إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

عيتنيت في الحزب السوري القومي الاجتماعي- بقلم الرفيق انطون يوسف سلوان – عيتنيت

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2014-01-28

إقرأ ايضاً


سرّني ان تعرفت في اجتماع حزبي في مكتب مديرية مشغرة على الرفيق انطون سلوان. لفتني مستوى وعيه والتزامه الحزبيين.

كنت قبل ذلك قرأت في نشرة لمنفذية بيروت عام 1954 عن مأدبة اقامها الرفيقان يوسف وجان سلوان في عيتنيت للامين اميل رفول بعد خروجه من الاسر مع عشرة من رفقائه.

سألته عنهما.- هما والدي وعمي. وكانت بداية لعمل جيد قام به الرفيق انطون، مجسداً ذلك بتقريره عن تاريخ العمل الحزبي في بلدة عيتنيت.

امر اخر لا بد ان اذكره بفرح وهو اني اعرف رفيقاً مناضلاً في عيتنيت منذ ستينات القرن الماضي، وكان دائم العمل الحزبي متولياً للمسؤوليات، فلا نقول عيتنيت إلا ونقول معها الرفيق جميل الراسي.

وعرفت ان الرفيق انطون سلوان متأهل من ابنة الرفيق جميل، فزاد ذلك من فرحي بالعائلتين اللتين التحمتا في الحزب، وفي المصاهرة.

ل.ن

**

عيتنيت قرية صغيرة من قرى البقاع الغربي السوري اتخذت من جبل نيحا ملجأ لها فاحتضنتها، ومن جبل حرمون رمزاً فتمركزت مقابله.

وهذه القرية الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بمقدراتها، العريقة بتاريخها، سميت "عيتنيت" نسبة الى آلهة الخصوبة والجمال السورية "تانيت" التي كان لها في هذه القرية عين ماء لا بل عيون ماء كثيرة.

وما بين تانيت التاريخ وحرمون الجغرافيا كانت عيتنيت قرية دخلها الفكر السوري القومي الاجتماعي فاعتنقت العقيدة القومية الاجتماعية وآمنت بها فكان من ابنائها الكثير من القوميين الاجتماعيين الذين رأوا في العقيدة القومية الاجتماعية سفينة خلاص للامة السورية من الويلات التي كانت تتخبط بها بدءاً من الطائفية، وصولاً الى الكيانية، إنتهاءً بالعدو اليهودي المحتل لجنوبنا السوري، فلسطين.

عندما اسس الزعيم انطون سعاده الحزب، أصرّ ان يكون سريّاً الى ان يشتد عوده وتسري العقيدة القومية في شرايين أعضائه سريان الدم فيها. لذلك كانت نشاطات الحزب واجتماعاته، كما تحركات زعيمه ومسؤوليه، على درجة عالية من السرية. لذلك، وبعد انكشاف امر الحزب من قبل السلطات الفرنسية وإعتقال ومحاكمة زعيمه ومسؤوليه، بات يحكى عن زيارة سريّة للزعيم الى قرى البقاع الغربي وتحديداً الى جوار بلدة عيتنيت حيث أشعل اولى شرارات النهضة القومية الاجتماعية في "عين عيتنيت" وجوارها وذلك سنة 1933(1).

خلال الفترة التي قضاها الزعيم في المغترب القسري، كانت القومية الاجتماعية تنتقل من نفس الى نفس ومن روح الى روح موحدة القلوب والارواح. وكان القوميون الاجتماعيون في عيتنيت ينتظرون عودة زعيمهم بفارغ الصبر، خاصة عندما بدأوا يشعرون بأن هناك من يسعى الى تفريغ القومية الاجتماعية التي أسسها سعاده من مضمونها وجعل الحزب السوري القومي الاجتماعي حزباً لبنانياً كأي حزب آخر، وليس حزب الامة الطامح الى توحيدها وإعادة السيادة والحياة الكريمة العزيزة إليها. وكانت مشاعر القوميين الاجتماعيين تتجلى في شعر صغير بسيط متواضع لطالما رددوه خلف أحد الرفقاء، الياس تقلا، حين قالوا:

يا زوبعة الله معك عالموت نحنا منتبعك

بكرا متى عاد الزعيم فوق السرايا منرفعك

ولكن النشاط الحزبي للقوميين الاجتماعيين في عيتنيت خرج الى العلن وبقوة قبيل عودة سعاده الى الوطن في 2 اذار 1947. عندها، كان في عيتنيت مديرية فيها عدد غير قليل من القوميين الاجتماعيين، وكان اول مدير لها الرفيق البير القيم(2) وكان ابرز الرفقاء: الياس تقلا، لطف الله نخل وجوزيف قُطُش. وتجمهروا في مطار بيروت، كما القوميون الاجتماعيون من كل انحاء سورية، لإستقبال زعيمهم العائد، ورافقوه الى منزل مأمون ايّاس حيث سمعوا منه ما أثلج صدورهم وبدد مخاوفهم وأشعرهم بأن الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ينتمون إليه ما زال وسيبقى حزباً "سورياً" قومياً اجتماعياً ولن يكون يوماً حزباً "لبنانياً "

قومياً اجتماعياً، وان عقيدته التي امنوا بها ستبقى كما ارادها الزعيم المؤسس، لأنها هي نفسها الشرط الاساس لانتصارها وانتصار قضيتها، واطمأنت قلوبهم بأن فلسطين، "الجناح السوري الجريح" سوف تبقى " شأناً لبنانياً في الصميم، كما هي شأن شامي في الصميم كما هي شأن فلسطيني في الصميم " وبأن قضيتها سوف تبقى قضية الامة كلّها.

عاد القوميون الاجتماعيون الى قريتهم عيتنيت وهم اكثر ايماناً بما امنوا، واكثر صلابة وعزيمة وصبراً وثباتاً، فانصرفوا الى عملهم الحزبي بقوة يستمدونها من صحة عقيدتهم، وشدّة ايمانهم، وصلابة ارادتهم، ومضاء عزيمتهم. كبرت مديرية عيتنيت وازداد عدد اعضائها وقاربت الثلاثين، ومن حولهم العشرات من المؤيدين والمقربين والاصدقاء والمواطنين. وكان من بين الرفقاء جوزيف حبوش، فكتور فرح، انطون فرح، سليم فرح، حليم نجم، فيليب نجم، حليم نهرا، فندي خالد، جوزيف نهرا، نجيب عبّود، جان سلوان، وجيه رحال، يوسف سلوان ومن ثم لاحقاً الرفقاء جميل الراسي، سمير ابو نعمة، وجرجس وجوزيف رزق(3) ، واخرون ممن امنوا بفكر سعاده وعقيدة حزبه.

ويروي القوميون الاجتماعيون عن الرفيق فندي خالد الذي كان يعمل مساعداً لسائق باص بيروت، كيف انه فوجئ في احد الايام بالزعيم انطون سعاده يدخل الباص متجهاً الى مركز الحزب. وبعد ان أدى له الرفيق فندي التحية الحزبية، حاول جاهداً أن لا يدع الزعيم يدفع اجرة الباص، لكن الزعيم رفض رفضاً قاطعاً، ولأن الباص كان مزدحماً، حاول الرفيق فندي أن يؤمّن للزعيم مقعداً يجلس عليه، لكنً الزعيم أصرّ على الوقوف وعدم الجلوس الى ان وصل الى المكان الذي كان يقصده. أُذهل الرفيق فندي من تواضع الزعيم ومن وداعته ورقّته، وأُذهل كل من اخبر عما أختبره بنفسه من الصفات الزعيم، زعيم حزب الامة السورية كلّها.

جمعت القومية الاجتماعية، بوحدة الروح التي ولدّتها، القوميين الاجتماعيين في كافة انحاء الامة السورية. وبالاضافة الى هذا الرابط الروحي، جمعت ما بين القوميين الاجتماعيين في بلدة عيتنيت والقوميين الاجتماعيين في بلدة مشغرة، مثل عبد الله محسن، إميل رفول، زكي وشفيق ناصيف، ومحمود غزالة(4) وغيرهم روابط صداقة قوية. فكان عدد من قوميي مشغرة يسيرون الى عيتنيت في كل مساء من امسيات فصل الصيف. وبعد قضاء ساعات في عيتنيت، كان قوميّو عيتنيت يرافقونهم الى مشغرة، سيراً على الاقدام ايضاً. يرافقهم الرفيق رفيق خوري الذي، رغم كونه من بلدة صغبين، كان يقضي معظم وقته في قرية أمه عيتنيت. ويحكى انه في احدى الامسيات، قدّم أحدهم للرفيق الياس تقلا (ابو زهير) الذي لم يكن ميسوراً مادياً، انما كان غنياً جداً، روحياً وعقائدياً، إجاصة فوضعها في جيبه ولم يأكلها، مما أوحى للرفيق زكي ناصيف ان يقول له:

يا انجاصة المكبتلي

أبو زهير فيكي مبتلي

أكل مش رح ياكلك

وبجيبتو رح تهتري

كانوا يزرعون الدروب فرحاً ومحبّة وقوة وعنفوان وكم من قصيدة استوحاها الرفيقان إميل رفوّل وزكي ناصيف خلال تلك الامسيات على طريق ما بين مشغرة وعيتنيت، والتي تحولت لاحقاً الى اغنيات جميلة غناها زكي فأطربت الكثيرين دون ان يعرفوا متى وكيف ولدت.

في تموز من العام 1949، كان القوميون على موعد مع أقسى تجربة يمكن أن يمرّ بها حزب. فبعد إعتقالات ومحاكمات عديدة لمؤسس وزعيم الحزب من قبل الاحتلال الفرنسي، ومن ثم الاغتراب القسري للزعيم عن الوطن، ومذكرة التوقيف الصادرة بحقه بعد عودته عام 1947، نسجت خيوط مؤامرة جديدة عناصرها بشكل خاص رئيس الحكومة آنذاك رياض الصلح، ورئيس الجمهورية الشاميّة حسني الزعيم.

واتفق على ان تكون إحدى أدوات المؤامرة حزب الكتائب اللبنانية، وتم تنفيذ المؤامرة بالهجوم الذي قام به العشرات من اعضاء هذا الحزب.

كان هجومهم على مطبعة الجميّزة بينما كان الزعيم فيها. وقد روى الرفيق جان سلوان، الذي كان موجوداً في المطبعة عند الهجوم، كيف ان الكتائبيين تجمّعوا في مقهى مقابل لمطبعة الجيل الجديد(5) قبل ان يقوموا بهجومهم المسلح عليها بعد ان كان سعاده خرج من المطبعة، وكيف ان القوميين الاجتماعيين واجهوهم بقوة رغم قلة عددهم.

بعد استشهاد الزعيم، أصاب القوميين الاجتماعيين حزن كبير لاستشهاد زعيمهم وشعروا بأن من قال "بأن الحياة وقفة عز فقط" قدّم حياته خلال وقفة العز تلك، وشعروا بمسؤولية كبيرة ليحققوا النصر الذي آمن سعاده بأنه سيكون الرد الافضل للانتقام لموته. وكانت أجهزة الدولة اللبنانية الامنية تلاحق القوميين بشكل عام، بمن فيهم رفقاء مديرية عيتنيت. وكان بعض المخبرين من بلدة عيتنيت يعطون اسماء القوميين الاجتماعيين للدرك اللبناني الذي كان يطلبهم للتحقيق في مخفر مشغرة. وقام أحد ابناء البلدة الذي كان يعمل في صحيفة محليّة بنشر خبر مفاده بأن القوميين في بلدة عيتنيت قد أرخوا ذقونهم حداداً على زعيمهم، فقام الدرك اللبناني باستدعاء كل من أرخى ذقنه، ومن بينهم الرفيق فكتور فرح الذي سأله الضابط، "هل أرخيت ذقنك حزناً على انطون سعاده؟" فأجابه الرفيق فكتور، "ان حزني كبير على الزعيم سعاده، إنما ليس هو السبب الذي جعلني أرخي ذقني".

وخلال محاكمات القوميين إثر الثورة الانقلابية، برز محام شاب من بلدة عيتنيت هو إميل نجم، الذي كان مقرباً جداً من الحزب ومن الزعيم أنطون سعاده، وقد قام بالدفاع عن القوميين في مواجهة التهم والإدعاءات غير الصحيحة التي سيقت ضدهم، فأظهر اندفاعاً واحترافاً كبيرين في إظهار الحق وإبعاد الظلم عن كثير من القوميين الاجتماعيين.

وبقيت تقارير المخبرين تلاحق قوميي بلدة عيتنيت أينما ذهبوا لتمنعهم من الحصول على وظيفة أو عمل، ولكن هذا لم يضعفهم أو يخفف من عزيمتهم ولم يبدل من قناعاتهم شيئاً. لكن كثيرين اضطروا للسفر الى خارج الوطن حيث تابعوا عملهم بإيمان كبير وعزيمة صادقة مرددين، "سواءً أَفهمونا ام اساؤوا فهمنا، فإننا نعمل للحياة ولن نتخلى عنها"، "إننا فخورون بجراحنا لأنها جراح أعزاء لا جراح أذلاء".

*

اورد الرفيق المناضل مارون حنينة في تقريره عن تاريخ مديرية التضامن (الجميزة – بيروت) ان الرفيق الصحافي اميل هلال، من عيتنيت، كان انتمى فيها عام 1949 عندما كان طالباً ثانوياً، على يد مديرها آنذاك الرفيق الياس تقلا .

هوامش:

(1) ليس في ادبيات الحزب المتوفرة ما يشير الى هذه الواقعة. نأمل ممن يعرف اي شيء عن زيارة

سعاده الى عيتنيت عام 1933 ان يكتب لنا .

(2) غادر الى كليفلند، وتولى فيها مسؤوليات محلية، وبقي ملتزماً بالحزب حتى وفاته.

(3) غادر الى كليفلند، ومازال مقيماً فيها.

(4) الامناء لاحقاً عبدالله محسن، اميل رفول، شفيق ناصيف ومحمود غزالة.

(5) هي مطابع الرفيق ميشال فضول الاشقر حيث كانت تطبع جريدة "الجيل الجديد".

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024