إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أردوغان يعيد تركيب مؤسسات تركيا الجديدة

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-11-12

إقرأ ايضاً


لم يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مهتماً بما يدلي به كلّ من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، حول سياسته الداخلية، فلا يهمّه إنْ قيل أنه دكتاتوري، فهو لن يغيّر قانون الإرهاب الذي يطلبه الاتحاد الاوروبي ولا يريد الالتزام بمعاييره. ويعتبر حزب العمال الكردستاني ارهابياً ويجب القضاء عليه، تماماً كـ»داعش».

يتهم الرئيس التركي المانيا بدعم الارهاب، فهي لم تسلمه مؤسسات محمد فتح الله غولن وتدعم حزب الشعوب الديمقراطي. ويرى أنّ الولايات المتحدة تآمرت عليه، رغم نفيها الضلوع في محاولة الانقلاب في 15 تموز الماضي، فعلاقته بالغرب أصبحت في أدنى مستوياتها وهو يقول، علناً، إنه لا يهتمّ إلا لشعبه ويأخذ شرعيته منه. هو يشرعن طموحاته في سورية وفي العراق الموصل ويجاهر بحقوق تركيا التاريخية. يعي تماماً أنّ نبرته العالية وتصرفاته هذه، تزيد من شعبيته، التي يستغلها لوضع يده على كلّ مفاصل الدولة وهذه المرة، بالكامل. يبدو فشل الانقلاب مفصلياً في تحديد أهداف الرئيس التركي، الذي ينقض على خصومه في الداخل، فالقبض على نواب حزب الشعوب الديمقراطي وزجّهم في السجن، كان هدفاً من الصعب تحقيقه قبل الانقلاب. لن يغفر لصلاح ديمرطاش قوله «لن ندعه يحصل على النظام الرئاسي»، إبان انتخابات 7 حزيران 2015. فأردوغان لا ينسى أنّ حزب الشعوب الديمقراطي كان السبب المباشر في عدم حصول حزب العدالة والتنمية على الاغلبية لتأليف الحكومة منفرداً، في ذلك الوقت. يتهمه بانه الجناح السياسي لـحزب العمال الكردستاني وبأنه يعدّ للانفصال ويدعم تقسيم تركيا، في الوقت الذي يقوم هو برفض اتفاقية لوزان، التي قبلت بتقسيم أراضي السلطنة العثمانية. يحشد جيشه في سيلوبي على الحدود العراقية ويؤكد دعمه للسنة في الموصل والدفاع عنهم في وجه العراقيين الشيعة، كذلك، الدفاع عن المعارضة السورية. ويستمرّ في دعم الجماعات الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري. هي رسائل يرسلها للداخل والخارج، لا سيما الاميركيين، للقول بانه يرفض اعطاء الاكراد حقوقاً، بل يطالب هو بحقوق لتركيا في الاقليم.

يستأثر حزب العدالة والتنمية بالاغلبية في البرلمان، للحصول على النظام الرئاسي، بمساندة حزب الحركة القومية، رغم معارضة حزب الشعب الجمهوري، الذي يتهمه رئيس الوزاء التركي بدعم الارهاب، بسبب دفاعه عن الديمقراطية ورفضه سجن نواب حزب الشعوب الديمقراطي. تستأثر شهوة السلطة بأردوغان، فهذه الذهنية تحكُم تركيا الآن، حتى على مستوى الجامعة، تمّ إدخال تغييرين رئيسيين:

الأول: وضع حدّ للانتخابات التي اصبحت شيئاً من الماضي، في الجامعات الحكومية. إذ سيكون على رئيس الجمهورية تعيين من يشاء، دون آلية تنطوي على اقتراحات الأكاديميين.

الثاني: حتى في الجامعات الخاصة، سوف يعيّن رئيس الجمهورية عمداء من دون اقتراحات مجلس الجامعة، التي سوف تؤجّل والقرار النهائي سيكون للرئيس فقط.

تعود الحكومة اليوم إلى عام 1982 حين كانت تركيا تحكم من قبل المجلس العسكري، الذي حاول إخضاع الجامعات والسيطرة عليها. لكن بعد سنوات، أيّ في التسعينات، تمّ إدخال النظام الانتخابي داخل الجامعة، لتوفير شيء من الحكم الذاتي للأكاديميين الاتراك. واعتراضاً على خطوات الحكومة هذه، تجمع نحو 350 من الأكاديميين في جامعة بوغازيجي وهي من المؤسسات الجامعية المهمة داخل الحرم الجامعي وارتدوا العباءات الأكاديمية، من اجل إعلان رفضهم لخطوة تترك إدارات الجامعات في يد الإرادة السياسية.

تعيش الجامعات التركية تحت ضغط كبير، بسبب التطهير الواسع النطاق لمن يشتبه في انهم من الغولينيين. كذاك، هو وضع الأكاديميين من ذوي التوجهات اليسارية، الذين شجبوا تكتيكات الحكومة تحت مسمّى مكافحة الارهاب، لا سيما أنّ القرار الحكومي سيجلب عددا اكبر من العمداء والاكاديميين الأردوغانيين، حيث سيقوم الرئيس رجب طيب أردوغان بتعيين جميع رؤساء الجامعات. ونتيجة لذلك، فسيكون الاتجاه معقوداً للمحسوبية وللايديولوجيا الاسلاموية.

كذلك، جرى حلّ الرابطة الدولية. وهي المنظمة غير الحكومية الأولى، المؤلفة من أعضاء السلطة القضائية في تركيا. ووضع رئيسها وراء القضبان، على الرغم من أنه ليس غولينياً، لكن وشاية عمدت إلى اتهامه من دون دلائل، بحسب محاميه، لكنه أرسل إلى السجن. استغلت وزارة العدل الأمر وأرسلت خطابات إلى الهيئات الدولية، التي كانت الرابطة عضواً فيها، تطلب منها أن تعترف بمجموعة بديلة تعمل مع الحكومة. تأتي هذه الخطوة، مثالاً آخر على تكتيك انقرة في تعطيل المؤسسات الهامة واستبدالها بأخرى موالية للحكومة. كتبت وزارة العدل للرابطة الدولية للقضاة، تطلب منها قبول المنهاج الموالي للحكومة، من أجل وحدة السلطة القضائية. رفضت الرابطة الدولية للقضاة الطلب، لأنها لا تعترف الا بالمنظمات المستقلة فقط. تقوم الحكومة بحلّ الهيئات غير الموالية لها وتضع في أماكنها تلك الموالية لها. ينسحب الأمر على وسائل الإعلام والخدمة العامة.

ذهبت الحكومة، في ردّ فعل سريع، إلى تغيير الهيكلية التنظيمية للجيش، حيث لم يعد لقادة القوات علاقة برئيس هيئة الأركان العامة، الذي يعمل وكأنه في وظيفة استشارية. كذلك، تمّ فصل الدرك وحرس الساحل عن الجيش ووضعوا تحت إمرة وزارة الداخلية، على الرغم من ان لقوات الدرك وحرس السواحل دورا هاما في ظلّ ما تواجهه تركيا. يبدو أنه من المقرّر أن تفقد هاتين المؤسستين سمتهما شبه العسكرية وسوف يكون هناك نوع من مؤسسة الشرطة.

أما التعيينات والترقيات في الجيش، فهي أصبحت تحت سيطرة السياسيين المدنيين. الامر الذي يؤثر في تسييس الجيش. حيث يمكن أن تخضع القواعد واجراءات التعيينات والترقيات للسياسة. فالدافع الاساسي هو سيطرة الحزب على الجيش وليس حول كيفية تحقيق الجيش مهامه. جرى تغيير مواصفات التوظيف في الجيش، إذ فتح الباب لخريجي المدارس الدينية وربما المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية، فالتقرّب من الحكومة، التي اصبحت مرجعاً في موضوع التوظيف، سيحمل البعض على التقرّب منها. وفي ظلّ الوضع الحالي، يبدو من المتعذّّر الالتفات إلى كلّ المواصفات المطلوبة الصحية ومهارات الاتصال والقدرة على القيادة، فالحكومة سوف تستند إلى الخطوات التي تأخذ بعين الاعتبار مفهوم «الثقة»، بعد الانقلاب الفاشل.

لا شك أنّ الجيش التركي تلقى ضربة قوية على مدى السنوات الـ 15 الماضية. لقد جرى تبدّل كبير في موارده البشرية وتعرّض لمؤامرات. وأضرّت المحاولة الانقلابية الأخيرة بصورته، بشكل كبير، بعد أن تمّ ضرب عناصره وعلى مرأى من الإعلام العالمي، على يد مؤيدي حزب العدالة. كذلك، جرى القبض على الكثير من الجنود والضباط وإقصاء البعض الآخر، فتراجع الروح المعنوية أثر في قدرات الجيش. وهي، حالياً، في أدنى مستوياتها السياسية والاستراتيجية. فقد الجيش 75 في المئة من القدرة العسكرية. فالمقرّ الرئيسي في أنقرة فقد 75 في المئة من القدرات العملية والمهنية، أيّ قدرة اتخاذ القرارات وحلّ المشاكل الاستراتيجية الكبيرة. وهي غير جاهزة للردّ على متطلبات القرن الـ21 الأمنية، لا سيما أنّ الفرصة لتوظيف أفضل وألمع القدرات تراجعت. وها هي مسألة الاستقطاب الإيديولوجي تأخذ مداها، حيث يتمّ توظيف الذين يدينون بالولاء لنهج الحكومة والحزب والذين يمكن الوثوق بهم. سيؤدّي هذا الامر، على المدى الطويل، إلى تغيير نوعي في طبيعة الجيش.

باختصار، يتمّ تغيير تاريخ ووثقافة رموز الجيش، التي كانت سائدة. فهل يمكن لمثل هذه الهيكلية أن تفي بمسؤولياتها في إطار حلف شمال الأطلسي، في تركيا والمضيّ قدماً في طموحات تركيا في المجال الدولي؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024