إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل ستسلّم تركيا المناطق التي حرّرتها من الإرهابيّين إلى الدولة السورية

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2017-10-21

إقرأ ايضاً


تخشى بعض الأوساط السياسية أن تصبح مناطق خفض التصعيد مناطق مستقلّة، إذا لم تنجح مساعي روسيا في إعادة ضمّها لحضن الدولة السورية وأن يتمّ التقسيم. سعت روسيا من جهتها إلى وقف الاقتتال، وهو إنجاز مهمّ يُسجّل لها في محاولتها إيقاف الحرب والبدء بمفاوضات من أجل إقرار الدستور.

هذه المفاوضات سوف تكون شاقّة، ويمكنها أن تشكّل حرباً بوسائل أخرى كما يقول كلوسفيتز. لكن بوجود الضمانات الإقليمية والدولية، سيجلس المتحاربون على طاولة المفاوضات.

يخشى النظام في سورية، الساعي إلى إعادة توحيد أجزاء الدولة السوريّة، من الوقائع في الجنوب السوري وفي منطقة إدلب ومثلّث جرابلس الباب الرأي. حاول النظام التحذير من محاولة تركيا وضع يدها على إدلب والمناطق التي حرّرتها من «داعش»، حيث عملت تركيا على إعادة بناء مثلث جرابلس/ الرأي/ الباب، الذي يبلغ طوله 772 كيلومتراً مربعاً في شمال سورية، وخصّصت أموالاً لإعادة الإعمار وقد استقرّ عدد كبير من العائدين في جرابلس، حيث تقع جهود إعادة البناء وبناء المجتمع. قرّرت أنقرة جعل جرابلس نموذجاً لبقيّة المنطقة، لهذا السبب قامت بتعيين إداريّين من ذوي الخبرة وقادة شرطة ومفتيين كمستشارين، وبرز نشاط البناء المستمرّ، بما في ذلك المستشفيات ودور الأيتام ومراكز الشرطة ومنتزهات الأطفال. أصبح لدى البلدة الكهرباء والمياه الجارية، تمّ إصلاح معظم الطرق في المدينة وحولها، وهناك حوالى 80 مسجداً في المثلث قيد الإنشاء، منها 10 مساجد في جرابلس، مع التركيز على القانون والنظام والشؤون الدينيّة والتعليم. كذلك تولّت قوة الشرطة المحلّية المدرّبة في تركيا على مهام أمنيّة بدعم من فرقة العمليات الخاصة التابعة للدرك التركي، وحظرت حمل الأسلحة في وسط المدينة.

ويخدم الأطباء المرسلون من تركيا في مستشفى جرابلس، وتعمل خدمة الطوارئ الطبيّة المتنقّلة بالفعل في وسط المدينة، كذلك تعمل مديرية الشؤون الدينية التركية في جرابلس بمساعدة منظّمات غير حكومية محلّية تُعرف بأنّها جماعات إسلامية محافظة بتنسيق أنشطة الإغاثة مع أجهزة الأمن والاستخبارات التركية. واكتسبت أعمال التنقيب عن النفط زخماً، إضافة إلى خطة لبناء مصفاة لإنتاج زيت وديزل عالي الجودة في المثلث.

وفي الوقت نفسه، يتقدّم العمل لبناء قواعد عسكريّة دائمة للكتائب العسكرية للجيش التركي في منطقة جبل عقيل في الباب، وفي جنوب جرابلس وفي إعزاز. الهدف هو تدريب الجماعات العسكرية المحلّية على هذه القواعد، وتوطيدها في قوّة عسكرية دائمة. ومن المجالات الأخرى التي تتلقّى مساعدة كبيرة من تركيا التعليم.. وتسعى أنقرة إلى ممارسة سيطرة كاملة على المثلث لأسباب أمنيّة.

أمّا ما يحصل في إدلب اليوم، فهو يشغل بال الدولة السوريّة، إذ إنّها المرة الثالثة التى يدخل فيها الجيش التركي الأراضى السورية فى أقلّ من ثلاث سنوات. في شباط 2015، نقلت مقبرة سليمان شاه، خوفاً من تهديد «داعش»، وفي آب 2016 دخلت تحت مسمّى عملية درع الفرات في مثلث جرابلس – الباب الرأي لضرب «داعش»، استمرّت هذه الحملة سبعة أشهر… وهذه المرة إلى إدلب، وفقاً لاتفاقات أستانة، حيث ستبقى في مهمة محدّدة ستة أشهر. هدف أنقرة من هذا الانتشار هو بناء 14 موقعاً استراتيجياً للمراقبة على امتداد 50 كيلومتراً بين الريحانية في تركيا ومارع بسورية، التي تمّ دمجها بالفعل في إقليم درع عمليّة الفرات. ومن شأن ذلك أن يمكّن أنقرة من إقامة منطقة لخفض التصعيد شمال إدلب، مع السيطرة على المرتفعات الكاشفة للشيخ بركات جنوب عفرين، والتي ستشكّل حزاماً عسكرياً حول عفرين.

دخول سيارات الدعم الحربي الثقيلة إلى سورية، يعني أنّ تركيا تريد أن توسّع نطاق التغطية إلى عفرين، ممّا يجعل منطقة عفرين بأكملها تحت سيطرتها من دون أن تهيمن على المجال الجوي.

أمّا «هيئة تحرير الشام»، فعليها أن تسلّم الأرض للجنود الأتراك طبقاً للمحادثات التي جرت معها من دون اشتباك.

تراقب روسيا المفاوضات التي تقوم بها أنقرة في إدلب. وأسفرت المحادثات مع «هيئة تحرير الشام» على الخيار بين السماح لها بالبقاء في إدلب من دون أسلحتها، على أن يصبح أفرادها من المعتدلين وينضمّوا إلى «الجيش الحرّ» الذي تسيطر عليه أنقرة، أو الدخول في اشتباكات. أولئك الذين يوافقون على الانضمام إلى «الجيش الحر» لن يُسمح لهم مع أسرهم بالبقاء في إدلب، ولكن سيتمّ نقلهم إلى الجيب الذي تمّ تطهيره من قِبل درع الفرات. أمّا أولئك الذين ما زالوا في إدلب ويصرّون على الاحتفاظ بأسلحتهم، فسيُعتبرون عناصر متطرّفة أو إرهابيّين.

ليس هناك تحرّكات عسكرية كبيرة من قِبل روسيا وإيران إلى تلك المنطقة، فهما تنتظران أن تكمل تركيا انتشارها العسكري، وأن تنتهي عملية التفاوض على الأرض. وفي الوقت نفسه، تواصل كلّ من روسيا وسورية الضربات الجوّية ضدّ العناصر المتطرّفة داخل إدلب.

لكن هل ستصعّد أنقرة حملتها العسكرية ضدّ عفرين؟ هي تريد ذلك إنْ وافقت روسيا.

فروسيا لن تسمح لتركيا بفرض سيطرتها الكاملة على عفرين بعد الحصار الذي تفرضه على جنوبها. يمكن لها أن تسمح لأنقرة، من أجل تهدئتها، بنوع من السيطرة جنوب عفرين، لكنّها في الوقت عينه تشجّع المفاوضات بين وحدات حماية الشعب التي تسيطر حالياً على عفرين، وبين النظام السوري لتولّي السيطرة هناك. وضع اليد على إدلب سيساعد أنقرة على إنجاح التجربة في جرابلس، التي كانت قد تحوّلت إلى منطقة تهريب وفساد على كلّ الصُّعد بوجود «داعش».

لكن ما هو هدف أنقرة؟ هل ستسلّم المنطقة يوماً ما إلى النظام في سورية؟ نظراً إلى كمية الأموال التي تستثمرها تركيا في إعادة الإعمار في المثلت، لعلّ هدف تركيا الطويل الأجل هو فرض نفوذها الفعليّ على المنطقة!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024