بداية الحزب في كفرحونة
نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي في بلدة كفرحونة في الفترة 1936 -1937 عندما تعرَف الرفيق شريف درويش على النهضة القومية الاجتماعية عبر رفقاء مشغرة الاوائل وليم ابو خليل، الياس حبوش، عبد اله محسن وغيرهم من الرعيل الاول الذي عرف الحزب مثالية ورسالة الى المجتمع. فقد كان يقطع الأمين عبد الله محسن المسافة بين مشغرة وكفرحونة سيراً على الاقدام ليغطي حلقة إذاعية، وليساهم في تأسيس فرع الحزب في البلدة .
بدوره كان الرفيق شريف يسير مسافة تزيد على الثلاث ساعات للوصول الى مشغرة لحضور الاجتماعات الدورية بعد ان كان انتمى الى الحزب وبات عضواً في مديرية مشغرة، وقد بقي على هذه الحالة عدة سنوات الى ان تمكن بفضل استيعابه الجيَد لعقيدة الحزب، والى ما تميَز به من فضائل واخلاق، من نقل الدعوة السورية القومية الاجتماعية الى عدد من العناصر الجيدة في كفرحونة، فانتمت الى الحزب .
في تلك الفترة من النصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي لم تكن هناك طرق سالكة بين القرى، والوسيلة الوحيدة المتوفرة للتنقل بين قرية واخرى هي السير على الاقدام مسافة ساعات ذهاباً، فإياباً هذا الامر يقدم لنا فكرة موضوعية عن الجهد الاستثنائي الذي كان يبذله "الرواد" الأوائل في دأبهم على العمل الحزبي تأسيساً للفروع ودعوة المواطنين الى تفهم حقيقة النهضة ومراميها .
في الفترة بين 1940 – 1944 تأسست أول مديرية للحزب في كفرحونة من الرفقاء ديب حمد حرب، قاسم عبدو عجروش، عبد الرزاق كريَم، سعيد احمد الريشوني، لطيف خليل كريم، حسن ابراهيم زهنون، لطفي نعمة، حميد اسعد الريشوني، ابراهيم طالب عجروش، محمد على محسن، الأمين مصطفى نعيم درويش، قاسم درويش، حسن درويش، منير عجروش، احمد حسن كريم، خليل يوسف المعلولي وتولى الرفيق شريف درويش مسؤولية اول مدير لها .
ما لبثت المديرية ان نمت، واستمرت نابضة بالحياة لا تؤثر فيها الملاحقات التي راحت تحصل بعد استشهاد سعاده، بل ان وقفة العز على شاطىء بيروت دفع الكثيرين من ابناء كفرحونة الى ان يأخذوا بتعاليم النهضة، فانتمى في الفترة 1952 – 1953 الرفقاء: محمد حسن الحبحاب، علي حسن الحبحاب، حسين حسن الحبحاب، عزت الحبحاب، فياض عجروش، مسلم عجروش .
صحيح ان رفقاء عديدين اضطرتهم ظروف النضال الحزبي، او الاوضاع الاقتصادية، الى مغادرة الوطن، منهم الى ديترويت (الولايات المتحدة) ومنهم – الرفقاء شريف درويش وحاتم محسن – الى الأرجنتين، الا ان النبتة التي زرعت في كفرحونة طلت تنمو وتينع، فيتنمي لاحقاً رفقاء عديدون نذكر منهم على سبيل المثال: جورج سلوم، يوسف الحداد، هاني درويش، سمير حداد، فوزي الشيخ، فوزي صوايا، انطون الشيخ، انطون بطرس صوايا، الياس لطف الله صوايا، عبد الله حرب، جهاد الحبحاب، نظام الحبحاب .
الرفيق الشاعر شريف درويش
يقول الرفيق حاتم محسن عن رفيقه وصديقه الرفيق شريف درويش وقد عرفه جيداً في الأرجنتين، ثم في الوطن، ما يلي:
" اكثر من مرة سألته عن دراسته فكان يقول لي: " يا رفيق حاتم أنا درست في مدرسة الشيخ مرمر في الضيعة تحت الجوزة وتعلمت أصول الصرف والنحو والقراءة ومع الوقت صرت قومياً اجتماعياً. عوّضت عليه النهضة خسارة العلم والدرس بالمدرسة، وتعلم فيها ومنها الصدق مع نفسه ومع رفاقه ومع الآخرين وعرف معنى وجوده بالحياة وعرف ايضاً " ان الحياة كلها وقفة عز" .
حقاً كانت كل موافقه وقفات عز وكبرياء وشموخ لاعلاء شأن القضية وشرح مبادئها ومفاهيمها وعقيدتها التي آمن بها، كما آمن بمحبة الأرض والانسان حتى صار كافراً باتقاليد البالية كالجهل والوهم .
عن ثقافته العامة يقول الرفيق محسن: " كانت غزيرة اشبه بشلال متدفق من المعرفة، كثيراً ما كان يقضي معظم اوقات فراغه في مطالعة كتباً حزبية او ادبية او تاريخية، كان ذو معرفة شمولية بشؤون وفلسفة الحياة، شاعر شعبي من الطراز الأول، ترك الزجل والمديح والهجاء بعد دخوله صفوف الحزب وكرّس كل قصائده للحزب والقضية، مواقف وخطباً – شعراً ونثراً – في المآتم والأفراح وجميع المناسبات الحزبية .
" كنت وما زلت اتمنى ان يكون في كل بلد وقرية من قرى أمتنا السورية مع اختلاف كياناتها، رفيق بوعي الرفيق شريف درويش اجتماعيا وعقائدياً ونظامياً ومناقبياً. كان يجسد النخبة المطلوبة التي تتحلى بالفضائل التي آمناً بها جميعاً، لرفع درجات التخلف عن مجتمعنا وامتنا ".
لذا تولى الرفيق شريف أكثر من مرة مسؤولية مدير مديرية كفرحونة، وفي الارجنتين تولى مسؤولية ناموس منفذيتها من العام 1952 لغاية العام 1957 .
ويعدد الرفيق محسن النقاط التالية من افعال الرفيق شريف:
"1 – كان له في الارجنتين نشاط ثقافي مع الادباء والشعراء، كتب عدة مرات في "الجريدة السورية اللبنانية " في بيونس ايرس، وكان يتصدى دائماً لكل من يحاول ان يهاجم الحزب على صفحات الجرائد فيكيل له بما يستحق .
2 – شارك مع الرفيق الدكتور فيصل النفوري في عدة مداخلات وندوات سياسية لإبراز وجود الحزب وشرح نظرته للاوضاع السائدة، ومحاربته للصهيونية العالمية.
3 – بعد رجوعه الى الوطن وبعد فشل الانقلاب 1961 لم يترك زعيماً أو سياسياً الا وارسل له رسالة تهديد فيما لو اعدم اي قومي من المشاركين في الانقلاب.
تاريخ وظروف وفاته
نبذة شخصية:
- ولد الرفيق شريف درويش عام 1919 في بلدة كفرحونة .
- الأب نعيم.
- الأم خيرية حبحاب .
- اقترن اولاً من السيدة سلطانة حبحاب، وبسبب موقفها غير المؤيد للحزب، اضطر الى الطلاق منها ثم اقترن ثانية في الارجنتين من المواطنة عفيفة عباس التي انتمت لاحقاً الى الحزب .
- انجب الرفيق شريف من زوجتيه كلاً من :
نعيم، سعاده، ونبيل الذي اقترن من ابنة عمه مصطفى وجميعهم اصدقاء للحزب .
كانت دراسته ثانوية أما ثقافته العامة فكانت معمقة بجيمع الامور الحياتية وخاصة بالحزب، ولديه مقالات عدة ومحاضرات ودراسات وضعها بنفسه وألقاها في عدة مناسبات. الحزب كان حياته الأولى .
نهاية العام 1979 حضر الرفيق الدكتور فيصل النفوري الى دمشق، فذهب الرفيق شريف للسلام عليه، وعند رجوعه حصل اصطدام للسيارة التي كانت تقلّه، في بلدة تعلبايا (زحلة) فنقل من قبل عناصر من "فتح" الى مستشفى غزة في صبرا – الطريق الجديدة وفي اليوم التالي توفى لهبوط في القلب من جراء نزيف داخلي.
**
من قصائده
عرف الرفيق الشاعر شريف درويش بغزارة انتاجه الشعري، ومعظمه نظم في المناسبات الحزبية والوطنية.
في عام 2011 اصدر له ابنه المربي الوطني نبيل ديوانا بعنوان "حمم" جاء في مقدمته :
" قلة من الرجال الذين لم تبهرهم بلاد الاغتراب وتجعلهم غائبين عن ذكر وطنهم، بل حملوا هموم أمتهم معهم، يستقصون اخبارها، ويحاربون اعداءها بالكلمة الحرَة الصادقة، ويظهرونها من خلال تصرفاتهم مع عالم الاغتراب، امَة قوية فعَالة .
والشاعر شريف نعيم درويش من هذه القلة، وهو الذي، رغم دراسته البدائية، فقد كان مميزاً في وطنيته، مميزاً في مواقفه الدفاعية عن حق أمته، مميزاً في رفضه للظلم الذي الحقه العالم الغربي لسوريا عندما زرع في جسمها الكيان الصهيوني النتن الفاسد، وقد عبَر عن هذا الرفض بديوانه "حمم" الذي نقدمه هدية قومية اجتماعية.
من "حمم" ، اخترنا القصائد التالية :
ثائر فيلسوف
في خط نهضة عز وجداني التزم وفكري صحي عاصوت ثائر فيلسوف
حروفي شواهد ، مثل نار على علم اصداء صرخة حق هازىء بالظروف
ولما الحقيقة نورها دربي رسم وفتّحت عيني – صرت فيها النور شوف
بهالنور روحي شعاع بيشرقط حمم ودم قلبي صوت يهدر بالحروف
***
تباركت يا آذار
(آذار 1964)
بالجبل - بالسهل – بالوادي طوفات نور جديد ببلادي
غامر بها الاجيال بسعادة بآذار ميلادك فجر هادي
بسّام بالانوار
تباركت يا آذار
نور وصفا وإشراق بالالوان فكر وجمال ومعرفة وإيمان
محبه- وعطا وانتاج من لبنان من برج أمجادك، طليّت ع بلادك
وشعّت الانوار
تباركت يا آذار
مثل الشمس متألق وعالي ساطع جلي – هالة ورا هالة
معلم مثالي صاحب رسالة حق وجمال وخير لسوريا وللغير
جليت الدجا بأنوار
تباركت يا آذار
بقوة – ونظام – ونور حرية
شعَت بواب روح قوميه
نهضة حياة وعز مضويَه
مابتنطفي ما زال
شعّلت هالمشعال
وهاج بالأنوار
تباركت يا آذار
ودمك ب هالمشعال نور ونار زال الظلام ونوّر الأبصار
ب هالدم عن شعبك غسلت العار
ورفعت هالأمة
من العنبر للقمة
وزيَنتها بأنوار
تباركت يا آذار
وتارك حقيقة وفلسفة وشروح باقية فينا حياة وروح
نحنا ان رحنا مستحيل تروح هالروح هالأفكار
ولو صار مهما صار
ما بتخفي الانوار
تباركت يا آذار
لا سجن – لا موت – لا تشريد لا كبت – لا احكام – لا تهديد
ممكن رفاقك قيد شعره تحيد
عن نهج سنّيتو
بالدم حنَيتو
وزادت الأنوار
تباركت يا آذار
وأعطيت إمثولة الى الاجيال كيف الوفا والصدق بالأقوال
وتحققوا الأقوال بالأفعال،
وسجل التاريخ
اسمك على المريخ
بحروف نور ونار
تباركت يا آذار
***
قناديل تموز
) تموز 1965)
قناديلك الحمر يا تموز ضوّيها بيوجه كل الدني، وضاهي الدني فيها
طوفات نورك على جبين الفجر هالات ألوان بسمة نصر حلوه معانيها
تموز زخم العطا والعز والخيرات وأمجاد كانت دفينه في مخابيها
يا للشهادة الزكيّة الحاملة بسمات ع شفاف نور الأمل موجات تهديها
ويا للبطولة العجيبة النادرة بوقفات فيها انتصار القيم رافع مبانيها
كانت بلادي تعيسه غارقة بظلمات أكثر من القطران سودا لياليها
والويل رافع على أجزائها رايات رايات تخفق، غريبه في نواحيها
والشعب فيها أسير مربّط الديّات وسايبه للغير حاميها حراميها
وتيار جهل الحقيقة جاب هالويلات وزكَى مآسينا بفلسطين ومآسيها
فلسطين أطهر بلاد وأقدس مقامات شقفة يهودي حل نجّس أراضيها
وصرلو سياده بها ومهيأ لجولات ونادي التوسّع وبدو الناس يهفيها
وما زال صار اليهودي يوجَه الضربات لقلب امّة البطولة من مآتيها
يا أرض ميدي بنا وتزلزلي بهزات واحرقي يا شمس هالدنيا وأهاليها
وطالما الجهل اقعدنا عن الوثبات وعيونّا عن رؤية الاخطار عاميها
وغيمات غطّت سمانا وانطفوا النجمات والشمس طلّت كئيبه من اعاليها
ومواسم الخير زالت واختفوا الوردات وهاك الحقول الخضر جفّت مراعيها
ولا في سنابل غويّه تموج بالحفلات والارض خضرا، وغدا الفلاح ناسيها
وجبال صارت جرود وتعرّت التلات وكروم ام العنب يبست دواليها
وخربوا المعاصر، ودب المَحِل بالتينات وفضيوا الخوابي وما عنَا زيت يمليها
وسهول عطشا أليمه بقلبها لهفات تروي ظماها، ولا نقطة ماء ترويها
واعماق صدر الازل بحّة صدى وصرخات تهتف تناديك يا تموز لبيّها
هالارض رجّع اليها زهوها اللي مات عمتسأل الارض عن آمال تحييها
ما ضل إلاَ هشيم وشوك بالطرقات وسود الافاعي المسمَة في مهاويها
والوعي لفّو العدم والناس في غفوات عن حقها ولا من يوعيها
عندا القناعة مناعة، والضعف همات والصمت حكمة بليغة في مراميها
والعز كسب السلامة وصون حب الذات والنوم عالضيم نعمة الشعب راضيها
مأساة زادت مراحلها على مأساة وبلاد أول عطا الآلام تكويها
الا وطلّ الربيع وضحكت الزهرات ودنيا جديده وأمل بسّام يضويها
وَجه الزمان انقلب وتبدلوا الآيات والروح فاقت ع صرخة صوت هاديها
وصرنا فوارس وغى منجود بالدمات بإخلاص واعي ، إلى الأمة منعطيها
والعقل فينا انتصر وأرواحنا شعلات بتضوي دروب الحياة وشو بيطفيها
والفعل أصدق شهادة واضحة واثبات تموز حاضر حكايا العز يحكيها
|