إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مدرسة الانانية ومحبة الذات 2/2

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1947-12-01

إقرأ ايضاً


المرتكز الثالث

تكون نقطة الارتكاز الثالثة في مذهب الشخصية الفردية: ولاء الفرد لنفسه فقط – لشخصيته وحدها!

لننظر الآن في ما يقوله بردياف في هذا الصدد: "الشخصية (الفردية) هي الحرية والاستقلال عن الطبيعة أو المجتمع أو الدولة" (ص35) "الشخصية (الفردية) ليست مظهراً في جملة مظاهر. الشخصية هي غاية في نفسها، لا واسطة لغاية، فهي توجد من ضمن نفسها" (ص34) "كل شخصية (فردية) لها عالمها الخاص" (ص 40).

ومعه أن مذهب بردياف يقول بأن الشخصية الفردية هي من الله رأساً، فهو ينكر أنها مخلوقة من الله. انها تخلق ذاتها. "الشخصية (الفردية) تخلق نفسها وتوجد بمصيرها الخاص" (ص23).

في هذه النظرة الفردية المحدودة، الانسان هو الفرد فقط: "ان قضية الانسان أي قضية الشخصية (الفردية) هي سابقة لقضية المجتمع" (ص 26)، أي ان قضية الفرد فوق قضية المجتمع ومتقدمة عليها. "الانسان، الشخصية الانسانية (الفردية) هي القيمة العليا وليس المتحد. "ليس الواقع المجموعي الذي يخص العالم الوضعي كالمحتمع او الأمة أو الدولة أو المدينة أو الكنيسة. هذا هو مقياس القيم الشخصي (الفردي)" (ص 28).

ويقضي الولاء المطلق للأنانية، ليس فقط أن لا يكون الفرد جزءأً من المجتمع وأن تكون قضيته فوق قضية المجتمع، بل أن يكون المجتمع جزءاً من الشخصية الفردية وكذلك النظام الكوني كله!:

"الشخصية (الفردية) هي ذات (فاعلة) وليست وضعاً (مفعولاً) في جملة أوضاع، وان جذورها لفي خطة الوجود الداخلية، اي في العالم الروحي، عالم الحرية. أما المجتمع، من الجهة الاخرى، فوضع (مفعول). المجتمع، من وجهة نظر الوجودية، جزء من الشخصية (الفردية) فهو ناحيتها الاجتماعية كما أن الكون (كزمص) Cosmos هو جزء من الشخصية، فهو ناحيتها الكونية" (ص 26).

ولما كانت شخصية الفرد هي، "القيمة العليا والمرتكز الوجودي المطلق" وكانت غايتها "تحقيق نفسها"، كان المجتمع، بالنتيجة، تابعاً وواسطة لها. طالمجتمع والطبيعة يقدمان المواد لتكوين الشخصية". "يجب على الشخصية (الفردية) ان تبني نفسها، وتغني نفسها وتملاء نفسها بما في العالم وان تحقق الوحدة في الكلية على طول حياتها" (ص 23).

من أجل ان شخصية الفرد هي "القيمة العليا" ومن أجل ان المجتمع واسطة لها وجب احتقار المجتمع: "من بعض الوجوه، الكلب والهر هما، في الحقيقة، شخصيتان ووريثا حياة أبدية أكثر من الأمة والمجتمع والدولة او العالم كله"! (ص42).

واذا كان مبدأ الشخصية الفردية يعترف بوجود المجتمع فما ذلك الا من أجل إبراز الشخصية: "ان من خصائص الشخصية (الفردية) انه لا يمكنها كبت نفسها او كفاية، ان أحداً او شيئاً آخر ضروري لوجودها، شيئاً أعلى أو مساوياً أو أدنى؛ بلا هذا يستحيل الاحساس بالفرق (!!) ولكنني أعود الى تكرار ما قلته، ان علاقة الشخصية الواحدة بغيرها، لا تعني ابداً علاقة البعض بالكل، حتى حين تكون علاقة بالأعلى. فالشخصية (الفردية) تبقى تامة فلا تدخل في شيء، حتى في علاقتها مع الآخر الأعلى" (ص 30).

لا يمكن، بموجب هذه النظرة، أن يكون هنالك حق عام للمجتمع على الفرد. ان للفرد فقط حقاً خاصاً على المجتمع. الشخصية الفردية تقدر ان تلاحق المجتمع ولا يقدر المجتمع ملاحقة الشخصية الفردية!

المرتكز الرابع

المرتكز الرابع لمذهب الشخصية الفردية هو: الفوضى المطلقة.

يقول بردياف: "الشخصية (الفردية) هي كائن عاقل لكنها غير مقررة بالعقل ولا يمكن تعريفها بأنها سيادة العقل" (ص24): ثم هو يقول: "ليست الشخصية (الفردية) مجرد كائن مفكر، بل هي أيضاً كائن حر (أي منفلت من قيود الفكر – الفوضوي). الشخصية هي كلّ تفكيري (غير المقيد)، كلّ إرادتي (غير المقيدة)، كل شعوري (غير المقيد)، كل حركتي الخلاقة (أي كل الافعال التي أرغب في القيام بها بعالم التصور غير المهذب وغير المقسد بالنعقول والمقبول في المجتمع( (ص 25)، اذ الشخصية الفردية، في عرف بردياف "هي الشذوذ وليست القاعدة" (ص 23).

كل تعسف جائر ومستحسن في هذه الفوضى البديعة.

كل رغبة وكل شهوة وكل جماح هي من ضرورات "الحرية". ولا تحقيق للشخصية الفردية الا بهذه الفوضى. فالشخصية الفردية لا تقوم الا بالشذوذ والمخالفة وعدم التوافق مع العالم وبالتمرد والانفلات!

كل عقل وكل فكر يحد من "حرية" الشخص هو من "الوضع" الذي لا يليق بالشخصية الفردية.

المرتكز الخامس

لمرتكز الشخصية الفردية مرتكز خامس أخير لا آخر هو : فلسفة النعامة.

للنعامة فلسفتان: الأولى حين تزج رأسها في الرمل اذ يدركها الصياد. هذه فلسفة النعامة الشخصية الصغرى.

الثانية هي: قيل للنعامة، يا نعامة طيري! فقالت لست طائراً، إنما أنا جمل! فقيل يا نعامة احملي! فقالت لست جملاً، انما أنا طائر!

هذه الفلسفة الثانية هي فلسفة النعامة الشخصية الفردية الكبرى الباهرة!

يقول بردياف في مقدمة كتابه ان الشخصية الفردية هي "عدم التغير في تغير". ويقول أيضاً (ص 37): "لا يمكن للشخص أن يكون بكليته عذواً في العالم أو الدولة لأنه عضو في مملكة الله.. وهذا مرتبط بالواقع ان الانسان (الفرد) كائن ليس في عالم واحد، بل في عالمين"!

بما أن الفرد يخص عالمين لا عالماً واحداً وجب أن يختار، بحسب مرتكز ولائه لششخصيته، في أية مناسبة يحسن ان يكون ولاؤه، بعد نفسه ومن أجل نفسه فقط، لاحد العالمين دون الآخر. فمرة يكون ولاؤه لعالم الملكوت ومرة لعالم الأرض!

الطريقة الأخرى لتطبيق فلسفة النعامة الثانية هي أن يكون المرء بوجهين ولسانين!.

فلسفة عظيمة وسلوكية باهرة.

تمت.

النشرة الرسمية ديسمبر 1947

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024