إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا بين اقتراحين أميركي وروسي: أيهما تختار؟

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2019-02-06

إقرأ ايضاً


لا يوحي استمرار القوات التركية في الحشد على الحدود التركية السورية، بأيّ عملية وشيكة او محتملة، مع أنه عادة ما تكون الاستعدادات أهمّ الإشارات لعملية وشيكة، تعتمد تركيا على الاتصالات الدبلوماسية مع كلّ من روسيا والولايات المتحدة الأميركية لكن لم تسفر القمة الأخيرة بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين في موسكو 23 كانون الثاني/ يناير عما يعتبره الرئيس التركي حلاً إيجابياً، كانت لدى تركيا آمال كبيرة، لم يتمكن أردوغان من الحصول على ما يريده. كان من الواضح أنّ موسكو لم تقدّم دعماً مباشراً لمقترحات تركيا بشأن إنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سورية ولا إلى استخدام تركيا للمجال الجوي السوري.

وحدها ا اتفاقية اضنه بين سورية وتركيا لعام 1998 شكلت اقتراح الرئيس الروسي واعتباره انها لا تزال سارية المفعول وتتعامل على وجه الخصوص مع مكافحة الإرهاب، هذا هو المخرج الذي تراه موسكو مناسباً مع تنفيذ اتفاق سوتشي في إدلب.

عاد أردوغان إلى أنقرة بأيد فارغة مع مهمّتين: الأولى، تطبيع العلاقات مع الدولة السورية في أقرب وقت ممكن، والثانية، تحديد أولويات إدلب. بدلاً من شمال شرق سورية.

اما المحادثات مع واشنطن بشأن خريطة الطريق حول منطقة آمنة محتملة فلم تكن أكثر وضوحاً مع زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى أنقرة في بداية كانون الثاني/ يناير ولا بعد زيارة السيناتور الأميركي ليندسي غراهام في 19 منه.

تأتي زيارة الهام أحمد ممثلة الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية قسد التي كانت مدعومة من البنتاغون، الى واشنطن كزيارة أولى يقوم بها أحد قادة «قسد» إلى واشنطن منذ تسجيلهم كمجموعة ضغط في العام الماضي. استطاعت خلالها مع المجموعة المرافقة لها مقابلة الرئيس دونالد ترامب في فندق ترامب الدولي الذي أكد لها انه «يحب الأكراد»، حسب «وول ستريت جورنال». وعدها بأنّ حلفاء الولايات المتحدة «لن يُقتلوا» على يد القوات التركية لكنه في الوقت عينه أشار إلى إنه يحب الأتراك. لم تتراجع واشنطن منذ ولاية أوباما عن حث تركيا على التحالف مع الأكراد لتنفيذ مشروعها.

اجتمعت أحمد مع أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين، وصرّحت بأنها علمت بخبر الانسحاب الأميركي على حين غرة أثناء قيامها برحلة في باريس، وأنها تأسف لقدومها متأخرة. لكن البنتاغون يمضي في الانسحاب من سورية.

تركزت محادثاتها على ضرورة إبطاء الانسحاب الأميركي، ووقف الخطط التركية للسيطرة على منطقة آمنة على الحدود الشمالية لسورية، والتي تراها تكراراً لتوغل 2018 في مدينة عفرين التي كان يسيطر عليها الأكراد. وأوحت بأنّ الأكراد قد يلجأون الى التحالف مع القوات السورية التابعة للنظام كخيار بديل إذا لم يتمكنوا من تأمين ضمانات حماية من الولايات المتحدة.

صدر قرار غير ملزم بزعامة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وبدعم من أكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب جهود الكونغرس، حذر من «الانسحاب المتهوّر من سورية وأفغانستان»، لا شك انّ القرار والاعتراضات ساهمت بتعديل الجدول الزمني للانسحاب لكن لم تلزم الرئيس على التراجع عن قرار الانسحاب فهو قال «لقد حان الوقت الآن للبدء بالعودة إلى الوطن، وبعد سنوات عديدة، لننفق أموالنا بحكمة».

يمكن لفشل المفاوضات بين الولايات المتحدة وتركيا، أن يفتح الطريق أمام صفقة كردية مع النظام، ومع الروس. طلبت الإدارة الأميركية من بعض الدول الاوروبية القيام بدوريات في منطقة عازلة بطول 20 ميلاً على الحدود السورية التركية لكن أيّ من هذه الدول لم يوافق على إرسال قوات. وكان مستشار الأمن القومي جون بولتون قد تحدث مع المسؤولين المصريين في ابريل/ نيسان 2018 حول الالتزام بوجود قوات مصرية في شمال شرق سورية. غير أنه لم يكن لدى القاهرة قدرة على تنفيذ مثل هذه العملية. مع انّ الولايات المتحدة كانت قد قدّمت لها مساعدة مالية.

التقت واشنطن مع أنقرة على منطقة عازلة تصل الى 30 او 40 كلم لكنها صرّحت أنها لن توافق على عمل الأتراك بشكل مستقل بل هي تودّ أن يعمل جنود فرنسيون وبريطانيون بالاشتراك مع الأتراك في دوريات مشتركة. لم تستطع واشنطن وأنقرة الاتفاق بشكل كامل على قيام القوات التركية بدوريات مستقلة في مدن ذات أغلبية كردية مثل كوباني والقامشلي والمالكية وعامودة. كذلك رفضت الولايات المتحدة فكرة قيام القوات التركية بدوريات في مراكز المدن. علاوة على أنها لم تقرّر حتى الآن تسليم تركيا 14 قاعدة أقامتها في شمال سورية ولم تتوصّل إلى إقناع أنقرة بأنها ستقضي على مخاوفها الأمنية.

تدرس واشنطن بجدية تشكيل قوة أمنية تتألف من قوى مرتبطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي الذي ينتمي لعائلة البرزاني والمجلس الوطني الكردي. التي يمكن ان تكون مقبولة من قبل أنقرة وهي بيشمركة روج آفا التي تشكلت في عام 2012 وتدرّبت على يد حلف الناتو والائتلاف المناهض لداعش، وهي تضمّ الآن 6000 مقاتل ومتحالفة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وموجودة في شمال العراق في الوقت الراهن. اتفقت أنقرة وواشنطن على نقل البيشمركة إلى شمال شرق سورية، لكنهما لم يقرّرا بعد مهمة ومهام عمليات هؤلاء المقاتلين. وبالفعل قال مسؤولون في المجلس الوطني الكردي انّ البيشمركة روج آفا سوف يتحرك غرباً عبر الحدود وقد يلعب دوراً في إطلاق حوار بين حزب الاتحاد الديمقراطي وتركيا.

تفاوض تركيا مع الولايات المتحدة مسألة الحكم المحلي الذي اكتسب قوة في شمال سورية تحت إشراف الولايات المتحدة لإعادة البناء السياسي، تخشى الولايات المتحدة تقويض تركيا لهذه التجربة في المنطقة، بعد كلّ الجهود التي بذلتها. كما تشعر بالقلق الشديد من أن تملأ الفراغ السياسي والأمني والاقتصادي الجماعات الموالية لإيران في أعقاب انسحابها من المنطقة.

لكن تركيا تعارض إنشاء منطقة حظر جوي في بعض المناطق الحساسة في شمال شرق سورية، بسبب خبرتها في شمال العراق وتخشى إنْ وافقت على المقترحات الأميركية أن تخلص المنطقة الى اقليم كردي، كما حصل في إقليم كرستان العراق، بينما تعمل واشنطن بجدية على هذا الاقتراح.

تستضيف وزارة الخارجية الأميركية قمة في واشنطن مع وزراء خارجية يمثلون أكثر من 70 دولة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ داعش ما قد يوفر فرصة لمناقشة اقتراح المنطقة العازلة.

الواضح أنّ إمكانية القيام بعملية عسكرية تركية شرق نهر الفرات لا تعتمد فقط على قدرة تركيا العسكرية على الأرض، ولكن أيضاً على الجهود الدبلوماسية التي يتعيّن عليها بذلها لإقناع كلّ من واشنطن وموسكو بخطتها التي تواجه اقتراحات ترى انها لا تناسب طموحاتها لكن يبقى عليها المفاضلة بينها. فهل ستكون تركيا سبباً في ولادة إقليم كردي في سورية إن استجابت للمشروع الأميركي؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024