إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الضمير المستتر

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2013-12-23

إقرأ ايضاً


تستمد قواعد اللغة وجودها وترتبط من حيث المبدأ بقواعد السلوك وتدلّ عليها دلالة واضحة. وهي بالتالي نظام شكل يعبّر افتراضياً عن نظام مضمون السلوك بحالاته المتنوعة. والضمير بهذا السياق مفهوم له دلالة واضحة وليست مضمرة لانتظام الافراد والجماعات في هيكلية متسقة تفيد الخير العام والحق العام والجمال العام وتقونن الحقوق والواجبات وتتعدى ذلك في احيان كثيرة الى غيرية على المستوى الانساني. على هذا الاساس تماهى مفهوم الضمير مع الوجدان والناموس وغيرها من المفاهيم الاجتماعية الايجابية وأصبح ضامناً أو بالاحرى بات الضمانة الوحيدة لاستمرار القيم العليا المطلقة والقيم الاجتماعية النسبية.

غير أن الضمير رغم وضوح أهدافه يبقى مستتراً كونه متعلقاً بالنوايا ولا يمكن الحكم على صحته إلا بعد ترجمته الى أفعال ملموسة وأفعال محسوسة وهذا ما نصبو الى تبيانه.

طبعاً ليست هذه المقدمة رؤية مغايرة في اللغة أو الاخلاق ولا تدعي التبحر والبحث المعمّق في ذلك إنما هي بعض مما تعلّمنا ومما نحس ونشعر به وبعض من إيماننا بأن الوصول الى تحقيق الغايات الكبرى تستلزم تحلينا بالضمير الحي والاخلاق بموازاة فهمنا لقضايانا العظيمة.

بل ما جعلني أطرح هذا الموضوع هو الملاحظة المباشرة لتفكك منظومة القيم الاجتماعية على جميع المستويات من خلال السلوك الفردي والعام وتأثير هذا السلوك على المنطق المتداول في السياسة والاجتماع والاقتصاد. بل انهيار الموروث القيمي الذي كان أساساً متيناً في تربيتنا.

قد تكون الاشارات الصريحة المتأتية من الفساد المعمم على أعلى درجات سلم الدولة ليست أكثر من انعكاس واقعي لفساد الرافعة الشعبية التي تنتج السلطة و تقوم بشكل دائم على تبرير تصرفاتها الأنانية والفئوية واختلاساتها وسرقاتها الموصوفة انطلاقاً من دوافعها الغرائزية وروابطها الطائفية والمذهبية والمناطقية واستناداً لمنطقها القائم على المصالح المتبادلة في الخدمات العامة والخاصة.

الحق يقال بأن التمثيل السياسي في الكيان اللبناني هو تمثيل صحيح بغض النظر عن القرقعات الموسمية التي تقام حول هذا الموضوع بل ربما هذا الضجيج هو جزء من المناورات لتحصيل ما يمكن تحصيله لصالح الجماعات المتصارعة على الفتات. التمثيل صحيح إذا أخذنا في الاعتبار مقولة « كما أنتم يوّلى عليكم». إذ إن الفساد مستشرٍ من القاعدة الى قمة الهرم قائلين مع مظفر النواب» يا أولاد.......لا أستثني منكم احدا».

الضمير غائب عند البعض ومغيّب عند البعض الآخر بفعل الاحقاد المضمرة والنوايا المستترة. الضمير مسحوق عند البعض ومدّمر عند البعض الآخر لطغيان الجشع والأنانية في السلوك والتصرف. الضمير مأسور في قواعد اللغة غير المعبّرة عن مضمونها. الضمير محكوم عليه بالإعدام لانعتاقه من الضوابط الأخلاقية.

الضمير خارج التداول الفردي والجماعي لأنه خارج نطاق الحس الوطني والقومي والإنساني.

اللبناني تاجر ماهر هكذا يقال وهو كذلك. تاجر بكل شيء ونجح. حوّل الضمير سلعة تشرى وتباع وحول المبادىء إلى صناعة مزدهرة وحوّل الوطن الى «كرخانة « عامرة وحوّل القيم الى خدمات في سوق النخاسة وحوّل الحالات الانسانية الى بازار ومزايدة في الاستجداء.

قد يقول قائل انّي جرت وتجنّيت على هذا الشعب. وانا اقول من عنده غير هذا فليقدم الدليل. إنها صرخة حقيقية قد تبقى في هذا الوادي. ولكنها صرخة لمن « له أذنان فليسمع « ومن له ضمير صدأ مع الايام فليعمل على تلميعه.

نحن شعب قتل ضميره واستراح.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024