إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نسر الزعامة السورية القومية ووحل تكمان وذبابها < الباب الثاني جزء 2 >

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1945-03-26

إقرأ ايضاً


الشخصية هي التي يضعها جبران مسوح نفسه! هي شخصية الكاتب المسلي الذي يجتهد في صف كلمات وعبارات جميلة تسلي الناس وتعجبهم وتلهيهم. كما يقول هو في مقالة أخيرة له صدرت منذ بضعة أشهر في هذه الجريدة. وهي الشخصية عيتها، التي ، مع اعتراف جبران مسوح بها، كان، لغروره وولعه بالعظمة، يكره من ينعته بها ويحقد عليه. ولذلك حقد هو على الكاتب عينه الذي نعى له "شخصيته" لأنه وصفها بحقيقتها وحمل عليه حملة اندلعت من نيرانها ألسنة الحقد اندلاعاً. ذاك "الحامل القلم" الذي عناه جبران مسوح هو عبد المسيح حداد صاحب جريدة "السائح" التي تصدر في اميركانية وهو الذي قال عن جبران مسوح انه "خسر شخصيته" وهو الذي نعت جبران مسوح "بالكاتب الظريف" واغتاظ جبران مسوح جداً لأنه لم يطلق عليه من قاموس اللغة غير هذا النعت!

تلك هي "الشخصية" العظيمة التي "خسرها" جبران مسوح وذاك هو "حامل القلم في هذه البلاد" الذي نعاها إلى الأكوان.

تلك هي "الشخصية" المنكوبة في صورتها الأقل قبحاً، أما في صورتها الأكثر قبحاً فهي شخصية المأجور للاستعمار الفرنسي. شخصية صاحب "المسيحي والمسلم" الذي حاول أن يدعي لنفسه تعاليم النهضة القومية ولما لم يكن ابن بجدتها مسخها ووصل إلى ضدها فقال باستحالة اتحاد السوريين من مسيحيين ومحمديين وطعن في زعيم الحزب السوري القومي طعناً خفياً لأنه قال بالوحدة السورية وحارب في "المسيحي والمسلم" هذه الفكرة بكل قوته خدمة للمصالح الاستعمارية في بلادنا.

تلك هي "الشخصية" الملعونة التي يقول جبران مسوح الآن في "اخائه" بلهجة من يشعر بتضحية عظيمة، ان واحداً من الناس يحمل قلماً في اميركانية، وليس، "في هذه البلاد" قال انه خسرها بانضمامه الى الحزب السوري القومي!! فما أعظم تواضع جبران مسوح ويا لفداحة ما تحمل من الخسائر وما أعظم الصعوبات الاتي قاسى آلامها ليصير "جندياً في القضية" حسب تعبيره، وليس جندياً لها كما كان يجب أن يكون!!

اذا لم يكن جبران مسوح قادراً، أصلاً، على فهم عمق فلسفة النهضة السورية القومية وتعاليمها فقد كان قادراً على ادراك الشرف والشهرة وعلو المنزلة التي تصيبه من الاتصال بمؤسسها والاغتراف من فيض علمه وغزارة شروحه ومن نسج الكثير من تلك الشروح التي كان الزعيم يلقيها في الاجتماعات العامة والخاصة مقالات يرتبها جبران مسوح بأسلوبه العامي ويضع في ختانها اسمه. كما كانت تفعل بعض شركات التجارة بأقراص القرامفون التي كانت تكتفي بطبع اسم المغني على القرص وتغفل اسم صاحب اللحن الموسيقي واسم الشاعر الذي ابتدع الانشودة ونظمها! وع ان جبران مسوح رأى ان الحرص على منزله اكتسبها من اذاعة تعاليم سعاده ودروسه بقلمه واسلوبه يوجب الاقرار بالحقيقة بطريقة من الطرق فأنه لم يتمكن من ترك عادة الاحتيال على أفكار الغير التي كان يمارسها والتي اعترف للزعيم انه كان من أهلها بقوله، جواباً على نقد الزعيم عادة كتّاب كثيرين في سورية ومصر يظنون النبوغ والمهارة في أخذ أفكار غيرهم وسكبها من جديد بأساليبهم ايهاماً للناس ان ما يكتبونه هو بنات أفكارهم "يا معالي الزعيم"، كلنا كنا هكذا وأنا كنت ممن يظنون ان اتيان هذا الفعل هو عمل عظيم يرفع الكاتب"! فكان يقر بالحقيقة اقراراً اجمالياً ناقصاً تضيع فيه حقوق كثيرة، كقوله ان الزعيم "رفع تفكيري" وان النهضة "مديونة لأنطون سعاده" بتعاليمه وبما غذاها من دماغه. وهذا الاقرار هو من باب الاحتيال اللطيف، الدقيق الذي لا يلاحطه إلا من كان كثير الرؤية والمعرفة، حاد النظر واسع الادراك.

ان الأمانة الصحيحة لحقوق الفكر والمفكرين توجب الاعتراف بأكثر من هذه الاجماليات التي يضيع فيها حق الفكر في أسلوب الكتاب المحتال. ان الأمانة توجب ان يشير الكاتب إلى كل فكر وكل قول وكل تعبير ليس له إلى صاحبه. والزعيم يقدم أعظم مثال على هذه الأمانة في كتاباته وابحاثه العلمية والأدبية. فمن قرأ "نشوء الأمم" يرَ أن ن الزعيم لم يكتف بايراد عبارات اجمالية تفيد ان بعض خطط التفكير التي يوافق عليها هي لعلماء آخرين من غير الدلالة على أية خطة من تلك الخطط هي لغيره وأي من المفكرين هو صاحبها أو صاحب قول كذا ونظريته كيت، بل انه وقف عند كل قول أو فكر أو تعبير ليس له ووضع عنده علامة وأشار في الهامش الى صاحبه وفي أي كتاب من كتبه ورد. وفي مقالات الزعيم وأبحاثه كلها نراه لا يمر بفكر أو قول جليل لسواه إلا ويشير الى صاحبه.

من الدروس الكثيرة التي ألقاها الزعيم على جبران مسوح صار هذا الشخص يرى ان المصلحة، على الأقل، تقضي بالتظاهر بالأمانة. كان، كما في كتابه "المسيحي والمسلم الذي أنشأه وطبعه نحو أواخر سنة 1936 أو في أثناء سنة 1937 أو بعدها (ان الكتاب لا يحمل تاريخ صدوره ولكنه يذكر حوادث كحوادث بيروت التي جرت في نوفمبر 1936 ويذكر انتخابات المجلس النيابي الشامي فنقدر ان الكتاب أنشىء بعد هذه الحوادث وبعد مرور الوقت الكافي لورود يريد الوطن الحامل أخبارها)، اذ انتحل فيه دعوة الحزب السوري القومي الى فصل الدين عن السياسة والادارة وتجاهل وجود هذا الحزب ودعوته ثم أثبت فيه من مناقضات هذه الدعوة، كقوله باستحالة التفاهم بين أبناء الوطن واستحالة تظور نفسية المحمديين وفساد الدعوة الى الوحدة السورية، ما يجعل اجتهاده في انتحال بعض الدعوة التي أعلنها سعاده باطلاً ولغواً!

بعد دخول جبران مسوح في الحزب السوري القومي وسيره فيه مدة وجد انه يستحيل عليه اخفاء انتحالاته الفكرية كلها. فرأى ان يفكر في اقرار يجمع بين مظهر الأمانة لحقوق الفكر والاستمرار في انتحال ما يحتاج اليه من أفكار غيره ليبني به منزلة كتابية تكسبه الشهرة. فاعترف اعترافاته الاجمالية المشار إليها ولكنه أبقى لنفسه انتحال طائفة كبيرة من المعاني والشروح التفصيلية تحت ستار انها تفكير خاص له توّلد بفضل المبادىء القومية وتوجيهات سعاده الفكرية. والواقع ان معظم التفاصيل الفكرية الهامة التي شحن بها جبران مسوح مقالاته القومية هي أفكار وشروح افتبسها من أحاديث الزعيم ومحاضراته غير المنشورة والمنشورة من غير اشارة إلى المصدر الذي اقتبس عنه. فكان في حين يتظاهر انه من تلاميذ سعاده يهضم حق الأمانة للتلمذة التي لا بد منها لإقامة البناء الفكري على أساس متين. فلولا أمانة تلاميذ المسيح لكل قول من أقواله وكل فكر من أفكاره لكانت تضعضعت المسيحية بين ما ينتحله متّى ويوحنا وبطرس وبولس ومرقس ولوقا. تحت ستار القول "ان سعاده رفع تفكيري" وأن سعاده هو "مصدر التعاليم القومية كلها" صار يجيز لنفسه انشاء مقالات كثيرة ينسجها بأفكار الزعيم وأقواله ويظهرها كأنها من تفكيره الخاص بعد أن رماه الزعيم!

....


للبحث صلة


الزوبعة، العدد 84 في 26 آذار 1945


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024