إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل اطلق أردوغان الرصاص على قدميه في تبنيه الإعادة الانتخابية في اسطنبول؟

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2019-06-26

إقرأ ايضاً


لم يكن فوز إماموغلو مرشح المعارضة مفاجئاً، إذ إنّ جميع استطلاعات الرأي التي جرت خلال الأسابيع الأخيرة قد أشارت إلى تقدّمه على بن علي يلدرم مرشح حزب العدالة والتنمية. جاءت النتيجة بمثابة تصويت ليس على شعبية حزب العدالة والتنمية فحسب بل على مستقبل ومصير أردوغان السياسي، لا سيما انّ الفارق الكبير كان هو المفاجأة الكبرى التي أذهلت حزب العدالة والتنمية. فهل أطلق الرئيس التركي الرصاص على قدميه عندما تبنّى الإعادة؟

لم يذعن للمستشارين الذين طلبوا منه عدم التدخل بسبب خطابه الاستفزازي، ربما اعتقد انّ خطابه لا زال فعّالاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية، بعد ان كان الاقتصاد عماد شعبيته. أنصت للفريق الذي تولى إدارة الانتخابات ولآخر من المتشدّدين ومنهم صهره وزير المالية برات البيرق الذي يمسك بجزء كبير من أعضاء الحزب. من تبقى ممن يستطيع الرئيس التركي الثقة بهم بعد خسارته أصدقاء الأمس بسبب توجسه من المنافسة ومن أيّ خيانة وسماعه لنصائح المقرّبين من عائلته وأصدقائهم؟

تعتبر هذه الانتخابات المؤشر الدقيق لمستقبل حزب العدالة والتنمية وبقائه في الحكم حتى عام 2023 لتحقيق رؤيته السياسية والاقتصادية في البلاد، وكانت المعارضة قد اعتبرت هذه الانتخابات فرصة مهمة للإطاحة بالحزب وأردوغان من على رأس السلطة لا سيما عقب نتائج الاستفتاء الأخيرة 2017 الذي أظهر تراجعاً واضحاً في شعبية الحزب في الشارع التركي بسبب محاولة استفراده وقيادة الرجل الواحد.

فلا عجب ان صوت إلى جانب المعارضة كلّ من عبدالله غل الذي سخر أردوغان القضاء لإقامة دعوى ضدّ قريبه وهو عميد في الجامعة تحت حجج واهية أقلها الانتماء الى جماعة غولن، وداود أوغلو الذي اقتيد سفراء مقرّبين منه الى التحقيق وتمّت إقامة دعاوى قضائية ضدّهم بتهمة أقلها التآمر، وبولنت ارينش الذي تمّ طرده في فترة سابقة وعلي باباجان الذي تمّ اقصاؤه من السياسة.

هذه النتيجة ستعطي مزيداً من الزخم لرئيس الوزراء الأسبق داود أوغلو، وستدفعه للإقدام فعلاً على تشكيل حزب جديد في ظلّ تراجع العدالة والتنمية.. وهو الشخصية التي تحظى باحترام وتأييد قطاعات مهمة من نخب العدالة والتنمية، لا سيما من الكتاب والأكاديميين والصحافيين.

تقاطعت جميع التحليلات حول النتائج في نقطة واحدة وهي أنّ المعارضة التركية قالت إنها لن تسمح للرئيس أردوغان وحزبه بالتفرّد بالسلطة بعد الآن، وانّ عليه عدم الاستهزاء بأصوات الاتراك، وأنّ الإعادة أعطت زخماً للمعارضة لكي تتكاتف بقوة وللمرة الأولى منذ ربع قرن من أجل الردّ على مظلوميتها في الإعادة واتهامها بالتزوير.

فالموضوع ليس شخص أكرم إماموغلو المحافظ الذي اختاره الحزب العلماني حزب الشعب الجمهوري لتمثيله إنما ما حصل شكل فرصة للمعارضة على مختلف أفكارها ومشاربها لكي تستعيد دورها في وجه حصر السلطات في يد أردوغان الذي اعتقد وحزبه أنها تحصّنه في وجه المتغيّرات الداخلية.

حصيلة الأصوات كانت واضحة الصوت الكردي الذي أراد أردوغان تحييده لم يذعن لما حمل لعبد الله أوجلان من دعوة الى الحياد، بل استمرّت أصوات حزب الشعب الديمقراطي، حزب صلاح ديمرتاش المسجون، في دعم إماموغلو بـ 800 ألف صوت، أما الأكراد المحافظون فأعطوا كما انتخابات 31 آذار/ مارس أصواتهم لحزب العدالة 400 ألف صوت.

انعكس هذا الأمر بشكل سلبي على حزب الحركة القومية بهشلي الذي شهد انشقاقات بسبب سكوته عن المحادثات التي أجريت مع عبدالله أوجلان الإرهابي بنظرهم من أجل إطلاق نداء الحياد الكردي، ذهبت أصوات هؤلاء إلى المعارضة واستفادت ميرال اكشينر وحزبها «الجيد» من هذه السياسة.

اسطنبول بتعقيداتها وتشابكاتها هي صورة مصغرة لتركيا. تشكل اسطنبول خمس سكان تركيا وتحتوي على قرابة 22 من السكان الذين يصل عددهم تقريباً إلى ثمانين مليون نسمة، وفيها اكثر من عشرة ملايين ناخب وهي متنوعة اثنياً وطائفياً وسياسياً.

بلدية اسطنبول كانت تموّل الجمعيات جميعها تقريباً، وكان حزب العدالة والتنمية يقدّم من خلالها المساعدات لمحازبيه لا سيما للجمعيات الدينية لكنه خسر مواردها، فمن يحكم اسطنبول يتحكم في مفاصل البلاد لأنها المدينة الثقافية والسياحية والتجارية الأولى. أما صلاحيات رئيس البلدية فهي مستقلة عن صلاحيات الوزراء في الحكومة لكن مطلوب من رئييسها أن يتعاون في تنفيذ السياسة العامة للدولة، وهو لا يستطيع أن يتفرّد بالقرارات بل عليه الرجوع للمجلس البلدي المكوّن من رؤساء البلديات الصغرى وأعضاء آخرين، الرقابة العدلية تختصّ فقط بمراقبة المصاريف المالية للبلديات، مما يجعل البلديات على تماس مباشر مع الشعب من خلال قيامها بأدوار خدمية وتنموية تُعنى باحتياجات المواطنين من صحة وتعليم وسكن وما شابه ذلك.

أهمية فوز إماموغلو رئيساً للبلدية يكمن في صلاحياته ربط الشعب مع حزبه مما يقوي وضع الحزب السياسي والسلطوي في الانتخابات البرلمانية لاحقا، لكن من المفارقة أنه في البلديات الكبرى التي فاز برئاستها حزب الشعب الجمهوري المعارض، يتبوأ فيها حزب العدالة الحاكم 25 بلدية صغرى، كما أنه فاز في معظم البلديات الصغرى في تركيا بأغلبية 2 عن الانتخابات الماضية وخسر الرئاسات في البلديات الكبرى.

حالة غليان سادت في المقر الرئيسي لحزب العدالة والتنمية وهناك مطالب بإقالة الهيئة الرئاسية كذلك جرت دعوة رئيس الحزب الى الاستقالة. هل يمكن ان تطرأ تغييرات جوهرية على حزب العدالة والتنمية بعد هذه الانتخابات؟

يمكن الحديث عن إقالة وزير الخارجية وهذا كان مطروحاً سابقاً او إقالة صهر الرئيس برات البيرق من وزارة المالية، لكن من الصعب رؤية تغيير في هيكلية حزب العدالة او انشقاقات فهو حزب أردوغان يمكن ان نرى لاعبين جدداً في إطار الحزب وقيام أردوغان بعرض قانون إصلاح القضاء الذي أعدّه، على البرلمان، والتخلص من بعض من اشتهر بالفساد من رجال الأعمال في حزبه، فهو ليس حزباً ايديولوجياً كما يرى البعض، إنما هو أصبح حزب رجال أعمال وبيروقراطيين إذ تخلى عن المبادئ التي قام من أجلها ويتكلم بلغة المصالح، لكنه لا يزال يمسك بشعبيته الكبيرة لدى الإسلاميين الأتراك ويسيطر في الأناضول والأرياف وقسم كبير من المدن.

هل سيتعاون مع إماموغلو او يعرقل مسار عمله؟ من يعرف الرئيس التركي يعي تماماً انه في البداية سيتعاون لإظهار النوايا الحسنة والتفاهم حول إدارة البلدية، لا سيما أنه لدى حزب العدالة كما أسلفنا 25 عضواً، كما انّ هناك مشاريع مرسومة مسبقاً، ومصلحته تكمن في التعاون في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الهشة والإيحاء للخارج الأوروبي والأميركي بأنه يمارس الديمقراطية بحرية ضمير، لكنه سيحاول تفكيك التحالفات التي وقفت مجتمعة ضدّه قبل اتخاذ ايّ إجراء في التعاطي مع البلدية.

اما أحزاب المعارضة التي استعملت اللجوء السوري في حملتها «فليغرب السوريون عنا» وتوعّد إماموغلو بترحيلهم لانهم باتوا عبئاً أمنياً ومالياً على العاصمة التاريخية، فإنهم سينتظرون ما سيؤول اليه الوضع في سورية بين بوتين وأردوغان الذي في يده خلاصهم من اللجوء السوري وضربات حزب العمال الكردستاني. وسيبقى وجود جماعة الاخوان المسلمين في اسطنبول حيث تشكل مراكزهم الإعلامية موضوعاً إشكالياً مرتبطاً بحزب العدالة والاسلاميين الأتراك لكن سيتمّ تقليص مراكزهم العلنية ليس من أجل إرضاء المعارضة فقط إنما من أجل العلاقات التركية مع بعض البلدان العربية التي ترى في تركيا راعياً لـ «الإسلام السياسي».

المشهد التركي السياسي والإعلامي يتغيّر بشكل متسارع في كلّ البلاد والأيام المقبلة ستشهد بوادر التغيير…

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024