، واذا قارنا بين عمر الجامعة وعمر التجربة الاوروبية سنجد بأن الاخيرة الاصغر سناً نجحت بتوحيد الصف الاوروبي بالرغم من انها لم تكن حصيلة القناعة بهُويّة أوروبية مشتركة بقدر ما كانت تسليماً بالحاجة إلى الاتحاد والتعاون كخيار وحيد أمام الدول الأوروبية لبناء مستقبل أفضل لشعوبها، بعدما عجزت الحروب والصراعات والانقسامات عن تحقيق ذلك.

وأهم ما حققه الاوروبيون في اتحادهم هو الحفاظ على خصوصية الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية مما سمح بعملية الانسجام بين انظمة الحكم من حيث البناء السياسي والديمقراطي والتعاون الاقتصادي والاجتماعي، لأن الاوروبي وعى ببساطة مصلحته وسار باتجاهها. أما العرب فكانت حالهم معاكسة تماماً، اذ توافقوا على مواقف سياسية آنية دون استراتجية لمشروعهم وسرعان ما عادت خلافاتهم لتطفو على السطح وتؤسس لمزيد من الانشقاق.

وسيبقى واقع حال الجامعة العربية على وضعه الراهن طالما أنّ الجامعة هي جامعة حكومات وليست فعلاً "جامعة دول". فالأوضاع الراهنة في البلاد العربية تفتقد المشاركة الشعبية السليمة في صناعة القرار الوطني، وما زالت المجتمعات العربية تعيش الحالة القبلية والطائفية كمحصّلة طبيعية لصيغ الحكم السياسي السائدة.

صحيح أنّ المنطقة العربية هي منطقة صراعات دولية، وأنّ حدودها الراهنة هي محصّلة تسويات أوروبية ادت الى زرع كيان غاصب في فلسطين المحتلة، ولكن الا يجب ان يؤدي ذلك الى مزيد من التعاون والوحدة.

وبلا شك، فإن المدخل السليم لبناء اي استراتيجية مشتركة يجب ان يكون على اساس صلاحية الانظمة السياسية التي تقوم عليها هذه الدول ومدى ترسيخ مفهوم المواطنة عند شعوبها والاتفاق على سبل التنمية البشرية المعتمدة، وبعدها يمكن ان نتحدث عن جامعة دول عربية لا جامعة ازمات عربية.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024