إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا تحدّد مصالحها البعيدة عن تمنّيات المبعوث الأميركي إلى سورية

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2018-12-10

إقرأ ايضاً


تميزت العلاقات التركية الأميركية قبل فترة الربيع العربي بـ «الشراكة الاستراتيجية» أو «الشراكة النموذجية» على أساس الشراكة الأمنية المشتركة طويلة الأجل، والأهداف المشتركة في أكثر مناطق العالم اضطراباً، في قضايا مثل العراق وأفغانستان والالتزام بالعمل، وكان الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما قد اشار في العام 2009 إلى أن تركيا الحديثة العلمانية مع سكانها المسلمين ستكون نموذجًا للدول الإسلامية الأخرى.

كانت هذه مجرد أفكار لم يتم تجسيدها في الواقع، إذ تواجه تركيا اليوم واقعاً مختلفاً. ربما تكون العلاقات التركية الأميركية عند أدنى مستوى لها، لأنه لا يوجد الكثير من الأمل في التعافي قريباً. هناك خلافات كبيرة وحتى نزاع وجودي بين الجانبين. سياسة الولايات المتحدة الكردية في العراق وسورية أبعدت تركيا عن واشنطن. يُعتبر المبعوث الأميركي الى سورية والذي كان في الماضي سفيراً لبلاده في تركيا جميس جيفري انه لا بد من التوفيق بين المصالح الأميركية وحلفائها الأكراد في تركيا وسورية، مع تذكير تركيا بشكل خاص بأن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يقدّم الدعم المادي لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا وأنه قبل سنوات قليلة، عملت تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي بشكل جيد في تسهيل العمليات العسكرية ضد داعش في كوباني، مباشرة على الحدود التركية، وأن زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي في ذلك الوقت صالح مسلم كان ضيفًا رسميًا مرحباً به من الحكومة التركية. وان هذا الوفاق الهش وقع ضحية انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار بين حزب العمال الكردستاني التركي ومحادثات السلام في وقت لاحق من العام 2015 الأمر الذي جعل الدعم العسكري الأميركي لحزب الاتحاد الديمقراطي مثيراً للتوتر في العلاقات مع تركيا. ويرى المبعوث الاميركي ان الخطوة التالية يجب أن تكون إنشاء قنوات مباشرة للمناقشات بين حزب الاتحاد الديمقراطي التركي وتركيا، وبين حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية وما تبقى من القوى الموجودة، أي المعارضة العربية السورية المعتدلة التي ما زالت تركيا تدعمها.

كان جيمس جيفري صريحاً عندما طالب تركيا «بإنهاء استانا» في الوقت الذي تعول فيه تركيا على هذا الاتفاق مع روسيا وإيران وهي ترى أن العمليتين العسكريتين الناجحتين في سورية كانتا بسبب اتفاق استانا، ودعم الاتحاد الروسي. وهما عملية «درع الفرات» التي تعتبر تركيا أنها مكّنت أميركا من النجاح في الرقة، كذلك عملية عفرين ترى تركيا ان صناع القرار في الولايات المتحدة بعيدين عن فهم الوقائع في تركيا ولا يعطون أهمية لموقعها الجيوسياسي الذي تمتعت به في النصف الثاني من الأربعينات حيث كانت خطاً دفاعياً قوياً ضد السوفيات. ويعتبر المحللون ان تركيا لا زالت مهمة اليوم للتوازن مع الاتحاد الروسي. إن أي قراءة لعقيدة البحرية الروسية، والبناء الروسي في البحر الأسود، وفي شرق البحر المتوسط وأنشطتها العسكرية حول ترانس دنيستر، يحتم تحالفاً أميركياً تركياً استراتيجياً، لكن الولايات المتحدة باتت تعطي الأولوية لأنشطتها التكتيكية والإنجازات في الشرق الأوسط.

وأكد وزير الخارجية التركي ان وقف إطلاق النار في سورية لا يزال قائماً، على الرغم من الانتهاكات، كذلك الحديث عن عملية سياسية ومناقشة اللجنة الدستورية تم تحقيقهما بفضل عملية أستانا ومحادثات سوتشي. عملية أستانا قد استجابت لقلق تركيا الأمني أما توقعات جيفري بضرورة انهاء العملية تثبت أن الولايات المتحدة لا تفهم ماهية موقف تركيا والجمهور التركي، الذي يرى حزب العمال الكردستاني وفروعه في العراق وسورية وإيران عدواً. لا يبدو أن اي توافق بين تركيا ووحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني يمكن أن يكون أكثر من مجرد وهم أميركي. كذلك لا يبدو من الممكن إحياء المحادثات أو إقناع مسؤولي الدولة والجمهور بذلك في المدى المنظور فحزب الحركة القومية الذي تحالف مع حزب العدالة والتنمية ساهم بإنجاح الحزب في تشرين الثاني 2015 بعد خسارته إمكانية تأليف حكومة منفرداً، كذلك وقف معه بعد محاولة الانقلاب وحمل الجيش الكمالي العلماني على دعم أردوغان في عملية التطهير في الجيش التي قام ولا يزال يقوم بها كذلك ساهم هذا التحالف في إنجاح عملية الاستفتاء على الدستور الرئاسي وفي الانتخابات النيابية عام 2017. كما ان الرئيس التركي يعي تماماً أن تحالفه مع الحركة القومية مشروط بإقفال إمكانية اي محادثات مع حزب العمال الكردستاني وغيره من التشكيلات الكردية. يعي الرئيس التركي ان مصلحته اليوم وهو على ابواب الانتخابات المحلية تقتضي بالوقوف في وجه اي محادثات تقترحها الولايات المتحدة مع أي فصيل كردي ما عدا الإسلاميين منهم.

اما التهديد الأمني الآخر لتركيا فمصدره جماعة غولن، حيث يعتقد جزء كبير من الجمهور التركي أنه مسؤول عن المشاكل الحالية. وأن صدمة 15 يوليو كانت أعمق بكثير مما تعتقده الحكومات الغربية لا سيما أن حزب العدالة والتنمية تمكن من إعادة نسج العلاقة مع الكماليين العلمانيين وتمكن من إحلال جماعة العدالة والتنمية مكان الغولينيين في القضاء وقوى الأمن والشرطة والجيش وفي الوظائف الرسمية، ولا زال يفعل. فمن مصلحته ضرب صورة غولن والمطالبة باعتقاله. وهذا ما يفسر زيارة هاكان فيدان الى كندا بعد ان علمت تركيا انه يمكنه اللجوء اليها بعد مغادرة الولايات المتحدة التي باتت محرجة في علاقتها مع تركيا.

تبحث تركيا عن أصدقاء ضد هذه التهديدات التي تعتبرها وجودية لأنها تشعر أنها وحدها لا يمكنها مجابهتها فمحادثات أستانا / سوتشي بين تركيا وإيران وروسيا استجابت لمشاكل تركيا الأمنية على عكس الغرب الذي يواصل دعم من تعتبرهم اعداءها.

تقع تركيا على نقطة تقاطع ثلاث استراتيجيات جيوسياسية متنافسة. جهود الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها كقوة عالمية مهيمنة، والأوروآسيوية الروسية والصينية استراتيجية واحدة حزام الطريق واحد. تركيا سوف تحدد قرارها، أيٌّ من هذه الاستراتيجيات سوف تسود. ان تركت حلف الناتو سيكون نصراً لروسيا التي ستكون يدها قوية في البحر الاسود. إذا كانت تركيا تقترب من مشروع طريق الحرير الصيني الحديث سيكون أكثر فائدة لها، وستحمل التأثير الصيني إلى شواطئ أوروبا. وهي أكبر خسارة استراتيجية للولايات المتحدة منذ 40 عامًا في الشرق الأوسط بعد الثورة الإسلامية في إيران.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024