ينشر الأمين احمد اصفهاني عبر مجموعة "مقاربات" على منصة الواتساب، وبحلقات متتابعة ما كان قد جمعه في كتاب تحت عنوان " أنطون سعاده والحزب السوري القومي الإجتماعي في أوراق الأمير فريد شهاب المدير العام للأمن العام اللبناني" وصدر له عام 2006 عن "دار كتب"، إلا ان ظروف العدوان الصهيوني في ذلك العام حال دون اطلاع المهتمين من الرفقاء والمواطنين على الكتاب حسب ما أشار إليه الأمين احمد في منشوره والذي نعممه كما ورد.
اذ نعمم هذه الوثائق المهمة لتاريخ الحزب كما لكل باحث ومهتم نتوجه بالتهنئة للامين احمد على هذا الجهد المميز الذي يقوم به منذ سنوات طويلة مغنيا المكتبة القومية الاجتماعية بمراجع ووثائق سيكون لها حضورها في أي زمن مقبل.
ل. ن.
*
"في العام 2006 صدر لي عن "دار كتب" في بيروت الكتاب الوثائقي "أنطون سعاده والحزب السوري القومي الإجتماعي في أوراق الأمير فريد شهاب المدير العام للأمن العام اللبناني". ومع أن الكتاب لقي قبولاً عند المهتمين، إلا أن ظروف حرب 2006 مع العدو الصهيوني لم تُتح له أن يحظى بما يستحق من مكانة كونه الأول من نوعه الذي يعتمد على أوراق مسؤول أمني رفيع المستوى، لعب دوراً حاسماً في اليومين الأخيرين من حياة سعاده.
"وكثيراً ما يسألني بعض المواطنين والرفقاء عن مصادر معلومات يسمعونها شفاهاً، ولا يعرفون مصداقيتها، لأجد أنها واردة في إحدى وثائق الكتاب التي يصل عددها إلى المئات. وقد جاءني اتصال من الرفيق العزيز حسن رعد مستفسراً عن مسألة، فوجدت من المناسب ونحن نقترب من ذكرى المؤامرة في حزيران وذكرى الجريمة في تموز أن أعيد توزيع بعض التقارير العائدة إلى تلك المرحلة، لكي يطلع من لم يصل إليه الكتاب... ولكي يستذكر من قرأ وتناسى!
المقدّمة
إلتقيا صدفة في صالة عرض دمشقية كانت تستضيف لوحات لعدد من الفنانين التشكيليين السوريين. رجلان في منتصف العشرينات من العمر، يطلان على الحياة العمليّة في مرحلة فاصلة من تاريخ سورية. أنطون سعاده العائد حديثاً من مغتربه البرازيلي، يعمل في الصحافة السورية وعقله منشغل بالقضايا القومية العامة. والأمير فريد شهاب الذي كان قد أصبح – إبتداءً من أول شباط 1930- رئيساً لدائرة التحري برتبة ملازم في ظل سلطات الإنتداب الفرنسي.
يصف سعاده هذا اللقاء، الذي نعتقد بأنه كان الأول بينهما، في مقال نشرته "ألف باء" الدمشقية في عددها رقم 3151 تاريخ 31 حزيران 1931 تحت عنوان "في عالم الفن: معرض التلوين الصوري"، فيقول: "قبل أن أترك المعرض أقبل الأمير فريد شهاب، وهو أحد الهواة الذين لم يحرموا المعرض من بعض ما أوجدوه في فرص العمل، وبشّرني بأن المساعي مبذولة لانشاء رابطة لتعزيز فن التلوين في مجموعنا. لا أعرف من المساعي ما يستحق الشكر أكثر من المساعي لانشاء رابطة فنية للتلوين في محيطنا، لأن الفنون على أنواعها، ومن ضمنها الأدب، هي عنوان إرتقاء نفسيات الأمم."
وبعد ذلك تقاطعت دروب الرجلين، ولكن بعيداً عن عالم الفنون والآداب. يروي شهاب في حديث نادر أجرته معه مجلة "صباح الخير – البناء" في عددها رقم 256 تاريخ 12 تموز 1980 أنه كلّف بمهمة اعتقال مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه في سنة 1936 (الاعتقال الثاني) بناء على أوامر من السلطات الفرنسية، وأنه اجتمع إلى سعاده "سلمياً" بين الاعتقالين الأول والثاني (1935- 1936) في منزل إحدى قريبات عائلة شهاب وكانت عضواً في الحزب... وصولاً إلى تلك الليلة الفاصلة عندما تولى مهمة إستلام سعاده من السلطات السورية ليسلمه إلى السلطات اللبنانية، فيحاكم صورياً ويعدم خلال 24 ساعة!
تولى شهاب رئاسة المديرية العامة للأمن العام بين 1948 و1958، وكان قبل ذلك قد تقلّب في مناصب أمنية عدة إبتداءً من سنة 1930. وهذه الحياة المهنية الرسمية جعلته على تماس مباشر ووثيق ومتشابك مع التطورات السياسية التي عاشها الكيان اللبناني في سنواته الاستقلالية الأولى، بما في ذلك مراقبة الأحزاب السياسية الناشئة حديثاً ومتابعة نشاطاتها وملاحقة قياداتها وعناصرها، خصوصاً الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي.
وكان الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي أسّسه سعاده سراً سنة 1932، ويركّز نشاطه على المحيط الطلابي بالجامعة الأميركية في بيروت، في مقدّم القوى المطلوب مراقبتها بمجرد أن تناهى إلى علم السلطات الفرنسية خبر وجوده وفعله وانتشاره في أوساط الشبيبة السورية. وإذا كان دور شهاب في تلك المرحلة ظل محدوداً ومقتصراً على تنفيذ تعليمات رؤسائه الفرنسيين، فإن قيادته لمديرية الأمن العام اللبناني في المرحلة الاستقلالية إبتداءً من سنة 1948 وضعت على عاتقه مسؤوليات كبيرة تعكسها الوثائق السرية التي عملت إبنته السيدة يمنى شهاب عسيلي على تصنيفها في لندن، وكان لي شرف المساهمة بهذا المشروع الضخم، وكانت النتيجة كتاب "في خدمة الوطن : مختارات من الوثائق الخاصة للأمير فريد شهاب" الذي صدر في بيروت أخيراً.
ومن الطبيعي، خلال عملي على هذه الأوراق، أن تحظى الوثائق المتعلقة بأنطون سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي باهتمامي الخاص لكن من دون أن يعرقل ذلك عملنا على مشروع الأرشفة وإصدار الكتاب الموسوعي. سجّلتُ ملاحظات عدّة على أساس أن أعود إلى الوثائق الأصلية فور وضعها في عهدة مركز الدراسات اللبنانية بجامعة أوكسفورد البريطانية حيث ستصبح في متناول الباحثين والمؤرخين. وهكذا كان، بعد أن تكرّمت السيدة يمنى بالسماح لي باستخراج الوثائق التي تهمّني والعمل على نشرها.
الوثائق المنشورة في هذا الكتاب هي كل ما وجدناه في أوراق الأمير فريد شهاب الخاصة، ويتعلّق بأنطون سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي. وعندما نقول "كل ما وجدناه"، فإننا نقصد بذلك ما بقي من الوثائق ووصل إلينا. فنحن نعلم علم اليقين، وهذا ما تؤكده يمنى وشقيقها حارس شهاب، أن الأمير فريد شهاب عمد في سنواته الأخيرة الى إحراق كميات كبيرة من وثائقه في إحدى زوايا شرفة منزله في منطقة الرملة البيضاء. وليس هناك أدنى شك في أن قسماً مهماً من "المحروقات" كان عن سعاده وحزبه.
أكثر ما لفت نظرنا غياب أية وثائق ذات قيمة معلوماتية وتاريخية عن سنتي 1948 و1949 العاصفتين في حياة سعاده ومستقبل الحزب السوري القومي الاجتماعي، خصوصاً أن شهاب كان قد أصبح آنذاك على رأس المديرية العامة للأمن العام اللبناني، وبالتالي في طليعة الأجهزة الحكومية الرسمية العاملة على مواجهة نشاط سعاده والحزب. ويضاف إلى ذلك أن شهاب كان الشخص الذي كلّفته حكومة رياض الصلح بالإتصال بقائد الإنقلاب السوري حسني الزعيم لحثّه على سحب دعمه لسعاده وحزبه قبل شهر من الإقدام على تسليمه إلى السلطات اللبنانية، وهي المهمة التي نفّذها شهاب بنفسه في تموز سنة 1949... ومع ذلك لا توجد أية وثائق عن تلك الفترة!
تغطّي الوثائق التي عثرنا عليها في أرشيف الأمير فريد شهاب الفترة من 1935 الى 1983. المجموعة الأولى منها تعود الى ما قبل إنكشاف أمر الحزب في 16 تشرين الثاني 1935، إذ يرجح أن سلطات الإنتداب الفرنسي علمت بوجود الحزب فكلّفت عملاءها بالتسلّل إلى صفوفه ورفع تقارير عن نشاطات قياداته وأعضائه. أما تلك التي يعود تاريخها إلى ما بعد سنة 1958، عندما ترك شهاب المديرية العامة للأمن العام وانتقل إلى السلك الديبلوماسي، فهي ذات طابع عام وجاءت في سياق الإستعداد لكتابة مذكراته التي لم تسمح له الظروف باستكمالها.
وثمة غياب كامل لبعض السنوات التي تلت إنكشاف أمر الحزب، ونقصد بذلك الفترة من 1936 وحتى 1946. ويمكننا تفسير ذلك بعاملين رئيسيين: الأول أن أية وثائق عن سعاده والحزب كانت تحت يد السلطات الفرنسية التي نعتقد بأنها نقلتها معها إلى باريس بعد حصول لبنان على استقلاله. والثاني أن سعاده نفسه غادر الوطن إلى مغتربه القسري سنة 1938 ولم يعد إلا في سنة 1947، وبالتالي لم تعد أجهزة الأمن مهتمّة كثيراً بالمتابعة الدقيقة لنشاطات القوميين في لبنان خصوصاً مع بداية بروز تيار "اللبننة" بقيادة نعمة ثابت ومأمون أياس وغيرهما من القيادات العليا في الحزب الذي بات يعرف باسم "الحزب القومي"!
يمكننا أن نصنّف أوراق شهاب المتعلّقة بالحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الأقسام التالية:
أ- تقارير رفعها مخبرون من عناصر الأمن العام وعملاء لهذا الجهاز تسللوا إلى الحزب للتجسّس على نشاطاته، وغالبيتها العظمى مكتوبة بخط اليد.
ب- ملاحظات ومعلومات دوّنها شهاب بخط يده، قسم منها للعودة إليه لاحقاً بهدف وضعه في تقارير رسمية ترفع إلى الجهات الحكومية العليا، وقسم آخر لكتابة مذكراته التي نعرف أنه بدأ العمل عليها مع البروفسور جون مونرو، لكنه لم ينجزها.
ج- تقارير مطبوعة على الآلة الكاتبة نرجّح أن أكثرها من وضع شهاب نفسه الذي كان يرفعها الى مسؤوليه في الحكومة اللبنانية، في حين أن جزءاً آخر منها كان من مصادر مختلفة تحرص على عدم الكشف عن هويتها وبالتالي تجنّب الكتابة بخط اليد. ونلاحظ أن عدداً كبيراً من هذه الوثائق هو نسخة ثانية، ما يرجح أن النسخ الأصلية رفعت إلى جهات معينة في الدولة.
د- وأخيراً هناك صور ونسخ عن صادرات حزبية وتعاميم داخلية ونشرات رسمية تمكّن عملاء الأمن العام من الحصول عليها من داخل الحزب، وإن كان بعضها غير سرّي ويوزّع على نطاق واسع. ويوجد احتمال آخر يتمثّل في أن بعض الوثائق الحزبية الرسمية يمكن أن يكون قد وقع بين أيدي عناصر الأمن العام من جراء حملات الملاحقة والإعتقال التي واجهها الحزب في أوقات مختلفة في لبنان.
هذا الكتاب، إذن، يضم كل ما عثرنا عليه في أرشيف الأمير فريد شهاب ويتناول سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي من قريب أو من بعيد. وقد حرصنا على إبقاء النصوص كما وصلت إلينا بأخطائها القواعدية واللغوية وأسلوبها العامي ومعلوماتها المغرضة والمغلوطة في أحيان كثيرة. والملاحظ أن بعض التقارير كان يسرد إشاعات وأقاويل نعرف نحن الآن، بعد مضي كل هذه السنوات، انها ليست صحيحة، غير أننا أبقينا عليها "على ذمة الراوي" لا اعتقاداً منا بدقتها وإنما لأنها شكلت في تلك الفترة الأساس الذي قامت عليه وانطلقت منه ممارسات الأجهزة الأمنية اللبنانية، وعلى هديه إتخذت السلطات السياسية مواقفها من الحزب.
ولا بد من الإشارة كذلك إلى أن مديرية الأمن العام اللبناني كانت تعمل في حقل مكافحة التجسّس أيضاً، وهو مجال غامض ومشبوه وسري يتطلّب في أحيان كثيرة أن يكون المتورّط فيه عميلاً مزدوجاً. ونحن نعرف من خلال إطلاعنا على أدبيات الحزب السوري القومي الاجتماعي، خصوصاً في منتصف الخمسينات بعد مصرع عدنان المالكي في دمشق، أن قيادة الحزب زرعت عدداً من الأشخاص كعملاء مزدوجين سواء في سوريا أو في لبنان. ولذلك فإن ورود أسماء بعض القوميين الاجتماعيين في السجلات الأمنية اللبنانية والسورية، بوصفهم "مخبرين" أو "متعاونين"، لا يعني بالضرورة أنهم "عملاء" بالفعل، بل يجب النظر إلى هذه المعلومات في إطار "حروب المخابرات" التي إزدهرت كثيراً في خمسينات القرن الماضي.
وكان هناك أشخاص يعادون الحزب بصورة مطلقة، وهؤلاء ما كانوا يتورّعون عن كتابة التقارير التحريضية الكاذبة بهدف إستعداء السلطات الحكومية على القوميين الاجتماعيين. ويضاف إلى ذلك أن المخبرين الذين كانوا يتقاضون بدلاً مالياً مقابل الإخباريات التي يرفعونها إلى الأمن العام، كانوا يعمدون إلى المبالغة في "معلوماتهم" عن الحزب وتضخيم علاقاتهم واتصالاتهم مع القوميين من أجل الكسب المادي السريع والحفاظ على مصدر "الرزق" هذا... أو لعلّهم كانوا يطمحون إلى تحقيق الحظوة عند ذوي السطوة في أجهزة المخابرات!!
للمرة الأولى في العالم العربي، على حد علمنا، يوضع بين أيدي الباحثين والمؤرخين مثل هذا الكم من الوثائق الرسمية التابعة لجهاز أمني حكومي. ومع أن الأمير فريد شهاب أتلف كمية هائلة من أوراقه، كما تقول يمنى وحارس، حرصاً على سلامة وسمعة الذين تعاونوا معه على مدى سنوات طويلة... فإن ما وصل إلينا يحظى بأهمية خاصة، وتحديداً في ما يتعلّق بأنطون سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي.
كانون الأول 2005
*
مع بدء الحديث عن عودة سعاده من مغتربه القسري إلى الوطن، يبدو أن الأمن العام اللبناني عاد إلى التركيز على نشاطات الحزب.
سنة 1946
في أوراق الأمير فريد تقرير عن أحزاب مدينة طرابلس والأوضاع السياسية فيها. وجاء عن الحزب السوري القومي الاجتماعي:
سابعاً: القوميون: الحزب القومي السوري سابقاً. وله فروع في الكورة وعكار، وقد تأخر نشاطه عن ذي قبل وعدده ضئيل في طرابلس، أما سياسته فترمي لإيجاد سوريا الكبرى.
سنة 1947
تسلّم الأمير فريد تقريراً عن تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني تضمّن عرضاً لمواقفه السياسية السابقة. وورد في هذا التقرير بعض المقاطع عن الحزب السوري القومي الاجتماعي:
قوة الحزب (الشيوعي)
مع تزايد قوة الاتحاد السوفياتي، ومن خلال فترة الانتشار العلني، بلغ الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان درجة عالية من القوة العددية أو القوة الشعبية والإذاعية. وكان هذا ظاهراً أمام الجميع من خلال المهرجانات الخاصة والعامة وخلال خوضه المعارك الانتخابية وسيطرته على عدد هام من النقابات العمالية.
ويمكن تمييز هذه الفترة بثلاثة أحداث داخلية هامة إستطاع الحزب الشيوعي أن يدلل فيها على قوته الشعبية وهي:
1- الحملة على الحزب القومي السوري إبتداءً من منتصف عام 1944 عندما أعطت الدولة ترخيصاً رسمياً للحزب القومي السوري. وقد برزت هذه الحملة بكثرة البرقيات من سوريا ولبنان للحكومة اللبنانية تحتجّ وتطالب القضاء على فلول الفاشست والخونة وعملاء هتلر. كما أن الحزب الشيوعي تمكّن سابقاً من تأسيس تجمّع سياسي تحت إسم "عصبة مكافحة الفاشستية والنازية" على رأسها الأديب عمر فاخوري ومارون عبود وغيرهم.
أقامت هذه العصبة مهرجاناً كبيراً في سينما روكسي في بيروت يوم 9 تموز 1944 مكرّساً لمتابعة الحملة على الحزب السوري القومي التي بدأها الشيوعيون.
وفي 15 أيار 1945، قام الشيوعيون بمظاهرات في شوارع بيروت ضد وعد بلفور، إصطدمت مع القوميين السوريين ووقع قتيل من الشيوعيين وآخر من القوميين. ومّرة أخرى عادت الحملة على الحزب القومي تشتدّ من جديد وانهمرت البرقيات من سوريا ولبنان على الحكومة اللبنانية تطالب منع الحرية عن الحزب السوري القومي.
وفي مطلع عام 1947، علم الشيوعيون أن مؤسس الحزب السوري القومي أنطون سعاده يستعدّ للعودة للبنان من الأرجنتين، فقام الشيوعيون بحملة كبرى من برقيات ومظاهرات وندوات لمنعه من العودة، واستمرّت هذه الحملة إلى منتصف عام 1947 حيث انتقلت الحملة إلى ضد الإخوان المسلمين في سوريا بصورة خاصة.
*
وبين أوراق الأمير فريد نص مقال بالإنكليزية كتبه الشيوعي اليهودي أي سوفير ونشرته صحيفة "كول هاعام" في 17 آذار 1947 تحت عنوان "نشاطات ديموقراطية في سوريا ولبنان: تحركات مشتركة للأحزاب الشيوعية في سوريا"، تناول في مقاطع منه الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه أنطون سعاده:
النضال ضد عودة الفاشست:
تشن وسائل الإعلام التقدمية حملة شرسة ضد عودة الخونة والمتعاملين مع الفاشيين خلال الحرب، خصوصاً أنطون سعاده قائد الحزب القومي السوري الذي عاد أخيراً إلى لبنان وبدأ بإعادة تنظيم حزبه. وكما هو معروف، فإن أنطون سعاده شارك في المؤتمر النازي بنورنبرغ سنة 1938 على رأس وفد من حزبه، وهرب مع سلطات فيشي حيث وجد ملجأ في إيطاليا. ولكن بعد سقوط الفاشية هناك، ذهب الى أميركا اللاتينية، والآن عاد من جديد لمتابعة نشاطاته السياسية في سوريا ولبنان.
وقد أرسلت برقيات الاحتجاج إلى الحكومة، وأعلنت كل الدوائر التقدمية الإضراب في صفوف التلامذة والطلاب إحتجاجاً على عودة العملاء الخونة. والحزبان الشيوعيان في لبنان وسوريا هما الأكثر تنظيماً وأقوى الأدوات السياسية في إدارة الصراع ضد أي خطة هدفها تهديد إستقلال البلدين...
وبعد أن تناول الكاتب الشيوعي اليهودي الإضطرابات التي أحاطت بعودة فوزي القاوقجي إلى طرابلس وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، عاد إلى أنطون سعاده ليقول:
... الأمة السورية - اللبنانية (...) تعتبر أن عودة هؤلاء المنفيين كعملاء تهدّد الاستقلال الجديد في وقت تتحدث الإشاعات عن خطط تعدّها القوى الإمبريالية التي كانت تستعين دائماً بعملائها في المشرق.
ولهذه الأسباب فإن الإضرابات والمظاهرات التي إندلعت في مختلف أنحاء سوريا ولبنان ضد قرار الحكومة بالسماح بعودة هؤلاء المنفيين لم تتوقف منذ رجوعهم. وهاتان الدولتان اللتان تستعدان معاً لمواجهة خطر مشروع سوريا الكبرى لا تريان عودة هؤلاء إلا في إطار الخطة الهادفة لتقوية خدام تلك المشاريع.
بعد اضطرابات طرابلس، أعلن أنطون سعاده قائد الحزب القومي السوري في بيروت أنه عاد للعمل هو أيضاً، وباشر نشاطاته السياسية في إطار هدف حزبه الساعي إلى توحيد سوريا ولبنان مع فلسطين وشرقي الأردن والعراق. وهذا الإعلان إثبات واضح لكل الذين ما زالوا يشكّون في مسألة من يخدم هذا الرجل!
وقد بدأت الصحافة التقدّمية حملة قويّة ضده، ونشرت "صوت الشعب" مقالات عدة في هذا الصدد. وتشكّل النشاطات والاحتجاجات صوت العرب الديموقراطيين الأحرار المندلع من لبنان وسوريا ومن مختلف أنحاء العالم العربي بهدف التنديد بعبيد الإمبرياليّة سواء كانوا في مصر أو العراق أو الأردن. فكيف يمكن للبنان أن يتحمّل هؤلاء الفاشيين المأجورين الذين عادوا أخيراً بعد أن خدموا الفاشية خلال الحرب الأخيرة؟
إن الأحزاب التقدمية، وعلى رأسها الشيوعيون الذين يملكون تأثيراً ملحوظاً في هذه الدول، تبذل أقصى ما تستطيع كي تكشف للجماهير عن المخاطر الناجمة عن عودة هؤلاء الأشخاص ليس فقط على سوريا ولبنان وإنما على منطقة المشرق كلها التي تكافح من أجل حريتها.
كل وسائل الإعلام التقدمية مستنفرة في هذا الإتجاه. وقد تم تطيير برقيات الاحتجاج. كما يعقد الطلاب اجتماعات احتجاجية كل أسبوع من أجل هذا الأمر. وأصدرت الأحزاب والهيئات التقدمية بياناً بعد التظاهرات أعلنت فيه: أن الإمبريالية ستحاول تدمير جمهورياتنا الحرة. والإمبريالية هي التي أعادت عملاءها القدماء – الجدد من أجل مساعدتها بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها الخاصة. وسوف نواصل العمل لإحباط مخططات مساعديهم الذين عادوا أخيراً. وسنبذل أقصى ما نستطيع لحرمان هؤلاء الخونة من حق الحياة في أرضنا الوطنية.
وقد أرسل هذا البيان إلى كل الوزراء في سوريا ولبنان.
*
بين تشرين الثاني 1948 وأيلول 1949، تلقّى الأمير فريد شهاب مجموعة من التقارير كتبها شخص أطلقنا عليه لقب "الصحافي المخبر" لأنه: كان صحافياً على مستوى رفيع مكّنه من مقابلة حسني الزعيم، ومخبراً يكتب يومياً تقارير عدّة للمدير العام للأمن العام في لبنان. وارتأينا أن نجمع كل ما يتعلّق بالحزب السوري القومي الاجتماعي، خلال تلك الأشهر العاصفة، في مكان واحد بهدف الوقوف على صيغة المعلومات التي كان يرفعها هذا "الصحافي المخبر" إنطلاقاً من علاقاته المهنية والسياسية الواسعة.
تقــرير بتــاريخ 19/4/1949
في محيط الحزب القومي الاجتماعي نشاط كبير لإحداث إنقلاب حكومي في لبنان.
ان زعماء هذا الحزب على إعتقاد وطيد بأن في مقدرتهم إحداث هذا الإنقلاب إذا ما إعتمدوا على بعض وحدات من الجيش وعلى العناصر الإسلامية في بيروت.
والمعلومات الأكيدة التي حصلت عليها أكّدت لي أن الحزب عهد الى بعض أركانه للعمل تحت إدارة المحامي عبدالله القبرصي رئيس المكتب السياسي للحزب القومي الاجتماعي وجبران جريج المنفذ العام للحزب للعمل في سبيل تحقيق هذه الغاية.
فأركان الحزب يعتقدون إعتقاداً وطيداً بأنه ليس في إمكان الجيش اللبناني أن يقوم بأي إنقلاب كما حصل في دمشق، وأن قائد هذا الجيش الجنرال شهاب لا يمكنه أن يعمل ضد الرئيس الخوري، كما أنه يعتقد أن الحزب بالرغم من تغلغله في صميم البلاد وبالرغم من أنه يضم خيرة الشباب من مختلف الطوائف، فهو غير قادر على القيام بالإنقلاب إلاّ بمعاونة الجيش، إن لم يكن كلّه فبقسم منه. ولهذا يقوم عبدالله القبرصي وجبران جريج بنشاط جدّي في درس وضعية الضباط والاتصال بهم ومعرفة مدى استعدادهم للتعاون مع الحزب القومي المذكور.
ان المؤكّد لدي ان هذه الاتصالات والزيارات لبعض الضباط قد بدأت في هذه الأيام، إلا أن العمل الجدّي ومفاتحة الضباط للعمل الجدي معهم لإحداث الانقلاب لما تبدأ بعد، ومع هذا فسأتابع درس هذا النشاط لموافاتكم بما سأعلمه عنه.
والحزب القومي لا يعير الكتائب اللبنانية والكتلة الوطنية أي اهتمام، لأنه يرى أنه لا يمكن أن تحول دون تحقيق رغبته ولهذا يصرف عنايته الى "الإخوان المسلمون" والنجادة.
والشيخ أحمد يوسف حمود، ذلك الرجل المعروف بتقلّبه وخدماته للأجانب، يعمل الآن على تعزيز جمعية (الإخوان المسلمون) بصفته المرشد الأعظم لهم، وهو يبذل جهوداً قوية في سبيل زيادة عددهم. وقد تمكّن الشيخ أحمد يوسف حمود من إقناع أنطون سعاده عن إمكانه التعاون معهم والسير بالإخوان المسلمون بجانب الحزب القومي الاجتماعي. ولهذا يقوم باتصالاته هذه بصورة جدية بجانب أنطون سعاده وجماعته معلناً موافقته على التعاون معهم سياسياً.
إلا أن المؤكد لديّ أن الدكتور مصطفى بك الخالدي لا يزال بعيداً عن معرفة نوايا الشيخ أحمد حمود هذه واندفاعه للتعاون مع القوميين. أما النجادة فهم يحاولون استمالتها الى صفوفهم بواسطة سعد الدين باشا شاتيلا الذي هو متفاهم معهم كما علمت بواسطة الصيدلي أديب قدوره.
وهناك نشاط ثالث يبذل في هذا الصدد بجانب الحزب القومي الاجتماعي، في المحافل الماسونية التابعة للشرق الأكبر السوري اللبناني.
فقد علمت أن وفداً من هذا المحفل برئاسة حسين اللاز كان قد إتفق في 26 آذار الماضي مع الأمير عادل أرسلان، عندما كان في بيروت، على العمل تحت ادارته في سبيل تعزيز الحركة القومية في لبنان وإجبار السلطات الحاكمة على إجراء الإصلاحات التي يتطلّبها الشعب.
كما تم الإتفاق على ان يعقد مؤتمر من الماسون في دمشق لبحث الموقف.
إلا أن الانقلاب الذي حصل في دمشق أخّر متابعة العمل.
وقد علمت الآن انه تم الاتفاق على أن يذهب وفد ماسوني الى دمشق لبحث هذه القضية من جديد مع الأمير عادل للحصول على مساعدته التامة التي بات في إمكانه أن يقدّمها بصورة أوسع الآن بعد دخوله في الحكم.
أما علاقة الماسونية بالحركات التي سردتها آنفاً فهي:
أولاً: دخول أحمد يوسف حمود منذ أسبوعين في محفل الأنوار.
ثانياً: وجود قوميين إجتماعيين وضباط ومفوضي شرطة وجنود في هذه المحافل.
وسأدرس الموقف فيما بعد.
تقــرير بتـــاريخ 21/4/1949
ذيلاً لمذكرتي رقم واحد تاريخ 19/4/1949 علمت ما يلي:
قام جبران جريج المنفذ العام للحزب القومي مساء أول أمس بزيارة للعقيد حبيب غطاس، كما زار في اليوم نفسه الملازم حبيب بركات.
ولم أتمكن من معرفة ما دار في هاتين المقابلتين اللتين تأكدت من وقوعهما.
ويسعى المحامي عبدالله القبرصي للاتصال بالضابط قشوع والقيام بزيارة له.
وقد زار جبران جريج مع الدكتور معلوف وأديب قدورة، من أركان الحزب القومي، زاروا مساء أمس الدكتور مصطفى بك الخالدي المشرف على شؤون الإخوان المسلمون ومكثوا لديه مدّة غير قليلة.
تقــرير بتـــاريخ 27 نيسان 1949
عاد من دمشق أديب قدوره بعد أن مكث هناك يومين، كان خلالهما على إتصال بأركان الحزب القومي الإجتماعي في سوريا، للمباحثة في الموقف الحاضر. وقد علمت أن الغاية الرئيسية من هذه الرحلة، هي تمهيد السبيل لأنطون سعاده في زيارة دمشق واستقباله من قبل حسني الزعيم. ولمّا يعيَّن بعد موعد هذه الزيارة التي سيقوم بها أنطون سعاده للحكومة السورية الجديدة.
ومساء أمس عقد إجتماع في مكتب زعيم الحزب القومي حيث بسط فيه عبدالله القبرصي موقف الحزب في سوريا وما أخذه من معلومات عن الإنقلاب من أركان الحزب في دمشق.
تقــرير بتــاريخ 30 نيسان 1949
الحزب القومي الإجتماعي ممنون من سياسة حسني الزعيم في مطاردة الشيوعيين. وقد علمت أنه في الإجتماع الذي عقد نهار أمس برئاسة أنطون سعاده تقرّر إرسال مذكّرة الى حسني بك تتضمّن معلومات الحزب عن النشاط الشيوعي في سوريا وعن الطرق التي يراها ضرورية لمكافحة الحزب الشيوعي مكافحة عملية في مختلف البلاد السورية.
تقــرير بتــاريخ 3 حزيران 1949
لم يتوقف نشاط الحزب القومي الإجتماعي في اتجاه الجيش ومحاولة إستمالة أركانه. وقد إجتمعت مساء أمس بالمحامي عبدالله القبرصي بحضور بعض عمدة الحزب، فجاء السيد جبران جريج المنفذ العام للحزب وأبلغهم بحضوري ما يلي قال:
"إستدعى الزعيم العام الأمير فؤاد شهاب، قبل ظهر اليوم – أي أمس الاثنين – الضباط اليه وأعلنهم أن أخباراً وردت اليه، أي الى الأمير فؤاد، تشير الى أن بعض الضباط يقومون بنشاط سياسي الأمر الذي يخالف النظام والقوانين العسكرية. وأنه إستدعاهم هذه المرّة لإبلاغهم وجوب عدم التدخّل في الشؤون السياسية بصورة شخصية وخاصة، وأنه إعتزم في حالة تكرّر ذلك أن يستعمل معهم منتهى الشدة إذا ما خالفوا هذا الأمر، وأنه على إستعداد لأن يطرد من الخدمة العسكرية كل ضابط وصف ضابط وجندي يتدخّل في السياسة ومعاقبته بصرامة تامة".
هذا ما نقله السيد جبران جريج الى أركان الحزب القومي، وقد أضاف اليه أن الجنرال شهاب إستعمل كلمة الطرد في تهديده للضباط دون أن يعترض أحد منهم على كلماته الجارحة هذه مع أنه قال (بأنه سيطرد كل من يتدخّل في السياسة مهما سمت رتبته العسكرية).
إلا أن هذه التدابير التي إتخذها الزعيم شهاب لم تؤخّر الحزب القومي عن متابعة سياسته في اتجاه الجيش. وقد علمت أن الحزب يضم عدداً لا يقل عن المئة شخص من رجال الجنديّة بينهم بعض الضباط.
تقـــرير بتـــاريخ 5 أيار 1949
يقوم السيد نعمة قسطنطين ثابت في الأيام الأخيرة بنشاط لإعادة نشاط حزب (الاستقلال الجمهوري) الذي ألّفه في العام الماضي، وهو يسعى لتنميته بضم عناصر جديدة اليه من الشباب المثقّف. وقد علمت أن إجتماعاً عقده أركان هذا الحزب مساء 3 الجاري درسوا فيه الوسائل الفعّالة التي يمكن بذلها في سبيل تنمية الحزب وجعله قوياً. إلا انهم لم يتخذوا قراراً حاسماً في الموضوع.
*
بين تشرين الثاني 1948 وأيلول 1949، تلقّى الأمير فريد شهاب مجموعة من التقارير كتبها شخص أطلقنا عليه لقب "الصحافي المخبر" لأنه: كان صحافياً على مستوى رفيع مكّنه من مقابلة حسني الزعيم، ومخبراً يكتب يومياً تقارير عدّة للمدير العام للأمن العام في لبنان. وهنا متابعة لبعض التقارير المتعلقة بمؤامرة إعدام الزعيم.
تقــرير بتـــاريخ 7 حزيران 1949
في معرض حديث "الصحافي المخبر" عن زيارته الى حسني الزعيم في دمشق، قال أن النقمة عليه باتت قوية في سوريا لاعتبارات عدّة... منها:
ج - في محيط القوميين، فقد إكتشف (حسني) الزعيم وجود كتلة بين الجيش منتسبة الى الحزب القومي أوقف 21 جندياً من أفرادها وجد في حيازة بعضهم نسخاً عن أوامر عسكرية سرية كانوا يريدون إرسالها الى أنطون سعاده.
وتحقيقاتي أكّدت لي وجود لا أقل من ألفي جندي منتسبين الى الحزب القومي في الجيش السوري.
تقــــرير بتــاريخ 17 حزيران 1949
علمت من إتصالاتي في المفوضية الروسية أن هذه المفوضية قد عهدت الى خان ليكوف، كالودومينا نيقولين في درس الأمور التالية:
أولاً: الأسباب التي دفعت الحكومة اللبنانية لمطاردة أركان الحزب القومي السوري، وعما إذا كان للأميركان علاقة بذلك. ثم مدى المعاضدة التي يلقاها هذا الحزب من حكومة حسني الزعيم ومدى تدخّل القوى المسلّحة اللبنانية في عضوية هذا الحزب.
تقـــرير بتـــاريخ 18 حزيران 1949
تحاول الصحف القول إن أنطون سعاده موجود في دمشق. وقد جاء صباح اليوم أحد معارفي الذي كان في دمشق، فأكّد لي أنه إجتمع أمس بأنطون سلامة من موظفي وزارة الدفاع السورية والعضو العامل في الحزب المذكور فأكّد له أن سعاده لم يحضر الى دمشق وأنه لا يزال موجوداً في لبنان. ويعتقد أنه لا يزال يختبئ بين بيت مري وضهور الشوير، وأنه حضر فعلاً الى دمشق بعض القوميين بينهم عبدالله القبرصي.
تقـــرير بتـــاريخ 22 حزيران 1949
في ضهور الشوير سيارة (بوسطة) عمومية يقودها شاب من آل بركات في ضهور الشوير، توجهت في الساعة الرابعة من قبل شروق شمس الأحد في 19 الشهر مقلّة عدد من الشباب القومي الإجتماعي. ويقول محدثي السوري إن من يريدون السفر الى دمشق هم من القوميين جميعهم لأنهم يريدون الإلتجاء الى دمشق خوفاً من أن تعمد السلطات اللبنانية الى توقيفهم.
تقــرير بتـــاريخ 24 حزيران 1949
علمت ما يلي:
أولاً: في المحيط الإسلامي دعايات واسعة جداً ضد الكتائب، وهذه الدعاية تقول: "إن الكتائبيين يوجهون الى القوميين تهم التعاون مع اليهود مع انه ليس بينهم يهودياً واحداً، في الوقت الذي تضم الكتائب لا أقل من 500 يهودي جلهم من شباب الميكابي وهو النوع الذي تعتمد عليه الصهيونية في نضالها".
ثانياً: ان الشيخ بيار الجميل زار أول أمس وفد الاتحاد العربي في فندق السان جورج، وهناك إصطدم مع محمد رستم طبارة في حديث حول تعاون القوميين مع اليهود محاولاً أن يسند الى الكتائبيين التعاون مع اليهود.
ثالثاً: ان التكذيب الذي نشرته جريدة "الحياة" عن موقف (منفذ الحزب القومي في عكا) أستقبل في المحيط الإسلامي بسرور، وزاد في إعتقادهم بأن قضية التعاون بين اليهود والقوميين مؤامرة مدبّرة لا أساس لها من الحقيقة.
تقــرير بتــاريخ 30 حزيران 1949
عاد أمس الى دمشق جورج يوسف الأعرج المستخدم في صيدلية الهيل قرب البرلمان السوري بعد ان مكث في بيروت 24 ساعة. وقد علمت منه أن القوميين السوريين يلقون في سوريا كل عناية وإكرام من الحكومة السورية وانه شاهد بنفسه في دمشق بعض القوميين اللبنانيين، عرف منهم جورج عبد المسيح والدكتور معلوف وعبدالله القبرصي.
تقــرير بتــاريخ أول تموز 1949
علمت من الخوري فرنسيس أن غبطة البطريرك الماروني سيوفد وفداً من بعض أصحاب السيادة المطارنة ليرفعوا الى حسني الزعيم تهاني البطريرك الماروني بتسنمه رئاسة الجمهورية السورية وأن البطريرك أرسل اليه برقية يهنؤه بها في فوزه بالرئاسة.
وفي المحيط الإسلامي وخاصة بين العامة دهشة شديدة من الموقف الذي تقفه الهيئات اللبنانية المتطرفة من تقربها من حسني الزعيم.
تقــرير بتـــاريخ 6 تموز 1949
علمت ما يلي:
أولاً: لم يسبق لي أن شهدت نشاطاً خلال الـ24 ساعة الأخيرة من أركان المفوضية الروسية، كما شهدته الآن. إذ علمت من السيد ايفانوف ان المفوضية جنّدت كافة رجالها لمعرفة حقيقة حوادث القوميين والدافع الى قيامهم بالأعمال المسلحة ضد الحكومة. وأركان المفوضية الروسية يعتقدون، كما قال لي ايفانوف، بوجود يد أجنبية تحرك القوميين وتمدّهم بالسلاح وهم يرغبون في معرفتها.
تقــرير بتــاريخ 9 تموز 1949
الأحاديث عن أنطون سعاده هي:
أولاً: ان أكثرية الرأي العام مجمع على تخطئة الحكومة لتوقيفها ومحاكمتها وإعدامها أنطون سعاده بساعات معدودة، وهم يقولون، وبصورة علنية، أنهم لم يشهدوا أو يسمعوا حتى في البلاد الطاغية أنه اعتقل زعيم سياسي ولو كان متآمر ضد الدولة، وحوكم وأعدم كما حصل لأنطون سعاده.
ثانياً: أنهم بدأوا يقولون – إن جمال باشا في أبان طغيانه، لم يسبق له أن فعل مثل هذا، وأخذوا يعدّدون أعمال جمال باشا ويستخلصون منها أنها أكثر عدلاً من موقف الحكومة.
ثالثاً: قالوا إن الحكومة السورية إعتقلت سلمان المرشد وحاكمته علناً وأمام الصحفيين ولم تعدمه كما فعلت الحكومة اللبنانية.
رابعاً : ان الروس أنفسهم لما اكتشفوا المؤامرات ضدهم لم يعمدوا الى مثل هذه التدابير.
ويحاول الجمهور أن يستخلص من هذه الأمور:
أولاً: ان الحكومة كانت خائفة من أنطون سعاده أن يفضح علاقات بعض أفرادها مع الأجانب وخاصة مع اليهود، كما جاء في تصريحاته.
ثانياً: ان إندفاع الحكومة الى إعدامه بمثل هذه السرعة يدل على ضعف الحكومة وخوفها من أن يعمد أنصاره الى إطلاقه.
والخلاصة ان محاكمة أنطون سعاده بمثل هذه السرعة أحدثت تأثيراً سيئاً في جميع أنحاء البلاد، حتى بين المعارضين لأنطون سعاده.
تقــرير بتــاريخ 19 تموز 1949
إستقبل الرأي العام اللبناني قرار الحكم على القوميين بوجوم تام، لأنه يرى أن البلاد على قلة عدد سكانها، لا يمكنها أن تتحمل مثل هذه الأحكام الشديدة التي وصفتها الأكثرية بأنها قاسية لم يعمد اليها الفرنسيون، حتى في حوادث الثورات التي نظمت ضدهم.
واستبدال أحكام الإعدام على المحكومين من شأنه كما لاحظت من تتبعاتي لحديث الناس، أن يخفف من تأثير هذه الأحكام ويحوّل الإستياء الذي بدأ الناس يشعرون به من المحكمة العسكرية، الى شعور إحترام وتقدير لفخامة رئيس الجمهورية.
وحادث دار الكتائب ومداهمتها ومصادرة بعض الأسلحة منها، جعلت الرأي العام الإسلامي يقف موقف المنتظر أو المتحدّي للحكومة، فهو لا يعتقد بأن الحكومة ستقف موقفاً مشدداً من الكتائبيين، ولهذا يقول "إذا كانت الحكومة جادة كما تقول، عليها أن تتابع عملها مع الكتائب كما فعلت بغيرها"، وإذا لم تفعل فأن إستياء الرأي العام، وخاصة الإسلامي منها سيكون كبيراً للغاية.
*
بين تشرين الثاني 1948 وأيلول 1949، تلقّى الأمير فريد شهاب مجموعة من التقارير كتبها شخص أطلقنا عليه لقب "الصحافي المخبر" لأنه: كان صحافياً على مستوى رفيع مكّنه من مقابلة حسني الزعيم، ومخبراً يكتب يومياً تقارير عدّة للمدير العام للأمن العام في لبنان. كما أوردنا تقارير أخرى وملاحظات دونها الأمير فريد شهاب بخطه.
تقرير غير مؤرّخ، لكن يعتقد أنه بتاريخ آخر أيار 1949
من مصدر موثوق به، ان تقريراً رفع الى زعيم الحزب القومي رئيس دائرة الاستخبارات من العضو القومي في هذه الدائرة عبده نادر، مهنته خياط. هذا ما جاء فيه، أنه بتاريخ 15/5/49 مساءً، حضر الى بيت نعمه ثابت في الغبيره كل من ريمون إده، كميل شمعون، المفوّض الكونت دي شيلا، هنري فرعون، جورج ثابت، كولونيل بركات وغيرهم، حيث عقد إجتماع دام للساعة 21 ليلاً. وكانت سيارات ذات الرقم 38 هـ س و144 هـ س و5500 خصوصية بإنتظار بعض المجتمعين.
أنه قد حضر قبل الإجتماع بنهار في 14/5/49 راهبين مونسينيار الأرجح أنهم من قبل المطران مبارك أو لتمهيد الإجتماع الذي حصل وتناولوا الغداء على مائدة نعمه ثابت.
يشيعوا بعض القوميين المسؤولين في الحزب ان الكولونيل كلاس معاون حسني الزعيم هو مدبر الإنقلاب، وأن الكولونيل كلاس عضو في الحزب القومي وقاسم اليمين. وقد ذهب أنطون سعاده رئيس الحزب القومي الى سوريا قبل الإنقلاب متخفياً دون أن يعلم به أحد، وهذا لم أحد يعلمه. وان الزعيم يدرس الآن خطته منفرداً حتى أنه لا ينام قبل الساعة الرابعة أو أكثر بعد منتصف ليل كل يوم، ويتناول في دراسته جميع نواحي مشروعه، إنما يبدأ أولاً في لبنان وهذا ما نشاهده قريباً في مدة لا تتجاوز السنة، وان الزعيم عندما يبدأ بشيء يظهر في حينه مفاجأة.
في 13/5/49 حضر الى بيت أنطون سعاده ليلاً راهب بثوبه، ومعه شخصين، حيث إجتمعوا به مدة ساعتين تناولوا بحديثهم السياسة اللبنانية ونشاط الحكومة والأحزاب، ونشاط الحزب القومي وقوته. وهذا الخوري كان يدخل بطريقة سرية، هذا ما علمته من رئيس الحرس عند الزعيم.
مجموعة ملاحظات بخط الأمير فريد شهاب، تعود الى شهر حزيران 1949:
- الساعة السابعة مساء الحادث طلع من بيت الزعيم سلاح ملفوفين بشراشف 3 أحمال كل حمل فيه 4 أو 5 بواريد على سيارة جيب.
- Laur هو الذي يمشي أنيس الصغير، واليوم كان فكر أنيس يدخل للمصالحة بين الكتائب والقوميين.
- كان من المنتظر أن يقوم سعاده بحركة حوالي نصف شهر حزيران. منتظر أن تتشكّل عصابات في الشوف وضهور الشوير وساحل المتن (ضواحي أنطلياس) وفي بعلبك وقب إلياس وعكار وبينو بوقت واحد للإخلال بالأمن ويخشى من حصول تعدّي على شخصية رئيس الجمهورية. المعروف عند الأفرنسيين ان الحزب القومي يتغذى من الإنكليز.
- رسول من بيار الجميل قابل السكرتير (موضع يوفيله) أدخله أنطوان رزق وهو محامي سعاده. وهو جاء لغير قضية، وأبلغ أن بيار مستاء ولم يكن يود أن يحصل خلاف ما بين اللبنانيين، ويرمي المسؤولية على الحكومة.
- 11/6/49 وصل الى بيت أنطون سعاده بالألبسة الأهلية نائبان في الجيش السوري من صيدنايا بطرس شحادة وخليل النبك من أعضاء الحزب حضرا من قبل القومندان توفيق بشور وعرضا على مدام سعاده من قبل المقدم كل أسفه على ما حصل وانه على إستعداد لكل خدمة، وإختليا معها مقدار نصف ساعة، ووعداها أنه كل يومين أو ثلاثة "بيجي ناس يسألوا خاطرك".
- 350 الى 400 بالجيش السوري من أعضاء الحزب أكثرهم من اللاذقية ومن الأرثوذكس.
- ينتظر أن تستثمر حكومة سوريا أنطون سعاده بعد الإنتخابات للضغط على حكومة لبنان لإبعاد رياض بك نظراً لأن حكومة الزعيم ترى صعوبة كبيرة بالإتفاق مع حكومة لبنان بوجود رياض بك للظن أنه يماشي حكومة نوري السعيد وجميل مردم وأعوانه. وقد أوعز لأفراد هذا الحزب الذين كانوا مصممين على الدفاع عن مبادئ حزبهم بطلب من الكولونيل بهيج الكلاس للتربّص بالوقت الحاضر وعدم القيام بأي عمل عدائي تجاه حكومة لبنان. ومن المؤكد ان عبدالهادي المعصراني وأكرم الحوراني وعدد كبير من المشاغبين هم من أنصار أنطون سعاده وعلى إستعداد لمعاضدته.
- زوجة الزعيم سعاده ذهبت يوم الاثنين الى ضهور الشوير ولم تزل، وأودعت جميع أثاثها في الطابق الأعلى، وهي تظهر عدم المبالاة وتتوعد كثيراً وتقول: "إنتظروا قليلاً ترون ما يسرّكم".
- عائلة النجار منتظرة خروج فؤاد النجار دليل فشل الحكومة، والسخط كله على رياض الصلح.
- سيذيع سعاده بيان (دمشق) ان المر والحكومة هي التي أعطته الدراهم، 50 ألف من المر.
- ليل 29/ 30 زار فرحان الشبيلات أنطون سعاده في مخبأه.
تقــرير بتــاريخ 27 حزيران 1949
- على أثر الإعتقالات التي قامت بها دوائر الأمن على أعضاء الحزب القومي الإجتماعي، شُلّت حركة رؤساء الحزب فمنهم من أدخل السجن ومنهم من فرّ.
ولذلك فقد إستعان الحزب في بيروت برؤساء المناطق في الجبال للتعاون مع بعضهم البعض.
قُرّر صرف مبلغ عشرة آلاف ليرة لبنانية لصرفها على الحالة التي وصل اليها الحزب، ولذلك يقوم القوميين بجمع المال من أعضاء الحزب بصورة متكتمة جداً.
- من المتوقّع أن يصدر في بحر هذا الأسبوع أو في الأسبوع القادم نداء موجّه من الأستاذ أنطون سعاده الى كل من الضباط وصف الضباط والأفراد القوميين في الجيش اللبناني، والى بقيّة ضباط وصف الضباط وأفراد الجيش، موضحاً أساليب الحكومة ضد الحزب كما يزعم.
ومن الراجح أن تطبع هذه المناشير في طرابلس.
تقــرير بتـــاريخ 20 تموز 1949 من الصحافي المخبر
علمت أن إجتماعاً عقد ظهر أمس في دار الأستاذ إميل إده حضره كل من من شفيق الحلبي، عبده عويدات، كسروان الخازن، جورج عقل، جورج مراد، راجي السعد، الدكتور مخيبر، الدكتور سعادة، جرى البحث فيه في مواقف الكتائب وضرورة التعاون معها في الدفاع عن الموقوفين وحمل الصحف الموالية لهم على تأييد السياسة الكتائبية.
وفي اليوم نفسه، جاء في تقرير آخر:
يؤكّدون في المحيط البيروتي الموالي الى القوميين ان زعماء هذا الحزب في لبنان وسوريا قد بايعوا جورج عبد المسيح بزعامة الحزب بدلاً من أنطون سعاده، وأن القوميين في سوريا وافريقيا أيدوا هذا القرار.
تقــرير بتــاريخ 18 آب 1949 من الصحافي المخبر
أحدث الإنقلاب السوري الجديد تأثيراً حسناً في محيط القوميين السوريين، حتى أن الطليقين منهم، والذين كانوا يخشون ذكر إنتسابهم الى الحزب القومي، باتوا يتنفسون الصعداء، ويرون في هذا الإنقلاب فوزاً لسياستهم وانتصاراً الى زعيمهم المقتول...
حتى ان القوميين ذهبوا الى أبعد من ذلك، إذ يحاولون أن يؤكدوا ان الإنقلاب وقع من قبل القوميين إنتقاماً من حسني الزعيم لغدره برئيسهم، وهذا ما جعل القوميين يتحركون الآن بهدوء.
هوامش:
(1) كانت العبارة "المحامي عبدالله القبرصي"، لكنها شطبت ووضع بدلاً منها اسم "أديب قدوره". وقد ظل اسم القبرصي كما هو في تتمة التقرير.
|