إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المعركة السياسية التاريخية الأولى - الجزء الاول

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1936-01-23

إقرأ ايضاً


في الثالث والعشرين من شهر يناير سنة 1936 وقفت سورية لأول مرة بعد نحو عشرين قرناً تجاه الإرادات الخارجية وأمام العالم المتمدن منبثقة شخصيتها الصريحة وحقها الأصلي الأكيد في الحياة والسيادة والاستقلال.


إن تشنجات وحوادث كثيرة حدثت في سورية في القرون التي عقبت زوال السيادة السورية في العهد السلوقي أهمها حوادث العهد الأموي وحوادث العهد الأيوبي. ولكن جميع تلك التشنجات والحوادث كانت خالية من قضية قومية صريحة يصح أن تسمى قضية الأمة السورية وشخصيتها وحقوقها ومصالحها.


كانت هناك حوادث قضايا دينية وشخصية وقبائلية. وإذا كانت حقيقة الأمة السورية تطل في لمحات من تلك القضايا فلم يكن ذلك ظهوراً جلياً لشخصية الأمة وقضيتها القومية الصريحة. ولذلك فلم توجد قضية قومية حقيقية للأمة السورية مستقرة في وجدانها، حية في قلوب أبنائها ومتنقلة في أجيالها فظلت عناصر هذه الحقيقة الاجتماعية الكبرى يلوح بعضها في بعض الحوادث ثم يختفي، ثم يلوح بعضها الآخر في بعض الحوادث الأخرى ثم يختفي.


لم توجد قضية قومية صحيحة لسورية حتى كان نشؤ الحزب السوري القومي الاجتماعي ولم يدرك العالم أن لسورية قضية قومية اجتماعية حتى كانت محاكمة الحزب السوري القومي التاريخية في الثالث والعشرين من يناير سنة 1936، و بالحري محاكمة زعيم الحزب وأعضاء مجلس عمده وعدد من موظفيه في المحكمة الأجنبية المسماة "المحكمة المختلطة".


كان يوماً عظيماً بزغت شمسه على محيط التف فيه الشك على اليقين حتى إذا بلغت الشمس رابعة النهار واضمحل الشك وتأيد اليقين وزهق الباطل وفاز الحق فوزه المبين.


في هذا اليوم وقف شاب اسمه أنطون سعاده ليقارع قوات عظيمة ويقاتل وحيداً الظلم والظالمين وليلقي على أتباعه دروساً في الإقدام والبطولة الخالدة ولينزع الخوف من قلب شعبه ويعيد إليه ثقته بنفسه ويحقه في الحياة المثلى والخلود.


لم يكن لهذا الموقف سابقة في كل تاريخ سورية منذ عشرين قرناً. إنه ليس مواجهة مشنقة بعد حكم لم يبق منه مفر، بل هو موقف صراع رهيب بين قوتين غير متكافئتين مادياً وأبواب الرجوع والهرب لا تزال مفتوحة ومجال التملص من المسؤوليات واسعاً. وجميع الأمثلة السابقة من تاريخ سورية في الأزمنة الأخيرة تدل على شيء واحد وخطة وحيدة: محاولة التملص والهرب. بل أن حوادث متأخرة عن زمن محاكمة الحزب السوري القومي أثبتت أن محاولة التملص والهرب لا تزال الخطة المتبعة في جميع الأعمال السياسية خارج نطاق الحركة السورية القومية الاجتماعية، كما جرى حين تخلى رجال "الكتلة الوطنية" الشامية عن المعركة بعد نزول الجيش الفرنسي إلى أسواق دمشق في مسألة الإعتصابات في أوائل سنة 1936 وبعد محاكمة الحزب السوري القومي، وكما جرى حين تخلى أولئك الرجال عينهم عن طلب الوحدة الشاملة لبنان بسبب ضغط الفرنسيين في مفاوضات "المعاهدة" السيئة الطالع وحين تخلوا يعد ذلك عن لواء الاسكندرون وعن الوحدة التامة بين المناطق كجبل حوران ومنطقة اللاذقية ولواء الجزيرة وغيرها، وكما حدث للرجال الذين حاولوا تقليد الحزب السوري القومي في تشكيلاته وأعلنوا ما سموه "الشباب الوطني" ذا فرق "القمصان الحديدية" فإن الذين قبض علبهم منهم استعطفوا الدولة المحتلة وأرسلوا من سجنهم كتباً إلى أصدقائهم يوصونهم أن يكونوا مع فرنسا!


كل هذه الأمثلة المعوجة التي لم يمكن أن تنشئ لسورية قضية سقطت في الثالث والعشرين من يناير سنة 1936 وقان على أنقاضها مثال عظيم للاستقامة والثقة بالنفس والبطولة الخالدة.


كانت الحكومة قد أخذت استعداداتها لهذا اليوم فحظرت الدخول إلى دار القضاء على كل من لا يحمل وثيقة أو إذنا خاصاً يخوله ذلك. ووزعت فرق الدرك والشرطة في مركز المدينة وحول دار القضاء. وكل الذين رغبوا في حضور المحاكمة ولم تكن لهم في دار القضاء قضية يتخذونها حجة للدخول اضطروا لطلب مأذونية خاصة. ومع ذلك فقد غصت قاعة المحكمة المختلطة بالناس. فكان عدد المحامين من أعضاء نقابتهم كبيراً وحضر عدد من رجال القانون والسياسة وجمهور كبير من الطبقات العليا وأفراد من جميع أوساط الشعب. وكان بين الحاضرين عدد قليل، نسبة، من السيدات كن يتهامسن بالفرنسية. ولما صارت الساعة التاسعة والنصف وكانت الأروقة والممرات الملاصقة لقاعة المحكمة المختلطة قد صارت جسماً واحداً مرصوصاً من الناس.


لم يكن الازدحام في الخارج حول دار القضاء أقل منه داخلها مع أن المجال أوسع كثيراً. هناك كانت جماهير من الشباب الآتين من كل حدب وجهة يدفعهم دافع يعونه ولا يعونه.


كانت أشكال الناس المتجمهرين، حسب روحيتهم، كثيرة. كان هنالك كثيرون جاؤوا ليحضروا مشهداً قد يكون في غرابته لذة. وبعضهم جاؤوا لينظروا إلى فئة من "الأغرار" تحاول القيام بأمور لا تعرف عواقبها الوخيمة عليها وهي تمثل الآن أمام المحكمة لتنال جزاء جهلها وغرورها وغلطها في تقدير قوتها وقوة السلطة القائمة في البلاد! والبعض الآخر من الناس جاؤوا لأنه لم يكن لهم عمل هام يقومون به. ولم يكن قليلاً عدد الطفيليين.


أما القوميون الاجتماعيون فكثيرون منهم أتوا ليكونوا قرب زعيمهم في هذا الموقف الرهيب، جاؤوا ليهتفوا له وللقضية التي أوجدها، مهما كان من أمر المحكمة ومن نتيجة المحاكمة. ومنهم من أتى "ليرى ما سيحدث". والذين أيقنوا منهم بوخامة العاقبة والهلاك لم يأتوا، بل ذهبوا في وجهات أخرى يطلبون الخمول والسلامة. وعدد قليل من الرفقاء مدرك واع أتى يملأ نفسه إيمان عظيم بزعيمه وقضيته، هذا العدد أتى دار القضاء، كما كان يأتي قبل السجن إلى مقر الزعيم، يطلب تعليم زعيمه وحكمته. هذا الفريق أتى واثقاً أن زعيمه في المحكمة لن يكون غير زعيمه في المجامع الأخرى.


وباكراً في صباح هذا اليوم التاريخي جيء بالزعيم من السجن في سيارة نقل الأشقياء والمجرمين وجيء معه بالرفيقين الوحيدين اللذين أبقيا موقوفين معه وهما رئيس مجلس العمد وعميد الداخلية نعمت ثابت وعميد الدفاع زكي النقاش، ناظر كلية المقاصد الخيرية الإسلامية وأستاذ التاريخ فيها. وكان الثلاثة محلوقي شعر الرؤوس على عادة سجن المجرمين. وادخلوا قاعة المحكمة حالما فتحت أبوابها فكانوا أول الداخلين إليها بعد المستخدمين البسطاء المنوط بهم ترتيب القاعة. وأخذت لهم صورة وقد وقف خلفهما جنديان من جنود المحافظة في السجن. وكانت المراكز التي اتخذوها على مقاعد خاصة بالمتهمين الموقوفين.


ثم أخذ الناس يتواردون وحداناً ثم زرافات. وبين القادمين كان رفقاء متهمون أطلق سراحهم بكفالة مالية ورفقاء غير متهمين أتوا ليكونوا "حاضرين" وبسرعة امتلأ المكان وصار الوقوف أكثر من القعود. وكثيرون لم يكونوا يعرفون الزعيم وكثر الهمس بينهم على من يكون الزعيم. وكثيرون بقوا في حيرتهم وتساؤلهم إلى أن أطلت هيئة المحكمة بملابسها المهيبة فوقف الناس ثلاثة قضاة: الرئيس فرنسي اسمه روساه وعضو اليمين، فرنسي أيضاً وعضو اليسار، سوري، لبناني المنطقة من بيت رعد. واتخذ المدعي العام الفرنسي موقفه مقابل جانب المتهمين. واسم المدعي العام هذا فورنباه وهو أيضاً فرنسي. وأمام هيئة المحكمة وفي الصفوف الأمامية من جهة الناس وإلى جانب المتهمين اتخذ المحامون المتطوعون للدفاع عن المتهمين مواقفهم وفي طليعتهم الأستاذان حبيب أبي شهلا وحميد فرنجية المختصان بالدفاع عن الزعيم، ومن جملتهم الأساتذة شارل عمون، الذي اختص بالدفاع عن الأستاذ صلاح لبكي، وأميل لحود الذي أخذ وجهة الدفاع العام من الناحية الجزائية، وشفيق ناصيف، الذي اختص بالدفاع عن رئيس مجلس العمد نعمة ثابت وعبدالله اليافي مدافعاً عن عميد الدفاع ورفقاء آخرين، ومحامون آخرين غبر قليلين منهم من آل ذوق ومنهم من آل غطاس وآل مارون وغيرهم.


أمام رئيس المحكمة صحائف مكدسة من أوراق الحزب المصادرة بينها نسخة من خطاب الزعيم في أول يونيو 1935، ومن تقارير قاضي التحقيق والمدعي العام.


رفع الرئيس رأسه عن الأوراق، وقد أمسك بيده بعضها، ونادى أنطوان سعاده!


لم يجب أحد. فكرر المناداة: أنطوان سعاده! فلم يكن جواب. وصار الناس يتلفتون ويتساءلون. والذين كانوا يعرفون الزعيم صاروا يوجهون إليه نظراً فاحصاً أو حائراً. ولعل البعض ظن أن الوجل أحاق بقلب الزعيم فخارت عزيمته وعقل لسانه. والتفت المحاميان فرنجية وأبي شهلا إلى الزعيم وقالا له: الرئيس يناديك. فأجابهما الزعيم بهدوء تام: لم أسمع الرئيس يذكر اسمي. ولاحظ الرئيس حديث الأستاذين مع الزعيم فسأل مستوضحاً فأجابه الأستاذ أبي شهلا: إن المقصود بالمناداة حاضر ولكنه لا يجيب لأنه يقول لم يناد باسمه.


فسأل الرئيس: ما اسمه؟


فقال الزعيم لمحاميه ليبلغا الرئيس: اسمي أنطون سعاده.


فنظر الرئيس في وجه الزعيم الهادئ ثم أمر الكاتب بتصحيح الاسم وصدرت المناداة من جديد: أنطون سعاده!


فنهض الزعيم وأجاب حاضر!


وشخصت الأبصار إلى هذا الفتى الذي فرض شخصيته وطريقة تفكيره على المحكمة منذ أول احتكاك بينه وبينها.


فسأل الرئيس الزعيم: هل تفهم الفرنسية فأجاب الزعيم نعم. فأخذ الرئيس يشرح قضية الحزب بالاستناد إلى التقارير والوثائق التي بين يديه.


خلاصة شرح الرئيس أنه قد اكتشف أمر الحزب السوري القومي وتبين أنه يعمل سراً لأمور ثورية ولتغيير شكل الحكم وتعريض سلامة الوطن ولمنع أعضاء الدولة في لبنان من ممارسة حقوقهم المدنية وأنه يحرض على كره الفرنسيين مستشهداً على ذلك بكتاب مرسل من الرفيق جورج حريكة الذي كان طالباً في الهندسة الزراعية في كلية طولوز، فرنسا، إلى الزعيم. وزاد الرئيس أن الثورة كانت تتهيأ بدليل الخرائط وتدابير التشكيلات الحزبية البديعة التنظيم ولكن أعوز الحزب المال لتحقيق أغراضه ولسد هذه الحاجة قرر الزعيم إنشاء "الشركة التجارية السورية" التي صودرت أوراقها من مكتبها الكبير في شارع "فوش".


وخص الرئيس نظام الحزب وتشكيلاته بدراسة مستفيضة. فقال أن تدريب التدرج من المديريات إلى المنفذيات إلى العمد إلى الزعيم هو ترتيب هرمي الشكل وإنه مبني على رأي المفكر السياسي الفرنسي سياس وبهذا التحليل أراد الرئيس أن يزيل عن الحزب كل فكرة ابتكار أصلي وأن يرد أصول تفكيره إلى مصدر فرنسي. أما تشكيلاته وطريقة التنفيذ الحزبية فقال أنها من أدق وأكمل ما عرف حتى اليوم. ورجح الرئيس أنها منقولة أو مستمدة من أنظمة نشأت حديثاً في أوروبا.


وختم الرئيس شرحه بتوكيد التهم على الزعيم بتأسيس الحزب والعمل سراً ضد القوانين النافذة. وبإلقائه الخطب وعقده الاجتماعات السرية. وبأنه الباعث والمحرك الأول المسؤول عن جميع هذه الاتجاهات الرامية إلى توليد كره للمفوضين الفرنسيين وتغيير شكل الحكم وتعريض وحدة الأرض وتعطيل حقوق أعضاء الدولة المدنية وغير ذلك. ثم قال أن للزعيم الآن حق الكلام والدفاع عن نفسه ولكنه يرغب إليه وإلى جميع المتهمين أن لا يحولوا المحكمة إلى منصة خطب اهاجة وتحريض وأن يحصروا كلامهم في الوجهة القانونية المشتملة عليها الدعوى.


كان الرئيس في أثناء شرحه الطويل يسأل الزعيم بين الفينة والفينة هل يتبع الشرح وكان الزعيم يجيب بالإيجاب. ولما رأى الزعيم أن الشرح يطول ويتناول نقاطاً متعددة أشار إلى الأستاذ حميد فرنجية، الذي كان واقفاً بالقرب منه إلى جانب الحظار، أن يعطيه زرقة فلم يفهم المحتمي إشارته فأكب الزعيم بسرعة من فوق الحظار ومد يده وانتزع من دفتر الأستاذ فرنجية عدة أوراق أخذ يدون عليها ملاحظاته على شرح رئيس المحكمة.


لما فرغ الرئيس من شرحه وتهمه جاء دور دفاع الزعيم عن نفسه وحزبه سأل الرئيس الزعيم هل يريد التكلم بالفرنسية فأجاب الزعيم أنه سيتكلم باللغة القومية. فطلب إليه الرئيس أن يتكلم باللغة الفرنسية لأنه يحسنها. فقال الزعيم إن الموضوع دقيق وتمكنه من لغته القومية يجعله أقدر على التعبير عن رأيه بدقة ارتجالاً، فألح الرئيس على الزعيم أن يتكلم بالفرنسية فأجابه الزعيم ذاك الجواب الذي هز المحكمة والجمهور وتجاوب صداه في طول سورية وعرضها.


"حضرة الرئيس إني سوري وفي بلادي وإني أقود حركة تحريرية ترمي إلى إقامة السيادة القومية وجعلها مطلقة فلست أقبل أن أحمل على الكلام ي بلادي بغير لغتي!"


كانت عبارة الزعيم صريحة، قاطعة فلم يسع الرئيس إلا القبول. وعلى الأثر جرى شبه مفاوضة بين الزعيم والرئيس كان الأستاذ أبي شهلا المترجم فيها للاتفاق على كيفية ترجمة كلام الزعيم إلى الفرنسية. وفي الأخير تقرر أن يتكلم الزعيم وأن يتولى الترجمة كاتب المحكمة وأن تكون الترجمة بعد كل جملة أو عبارة تامة. إنها طرقة سقيمة تعرقل الخطاب ولكن لم يكن بد منها إذا كان يجب إظهار قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي تجاه التهم وشروح القضاء الأجنبي.


ابتدأ الزعيم خطابه المحكم:


حضرة الرئيس!


إن الكلام الذي سأقوله الآن سيكون ضمن الحدود التي تكرمتم بالإشارة إليها. إن كلامي لن يكون وسيلة دعاوة للحزب ولكنه سيكون كلاماً يتناول نظريات لا بد من تفصيلها لإيضاح العمل الذي قمت به. وإذا اتفق أن ورد في كلامي ما يتعلق بالعاطفة والشعور أكثر من تعلقه بالعلم والعقل فإني موقن أنكم ستقدرون الدافع إليه تقديراً صحيحاً وأرجو أن تجدوا لي العذر فيه.



تأسيس الحزب وصفته السرية


قد اعترفت، في جميع أدوار التحقيق ومن بادئ الأمر، وأكرر الاعتراف الآن بأني وضعت مبادئ الحزب السوري القومي ودعوت إلى تأسيس الحزب عليها. وقد أسسته بالفعل وقمت على إدارته بمساعدة معاوني الذين اشتركوا معي في العمل كل حسب صلاحيته. ومع أني أسست الحزب سراً واتخذت جميع التدابير والاحتياطات لإبقائه سرياً ما أمكن صفته السرية كانت موقتة كما تنص على ذلك أحدى مواد دستوره (الشائع المحقق أن الحزب السوري القومي نشأ سراً وبقي سرياً يمتد وينمو بالدعاوة السرية. وقد اتخذ القضاء الأجنبي هذه الصفة المؤقتة حجة لتأييد تهمته أن غاية الحزب ومراميه غامضة ومتجهة إلى المؤامرة والإخلال بالأمن. فكان جواب الزعيم فاصلاً. فلم يقتصر على رد تلك التهمة الباطلة بل تعدى ذلك إلى الإشارة إلى مرمى الحزب الخطير ونزعته الصريحة وهي: أن الصفة السرية للحزب هي وقتية فقط، إلى أن الحزب يقصد أن يعلن نفسه في الوقت المناسب لأن غايته الأولية هي أن يكون حركة الشعب السوري العامة. وهذه غاية واضحة عظيمة تشهد بسمو نظرة الحركة السورية القومية الاجتماعية وخطورة مطامحها).


وبما أنه لا يمكن الفصل تماماً بين النظرة العامة على الحزب والنقاط الخاصة


التي ذكرت على منبر رئاسة المحكمة فسأتناول الموضوع في مجموعه ومفصلاً بالنسبة إلى التهم الموجهة إلي.



تعطيل وحدة سورية الجغرافية


إني متهم بخرق وحدة البلاد الجغرافية وانتهاك حرمة الأرض.


فأراني مضطراً، علمياً لا بالعاطفة، القول: أن خرق وحدة وطننا الجغرافية وانتهاك حرمة أرضنا قد تما بالفعل في سان ريمو وسيفر ولوزان.


والمسؤولون عن ذلك هم غير الحزب السوري القومي الاجتماعي.


(انقض هذا التصريح الخطير على المحكمة المتزعزعة الموقف انقضاض الصاعقة. ولو أن قنبلة انفجرت في قاعة المحكمة لما أحدثت التشنج والاضطراب اللذين أحدثهما. انقلبت الأمور بسحر ساحر، صار المدافع مهاجماً والمتهم (بفتح الهاء) متهماً (بكسر الهاء) وصار المدافع مهاجماً والمدعي مدعى عليه! فانتفض المدعي العام الأستاذ فورنيه كمن مسته الكهرباء، حين سمع ترجمة تصريح الزعيم الجريء، وقام يتعرض باعتباط ويقول أن المدعى عليه قد تجاوز حدود الدفاع إلى أمور سياسية لا ينبغي سماعها ولا دخل لها بالدعوى. وأيد رئيس المحكمة قول المدعي العام. فرد الزعيم على موقف الادعاء العام ورئاسة المحكمة قائلاً: إن قضيتنا يا حضرة الرئيس ويا حضرة المدعي العام، هي كلها سياسية، فنحن لسنا هنا لأننا لصوص أو قطاع طرق، بل لأننا حركة سياسية ــ اجتماعية! وهذه التهم الموجهة إلي أليست تهم سياسية فكيف لا يجوز لي أن أتناول نقاطاً سياسية وأرد على تهم سياسية. وبعد فإن ما أقوله هو حقيقة تاريخية ففي مؤتمر سان ريمو المشهور تم اقتسام بلادنا وتمزيق وحدة وطننا وفي معاهدة سيفر ومعاهدة لوزان أنزلت بقية الضربات على وحدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وإيضاح هذه الحقيقة هو من حقي ومن واجبي ليس فقط دفاعاً عن نفسي تجاه التهم الموجهة إلي، بل دفاعاً عن وحدة وطني وحق أمتي!) فلما سمع المدعي العام هذا القول ازداد توتر أعصابه واشتد هياجه. وظهر أن رئيس المحكمة أيضاً خرج عن هدوئه. وكثر اللغط بين الحاضرين وكثيرون كانوا قاعدين فوقفوا. وتدخل الرئيس في هذا الجدال وصار يلح على الزعيم ويرجوه أن يغير الموضوع. وأخذ جانبه أيضاً المحاميان عن الزعيم الأستاذان حميد فرنجية وحبيب أبي شهلا وصارا ينصحا الزعيم بالعدول عن هذه النقطة من أجل سير الدعوى بهدوء ومنعاً لإغضاب الفرنسيين وإلجائهم إلى الشدة!! وبعد أخذ ورد أدلى أثناءه الزعيم بوجهة نظره وموقف حزبه في هذه المسألة أعلن أنه اكتفى بما قال وأنه ينتقل إلى المسائل الأخرى .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024