إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أردوغان يصعّد مع الغرب وتركيا تخسر

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2017-04-29

إقرأ ايضاً


شكّل مشروع دخول تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي رؤية استراتيجية بالنسبة لجميع الإدارات الأميركية الماضية – سواء الديمقراطية منها او الجمهورية – وخاصة منذ أواخر 1980. فلطالما أكدت الولايات المتحدة بأنّ ولاء تركيا للغرب خلال الحرب الباردة يجب أن يكافأ بتكامل أوروبي أعمق، لكن وزارة الخارجية الأميركية لا تتحدّث اليوم عن هذا الموضوع، بل عن أهمية الموقع الاستراتيجي لتركيا بالنسبة للغرب، ليس واضحاً إنْ كان دونالد ترامب مهتمّاً حقاً بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. لكن الأوساط السياسية الأميركية تعلم اليوم علم اليقين، لماذا قال ترامب عن الحلف الأطلسي بأنه فكرة قديمة غير مجدية عندما قام بحملته الانتخابية، فهو بكلّ بساطة لم يكن يعرف الكثير عن الناتو بيد أنه يؤكد اليوم أنّ هذا الحلف يحارب الإرهاب.

يمكن التكهّن بأنّ ترامب لا يعرف واقع علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي، أو لماذا تبتعد عن القيم السياسية الأوروبية. لا سيما أن رغم ابتعاد الخارجية الأميركية عن تهنئة الرئيس التركي بعد استفتاء 16 نيسان، يعتقد الكثيرون في الدوائر السياسية في واشنطن، أنّ حرص ترامب على تهنئة أردوغان على فوزه كان مرتبطاً بجهل مماثل لرؤيته لحلف الأطلسي. فعقب قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بوضع تركيا تحت «المراقبة» بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وسيادة القانون، يستعدّ المشرّعون في البرلمان الأوروبي للضغط على زعماء الاتحاد الأوروبي من أجل تعليق رسمي لمفاوضات الانضمام. هناك إشارات قوية بأنّ قمة حزيران في بروكسل يمكن أن تؤدّي إلى سياسة جديدة في العلاقات بين أنقرة وبروكسل بشكل لا رجعة عنه.

في ظلّ هذه الظروف أصبح دبلوماسيون أوروبيون عديدون، ومنهم مفوض الاتحاد المسؤول عن الاستقطاب، يصرّحون أكثر عن محاولة إدخال منظور جديد للعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

من الواضح أنه يحدّ من طموح تركيا، دخول الاتحاد الأوروبي وطلب العضوية الكاملة. وتتجلى هذه الرؤية الجديدة في العلاقات مع تركيا من خلال اقتراح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الاستفتاء بأن تتمكّن أنقرة من تعليق العلاقات السياسية والإدارية مع الاتحاد الأوروبي والتركيز فقط على الشراكة الاقتصادية. يبدو أنّ نجاح حزب العدالة والتنمية سيتحوّل خسارة لتركيا على صعيد احترام سلطة القانون وفصل السلطات الديمقراطية، حيث سيخضع الأتراك الذين لم يوافقوا على الاستفتاء لسلطة لا يريدونها في ظلّ غياب الضغط الدولي على الداخل التركي.

يبدو أنّ محادثات أردوغان المزمع عقدها مع كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي جان كلود جونكر ودونالد تاسك في أواخر أيار، ستركز فقط على هذه الزاوية العملية جداً للعلاقات. وإذا استمرّ هذا المنظور، فإنه سيؤدّي في نهاية المطاف إلى تمكين تركيا من إسقاط جميع التزاماتها الديمقراطية تجاه المؤسسات الأوروبية. لا سيما أنّ أردوغان وعد مؤيديه أيضاً، قبل الاستفتاء بإعادة العمل بعقوبة الإعدام وهو يعي أنّ طرح الموضوع على البرلمان التركي سوف يأخذ الموافقة حتى طرحه على الاستفتاء، فشعبية أردوغان ستكون مؤيدة لها. عندها سوف تكون لدى الاتحاد الأوروبي أسباب للخفض او الموافقة على قطع العلاقات السياسية مع تركيا. وهكذا يكون أردوغان قد ضرب عصفورين بحجر واحد، حيث سيكون الاتحاد الأوروبي هو مَن يقطع العلاقة مع تركيا، وهو بذلك سيكون بحلّ من المعايير القانونية والديمقراطية الأوروبية التي جعلته يتدرّج في السلطة ليصل الى هذه المكانة.

لا يبدو أن الرئيس ترامب مهتماً إذا توصل القادة الأوروبيون إلى توافق في الآراء لتجميد محادثات الانضمام مع أنقرة، وهو لم يتدخل في الموضوع لغاية اليوم، فالمراقبون للوضع التركي في واشنطن لا يتحدثون سوى عن الأعمال العدوانية التي تقوم بها تركيا في العراق وسورية، فضلاً عن إشارات تراجع الديمقراطية مما يذكّر بقرار إدارة أوباما السابقة فصل الملف التركي عن ملف اليونان الذي كان يعتبر من ضمن ملفات أوروبا وضمّه الى ملفات الشرق الاوسط.

لا يولي ترامب او مستشاروه في البيت الأبيض قدراً كبيراً من الاهتمام لمسار العلاقات التركية الأوروبية. فالدبلوماسيون السابقون الذين كانوا على مدى أكثر من عقد مع الجانب التركي خلال الأزمات العديدة بين بروكسل وأنقرة يميلون الآن إلى الاتفاق مع بروكسل على أنّ تركيا أردوغان يجب أن تدفع ثمن الأحداث الأخيرة.

يمكن لهذه الأزمات مع أوروبا، إلى جانب الغارات الجوية التركية على وحدات حماية الشعب الكردية، والتي استهدفت أيضاً قوات سورية الديمقراطية في شمال سورية أن تتمتع بالقدرة على التأثير سلباً على زيارة أردوغان في 16 و17 أيار لواشنطن. اذ لم يقتصر الأمر على أنها لم تنسّق ضرباتها بشكل كامل مع واشنطن، أو تنسّق داخل دول التحالف، لكنها وضعت الجنود الأميركيين الذين كانوا يعملون في تلك المنطقة في خطر، وأدّت إلى مقتل البيشمركة العراقية، عند ضرب حزب العمال الكردستاني في سنجار. وقالت على لسان الناطق باسم الخارجية إنه عمل، لا يمكن ان تتسامح به الولايات المتحدة.

وفيما استمرّ القصف التركي لوحدات الحماية الكردية في شمال سورية وحشد العسكر في منطقة تل أبيض، وكأنه تهديد بدخول وشيك للجيش التركي الى المناطق، حيث توجد قوات حماية الشعب التي كانت تردّ على قصف الجيش التركي لمناطقها. قالت الإدارة الأميركية إنها تستمرّ في الضغط على تركيا، لأنّ جميع القوى التي تحارب داعش في تلك المنطقة تحتاج إلى التركيز على الهدف الأساسي، وانّ واشنطن تتفهّم مخاوف تركيا بشأن وحدات حماية الشعب لكنها تختلف معها. وأوضحت لتركيا ضرورة التنسيق مع أعضاء التحالف قبل أيّ عمل فردي.

لا يبدو الرئيس التركي في صدد الإنصات إلى اعتراضات الولايات المتحدة وتنديد روسيا، وهو بذلك يرسل رسالة تصعيد إلى ترامب قبل لقائه في 17 أيار، حيث سيلجأ الى عمليات عسكرية محدودة بغية عقد صفقات يحصل من خلالها على دور في عملية الرقة وينقلب على اتفاقات عقدها مع بوتين.

إن كانت واشنطن ساعية لتقوية «الحلف السني» ضدّ إيران في المنطقة من أجل حماية «إسرائيل»، فسيكون أردوغان حتماً جزءاً منه، لكنّه لن يقبل إلا بدور قيادي. فهل يمكن للعرب الرافضين لدور إيران في المنطقة القبول بدور قيادي لتركيا؟ وهل يمكن لمصر أن توافق على هذا الأمر؟ وهل يمكن لأنقرة معاداة إيران فتكون النتيجة خسارة على الصعيدين الأمني والاقتصادي. تبدو العلاقات معقدة في ظلّ عدم وضوح سياسة ترامب في المنطقة والابتعاد عن التنسيق مع موسكو…

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024