إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لبنان والخارج: طبخة قديمة بنكهة جديدة

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2013-09-30

إقرأ ايضاً


التفاهمات التي حصلت في أروقة الأمم المتحدة عكست الواقع الميداني في سورية وبالتالي خرجت بقرارات أشبه بمفاوضات طويلة الأجل لإنهاء حرب باردة غير مُعترف بها على المستوى الرسمي.

التفاهمات كانت على هوامش عمل وليست على نقاط محدّدة كما جرت العادة في السنوات السابقة حينما كانت الولايات المتحدة الأميركية هي اللاعب الوحيد على المسرح العالمي. فالجلسة الأخيرة للأمم المتحدة ومن ثم اجتماع مجلس الأمن الأخير انعقدا على وقع احتفالية كبيرة دشّنت النظام العالمي الجديد متعدّد الأقطاب وإن لم يحجز الجميع مقاعدهم خصوصاً ذوو صفة التقرير في المقاعد الأمامية. بانتظار حسم الأمور وتضييق الرقع الرمادية المتبقيّة.

لا تزال هناك ضبابية تسيطر على حدود مجالات المدى الحيوي لكل من الدول العظمى هذه الحدود المسماة مجازاً خطوط الأمن القومي أو بكلمة أخرى خطوط المصالح القومية المدعومة بالسياسة والقوة العسكرية لكلّ منها. فالساحة العالمية كبيرة والمنتوج وفير بعد اكتشاف مواطن جديدة للنفط والغاز الطبيعي واتساع رقع البيع للسلع والمنتجات خصوصاً المعدات والأعتدة العسكرية والتكنولوجيات الحديثة وربما الأفكار الجديدة.

هذه الهوامش وبانتظار الحسم النهائي في سورية سمحت للولايات المتحدة الأميركية بإعادة إنتاج معزوفة الحياد اللبناني المعروفة سابقاً بمقولة «قوة لبنان في ضعفه» التي كانت سائدة في مراحل ما قبل الحرب الأهلية ولكن بتوزيع جديد.

أفرزت المراحل السابقة ظاهرة انتخاب رئيس جمهورية بالتوافق الدولي والمحلي الذي لا يرتكز عادة على قوة شعبية خاصّة ما يجعله عرضة للتماشي مع القوة الفاعلة وغالباً ما يبحث عن منافذ تشكّل غطاء لأعماله أو قراراته أو خياراته دونه الحرية في التهديد بما يملك من قدرة ذاتية لانتفائها عملياً. لا بل أكثر من ذلك فقد جُرّد من صلاحيات دستورية نتيجة اتفاق الطائف.

يبدو أن المرحلة الحالية تتجه لانسحاب هذه الظاهرة على موقع رئاسة الوزراء الذي عادة يأتي بتوافق دولي ـ إقليمي. فرئيس الوزراء الذي لا يتمتع بالحيثية الشعبية اللازمة سيكون مصيره مصير رئيس الجمهورية وبذلك يخضع للتوازن الداخلي والإملاءات الخارجية. وهو لا يتمتع بصلاحيات اتخاذ القرار كون مجلس الوزراء مجتمعاً هو صاحب الصلاحية.

ويبدو أيضاً أن المرحلة المقبلة ستشهد ولادة رئيس مجلس نواب قد يكون نتاج تفاهمات إقليمية وربما دولية لا تعكس واقع التمثيل الشعبي ويصبح كما أقرانه في الموقعين السابقين مرتكزاً على الدعم الخارجي أكثر من الرافعة الداخلية وبالتالي سيصبح ممثلاً لمصالح هذا الخارج.

باستكمال الحلقة الثالثة نكون قد وصلنا إلى الاستلاب الكامل لقدرتنا في التشريع كما التنفيذ والتخطيط لبناء ما يسمى وطن.

أما الجيش وهو العمود الفقري لهذا الوطن وقوته نتاج المؤسسات الكبرى فيظهر أنه قد قطع شوطاً كبيراً في هذا المضمار. إذ اقتصرت خيارات تسليحه ودعمه على الدعم الأميركي المقنّن كميّة ونوعاً فثمانية ملايين دولار قيمة المساعدات التي حصل عليها أخيراً هي عبارة عن أقلّ ثمن لدبابة واحدة حديثة أو مدفع واحد حديث بل ستكون المساعدات أشبه بعتاد غير قتالي أو قتالي خفيف يُستخدم في الصراعات الداخلية.

إن استراتيجية الدولة وليست الاستراتيجية العسكرية فقط هي حاصل الذاكرة الجمعية للشعب. وهذه الذاكرة والمعتقدات المتجذّرة هي من يحدّد العدو والصديق والاستراتيجية تنطلق أولاً وأخيراً من مصلحة الشعب وفعاليته في مجرى التاريخ لا تقرّرها طاولات الحوار ولا تملك أي سلطة أو فرد أو حتى جيل حقّ تغييرها أو إلغائها واستبدالها.

لبنان في الحياد يعني لبنان لا طعم ولا لون ولا رائحة.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024